عرق النسا في كتاب

الحاوي للرازي

يقول الرازي : الوجع إذا كان في المفاصل سمي وجع المفاصل هو بعينه وإذا كان في الورك سمي عرق النسا وإذا كان في القدمين سمي نقرسا .

قال : النقرس إنما يبتدئ من مفصل واحدا فإذا عتق وطال مكثه انتشر في المفاصل كلها .. وقال : هذه العلل تكون من أفراط الكيموس* على المفصل إذا امتلأ عرض له أن يتمدد ويوجع وكثيرا ما يكون ذلك الخلط دمويا وأما في الأكثر فيكون بلغميا أو مختلطا من بلغم وصفراء . وعلى التحقيق إنما يكون من جنس الخام الغليظ الشبيه بالمدة فإذا طال مكثه يزيد غلظه وربما تحجر .

 

قال : ويعرف الخلط الغالب على المفاصل من لون المفصل على أهون رسل . وإذا كانت المادة من جنس المرة فإنه يحدث للمريض حرارة كثيرة وتقلقه الأدوية الحارة ويستريح إلى الأدوية الباردة . وانظر في تدبير العليلي إلا في خلط يوجب أن يتولد وإن كان قد ترك الرياضة وأدمن دخول الحمام بعد الشبع وانظر في السن والعادة والمزاج والوقت فابتدئ أولا باستفراغ الكيموس الغالب وإن كان الجسم ممتلئا فأفصده أولا ثم أسهل ثم عالج اليدين والرجلين منذ أول مرة بالمانعة بعد الإسهال .. فأما الورك فلا لأنه يندفع الفضل كله إلى حق الورك فعالجه إذاً في الابتداء بما يسكن الوجع من القليلة الإرخاء ولا تبذر أصلا ولا تقصد إلى أدوية تسخن أسخانا قويا كالتي تحتاج إليها في آخر الأمر فإن هذه تبلغ من أمرها أن تزيد في التحلب .

 

عرق النسا : علامات وجع عرق النسا قال : يعرض لصاحبه وجع في الورك وتفل وإبطاء في الحركة ومجسته ضعيفة صغيرة كثيفة جدا . وربما عرضت له الحمى فلا يقدر أن ينقلب على جانبه وربما بلغ الوجع من الورك إلى الركبة وربما بلغ إلى الكعب وربما لم ينزل من حد الأربية وإذا طال هذا السقم هزل هذا العضو هزالا شديدا بوجع وألم شديد وينطلق البطن ويجد إذا غمز راحة كثيرة ويشتد عليه المشي في أول علته فإذا أزمنت قل توجعه له . ومنهم من يمشي على أطراف أصابعه ويمد صلبه ولا يقدر أن يركب ومنهم من ( ألف ج ) يركب ويمشي متكئا و لا يقدر أن يسوي قامته . قال : وهذا يكون في عضلات الفخذ والصلب والأربية.

قال : ويعرض أعراض تشبه هذه للنساء من قبل الأرحام ويميز ذلك في بابه ... لى إذا كان الوجع يعرض من الورك إلى القدم كالقضيب الممدود فإنه امتلاء عرق الورك من الدم وشفاؤه استفراغ ذلك الدم فأما الأوجاع التي عرضها أكثر من طولها فإنها من أخلاط غليظة بلغمية وأما الأوجاع التي تحوج إلى الانحناء فإنها تكون من ورم جاس وعلاجها التليين والتحليل . وأما التي تكون مع شدة انتصاب الظهر وامتداده فإنما هي في العضلات التي فوق ولذلك لا يقدر العليل أن ينصب ظهره من اجل الوجع .

 

سبب عرق النسا : يكون من كثرة الدم وإذا كان ذلك كذلك فعلاجه سهل : فصد العرق الذي تحت منثنى الركبة أو العرق الذي إلى جانب الكعب . قال : وأعظم الأشياء ضررا ترك الفصد ووضع الأدوية الحارة على الورك والجسم ممتلئ مما يزيد بالانجذاب إليه وينعقد فيه شيء كثير فأبدأ أولا بالفصد والاستفراغ بالإسهال مرات ثم ضع الأدوية الحارة .

استفرغ الذي تريد فصده وأفصد أولا من الباسليق والذي تريد وضع الأدوية عليه بالقيء الدائم وقلة الغذاء أولا والإسهال أيضا فيما بين كل مرتين القيء والحقن ثم أطله بالخردل بعد أن تعلم أنه ليس في البدن شيء يمكن أن ينجذب ولا تستعمل المسخنة والأدوية الحارة في الوقت الذي يكون قد رسخت الأخلاط .. وأما قبل ذلك فلا لأنك أما أن تجذب وإما أن تجفف ما في الورك بالأدوية القوية التجفيف فيصير الباقي حجريا .

 

قال حنين : العروق على هذا إلا أن التجربة تشهد أن صاحب عرق النسا ينتفع بفصد عرق النسا نفعا عظيما ولا ينتفع بفصد الصافن إلا نفعا قليلا.

 

لى تدبر تدبير الورم الغليظ وعلاج الورك بالأدوية الحارة قبل استفراغ الجسم تجعل العلة عسرة البرء عظيمة أما عظمتها فلكثرة ما ينجذب وأما عسرة فلأنه يزيدها أيضا غلظا ولزوجة لأنها تجتذب منها دائما لطيفها وتحلله ولأن استفراغ البدن في هذه الحالة عظيم النفع فلا تبدأ بشيء غيره ولا تقتصر على الفصد من الرجل بل من اليد قبل والقيء أيضا نافع لعلاج عرق النسا أكثر من الإسهال فاستعمله أولا بعد الطعام ثم بعد ذلك بالأدوية المنقية فإن لحجت بالورك إخلاط غليظة عسرة فذلك الوقت هو الوقت الذي يجب أن تستعمل فيه المحجمة ويعظم نفعها جدا وحينئذ تنفع الحقن القوية التي يقع فيها شحم الحنظل وتمشى الدم لأن هذه تقلع المادة من مكانها . وأما المراهم التي تصلح لاجتذاب ما في الورك فقوية حارة رأيت أوجاعها تهيج في الفخذ والساق مع حرارة في لمس هذه المواضع ويصيب الناقهين كثيرا .

وينفع من الذي من داخل فصد الصافن ومن الذي من خارج فصد النسا وقد ذكر جالينوس : أنه لا يجيء إلى الرجل عرقان كما يجيء إلى اليد وأن القسمة تكون عند الركبة ولكن التجربة تشهد لما قلت .

 

شمعون قال في عرق النسا : توضع المحاجم على الموضع الذي ينجع . قال : وهو اتساع هذا العرق وامتلاؤه من الدم المراري متى كان دم الجسم مراريا وأما من بلغم قال : فإن لم يسكن الوجع فاكوه وكيه ان تكويه كية على الورك حيث يحس بالوجع وفي الفخذين حيث يحس بالوجع ذاهبا مع ذهاب الوجع وفي الساق كية حيث يحس بالوجع في الجانب الوحشي * وكية تحت الكعب وكية دقيقة عميقة في رأس الأصبع الصغرى فانه يبرأ . فان لم يسكن واشتد الأمر فشق عنه وعلقه بصنارة واقطعه بترا واكوه حتى ينقطع اكثره فانه يبطل وجعه وإذا كويت فلا تلحمه بل ضع عليه ادوية مقرحة لتبقى آثار الكي مدة طويلة .

 

قال : عرق النسا افصده اولا بين خنصر الرجل والبنصر واسقه نقيع البر ودهن الخروع ثم خذ في المياه والحمات المحللة فان سكن وإلا فالحقن فان سكن وإلا فالقيء . لى يرى أن الفصد نافع على كل حال لأن ذلك العرق يقل امتلاؤه من أي خلط كان امتلأ .

 

عرق النسا قال : يعسر علاجه إذا عرض في الشتاء وفي الأمزجة الرطبة اللحمة وفي الورك الأيسر .. قال : ولا تضمد بالأضمدة الحارة قبل استفراغ الجسم وإلا جذبت إليه.

 

الكمال : متى وجد في عرق النسا اشتعال وحرارة وامتلاء العروق فليفصد وإلا فلا وليعالج بالإسهال والقيء . لى لأن هذه الأغذية تكثر منها فضول غير مستحيلة إلى الدم فتكون مادة إلى الفضل الذي تدفعه الأعضاء .

 

جورجس قال : افصد في هذا الوجع العرق الذي عند إصبع الرجل الصغرى وأخرج الدم عشية أيضا فإن لم يقلع ذلك فافصده عرق النسا ومن كان يتعاهد هذا الوجع فلا شيء أصلح له من الكي واحدة على الورك ثم أخرى على الفخذ ثم على الساق .

 

إذا تولدت العلة في المفاصل فليس في رجوع المفاصل إلى حالها الطبيعية حينئذ مطمع . لى لم يذكر جالينوس فصد عرق النسا البتة إنما قال : أفصد مابض الركبة أو الصافن لعرق النسا ولا كتابة في الفصد ذكر عرق النسا البتة على أنه قد ذكر هذه العلة وقال : قد أبرأت منها بفصد مابض الركبة .

قال: أصحاب عرق النسا ينتفعون بفصد مابض الركبة أكثر وأبلغ منه بالصافن .

 

الفصد : عرق النسا متى امتلأ دما اشتد ضربانه على صاحبه قال إذا امتلأ عرق النسا دما ضغط العصب التي إلى جانبه فلذلك يوجع شديدا قال : فإن أردت أن يذهب الوجع البتة فاكوه موضع الفصد فإنه ملاكه .

 

لى الأشياء التي تدر البول الغليظ والبول الدموي تستأصل وجع الورك على ما رأيت في كتاب جالينوس .

 

والحقن في عرق النسا خير من الإسهال ونفعها لما دون الركبتين قليل . حنين في كتاب الفصول قال : إن جالينوس يقلل الفرق في العروق التي في الرجل بين التي في الجانب الوحشي وهو عرق النسا و الذي في الجانب الأنسى وهو الصافن لأن في التشريح : كما يخرجان جميعا من العرق الذي في مابض الركبة ... إلا أنّا نرى بالتجربة أن فصد عرق النسا ينفع صاحب وجع النسا نفعا عظيما وفصد الصافن لا ينفعه كثير نفع من كان به وجع النسا فكان وركه تنخلع ثم تعود فإنه قد حدثت فيه رطوبة مخاطية قال كثيرا ما يجتمع في المفاصل رطوبات مخاطية فتبتل به رباطات المفصل فتسترخي ويخرج العظم لذلك من النقرة المركبة فيها بسهولة فترجع إليها بسهولة وليس يعني بانخلاع الورك نفس الورك بل عظم الفخذ المركب فيه من اعتراه وجع في الورك مزمن وكان وركه تنخلع فإن رجله كلها تضمر وتعرج إن لم تبرأ .

 

جورجس قال : يحقن لعرق النسا بطبيخ الخفافيش ويكوى على الظهر تحت الكلى كيتين وعلى كل فخذ كية وعلى الساق بالطول كية و على الركبة في جانب العرقوب وعلى أربع أصابع الرجلين الصغار.

* الـكَـيْـمُـوسْ:كيموس: Humors الأخلاط. لفظة يونانيّة تعني قرب الغذاء من تفصيل الخلط في الكبد قبل توزيعهِ على الأعضاء، فهو الخلاصة الغذائية وهي مادة لبنية بيضاء صالحة للامتصاص  ...و هو المادة والخلط الذي يتولد في البدن ، يقال هذا الطعام يولد كيموساً ... فإن كانَ خلطاً محموداً فهو يُغذي الأعضاء ويُنمّيها ويصير جُزءاً من جوهرها، وإن كانَ خلطاً رديئاً فهو لا يُغذي الأعضاء ولا يُنمّيها ولا يصير جُزءاً من جوهرها بل يكون المُسبّبُ لمرضها.

 

* الوَحْشِيّ : ما وَلِيَ الكَتِفَ

والإِنْسِيُّ : ما وَلِيَ الإِبِطَ

والجانب الوحشي من البدن : الجانب الذي لا يقابله شيء من البدن...فالجانب الوحشي من الوجه هو مما يلي الأذن وليس مما يلي الأنف ..وضده: الإنسي... وقال الأصمعي: كل اثنين من الإنسان - مثل الساعدين والزَّندين وناحيتي القدم - فما أقبل على الإنسان منهما فهو إنسيٌّ، وما أدبر عنه فهو وحشي. فلدلالة على المنطقة الأنسية تستخدم الصفة medial وتعني أيضا متوسط ، وللدلالة على الناحية الوحشية تستخدم الصفة Lateral وتعني أيضا جانب أو جانبي .

 

التعريف بعرق النسا وأنواعه
علاج عرق النسا بالفصد
علاج عرق النسا في الطب القديم بالكي
علاج عرق النسا بالكي وبالصور نقلا عن منتدى الخيمة العمانية
عرق النسا في التراث الطبي الإسلامي
أوجاع المفاصل للرازي التراث الطبي الإسلامي
علاج عرق النسا في كتاب الحاوي للرازي
علاج عرق النسا بالشد
علاج عرق النسا بالطب الحديث
   
في حالة نسخ أي صفحة من صفحات هذا الموقع الرجاء ذكر المصدر على النحو التالي
نقلا عن موقع الطب الشعبي