ALBUCASIS
التصريف
لمن عجز عن التأليف
المقالة الثلاثون " باب الكي "
أبو
القاسم خلف بن عباس الزهراوي
ولد عام 936 - 1013 ميلادي في مدينة الزهراء شمال قرطبة وقد عرف الزهراوي في الغرب باسم
"
Albucasis
" تحريفا للقبه وهو ابو القاسم ، وهو ثالث الثلاثة النوابغ من الأطباء العرب وهم
الرازي وابن
سينا والزهراوي .
من أشهر كتبه
التصريف لمن عجز عن التأليف
، كتاب في الطب والممارسة الطبية ، يتكون الكتاب من ثلاثين مقالة أو فصلا ، كل منها
تغطي تخصصا من تخصصات الطب، ختمها الزهراوي بالمقالة
الثلاثين في الجراحة.
يذكر الزهراوي في مقدمة كتابه أن صناعة الطب قد تدهورت في زمنه وأنه كتب هذ الكتاب
ليجمع فيه العلوم الطبية لمن عجز عن جمعها بنفسه ، كما يتضح من اسم الكتاب.
كان
العلاج بالكي من الطرق الشائعة في الأزمنة القديمة وقد استخدمه الإغريق على نطاق
واسع تطبيقا لنظريتهم في الأخلاط والأمزجة، وجاء العرب فطوروا آلاته واستخدموه في
علاج كثير من الأمراض، وقد كان من الصعب العثور على تفسير نظري لنجاح هذه الطريقة
في تخفيف الآلام .
والكي من الأساليب العلاجية التي لا غنى عنها اليوم في كافة التخصصات الجراحية وإن
كنا بالطبع نستخدم آلات معقدة لتحقيق ذلك، ورغم أن الزهراوي
يخصص لهذا الباب ستة وخمسين فصلأ، فسوف نقتصر على إيراد أمثلة قليلة مما احتواه هذا
الباب.
الباب الأول في الكي
قال واضع هذا الكتاب: لما أكملت لكم يا بَنيّ هذا الكتاب الذي هو جزء العلم في الطب بكماله، وبلغت الغاية فيه من وضوحه وبيانه، فرأيت أن أكمله لكم بهذه المقالة، التي هي جزء العمل باليد، لأن العمل باليد مُحسِنه في بلدنا وفي زماننا معدوم البتّة، حتى كاد أن يدرس"يمحى" علمه وينقطع أثره ، وإنما بقي منه رسوم يسيرة من كتب الأوائل، قد صحّفته الأيدي، وواقعه الخطأ والتشويش ، حتى استغلقت معانيه، وبعدت فائدته، فرأيت أن أُحييَه، وأؤلف فيه هذه المقالة، على طريق الشرح والبيان والاختصار، وأن آتي بصور حدايد الكي، وسائر آلات العمل باليد ، إذ هو من زيادة البيان ، ومن وكيد ما يُحتاج إليه، والسبب الذي له لا يوجد صانعاً محسناً بيده في زماننا هذا، لأن صناعة الطب طويلة، وينبغي لصاحبها أن يرتاض قبل ذلك في علم التشريح، الذي وضعه جالينوس ، حتى يقف على منافع الأعضاء، وهيآتها ومزاجاتها واتصالها وانفصالها ، ومعرفة العظام والأعصاب والعضلات، وعددها ومخارجها، والعروق النوابض والسواكن، ومعرفة مخارجها ، ولذلك قال أبقراط : إن الأطباء بالاسم كثير، وبالفعل قليل، ولاسيما في صناعة اليد.
العروق الضوارب: الشرايين
العروق الساكنة : الأوردة
وقبل أن نذكر العمل به ، ينبغي أن نذكر كيفية منافعه ومضارّه، وفي أي مزاج يستعمل، فأقول: إن الكلامَ في كيفية منفعة الكيّ ومضارِّه، كلامٌ طويلٌ، وعلم دقيقٌ، وسرٌ خفي، وقد تكلم فيه جماعة من الحكماء، واختلفوا فيه، وقد اختصرت من كلامهم اليسير، مخافة التطويل، فأقول: إن الكي ينفع بالجملة لكل مزاج، يكون مع مادة وبغير مادة، حاشا مزاجين؛ وهما المزاج الحار من غير مادة، والمزاج اليابس من غير مادة، فأما المزاج الحار اليابس مع مادة ، فقد اختلفوا فيه؛ فقال بعضهم إن الكي نافع فيه ، وقال بعضهم بضد ذلك أن الكي لا يصلح في مرض يكون من الحرارة واليبوسة، لأن طبع النار الحرارة واليبوسة، ومن المحال أن يُستشفى من مرض حار يابس بدواء حار يابس ، وقال الذي يقول بضد ذلك: إن الكيّ بالنار قد ينتفع به في مرض حارٍّ يابس يحدث في أبدان الناس، لأنك متى أضفت بدن الإنسان ورطوبته إلى مزاج النار، أصبت بدن الإنسان بارداً، وأنا أقول بقوله، لأن التجربة قد كشفت لي ذلك مرات، إلا أنه لا ينبغي أن يتصور على ذلك إلا من قد ارتاض ودرِّب في باب الكي دربة بالغة، ووقف على اختلاف مزاجات الناس، وحال الأمراض في أنفسها وأسبابها وأعراضها، ومدة زمانها ، وأما سائر الأمزجة فلا خوف عليك منها، ولا سيما الأمراض الباردة الرطبة، فقد اتفق جميع الأطباء عليها، ولم يختلفوا في النفع بالكي فيها.
واعلموا يا بَنِيَّ أن من سر التعالج بالكي بالنار، وفضله على الكي بالدواء المحرق
، لأن النار جوهر مفرد لا يتعدى فعله
العضو الذي كوي،
ولا يضر بعضو آخر متصل به، إلا ضرراً يسيراً، والكي بالدواء المحرق، قد يتعدى فعله
إلى ما بعد من الأعضاء، وربما أحدث في العضو مرضاً يعسر برؤه ، وربما قتل، والنار
لشرفها وكرم جوهرها لا تفعل ذلك، إلا إن أفرطت. وقد اتضح لنا ذلك بالتجربة، لطول
الخدمة والعناية بالصناعة والوقوف على حقائق الأمور، ولهذا
استغنيت عن طول، ولولا أنه لا يليق بكتابي هذا لأوردت عليكم سراً في النار غامضاً،
وكيفية فعلها في الأجسام، ونفيها للأمراض، بكلام فلسفي برهاني يدِقّ عن إفهامكم.
واعلموا يا بَنِيَّ؛ أنهم قد اختلفوا في الزمان الذي يصلح فيه الكي، وجعلوا أفضل
الزمان زمن الربيع، وأنا أقول:
إن الكيّ قد يصلح في كل
زمان، من أجل أن
الضرر الواقع من قبل الزمان، يستغرق في المنفعة التي تستجلب بالكي، ولا سيما إن كان
الكي من أوجاع ضرورية قوية محقرة، لا تحتمل التأخير، لما يخاف منها أن تعقب ببلية
هي أعظم من يسير الضرر الداخل من قبل الزمان.
ولا يقع ببالكم
يا بَنِيَّ ما يتوهّمه العامة وجهال الأطباء، أن الكي الذي يُبرئ من مرض ما، لا
يكون لذلك المرض عودة أبداً، ويجعلونه لزاماً ، وليس الأمر كما ظنّوا ، من أجل أن
الكيّ إنما هو بمنزلة الدواء الذي يحيل المزاج، ويجفف الرطوبات التي هي سبب حدوث
الأوجاع، إلا أن
الكي يفضل على الدواء، لسرعة لحجه ، وقوة فعله، وشدة سلطانه. وقد يمكن أن يعود
المرض وقتاً ما من الزمان، على حسب مزاج العليل، وتمكن مرضه وقوته ، وما يتهيأ في
جسمه من اجتماع الفضول فيه، وإهمال نفسه في اكتسابها من الأغذية، ونحو ذلك من
الأسباب، اللهم إلا أن يكون المرض الذي يستعمل فيه الكي مرضاً لطيفاً، وفي عضوٍ
قليل الفضول والرطوبات، مثل كي الضرس عن الوجع ونحوه، فقد يمكن أن لا يعود فيه ذلك
الوجع، وذلك يكون في الأول .
وأما قول العامة أيضاً، أن الكي آخر الطب، فهو قول صواب، لا إلى ما يذهبون هم في
ذلك؛ لأنهم يعتقدون أن لا علاج ينفع بدواء ولا بغيره بعد وقوع الكيّ، والأمر بخلاف
ذلك، وإنما معنى أن الكي آخر الطب، إنما هو أننا متى استعملنا ضروب العلاج في مرض
من الأمراض، ولم تنجع تلك الأدوية ، ثم استعملنا آخر شيء الكيّ فنجع، فمن ها هنا
وقع أن الكي آخر الطب، لا على المعنى الذي ذهبت إليه العامة وكثير من جهّال
الأطباء.
وقد ذكرت الأوائل أن الكي بالذهب أفضل من الكي بالحديد، وإنما قالوا ذلك لاعتدال
الذهب وشرف جوهره، وقالوا إنه لا يُفتح موضع الكيّ، وليس ذلك على الإطلاق، لأني قد
جرّبت ذلك فوجدته إنما يفعل ذلك في بعض الأبدان دون بعض، والكي به أحسن وأفضل من
الكي بالحديد كما قالوا ، إلا أنك إذا حميت المكواة في النار من الذهب، لم يتبين لك
متى يحمرّ على القدر الذي تريد، لحمرة الذهب، ولأنه يسرع إليه البرد، وإن زدتَ عليه
في الحمي ذاب في النار وانسبك ، فيقع الصانع من ذلك في شغل، ولذلك صار الكيّ
بالحديد عندنا أسرع وأقرب من الصواب للعمل إن شاء الله تعالى.
وقد رتبت هذا الباب في الكيّ على فصول، نظمتها من
الرأس إلى القدم،
ليسهل على الطالب ما يريده منه، إن شاء الله.
الفصل الأول
في كيّ الرأس كيّة واحدة
تنفع هذه الكيّة من
غلبة الرطوبة والبرودة على الدماغ، اللتين هما سبب الصداع ، وكثرة النزلات من الرأس
إلى ناحية العينين والأذنين، وكثرة النوم، ووجع الأسنان، وأوجاع الحلق. وبالجملة
لكل مرض يعرض من البرودة؛ كالفالج والصرع والسّكتات ونحوها من الأمراض.
صورة هذه الكيّة ؛ أن تأمر المريض أولاً بالاستفراغ بالدواء المسهل، المنقي للرأس،
ثلاث ليالٍ أو أربع على حسب ما توجب قوة العليل، وسنّه وعادته ، ثم تأمره أن يحلق
رأسه بالموسى، ثم تقعده بين يديك متربّعاً قد وضع يديه على صدره،
ثم تضع أصل كفّك على أصل
أنفه بين عينيه، فحيث انتهت إصبعك الوسطى*،
تعلّم ذلك الموضع بالمداد ، ثم احم المكواة الزيتونية، التي هذه صورتها:
ثم أنزله على الموضع المعلَّم بالمداد، نزلة تعصر بها يدك قليلاً وأنت تديرها، ثم ترفع يدك مسرعاً، وأنت تنظر الموضع، فإن رأيت قد انكشف من العظم قدر رأس الخِلال ، أو قدر حبة الكرسنّة ، فارفع يدك، وإلا فأعد يدك بالحديدة نفسها، أو بغيرها إن بردت، حتى ترى من العظم ما ذكرت لك، ثم تأخذ شيئاً من ملح، فحلّه في الماء، وشرّب فيه قطنة، وضعها على الموضع، واتركه ثلاثة أيام، ثم احمل عليه قطنة مشرّبة في السمن، واتركها عليه حتى تذهب الخشكريشة من النار، ثم عالجه بالمرهم الرباعي، إلى أن يبرأ إن شاء الله تعالى.
وقد قالوا إن الجرح كلما بقي مفتوحاً يمد القيح فهو أفضل وأنفع، وذكر بعضهم بأن
يكوى الجلد إلى العظم، وتمسك المكواة حتى يحترق بعض ثخن العظم، ثم تجرد بعد ذلك ما
احترق من العظم، ثم تعالج. وقال آخرون ينبغي أن يبالغ بالكيّ حتى يؤثر في العظم
تأثيراً قوياً، حتى يسقط من العظم كهيئة القيراط أو الفلْكة الصغيرة. وزعموا أنه
يتنفس من ذلك الموضع أبخرة الرأس، ويترك الجرح مفتوحاً زماناً طويلاً، ثم يعالج حتى
يندمل.
ولست أرى هذين
النوعين من الكيّ البتة ، إلا في بعض الناس وعلى طريق
الغرر
، وتركه عندي أفضل،
ومع السلامة إذا كانت، فإن الرأس يضعف متى تفرق اتصاله الطبيعي، كما قد شاهدناه في
سائر الأعضاء، ولا سيّما متى كان الرأس ضعيفاً بالطبع. والنوع الأول من الكيّ أسلم
وأفضل عندي، وإياه استعمل، فاعمل به تسلم إن شاء الله تعالى.
خشكريشة : كلمة فارسية مؤلفة من (خشك) وتعني جاف، و(ريش) وتعني جرح ... وهي القشور التي تكون على حرق النار والقروح الحادة الخلط.
الغرر : التعرض للهلكة
* كل ما ذكر في الكتب عن مقاس الأصابع والكف .. لتحديد موضع الكي وغيره .. ينبغي أن يكون بمقاس أعضاء المريض نفسه وليس المعالج .
الفصل الثاني
في كيّ الرأس أيضاً
إذا حدث في جملة
الرأس وجع مزمن ، وطال ذلك بالعليل، واستعمل الأيارجات والقوقايات والسَعوطات
والأدهان والضمادات ، ولاسيما إن كان قد كُويَ الكيّة الواحدة التي وصفنا، فلم
ينفعه شيء من ذلك، فانظر فإن كان رأس العليل قوي البنية بالطبع، ولم يكن ضعيفاً،
وكان يجد برداً شديداً، فاكوه كيّة أخرى فوق تلك قليلاً، ثم اكوه على كلّ
قُرن
من رأسه كيّة ، حتى يذهب ثخن الجلد وينكشف من العظم القدر الذي وصفنا ، واكوه كيّة
في مؤخر رأسه، في الموضع الذي يُعرَف
بالفائق ؛ وهو المحجمة وخفّف يدك في هذه، ولا
تكشف العظم فإن العليل يجد لها ألماً شديداً، خلاف ألم سائر كيّات الرأس كلها،
وسأذكر هذه الكيّة في موضعها إن شاء الله تعالى.
وينبغي أن تكون المكواة التي تكوي بها قُرني الرأس ومؤخّره، ألطف من المكواة التي
يكوى بها وسط الرأس، وهذه صورتها:
القرن : الجانِبُ الأَعْلَى من الرأسِ
الفائق: موصل الفقرة العليا للعمود الفقاري بالعظم القذالي للرأس ، وهو عظم صغير في القفا في مَغْرِزِ الرأس مِن العنُق .
الفصل الثالث
في كيّ الشقيقة غير المزمنة
إذا حدث في شقّ الرأس وجع مع صداع، وامتد الوجع إلى العين، واستفرغ العليل بالأدوية المنقية للرأس، واستعمل سائر العلاج الذي ذكرته في تقاسيم العلل ، ولم ينجع ذلك كله، فالكيّ فيها على وجهين؛ إما الكيّ بالدواء الحاد المحرق، وإما بالحديد.
فأما الكيّ بالدواء المحرق، فهو أن تأخذ سنّاً واحداً من الثوم، فتقشره وتقطع
أطرافه من الجهتين، ثم تشق موضع الوجع من الصدغ بمبضع عريض ، حتى يُصيِّرَ فيه
موضعاً تحت الجلد، يسع فيه السن، فتدخله فيه تحت الجلد حتى يغيب، ثم تشد عليه
برفايد شداً محكماً، وتتركه قدر خمس عشرة ساعة، ثم حلّه وأخرج الثوم، واترك الجرح
يومين أو ثلاثة، ثم احمل عليه قطنة مغموسة في السمن، حتى يقيح الموضع، ثم تعالجه
بالمرهم إلى أن يبرأ، إن شاء الله تعالى . وإن شئت فعلت ذلك ببعض الأدوية المحرقة
التي أثبت في المقالة الثانية عشرة، في الأدوية المحرقة.
وأما كيّها بالحديد فعلى هذه الصفة؛ تحمى المكواة التي هذه صورتها، وتسمى المكواة المسمارية ، لأن رأسها كهيئة المسمار، فيها بعض التقبب وفي وسطها نتوء صغير... ثم تضعها على موضع الوجع، وتمسك يدك وأنت تدير الحديدة قليلاً قليلاً بسرعة ، ويكون القدر الذي تحرق من ثخن الجلد مثل نصفه، وترفع يدك لئلا تخرَق الشريان الذي من أسفل، فيحدث النزف، ثم تشرّب قطنة في ماء الملح وتضعها على الموضع، وتتركه ثلاثة أيام، ثم تحمل القطنة بالسمن، ثم تعالج بالمرهم إلى أن يبرأ إن شاء الله تعالى... وإن شئت كويت هذه الشقيقة بالطرف السكّيني الناتئ من المكواة ، وتحفّظ من قطع الشريان في هذه الشقيقة غير المزمنة خاصة والله أعلم.
الفصل الرابع
في كيّ الشقيقة المزمنة
إذا عالجت الشقيقة
بما ذكرنا من العلاج المتقدم، وما ذكرناه في تقاسيم الأمراض، فلم ينجع العلاج،
ورأيت من العلّة ما لا يقوم بها ما ذكرنا من الكي الأول بالدواء أو بالكي بالنار،
فينبغي أن تحمي المكواة السكينية حتى تبيضّ، بعد أن تعلّم على موضع الوجع
، بخط يكون طوله نصف إصبع أو نحوه
، وتنزل يدك مرة واحدة وأنت تشدها حتى تقطع
الشريان، وتبلغ نحو العظم، إلا أنه ينبغي لك أن تتحفظ من اتصال الفك الذي يتحرك عند
المضغ، فتحرق العضل أو العصب المحرك له، فيحدث التشنج، وكن على حذر ورقبة من نزف دم
الشريان الذي قطعت، فإن في قطعه الغرر، ولا سيما لمن جهل ما يصنع، ولم يكن درِباً
مجرّباً، وترك العمل به أولى . وسنأتي بذكر
تدبير النزف العارض من الشريان، على وجهه في موضعه من هذا الكتاب، إن شاء
الله عز وجل.
فإن رأيت من العلة ما لا تقوم به هذه الكية، ورأيت جسم العليل محتملاً، فاكوه كية
في وسط الرأس، كما وصفنا ، وعالج الجرح حتى يُبرأ
، إن شاء الله. وإن شئت استعملت الكي الذي ذكرنا في باب سلّ الشريان،
بالمكواة ذات السكينين، فإنه كي أفضل من هذا وأنجع دائماً
، إن شاء الله تعالى.
مرض الشقيقة: الشقيقة هو مجموعة من الأعراض تسبب ألما في أحد جانبي الرأس ونادرا ما يصيب جانبي الرأس معا ويدوم لفترة تتراوح ما بين ساعة إلى ثلاثة أيام. يتميز صداع الشقيقة بألم نابض شديد غالبا ما يكون في منطقة الصدغ أو خلف إحدى العينين أو خلف الأذن، تصاحب الألم اضطرابات معوية كالشعور بالغثيان والقيء كما تصاحبه اضطرابات بصرية وسمعية كالتحسس الزائد من الضوء والصوت. وقد يصاب المرء به في أي وقت خلال اليوم وغالبا ما تكون الإصابة به في الساعات المبكرة من النهار. تصاب النساء بالشقيقة أكثر من الرجال وبين كل أربعة أشخاص هنالك ثلاث سيدات مصابات بالشقيقة، وقد تبدأ نوبات الصداع بين عمر الخامسة عشرة والخامسة والأربعين، وتكون نوبات الصداع عند الكبار أقل عددا وأخف بأسا.
الفصل الخامس
في كيّ أوجاع الأذنين
إذا حدث في الأذن وجع عن برد ، وعولج بالمسهلات وسائر العلاج الذي ذكرنا في التقسيم، ولم يذهب الوجع، فاحم المكواة التي تسمى النقطة، التي هذه صورتها:
ثم تنقط بها بعد إحمائها، حول الأذن كلها كما
تدور، أو حولهما جميعاً إن كان الوجع فيهما، وتبعد بالكي من أصل الأذن قليلاً،
بعد أن تعلم بالمداد، ويكون الكي قدر عشر نقط في كل أذن أو نحوها، ثم تعالج
المواضع حتى يبرأ، إن شاء الله تعالى.
الفصل السادس
في كي اللقوة
اللقوة التي تعالج بالكي، إنما تكون من النوع
الذي يحدث من البلغم، على ما ذكرت في تقاسيم الأمراض، ويجتنب النوع الذي يحدث من
جفوف وتشنج العصب.
ومتى عالجت هذا النوع من اللقوة بالأيارجات والسعوطات والغراغر فلم ينجع علاجك،
فينبغي أن تكوي العليل ثلاث كيّات؛ واحدة عند أصل الأذن، والثانية أسفل قليلاً من
صدغه، والثالثة عند مجتمع الشفتين، واجعل كيّك من ضد الجهة المريضة، لأن الاسترخاء
إنما يحدث في الجهة التي تظهر صحيحة.
وصورة الكيّ؛ أن تكويه كية بإزاء طرف الأذن الأعلى، تحت قُرن الرأس قليلاً، وأخرى
في الصدغ، ويكون طولها على قدر طول الإبهام، تنزل بالكي يدك حتى تحرق قدر نصف
ثخن الجلد.
وهذه صورة المكواة وهي نوع من السكّينية التي تقدمت صورتها إلا أنها ألطف منها
قليلاً كما ترى:
وينبغي أن يكون السكّين فيه فضل غلظ قليلاً، ثم تعالج الموضع بما تقدم حتى يبرأ، إن شاء الله عز وجل.
اللقوة هي شلل العصب الوجهي facial Nerve Paralysis ، وهي نوعان إما محيطية أو مركزية؛ والمحيطية أهمها ما يسمى لقوة بيل Bell's Palsy، ولعلها المقصودة في النوع البلغمي، أو أن تكون بأسباب ورمية أو رضية...، ولعلها ما دعاها هنا الزهراوي بالنوع الذي يحدث من جفوف أو تشنج، بالإضافة إلى المركزية. والله أعلم.
ولمزيد من المعلومات
عن اللقوة :مرض اللقوة "
العصب الوجهي " بالفصد والكي والحجامة والأعشاب
الفصل السابع
في كيّ السكتة المزمنة
إذا أزمنت السكتة، وعالجتها بما ذكرنا ولم ينجع
علاجك، ولم يكن بالعليل حمّى، فاكوه أربع كيات؛ على كل قرن من رأسه كيّة، وكية في
وسط الرأس كما ذكرنا، وكية في مؤخر الرأس على ما تقدم، وصفة المكاوي على ما تقدم.
وقد يكوى أيضاً كية على فم المعدة، فيكون
أبلغ، ثم تعالج بما تقدم، إن شاء الله تعالى.
السكتة: هي أن
يبطل الحس والحركة من كثرة دم أو خلط غليظ بارد يملأ بطون الدماغ، فيمنع الروح
النفسية من النفوذ، ويكون صاحبها كأنه نائم من غير نوم.. وهي حالة السبات
Coma
من أسباب عديدة أهمها النزف الدماغي وغيره.
الفصل الثامن
في كي النسيان الذي يكون من البلغم
ينبغي أن يسقى العليل أولاً من الأيارجات الكبار ، والحبوب المنقية للدماغ، ثم يحلق رأسه كله وتحمل على مؤخره ضماد الخردل المكتوب في مقالة الأضمدة، تحمله مرات فإنه ضرب من الكيّ، وافعل ذلك على الرتبة بعينها التي ذكرت هناك ، فإن برئ بذلك وإلا فاكوه ثلاث كيات في مؤخر رأسه، تكون مصطفة من أعلى الرأس إلى أسفل العنق، واجعل بين كل كية وكية غلظ الإصبع، ثم تعالج الكي بما تقدم ، فإن أردت الزيادة ، وكان العليل محتملاً لذلك، فاكوه الكية الوسطى، فإن أردت الزيادة فاكوه على القرنين، ثم تعالجه حتى يبرأ، وتكون المكواة زيتونية، على الصورة التي تقدمت ، إن شاء الله.
ضماد الخردل: النافع من النسيان ومن جميع العلل الباردة في الدماغ كالفالج واللقوة والشقيقة والبَلَه، يؤخذ من الخردل الأحمر الحديث المدقوق المنخول، ومن الزبيب المنقوع في الخل الحاذق يوماً وليلة جزءان، يدق الزبيب مع الخردل في الهاون حتى يأتي مثل المرهم، ثم يحمل على شطر الدماغ للنسيان ويترك عليه قدر ما يحتمل من حرّه ولذعه، ثم تنحيه ويدخل الحمام بعده مرات على قدر حاجته إلا أنه ينبغي أن يزاد في وزن الخردل وينقص على قدر مزاج المستعمل له وحسب قوة المريض وضعفه لأن منهم من يحتمل أن يجعل من الخردل جزءاً ومن الزبيب جزأين، ومنهم من يحتمل من الخردل جزءاً ومن الزبيب ثلاثة أجزاء، ومنهم من يحتمل أقل من ذلك وأكثر على حسب ما يراه الطبيب، ويستعمل للصداع والشقيقة وجميع الأمراض الباردة في الرأس وفي سائر الجسم.
الفصل التاسع
في كي الفالج واسترخاء جميع البدن
ينبغي أن تتقدم في تنقية الرأس بالأيارجات وبما ذكرنا، ثم احلق رأس العليل، ثم اكوه كيّة في وسط الرأس ، وكيّة على كل قرن من الرأس، وكية على مؤخره، وثلاث على فقارات العنق، فإن احتجت في علة استرخاء البدن إلى أكثر من ذلك، وكان المريض محتملاً لذلك والمرض قوياً مستحكماً، فاكوه أربع كيات على فقارات ظهره، وأبلغ بالكيّ حتى تحرق من الجلد أكثره، وترفع يدك، ثم تعالجه على ما تقدم حتى يبرأ إن شاء الله، ولتكن المكواة زيتونية.
الفالج الشقي Hemiplegia ، واسترخاء جميع البدن . Quadriplegia
الفصل العاشر
في كيّ الصرع
إنما يكوى المصروع الذي يكون صرعه من قبل البلغم، فينبغي أن ينقى دماغه أولاً بالأيارجات الكبار وبسائر العلاج الذي ذكرنا في التقسيم إذا كان العليل كبيراً وكان محتملاً لأخذ الأدوية، فأما إن كان صبياً لا يحتمل الأدوية، فليستعمل الغراغر والمماضغ المنقيّة للدماغ قبل ذلك بأيام كثيرة مع تحسين أغذيته، ثم يُحلق رأس العليل، ثم اكوه الكية الواحدة في وسط الرأس على ما تقدم في الصفة، وكيّةً أخرى في مؤخره، وعلى كل قرن من رأسه كية، فإن كان المريض قوياً وكان محتملاً، فاكوه الكيات التي ذكرتُ في صاحب الفالج واسترخاء البدن، على فقارات العنق وفقارات الظهر، وتكون المكواة زيتونية على الصفة التي تقدمت، فإن كان العليلُ صبياً فاجعل المكواة لطيفة على هذه الصورة:
الفصل الحادي عشر
في كيّ الماليخوليا
إذا كان سبب الماليخوليا رطوبات فاسدة وبلغم
غليظ، فاكوه الكيات التي ذكرنا في صاحب الفالج، وإن كان سبب الماليخوليا فضل مائل
إلى السوادء وكان جسم العليل مرطوباً ، فاسقه ما ينقي دماغه على ما تقدم في
التقسيم، ثم احلق رأس العليل، ثم اصنع كعكة محكمة من كتان
كالدائرة، ثم أنزلها في وسط رأسه ، والعليل قاعد
متربعاً، يمسك من كل جهة ، ثم خذ رطلاً واحداً من سمن
الغنم العتيق، ثم سخّنه على النار سخونة معتدلة قدر ما يحتمل الإصبع إذا أدخل فيه،
ثم تفرغه وسط رأسه في الدائرة، وتتركه حتى يبرد، تفعل ذلك بالعليل كل أسبوع مرة مع
سائر تدبيره الجيد، حتى يبرأ إن شاء الله تعالى... وإن شئت كويته تنقيطاً صغاراً
كثيرة، من غير أن تمسك يدك بالمكواة، بل يكون تشميماً، فإن هذا النوع من
الكيّ يرطب الدماغ باعتدال، ثم تحمل عليه قطنة مشربة في السمن أو في شحم الدجاج،
حتى يبرأ إن شاء الله تعالى.
المالنخوليا
Melancholia
يقول الشيخ الرئيس في كتابه القانون في تعريف المالنخوليا" إنها تغير الفكر عن
المجرى الطبيعي إلى الخوف والفساد لمزاج سوداوي يوحش روح الدماغ ويفزعه ". ولقد ذكر
أن استمرار المالنخوليا يؤدي إلى ما يسمى بالمانيا، وأن سبب المالنخوليا إما من
الدماغ نفسه أو من خارج الدماغ.
ولمزيد من العلومات عن علاج الرأس :علاج الجنون " التنسيم ، الفتق ، الوشرة ، الفري ، فري الرأس ، أبو دمغة "
الفصل الثاني
عشر
في كي الماء النازل في العين
إذا تبيّن لك ابتداء الماء النازل في العين، بالعلامات التي ذكرت في التقسيم، فبادر واسق العليل ما ينقي رأسه، واحمه من جميع الرطوبات، وعرّقه في الحمام على الريق أياماً، ثم أمُرْهُ بحلق رأسه، واكوه كيّة في وسط الرأس، ثم اكوه كيّتين على الصدغين ، إن كان ابتداء نزول الماء في العينين جميعاً، أو من الجانب الواحد إن كان ابتداء الماء في العين الواحدة ، واقطع بالمكواة جميع الأوردة والشريانات التي تحت الجلد، ولتكن الكيات فيها طول في عرض الصدغين ، وتحفظ من نزف الدم، فإن رأيت شيئاً منه فاقطعه على المقام بأي علاج أمكنك، وسنأتي بالحكمة في سَلّ الشريانات وقطعها والتحفظ من النزف. وقد يكوى في القفا تحت العظمين كيتين بليغتين، إن شاء الله تعالى.
الفصل الثالث عشر
في كي الدموع المزمنة
إذا كانت دموع العين مزمنة دائمة ، وكانت من قبل الأوردة والشريانات التي في ظاهر الرأس من خارج ، وتيقّنت أن ذلك من فضول باردة غليظة بلغمانية، فاكوه الكي الذي وصفت بعينه في ابتداء الماء النازل؛ كية في وسط الرأس وكيتين على الصدغين، وكيتين في القفا تحت العظمين ، وإن احتجت إلى زيادة فاكوه كية في كل جانب من ذنب العين على طرف الحاجب بمكواة صغيرة، إن شاء الله.
الفصل الرابع عشر
في كيّ نتن الأنف
إذا عالجته بما ذكرنا في التقسيم ولم ينجع العلاج،
فبادر فاسق العليل القوقايا ثلاث ليال، ثم احلق رأس العليل ، واكوه الكية الوسطى
بالمكواة الزيتونية ، ثم اكوه بالمكواة المسمارية كيتين فوق الحاجبين تحت الشعر
قليلاً، وتحفظ من الشريان لا تقطعه.
الفصل الخامس عشر
في كيّ استرخاء جفن العين
إذا استرخى جفن العين من مرض أو رطوبة ، فاكوِ الجفن كيّة واحدة بهذه المكواة الهلالية وهذه صورتها:
وإن شئت فاكوه فوق الحاجبين قليلاً، كيتين في كل جهة، وتباعد من الصدغين، ويكون طول كل كية على طول الحاجب، ولا تبالغ يدك بالكي، بل على قدر ما يحترق ثلث الجلد، وتكون صورة المكواة على هذه الصورة إن شاء الله تعالى.
الفصل
السادس عشر
في كيّ جفن العين
جفون العين إذا انقلبت أشفارها إلى داخل فنخست العين، فالكي فيها على نوعين؛ إما
الكي بالنار، وإما الكي بالدواء المحرق؛ فأما كيها بالنار، فتأمر العليل قبل ذلك أن
يترك أشفاره، إن كان ممن ينتفها، حتى تطول وتستوي، فإن نخسته عند نباتها، فيشد
عينيه بعصابة لئلا تتحرك، حتى تنبت، فإذا نبتت واستوت، فضع رأس العليل في حجرك، ثم
تعلّم على جفن عينيه بالمداد علامة على شكل ورقة آس، ويكون ابتداء العلامة بالقرب
من الأشفار، ثم تضع قطنة مشربة في بياض البيض أو في لَعاب "البزر قطونا" على العين
ثم تحمى مكواة ... ثم تكوي على الشكل الذي علّمت قليلاً قليلاً في مرات كثيرة، حتى
يحترق سطح الجلد الذي هو كشكل ورقة الآس، كله، ظاهره خاصة.
وعلامة صحة عملك أن ترى جفن العين قد تشمّر، والشعر قد ارتفع عن لحمة العين، فارفع
يدك حينئذ واتركه ثلاثة أيام ، ثم احمل عليه قطنة بالسمن حتى تنقلع الخشكريشة ، ثم
عالجه حتى يبرأ إن شاء الله تعالى... فإن عاد شيء من الشعر بعد وقت، واسترخى الجفن،
فأعد الكيّ على ذلك الموضع كما فعلت أولاً. فإن كان الشعر في الجفن الأسفل، فاكوه
حتى يرجع إلى موضعه الطبيعي، ويستوي ولا ينخس الشعرُ العين.
وأما الكي بالدواء المحرق، فهو أن تأمر العليل أن يترك الأشفار حتى تطول وتستوي، ثم
تصنع من الكاغد صورة ورقة آسة، ثم خذ من الصابون المعهود، ومن الجير غير المطفأ، من
كل واحد وزن درهـم أو نحوه، فتسـحقهما جميعاً سـحقاً جيداً، وتفعل ذلك بالعجلة لئلا
يبرد، ثم تبسط منه على الكاغد الذي صنعت كهيئة ورقة الآس وتضعه على جفن العين
الواحدة أو الاثنتين، وتضع تحت العين قطنة مشربة في بياض البيض، ورأس العليل في
حجرك، وتضع إصبعك السبابة فوق الدواء، وتُرِحْهُ قليلاً وأنت تحركه كلما حسَّ
العليل بلذع الدواء، لأنه يجد له لذعاً كالنار، فما دام يجد اللذع فاترك الدواء
وحركه بإصبعك، فإذا سكن اللذع فانزع الدواء واغسل العين بالماء، وانظر فإن رأيت
الجفن قد ارتفع كما يرتفع عند التشمير بالنار أو بالقطع، وإلا فأعد عليه من الدواء
على الموضع الذي لم يؤثر فيه الدواء ولم يسودّ، حتى يستوي عملك وتتشمر العين، ثم
تضع عليه القطن بالسمن حتى ينقلع الجلد المحروق، ثم تعالجه بالمرهم النخلي وغيره
حتى يبرأ.
وينبغي لك عند العمل أن
تتحفظ غاية التحفظ أن لا يسقط في العين من الدواء شيء،
فإن استرخى الجفن بعد أيام ونخس من الشعر شيء في العين، فعِد الدواء على ذلك الموضع
الذي استرخى من الجفن خاصة، كما فعلت أولاً، ثم عالجه حتى يبرأ إن شاء الله
تعالى...وهذه صورة ورقة الآسة:
واعلم أن أعين الناس قد تختلف في الصغر والكبر، فعلى حسب ذلك فليكن تشميرك. وليس
يخفى طريق الصواب على من كانت له دربة بهذه الصناعة إن شاء الله.
الفصل السابع عشر
في كيّ الناصور الذي يعرض في مأق العين
إذا عالجت الناصور بما ذكرنا في تقاسيم الأمراض ولم ينجع علاجك، فينبغي أن تكويه على هذه الصفة؛ تأمر العليل أن يضع رأسه في حجرك، ويمسك رأسه خادم بين يديك إمساكاً لا يتحرك ولا يضطرب رأسه، ثم تضع قطنة مبلولة في بياض البيض أو في لعاب البزر قطونا على عينيه ثم تحمي المكواة ... تكون مجوّفة، كهيئة أنبوبة ريش النسر، من الطرف الواحد الذي يكون به الكي، وإن شئت أن تكون منفردة الطرف الآخر، وإن شئت كانت مصمتة كالمرود، إلا أن هذه المجوفة أفضل لعملك إن شاء الله ... ثم تعصر الناصور إن كان مفتوحاً، وتخرج منه المدة، وتنشفه، وإن كان غير مفتوح فتفتحه، وتستخرج قيحه، ثم تضع عليه حينئذ المكواة وهي حامية جداً، فتمسك بها يدك حتى تصل إلى العظم، وأبعد يدك قليلاً عند الكي من العين إلى ناحية الأنف، لئلا تخطئ يدك أو يقلق العليل، فتقع المكواة في شحمة العين فتفسدها. فإن وصلت في أول كية إلى العظم وإلا فأعد المكواة مرّة ثانية إن احتجت إلى ذلك، واتركه ثلاثة أيام ثم احمل عليه قطنة بالسمن، وعالجه بالمرهم المجفف، حتى يبرأ... فإن مضى له أربعون يوماً ولم يبرأ، وإلا فاحمل عليه الدواء الحاد الأكال حتى ينكشف العظم، واجرده على ما سيأتي ذكره في بابه إن شاء الله ... ووجه آخر من كيّ الناصور ذكره بعض الأوائل؛ تعمد إلى موضع الناصور فتشقه ثم تضع في نفس الشق قمعاً رقيقاً ... وتصفي فيه قدر وزن درهم رصاصاً مذاباً، وتمسك يدك بالقمع إمساكاً جيداً مزموماً، ولا يتحرك العليل البتة لئلا يصل الرصاص المذاب إلى عينه ، وينبغي أن تضع على عين العليل قطنة مغموسة في بياض البيض، أو في الماء، فإن الرصاص يحرق موضع الناصور ويبرئه برءاً عجيباً إن شاء الله ... فإن برئ الناصور بما ذكرنا من الكي والعلاج وإلا فلا بد من استعمال ثقب الأنف، ورد الناصور إلى مجرى الأنف، على ما سيأتي في موضعه الأخص به إن شاء الله تعالى.
المِرود: Probe ؛الميل الذي يكتحل به وتسبر به الجراح، ويقال له ملمول أيضاً.
الفصل
الثامن عشر
في كيّ شقاق الشفة
كثيراً ما يحدث في الشفة شقاق يسمى الشعرة، ولا سيما في شفاه الصبيان. إذا عالجت هذا الشقاق بما ذكرنا في التقسيم، فلم ينجع العلاج، فاحم مكواة صغيرة سكينية، على هذه الصورة:
ويكون حرفها على دقة السكين ثم تضعها حامية بالعجلة في فص الشقاق حتى يصل إلى عمق الشقاق ثم تعالجه بالقيروطي حتى يبرأ إن شاء الله.
الفصل التاسع عشر
في كيّ الناصور الحادث في الفم
إذا عرض في أصل اللثات أو الحنك، أو في أصول الأضراس، ورم ثم قاح** وانفجر، وأزمن جري القيح منه وصار ناصوراً، ثم عالجته ولم ينجع فيه العلاج، فينبغي أن تحمي مكواة على قدر ما تسع في الناصور، ثم تدخلها حامية في ثقب الناصور، وتمسك يدك حتى تصل الحديدة محمية إلى غوره وآخره، وتفعل ذلك مرة أو مرتين، ثم تعالجه بعد ذلك بما ذكرنا من العلاج إلى أن يبرأ، إن شاء الله... فإن انقطعت المادة وبرئ، وإلا فلا بد من الكشف على المكان وينتزع العظم الفاسد على حسب ما سيأتي في بابه، إن شاء الله تعالى.
الفصل العشرون
في كيّ الأضراس واللثات المسترخية
إذا استرخت اللثات من قبل الرطوبة، وتحركت الأضراس، وعالجتها بالأدوية ولم ينجع، فضع رأس العليل في حجرك، ثم احم المكواة التي تأتي صورتها بعد هذا، بأن تضع الأنبوبة على الضرس، وتدخل فيها المكواة حامية بالعجلة، وتمسك يدك قليلاً حتى يحس العليل بحرارة النار قد وصلت إلى أصل الضرس، ثم ترفع يدك، ثم تعيد المكواة مرات على حسب ما تريد، ثم يملأ العليل فمه من ماء الملح، ويمسكه ساعة ويقذف به، فإن الضرس المتحركة تثبت، واللثة المسترخية تشتد، وتجفّ الرطوبة الفاسدة، إن شاء الله.
الفصل الحادي والعشرون
في كيّ وجع الضرس
إذا كان وجع الضرس من قبل البرودة، أو كان فيها دود، ولم ينجع فيها العلاج بالأدوية، فالكي فيها على وجهين؛ إما الكي بالسمن، وإما الكي بالنار، فأما كيها بالسمن فهو أن تأخذ من السمن البقري، فتغليه في مغرفة حديد، أو في صدفة، ثم تأخذ قطنة فتلفها على طرف المرود ، ثم تغمسها في السمن المغلي وتضعها على السن الوجعة بالعجلة، وتمسكها حتى تبرد، ثم تعيدها مرات حتى تصل قوة النار إلى أصل الضرس، وإن شئت أن تغمس صوفة أو قطنة في السمن البارد وتضعها على السن الوجعة، وتجعل فوقها الحديدة المحمية، حتى تصل النار إلى قعر السن. وأما كيها بالنار فهو أن تعمد إلى أنبوبة نحاس، أو أنبوبة حديد، ويكون في جرمها بعض الغلظ لئلا يصل حر النار إلى فم العليل، ثم احم المكواة التي تأتي صورتها، وتضعها على نفس السن، وتمسك يدك حتى تبرد المكواة، تفعل ذلك مرات، فإن الوجع يذهب إما ذلك النهار نفسه، وإما يوماً آخر. وينبغي في إثر ذلك الكيّ أن يملأ العليل فمه بالسمن الطيب ويمسكه ساعة ثم يقذف به. وهذه صورة المكواة:
يكوى بأي طرف شئت على حسب الذي يمكن. وهذه صورة الأنبوبة:
وفي نسخة وقد يكوى لوجع السن، العرق الذي في ظاهر الأذن وباطنه، بمكواة مسمارية.
الفصل الثاني والعشرون
في كيّ الخنازير
إذا كانت الخنازير عن بلغم ورطوبات باردة، ولم تكن تنقاد للنضج بالأدوية، وأردت نضجها سريعاً فاحمِ المكواة المجوّفة التي هذه صورتها:
منفوذة الطرفين، ليخرج الدخان عند الكي من الطرف الآخر، وضعها محمية على نفس الورم،
مرة وثانية إن احتجت إلى ذلك، حتى تصل إلى عمق الورم.
فإن كان الورم صغيراً، فاجعل المكواة على قدر الورم، ثم اتركه ثلاثة أيام، واحمل
عليه قطنة مغموسة في السمن، حتى يذهب ما أحرق النار، ثم عالجه بالمرهم والفتايل حتى
يبرأ إن شاء الله تعالى.
الورم الخنزيري هو ضخامة العقد البلغمية الرقبية Lymphadenopathy. وغالباً كانت ضخامة سلّية ، هي أورام صلبة تكون في اللحوم الرخوة، وأكثر ما تكون في العنق، ولأن رقاب أصحابها تشبه رقاب الخنازير في الغلظ وقلة الالتفات يميناً وشمالاً.
الفصل الثالث والعشرون
في الكيّ من بحوحة الصوت وضيق النفس
إذا غلبت الرطوبة على قصبة الرئة، ولا سيما إذا كان ذلك مع برودة المزاج، فينبغي أن
يستفرغ العليل أولاً بالأدوية المسهلة، ثم تكويه كية في نقرة النحر عند أصل الحلقوم
في الموضع المنخفض، واحذر أن تصل بالكي إلى الحلقوم، ولا تحرق من الجلد إلا نصفه،
ثم اكوه كيّة أخرى عند مفصل العنق، في آخر خرزة منه بليغة، وتكون المكواة مسمارية،
على الصفة التي تقدمت، ثم عالجه بما تقدم حتى يبرأ إن شاء الله عز وجل.
الفصل الرابع
والعشرون
في كيّ مرض الرئة والسعال
إذا كان السعال ومرض
الرئة عن رطوبات باردة، ولم يكن بالعليل حمى ولا سلّ، وكان المرض مزمناً
، فاكوه كيتين فوق الترقوتين، في المواضع المنخفضة اللينة الفارغة، وكية
أخرى في وسط الصدر بين الثديين، وتكون المكواة مسمارية، على الصورة التي تقدمت، ثم
عالجه بما تقدم حتى يبرأ، إن شاء الله.
وإن شئت فليكن كيك تنقيطاً بالمكواة التي تسمى النقطة، التي تقدمت صورتها في تنقيط
وجع الأذنين، وتكون النقط من ثلاثين نقطة إلى نحوها، ثم تعالجه بما تقدم حتى يبرأ،
إن شاء الله.
وقد تصنع مكواة ذات ثلاث شعب، على هذه الصورة، فتستعجل بها الكي لأنك تكوي بها في
مرة واحدة ثلاث كيات:
الفصل الخامس
والعشرون
في كيّ الإبط
إذا انخلع رأس العضد بسبب رطوبات مزلقة، أو لم يثبت في حين رده عند تخلعه، حتى يصير له ذلك عادة، يرد ثم ينخلع عند أدنى حركة تعرض، كما قد شاهدناه، فينبغي أن ترد الفك أولاً، ثم يستلقي العليل على ظهره، أو على الجانب الصحيح، ثم ترفع الجلد الذي في داخل الإبط إلى فوق، بإصبعك من يدك اليسرى إذا كان المفصل انخلع إلى داخل، ثم تحمي المكواة ذات السفودين، التي هذه صورتها:
ثم تكوي بها الجلد حتى تنفذها إلى الجانب الآخر، ويأتي شكل الكي أربع كيات، وقد
يكوى بمكواة ذات ثلاثة
سفافيد،
فيكون شكل الكيات حينئذ ست كيات، وتكون السفافيد على رقة المرود. وهذه صورة المكواة
ذات الثلاث سفافيد:
وقد يزاد أيضاً على هذا العدد واحدة، فتكون الكيات ثمانٍ، ثم يحمل على الكي الكراث المدقوق مع الملح، ثم يلزم العليل الدَّعة ولا يحرّك العضو زماناً حتى يقوى... وإن كان الخلع إلى فوق، وقلّ ما يكون ذلك، فاكوه فوق المنكب كية واحدة مسمارية جيدة، أو كيات كثيرة تنقطها، فإن المفصل يشتد، وتذهب الرطوبة، ويبرأ العليل إن شاء الله تعالى.
السفود : عود من حديد ينظم فيه اللحم ليشوى وتاجمع سفافيد
الدَّعة : الراحة
الفصل السادس
والعشرون
في كيّ المعدة
إذا حدث في المعدة برد ورطوبات كثيرة، حتى أخرَجَتْها عن مزاجها ، وكثرت النزلات إليها، وعولجت بصنوف العلاج فلم تنجع، فينبغي أن يستلقي العليل على ظهره، ويمد ساقيه ويديه، ثم تكويه ثلاث كيات؛ كية تحت ملعقة الصدر بقدر إصبع بمكواة مسمارية، وكيتين أسفل عن جنبي الكية الواحدة، حتى يأتي شكل الكيات مثلثاً، وأبعد بينهما لئلا تجتمع إذا انفتحت، ويكون عمق الكي قدر ثلثي ثخن الجلد، ويكون شكل الكيات على هذه الصورة:
وإن شئت كويته كيّة واحدة كبيرة في وسط المعدة ... وتكون المكواة التي يكوى بها هذه الكية الواحدة على شكل دائرة ... وقد تكوى المعدة تنقيطاً لمن جزع من هذا الكي، وهو أن تعلّم على المعدة نقطاً على القدر الذي تريد بالمداد، ثم تكويه بمكواة النقطة، ثم تعالجه بالعلاج الذي تقدم، حتى يبرأ إن شاء الله تعالى.
ملعقة الصدر: لعلها موضع عظمة القص.
الفصل السابع والعشرون
في كيّ الكبد الباردة
إذا عرض في الكبد وجع من برودة ورطوبة، أو من ريح غليظة، حتى خرجت عن مزاجها الطبيعي خروجاً مفرطاً*، وعولج العليل بما ذكرنا في التقسيم، فلم ينجع ذلك، فينبغي أن يستلقي العليل على قفاه، وتعلّم بالمداد ثلاث كيات على هذا الشكل وهذا المقدار بعينه، على الكبد أسفل الشراسيف حيث ينتهي مرفق الإنسان ... ويكون بعد ما بين كلّ كية وكية على غلظ الإصبع، ويكون الكي على طول البدن مستقيماً، ولا تزمّ يدك بالمكواة نعمّا، وليكن قدر ما تحرق من ثخن الجلد قدر نصفه لا مزيد، ويكون العليل قائماً على قدميه، فإن لم يكن قائماً فيكون مضطجعاً، قد مد ساقيه ورفع ذراعيه، وهذه صورة المكواة:
وقد يمكنك أن تكوي هذه الكيات بالمكواة السكينية إذا كان معك رفق وحذق بالصناعة، وتحفظ لئلا تمعن في الكي فتحرق ثخن الجلد كلّه، فتحرق البطن وتصل إلى الأمعاء، لأن الجلد هناك رقيق فاعلمه .
نعما : أي ناعما خفيفا
الفصل الثامن
والعشرون
في بطّ ورم الكبد بالكيّ
إذا عرض في الكبد خُراج وأردْتَ أن تعلم إن كان ذلك الورم في لحم الكبد أو في صفاقه، فإنه إن كان في لحم الكبد فإنه يجد العليل ثقلاً ووجعاً بغير حدة، وإن كان في صفاق الكبد كان مع الوجع حدة شديدة، ورأيت أنه قد أعيا الأطباء علاجه، فينبغي أن يستلقي العليل على قفاه، ثم تعلّم موضع الورم بالمداد، ثم تحمي المكواة التي تشبه الميل، وهذه صورتها:
وتكويه بها كيّة واحدة، حتى تحرق الجلد كلّه، وتنتهي بالكي إلى الصفاق، حتى تخرج المِدّة كلها، ثم تعالجه بعلاج الخُراجات حتى يبرأ إن شاء الله تعالى... وهذا النوع من الكي لا ينبغي أن يستعمله إلا من طالت دربته في صناعة الطب، وجرت على يده هذه الأمراض بالتجربة مراراً، فحينئذ يقدم على مثل هذا العمل، وتركه عندي أفضل إن شاء الله تعالى.
الفصل التاسع
والعشرون
في كيّ الشوصة
ذكرت الأوائل الكي بأصول الزراوند للشوصة الباردة، على هذه الصفة؛ وهو أن تأخذ مـن أصول الزراوند اليابس الطويل أصلاً واحداً، أطول مـا تجد منه، ويكـون كغلظ الإصبع، ثم تغمسه في الزيت، وتَقِدَه في النار، ثم تكويه كية واحدة فيما بين اتصال الترقوة بالعنق، وكيتين صغيرتين دون الأوداج قليلاً مائلة إلى الناحية التي تحت اللحية، وكيتين عظيمتين فوق الثديين فيما بين الضلع الثالث والرابع، وكيتين أيضاً فيما بين الضلع الخامس والسادس، مائلة إلى الخلف قليلاً، وكية أخرى وسط الصدر، وأخرى فوق المعدة، وثلاث كيات من خلف؛ واحدة فيما بين الكتفين، واثنتين عن جنبيّ الصلب أسفل من الكي الذي يكون فيما بين الكتفين، ولا ينبغي أن تعمق يدك بالكي بل يكون في ظاهر الجلد تشميماً... وقد ذكر بعض الأوائل أن من الناس من كان يستعمل مكواة من حديد تشبه الميل، فيحميها ويدخلها فيما بين الأضلاع ، حتى تنتهي بها إلى نفس الورم وتخرج المِدة ، كما ذكرنا في ورم الكبد، وفي هذا البطّ بالكي من الغرر إما أن يموت العليل من ساعته، وإما أن يعرض في الموضع ناصور لا برء له.
الشوصة: ذات الجنب، ورم في الصدر والأضلاع ونواحيها ومن أنواعه الشوصة والبرسام... الشوصة Pleurisy . أو أن تكون الريح الصدرية Pneumothorax .
ولمزيد من المعلومات
عن الشوصة : علاج
مرض الشوكة - الشوصة - ابو جنيب
الفصل الثلاثون
في كيّ الطحال
إذا عالجت مرض الطحال بما ذكرنا من العلاج في التقسيم ولم ينجع علاجك، فالكي فيه على ثلاثة أوجه، كلّها صواب؛ أحدها أن تكوي ثلاث كيات أو أربعة مصطفّة على طول الطحال، على شكل كيات الكبد التي تقدم شكلها، ويكون بين كلّ كيّة وكيّة قدر غلظ الإصبع أو أكثر قليلاً، وتكون صفة المكواة الصفة التي ذكرنا في كيّ الكبد سواء، ولا تعمّق يدك بالكيّ، وصورة العليل ملقى على ظهره.
والوجه الآخر في الكيّ، أن تحمي المكواة ذات السفودين، التي ذكرنا في باب كيّ تخلّع
المرفق، وترفع الجلدة التي قُبالة الطحال، حيث تنتهي مرفق العليل اليسرى، ويكون
رفعك للجلد على عرض البدن، لتقع الكيّات على طول البدن، ثم تدخل
السفودين محميّة
جدّاً، حتّى تنفذ بهما الجلد من الناحية الأخرى، ثم تخرج المكواة، فتكون الكيات
أربع.
وإن شئت أن تكوي بالمكواة الأخرى ذات الثلاث سفافيد، ثم تعالج موضع الكي بعد أن
تتركه يمد القيح أياماً كثيرة، فهو أنجع من سائر ما تقدم من العلاج، إن شاء الله
تعالى.
الفصل الحادي
والثلاثون
في كيّ الاستسقاء
الكيّ إنما ينفع في
الاستسقاء الزقي خاصة. إذا عالجت المستسقي بضروب العلاج الذي ذكرنا في التقسيم، فلم
ينجع علاجك، فينبغي أن تكويه أربع كيات حول السرة، وكية واحدة على المعدة، وكية
أخرى على الكبد، وكية على الطحال، وكيتين وراء ظهره بين الخرزات، وواحدة قبالة
صدره، وأخرى قبالة معدته، ويكون قدر عمق الكي قريباً من ثخن الجلد، ثم تترك الكي
مفتوحاً يمِدّ القيح زماناً طويلاً، ولا تُخلِ العليل من العلاج بعد الكي بما
ينبغي، ليجتمع فيه المعنيين، فيسرع إليه البرء إن شاء الله.
وصورة المكواة التي تكوي بها البطن تكون مسمارية على ما تقدم صورتها، والتي تكوي
بها الظهر تكون زيتونية، إن شاء الله تعالى.
الفصل الثاني
والثلاثون
في كيّ القدمين والساقين
إذا تورّمتا في المستسقي وامتلأتا ماءً أصفر، فينبغي أن تكوي على ظهر القدم في النقرة التي بين الخنصر والبنصر، وأقم يدك بالمكواة ولا تعوجها، ثم ترفع يدك ولا تعيدها البتة، فإنه يرشح الماء الأصفر، وتكون المكواة على هذه الصورة:
ثم تكوي على الساقين كيتين في كلّ ساق ، ويكون الكي بالطرف السكيني من المكواة، ويكون الكي على طول الساق؛ واحدة تحت الركبة، والأخرى أسفل منها نحو وسط الساق ، وعلى كل فخذ كيتين، واترك الكي مفتوحاً بغير علاج زماناً طويلاً يرشح منه الماء، ثم تعالجه بسائر ما ذكرنا إن شاء الله عز وجل.
الفصل الثالث
والثلاثون
في كيّ الإسهال
إذا كان الإسهال من برد ورطوبات حتى أضعف القوى الماسكة والهاضمة التي في المعدة والأمعاء، وعولج ذلك بضروب العلاج ولم يبرأ، ورأيت العليل محتملاً للكي، وافر القوة، فاكوه كية كبيرة على معدته، على ما تقدم في كي المعدة بمكواة الدائرة، وأربع كيات حول السرّة لطاف بالمكواة المسمارية اللطيفة، وكية على القَطَن فوق العصعص كبيرة أو كيتين، فإن رأيت الرطوبات وافرة والعليل محتملاً لذلك، فاكوه كية على العانة، وكية على كل خاصرة، وربما زدت كيتين صغيرتين على المعدة بقرب الكبيرة، فإنه علاج منجح لا يخطئ نفعه إن شاء الله تعالى.
الفصل الرابع
والثلاثون
في كي بواسير المقعدة
إذا كان في المقعدة بواسير مزمنة، كثيرة أو واحدة، وكانت من أخلاط غليظة باردة أو رطوبات فاسدة، وعولجت بما ذكرنا في التقسيم فلم ينجع العلاج، فاكوِ العليل ثلاث كيات على أسفل خرز الظهر، تحت المائدة قليلاً، مثلثة، وكية تحت السرة بمثل إصبعين، وإن قدّرت أن معدته قد بردت وطعامه لا ينهضم، ورأيت وجهه متورماً، فاكوه على المعدة كية كبيرة على ما تقدم، وكية على كبده، وأخرى على طحاله، بمكواة مسمارية، واترك الكي مفتوحاً زماناً، ثم عالجه حتى يبرأ إن شاء الله تعالى.
المائدة : Flat part of the back ، ولعل المقصود هنا المنطقة المستقيمة عند موضع الفقرات القطنية في الظهر كما يأتي توضيحه في كي الكلى والظهر والجذام
الفصل الخامس
والثلاثون
في كي الثآليل بعد قطعها
إذا قطعت الثؤلول فاحم المكواة التي تشبه الميل، ثم أدخلها حامية في نفس الثؤلول المقطوع، وأمعن يدك حتى تصل المكواة إلى فم العرق الذي يسيل من الدم، تفعل ذلك مرة أو مرتين. فإن كانت الثآليل كثيرة، فاكوِ كل واحدة كية على ما وصفنا، ثم عالجها بما يوافقها من المراهم حتى تبرأ إن شاء الله. وإن كويته كية أيضاً كبيرة على القطن، كان أبلغ في النفع إن شاء الله.
الفصل السادس
والثلاثون
في كي الناصور الذي يكون في المقعدة ونواحيها
إذا لم يُجب العليل
إلى الشق والعمل الذي وصفنا في موضعه، وجبُن عن ذلك، فربما برئ بالكي.
فإذا حدث بأحد ناصور وأزمن جري القيح منه والرطوبات الفاسدة، فأول ما ينبغي لك أن
تفتشه بمسبار رقيق، ثم اعرف قدر غوره بالمسبار، ثم احم المكواة التي تشبه الميل، ثم
أدخلها حامية في نفس الناصور، على استقامة غور الناصور والقدر الذي دخل فيه
المسبار، وأعد عليه الكي حتى تحترق تلك الأجسام الفاسدة كلها، مرة أو مرتين أو
ثلاثة على قدر حاجتك، وتحفظ من حرق عصب إن كان هناك أو عرق عظيم ... وإن كان
الناصور يفضي إلى جرم المثانة أو إلى جرم الأمعاء، فتحفظ من هذه المواضع كلها،
وإنما تفعل ذلك إذا كان الناصور في موضع لحمي، وقدرت أنه غير منفوذ ... ثم عالج
الموضع إلى أن يبرأ، فإن التحم الموضع وانقطع عنه المواد وبقي كذلك زماناً، فاعلم
أنه قد برئ على الكمال، وإن لم تنقطع عنه المواد فاعلم أنه منفوذ، أو في غوره عظم
فاسد أو نحو ذلك مما يأتي ذكره في موضعه إن شاء الله تعالى.
الفصل السابع
والثلاثون
في كيّ الكلى
إذا حدث في الكلى وجع عن برد أو ريح غليظة، ونقص لذلك جماع العليل، فينبغي أن تكويه على المتنين على نفس الكلى، كية على كل كلية، بالمكواة المسمارية التي تقدم ذكرها، وربما كويناه ثالثة في نفس المائدة، فتأتي ثلاث كيات مصطفة، فتكون أبلغ في النفع إن شاء الله تعالى.
المتنين: المتن ، المتنان هما لحمتا الظهر عن يمين الفقار وشماله. وتشكلهما بشكل رئيسي عضلتا Quadratus Lumborum.
الفصل الثامن
والثلاثون
في كيّ المثانة
إذا حدث في المثانة ضعف واسترخاء عن برد ورطوبات، حتى لايمسك العليل البول، فاكوه كيّة في أسفل السرة على المثانة حيث يبتدئ شعر العانة، وكية عن يمين السرة، وأخرى عن شمالها، ويكون بعد الكي من كل جانب على قدر عقد الإبهام، وتكويه كية في أسفل الظهر أو كيتين إن احتجت إلى ذلك، وتكون المكواة مسمارية على ما تقدم إن شاء الله.
الفصل التاسع
والثلاثون
في كيّ الرحم
إذا حدث في رحم المرأة برد ورطوبات فامتنعت بذلك عن الحبل، وفسد طمثها وتعذرّ دروره، أو حدث لها عند مجيئه وجع، فينبغي أن تكوي ثلاث كيات حول السرة، كما ذكرنا في كيّ المثانة، وكيّة على القطن أسفل الظهر أو كيتين، وتكون المكواة مسمارية، إن شاء الله.
الفصل الأربعون
في كي تخلع الورك
قد تنصب رطوبات مخاطية إلى حُقّ الورك فتكون سبباً لخروجه عن موضعه، وعلامته أن تطول الساق عن الأخرى إذا قيست بعضها ببعض، وتجد موضع التخلع فيه فراغ، فينبغي أن تكوي العليل على حُقّ الورك نفسه كية تشبه الدائرة، بعد أن تعلم بالمداد حول الحُق كما يدور، ليقع نفس الحق في وسط الدائرة، وتكون المكواة التي تقدم صورتها في كي المعدة، فإن لم تحضرك هذه المكواة، فاكوه ثلاث كيات بالمكواة الزيتونية الكبيرة، وصيّر الكي عميقاً على قدر ثخن الجلد كله، ثم عالجه حتى يبرأ إن شاء الله تعالى.
الفصل الحادي
والأربعون
في كيّ عرق النَّسا
إذا حدث وجع في حُق الورك، وكان سبب ذلك برد ورطوبات، وعالجت العليل بما ذكرنا في التقسيم، ولم ينجع العلاج وأزمن ذلك، فينبغي أن يسهل العليل من الأخلاط الغليظة بحب المنتن، أو حب الصناعي ونحوه، ثم اكوه ... ووجه الكي فيه على ضربين؛ إما بالأدوية المحرقة، وإمّا كيّ بالنار، فالكيّ بالنار يكون على وجوه كثيرة، أحدها أن تكون على حق الورك نفسه ثلاث كيات مثلثة على هذه الصورة:
وتصيّر لها
عمقاً صالحاً، ويكون بعد ما بين كل كية على قدر غلظ الإصبع، وتكون المكواة زيتونية.
وقد يكوى كية في الوسط على رأس الورك نفسه، فتكون أربع كيات.
وإن شئت فاكوه بالدائرة التي تقدم صورتها في كي تخلع الورك، كية واحدة، لتكون
الدائرة تحيط بجميع الورك، وتحرق ثخن الجلد كله. هذه صفة الكي في عرق النَّسا إذا
كان الوجع لازماً للورك نفسه ولم يكن يمتد إلى الفخذ أو الساق.
فإذا امتد إلى الفخذ والساق فاكوه كيتين على الفخذ على الموضع الذي يشير عليك
العليل بالوجع ، وكية فوق العرقوب بأربع أصابع إلى الجهة الوحشية قليلاً، وتكون
المكواة سكينية، ويكون عمق الكية على قدر ثخن الجلد فقط.
فإن أشار العليل إلى أن الوجع يمتد نحو أصابع الرجل، فاكوه حيث أشار إليك بمكواة
النقطة، ثلاثة أو أربعة أو أكثر إن احتاج إلى ذلك.
وإن أشار أن الوجع تحت الركبة نحو الساق، فاكوه هناك كية واحدة سكينية، وتحفظ في
جميع كيّك من أن تحرق عصباً أو شرياناً عظيماً، فيحدث بذلك على العليل آفة ردية أو
زمانة.
وقد شاهدت واحداً وثانياً ممّن كُويَ فوق
العرقوب وبولغ في الكي، فتزكّم الساق حتى بلغ
الزكام
القدم، وتثقب كله وفسد جميع الرجل، ثم حدث الإسهال والموت بعد ذلك.
فإن كان الوجع في الجهتين جميعاً كويتهما على هذه الصفة بعينها إن شاء الله تعالى.
عرق النَّسا: عرق يمتد في باطن الفخذ من لدن الورك إلى القدم، حتى يظهر عند الكعب في الجانب الوحشي small saphenous Vein .
الزمانة : عاهة
زكام: هو انحدار الفضل إلى المنخرين، وكذلك يقال للجرح الذي يسيل منه المواد الدائمة زكام.
ولمزيد عن علاج الورك وعرق النسا: علاج عرق النسا بالفصد والكي والحجامة
وقد ذكر بعض الحكماء في كي الورك كياً هذه صفته؛ يصنع شبه القدح من حديد، يكون قطره
نصف شبر، ويكون عند فمه على غلظ نواة التمر أو أقل قليلاً، وفي داخل ذلك القدح قدح
آخر وقدح ثالث، ويكون بعد ما بين كل قدحين بقدر عقد الإبهام، وتكون الأقداح
مفتوحة الجهتين ، ويكون ارتفاعها نحو عقدة أو عقدتين ، ويتخذ لها مقبضاً من حديد قد
أحكم في الأقداح وهذه صورته:
ثم تحمى في النار حتى تحمرّ وترمي الشرر، ثم توضع على حق الورك والعليل متكئ على الجانب الصحيح، فتكويه ثلاث كيات مستديرة في مـرة واحدة، ثم تتركه ثلاثة أيام، وتضمّده بالسمن وتترك الجرح مفتوحاً أياماً كثيرة، ثم تعالجه بالمرهم حتى يبرأ إن شاء الله تعالى.
قال واضع هذا الكتاب: هذا النوع من الكي قَلَّما استعملناه لبشاعته وهول منظره،
وقلّما تجد من يصبر عليه، إلا أنه من جيد الكي لمن صبر عليه وأصيب به موضعه.
وأما الكي بالأدوية المحرقة فهو أن تصنع قدحين شبه الحلق التي تنزل فيها أرتاج
الباب، من نحاس أو من حديد، يكون طول حايطها في ارتفاعها قدر عقدين أو نحوهما،
ويكون بعد ما بينهما قدر غلظ الإصبع، وتكون مفتوحة الأسفل، وتكون قد مسكت بعضها
ببعض على هذه الصورة:
ثم تنزلها على حُقّ
الورك والعليل مضطجع على جنبه الصحيح، وتزم يدك نعمّا، ثم تصبّ بين الدائرتين من
الماء الحاد وهو مُدفأ بالنار قليلاً، وتمسكه قدر ساعة زمنية، ويصبر العليل على
لذعه وحرقته، فإنه يجد لذعاً كالنار حتى بهذا اللذع، ثم ترفع يدك بالآلة، وتمسح
الماء الحاد عن الورك كله بالماء العذب، ثم تتركه ثلاثة أيام، وتحمل عليه السمن حتى
يذهب سواد الحرق، وتتركه أياماً يجري منه القيح، فإنه أبلغ في النفع، ثم تعالجه
بالمراهم حتى يبرأ.
فإن امتد الوجع إلى الفخذ أو الساق، صنعت له قالباً فيها تمسك الماء على حسب ما
صنعت بالورك سواء.
وهذه صفة الماء الحاد، وقد أثبته في مقالة إصلاح الأدوية؛ تأخذ من ملح القلي ومن
الجير غير المطفأ، من كل واحد جزء، فتسحقهما وتضعهما في قدر جديدة وقد ثقبت أسفلها
ثقبة واحدة صغيرة على قدر ما يدخلها المرود، وتضع تحت قاع القدر قدر أخرى مزججة،
وتلقي على القلي والجير من الماء العذب ما يغمرهما بإصبع، بعد أن تزمهما بيدك زماً
جيداً، وتترك القدر حتى ينزل الماء الحاد في أسفل القدر المزججة، ثم تجمع ذلك الماء
كله، ثم تلقيه على جير آخر وقلي آخر مجردين أيضاً، فإنه يكون حينئذ قوي الحدة جداً،
ينصرف في كثير من أعمال الطب، وفي كيّ سائر الأعضاء، لأنه يفعل فعل النار بعينها.
ومن الأدوية ما يكوى بها الورك أيضاً، مثل التافسيا، وعسل البلاذُر، والجير مع
الصابون ممزوجين.
وزعم جالينوس حكاية عن رجل من القدماء علاجاً لوجع الورك وعرق النَّسا، وعظم أمره
جداً، وزعم أنه لا يحتاج إلى غيره من العلاج، وأنه يبرئه من مرة واحدة، حتى أنه
ربما أدخل الحمام محمولاً وخرج منه قد برئ. وهو أن يؤخذ من الشيطرج الأخضر، فإن لم
يوجد الأخضر فيؤخذ اليابس الحديث، فينعّم دقّه مع شيء من شحم، ويوضع على الورك حيث
الوجع، أو في الساق، أو في الفخذ، ويشد ويترك قدر ثلاث ساعات، أو بقدر ما يحس
العليل بسكون الحرقة، ثم تدخله الحمام، فإذا ندي بدنه فأدخله الحوض فإن الوجع يذهب
ويبرأ بإذن الله تعالى.
فإن لم يبرأ فأعد عليه الضماد بعد عشرة أيام أخر، فإنه يبرأ إن شاء الله تعالى.
واعلم أنه لا ينبغي أن يستعمل أحد الكي بهذه الأدوية إلا بعد استفراغ البدن.
وقد ذكر ديسقوريدس أن بعر الماعز إذا كوي به عرق النسا نفع منه، ويكون الكي على هذه
الصفة؛ يؤخذ صوف فيشرب بالزيت العتيق، ويوضع على المكان العميق الذي فيما بين
الإبهام من اليد وبين الزند، وهو إلى الزند أقرب، ثم خذ بعرة ماعز جافة فألهبها في
النار حتى تصير جمرة، ثم ضعها على الصوف واتركها حتى تطفأ، ثم أعد غيرها، فلا تزال
تفعل ذلك إلى أن يصل الحس بوسط العضل إلى الورك ويَسْكن الوجع بإذن الله تعالى...
وهذا الضرب من الكيّ يسمى الكيّ البعري.
الفصل الثاني
والأربعون
في كيّ وجع الظهر
قد يعرض الوجع في الظهر من أسباب كثيرة؛ إما عن سقطة أو ضربة، أو استفراغ مفرط ونحو ذلك، ويكون من انصباب مادة باردة رطبة. والكي إنما يقع في هذا الصنف وحده الذي يكون من انصباب مادة باردة رطبة، فينبغي بعد استفراغ العليل بحب المنتن ونحوه، أن يُكوى على ظهره حيث الوجع ثلاثة صفوف على عرض المائدة نفسها، بعد أن تعلّم المواضع بالمداد، في كل صف خمس كيّات أو أكثر على قدر ما ترى من احتمال العليل وقوته، ويكون الكي بمكواة النقطة، وإن شئت كويته ثلاث كيات أو أربع، بمكواة مسمارية متوسطة.
الفصل الثالث
والأربعون
في كيّ ابتداء الحدبة
كثيراً ما تعرض هذه العلة للأطفال الصغار، وعلامة ابتدائها في الأطفال أن يحدث عليه ضيق النفس عند القيام والحركة، ويجد في آخر فقارات ظهره خرزة قد بدت تنتؤ على سائر الخرزات، فإذا رأيت ذلك وأردت توقيفها فاكوه بمكواة تكون دائرة على هذه الصورة:
لتكون الكيّة على كلّ جهة من الفقارة باستواء، وإن شئت كويت حول الفقارة بمكواة النقطة صفين أو ثلاثة، ولتكن النقط قريبة بعضها من بعض، ثم تعالج الموضع حتى يبرأ، بما ذكرنا. وتحفّظ أن تستعمل الكي في الحدبة التي تكون في تشنّج العصب.
الفصل الرابع
والأربعون
في كيّ النقرس وأوجاع المفاصل
إذا كانت أوجاع المفاصل عن رطوبات باردة تنصب إلى أي عضو كان من الجسم؛ فإذا حدثت الأوجاع في الرجلين فمن عادة الأطباء أن يسموا ذلك نقرساً خاصة، فإذا عولج النقرس البارد السبب بضروب العلاج الذي ذكرنا في التقسيم ولم تذهب الأوجاع فإن الكي يذهب بها، وهو أن تكويه بعد الاستفراغ حول مفصل الرجلين كيات كثيرة، وتكون المكواة زيتونية متوسطة .
وإن احتجت أن
تنقط على وجه الرِّجْل فافعل بمكواة النقطة ... فإن صعدت الأوجاع إلى الركبتين أو
إلى سائر المفاصل، وكثيراً ما يعرض ذلك ، فاكوه على ركبتيه ثلاث كيات أو أربع من
كلّ جهة بهذه المكواة الزيتونية بعينها ، فإن أحوجت إلى أكثر من هذا الكي ، فاكوه
ولا تعمق يدك بالكي، بل يكون نحو ثخن الجلد فقط، فإن صعدت الأوجاع إلى الوركين
والظهر، فاستعمل ما ذكرنا من الكي في بابه.
فإن كانت الأوجاع في اليدين فقط، فنقط حول الزندين كما تدور صفين، فإن بقيت من
الأوجاع في الأصابع فنقطها على كل عقدة نقطة، وعلى مشط اليد... فإن صعدت الأوجاع
بعد أيام إلى المرفقين أو إلى المنكبين، فاكوهما من كل جهة. ولا تخل العليل من
التدبير الجيد
وأخذ الأدوية، فإنه إن أحسن التدبير
واستفرغ البلغم، فإنه يبرأ مع هذا الكي إن شاء الله تعالى.
النِّقرِس: هو من أوجاع المفاصل إلا أن الورم والوجع في مفاصل الرجل تخص باسم النقرس. لاسيما مفصل الإبهام، ومفصل إبهام الرِّجل يسمى نقوروس، ومن هذا اللفظ أخذ اسم النقرس تسميته... والنقرس Gout معروف ، وسببه زيادة حمض البول Uric acid في الدم وترسبه في المفاصل الصغيرة خاصة أصابع الرجلين.
التدبير :الغذاء
الفصل الخامس
والأربعون
في كيّ الفتوق
إذا عرض فتق في الأربية وانحدر بعض الأمعاء أو الثرب إلى الخصية وكان ذلك مبتدئاً قريباً، فينبغي أن تأمر العليل بترك الأكل يومه، وأن يستعمل من الملينات ما ينحدر بها البراز عن جوفه، ثم يضطجع بين يديك على ظهره، وتأمره أن يمسك نفسه حتى يبرز الثرب أو المعي، ثم ترده بإصبعك، وتعلم بالمداد تحت الفتق على عظم العانة، بعلامة تشبه نصف دائرة، أطرافها إلى أعلى البدن، ثم تحمى مكواة هذه صورتها:
حتى تأتي بيضاء ترمي الشرر، وترد المعي أو الثرب بيدك إلى جوفه، ثم يضع خادم يده على الموضع لئلا يبرز المعي، وقد فرجْتَ بين ساقي العليل ووضعت تحته وسادة، وخادم آخر تقعده على ساقيه، وآخر على صدره يمسك يديه، ثم تترك المكواة على العلامة نفسها، ويدك بالمكواة واقفة مستقيمة، وتمسكها حتى تبلغ بها العظم، أو تعيدها مرة أخرى إن لم تبلغ بها في الأولى إلى العظم، وتحفظ جهدك من بروز المعي في حين كيّك لئلا تحرقه فيحدث بذلك على العليل إما الموت وإما بلية عظيمة، واعلم أنك متى لم تبلغ بالكي العظم لم ينجع عملك.
وينبغي أن تكون مكواة الصبيان لطيفة على
أقدارهم، والكبار على أقدارهم ، ثم تعالج
موضع الكي بعد ثلاثة أيام بالسمن حتى تذهب خشكريشة النار، ثم تعالجه بسائر المراهم
حتى يبرأ، وليكن العليل مضطجعاً على ظهره أربعين يوماً حتى يلتحم الجرح،
وينبغي أن تجعل غذاؤه طول مدة علاجه ما يلين بطنه لئلا يبرز المعي عند التزحر
والتبرز، ثم إذا أراد القيام بعد الأربعين يوماً فيستعمل رباطاً محكماً ويمسكه
أربعين يوماً أخرى، ويقلّ من التعب والامتلاء من الطعام والشراب والصياح الشديد،
فإن استعمل هذا التدبير هكذا يبرأ برءاً تاماً إن شاء الله. وسأذكر علاج
الفتوق بالشق في بابه إن شاء الله.
وأما الفتوق التي تحدث في سائر البطن، وكان مبتدئاً وأردت أن لا يزيد، فاكوِ الفتق
منه كية مستديرة على قدره، وليكن ما تحرق من الجلد مثل ثلثيه، ثم عالجه بما ذكرنا
فإنه لا يزيد إن شاء الله ... وقد ذكر بعض الأوائل أن يكوى الفتق بمكواة مثلثة على
هذه الصورة:
بعد أن تعلّم على الفتق بالمداد، وتصيّر الخط الذي بالعرض في الجانب الأعلى من الفتق، والخط الآخر إلى أسفل، وتترك يدك في الوسط بكية واحدة مسمارية. والكي الأول أسهل وأفضل إن شاء الله تعالى.
الفصل السادس
والأربعون
في كي الوثي
إذا حدث في بعض الأعضاء عن سقطة أو ضربة وجع ودام ذلك الوجع زماناً طويلاً ولم ينجع فيه العلاج بالأدوية، فينبغي أن تكويه بمكواة النقطة، ويكون كيّ كلّ عضو على حسب كبره وصغره، وضعفه وقوّته، وتمكّن الوثي والوجع منه، فإن برئ من الكي الأول وإلا فتعيد عليه الكي، لأن من عادة هذه الأوجاع أن تنتقل من العضو إلى ما قرب منه، فينبغي أن تتبعها بالكي حتى يبرأ العليل إن شاء الله تعالى.
الوثي Sprain قد يترافق بتمزق أربطة أو تمططها .
الفصل السابع
والأربعون
في كيّ الجذام
أمّا المجذومون فقد
ينتفعون بالكي نفعاً عظيماً، ولاسيما صنف الجذام الذي يكون من قبل تعفن البلغم
والسوداء، فإذا أردت كيه نظرت فإن كان الجذام مبتدئاً وعالجته بما ذكرنا في
التقسيم، ولم ينحط ولم يتوقف، وخفْت على العليل أن يستولي الفساد على جميع مزاجه،
فاكوه على الرأس خمس كيات؛ الواحدة في وسط الرأس المعهودة، والثانية أسفل منها نحو
الجبهة عند نهاية الشعر، واثنتين على القُرنين، وواحدة من خلف على نقرة القفا،
وأمعن يدك بالكي قليلاً حتى تؤثر في العظم تأثيراً يسيراً وتنقلع منه قشور، ليسهل
تنفس البخارات الغليظة منها، وتكويه كية أيضاً على نفس الطحال على ما تقدم.
وأمّا إن كان الجذام قد اشتهر على العليل وظهر ظهوراً بيّناً، فينبغي أن تكويه بهذه
الكيات التي ذكرنا في الرأس، وكية على طرف الأنف، وكيتين على الوجنتين، وكيتين على
فقارات العنق، وست على فقارات الظهر، وواحدة كبيرة على العصعص عند
عجم
الذنب، وأخرى فوقها في نفس
المائدة، واثنتين
على الأوراك على كل ورك واحدة، واثنتين على الركبتين واحدة على كل ركبة، واثنتين
على المنكبين، واثنتين على المرفقين، واثنتين على ترائب الصدر، وتكويه على كل مفصل
من مفاصل أصابع يديه ورجليه كية، وعلى كل كعب من رجليه وزندي يديه كية، وتحفّظ من
العصب الذي على مؤخّر الكعبين لئلا تحرقهما، وقد يكوى كية على عظم العانة، وأخرى
على فم المعدة، وأخرى على الكبد. واعلم أنك كلما زدت كياً كان أنفع وأنجع، واعلم أن
العليل لا يجد للكي وجعاً كما يجده الصحيح من أجل أن بدنه قد خدر، وينبغي أن تكون
المكاوي من الكبر والصغر على حسب الأعضاء والمفاصل، على ما تقدم من صفات الحديد، ثم
عالج الكي بدقيق الكرسنة مع العسل، وسائر العلاج حتى يبرأ إن شاء الله تعالى.
عجم: عجز، وهو العَجْبُ: بالفتح أصل الذنب. وهو العظم الذي في أسفل الصلب عند العجز، وعجب كل شيء مؤخره. وفي الحديث ابن آدم يبلى إلا عجب الذنب.
الفصل الثامن
والأربعون
في كيّ الخدر
متى خدر عضو من الأعضاء وعولج بالأدوية والأدهان والضمادات فلم يبرأ، فاكوِ نفس العضو المخدور كيات على حسب ما يستحق عِظَم العضو وصغره، وليكن كيك واغلاً في ثخن الجلد قليلاً ثم تعالجه بالمرهم حتى يبرأ. وقد يكوى لبعض الخدر الذي يعرض لليد والرجل، في فقارات الظهر عند مخرج العصب الذي يحرك ذلك العضو، فيذهب الخدر، ولا يقدم على ذلك إلا من كان بصيراً بتشريح الأعضاء ومخارج الأعصاب المحركة للبدن إن شاء الله.
الفصل التاسع
والأربعون
في كي البرص
إذا تقادم البرص ولم تنجع فيه حيلة من حيل الطب، فاكو عليه كياً فيه عمق قليل على قدر ثخن الجلد، حتى يذهب البياض ويتغير لونه، ثم تعالجه بدقيق العدس مع دهن الورد وورق لسان الحمل، ودم الحمام أو دم الخطاطيف، من كل واحد جزء، ويخلط الجميع، ويطلى على خرقة، ويلزم الموضع حتى يبرأ إن شاء الله تعالى.
الفصل الخمسون
في كي السرطان
إذا كان السرطان مبتدئاً وأردت توقيفه، فاكوه بمكواة الدائرة حواليه كما يدور، وقد ذكر بعض الحكماء أن يكوى كية بليغة في وسطه، ولست أرى أنا ذلك، لأني أتوقع أن يتقرح، وقد شاهدت ذلك مرات، فالصواب أن يكوى حواليه بدائرة كما قلنا، أو بكيات كثيرة إن شاء الله.
ولمزيد عن علاج السرطان : علاج السرطان بالكي
الفصل الحادي
والخمسون
في كي الدبيلة
إذا حدث بأحد دبيلة وقد أبطأت في النضج، إما من قبل الفضل الفاعل لها، وإما من قبل سن العليل إذا كان شيخاً قليل الدم، وإما من قبل الزمان، وأردت أن تسرّع في نضج الدبيلة، فاكو حواليها بكيات صغار كثيرة تنقيطاً، ثم اتركها فإنها تسرع في النضج، فإن أردت بطّها بالكيّ، فاحم المكواة التي هذه صورتها:
وأنزلها في وسط الدبيلة حتى تنفذ الجلد، ولتكن الكية مما يلي الأسفل ليسهل جري القيح، ثم تعالجها بما ينبغي حتى يبرأ إن شاء الله تعالى.
الدبيلة: الدمل Boil. Furuncle.
الفصل الثاني
والخمسون
في كي الآكلة
الآكلة إنما هو فساد يسعى في العضو، فيأكله كما تأكل النار الحطب اليابس، فإن رأيت الآكلة في موضع يحتمل الكي بالنار، فاحم مكاو مسماريّة كثيرة، صغاراً وكباراً، على حسبما يصلح لذلك الموضع الذي فيه الآكلة، ثم اكوها من كل جهة، حتى تستأصل الفساد كله، ولا يبقى منه شيء البتة، ثم تتركه ثلاثة أيام، ويحمل على المواضع المكويّة الكبريت المسحوق مع الزيت، حتى تنقلع الخشكريشة كلها، وجميع الفساد، ثم تعالجه بالمراهم المنبتة للّحم، فإن رأيت بعد ثلاثة أيام أن اللحم ينبت نباتاً صحيحاً، لا فساد فيه، وإلا فأعد الكي على ما بقي من المواضع الفاسدة...وقد تعالَج الآكلة بالدواء الحاد، فإنه يقوم مقام الكيّ، إلا أن الكي بالنار أسرع نفعاً، وقد ذكرت علاجها بالدواء الحاد في التقسيم، فتأخذه من هناك متى أحوجت إليه، إن شاء الله.
الأكِلة :هي القرحة التي تأكل لحمها، يقال أكلت القرحة أكلاً فهي أَكِلة. والآكلة هي ما يسمى بالغرغرينة : Gangrene، أو Rodent ulcer
الفصل الثالث
والخمسون
في كيّ المسامير المعكوسة وغير المعكوسة
كثيراً ما تحدث في
أسافل القدمين هذه العلة، وهي شيء خشن متلبد يؤلم الرجل، والكي فيها على وجهين؛ إما
الكي بالنار، وإما الكي بالماء الحاد، فأما الكي بالنار فهو أن تحمي المكواة
المجوفة الشبيهة بريش النسر، تصنع من حديد، على قدر ما يحيط بالمسمار من كل جهة،
وتكون رقيقة الحاشية، ثم تنزلها حامية على المسمار، ثم تدير يدك بالمكواة حول
المسمار، حتى تصل المكواة إلى عمق المسمار، وتتركه ثلاثة أيام حتى تهم بالتقيح، ثم
تضمدها بالخبازي البرّية المدقوقة بالملح، وتترك الضماد عليها ليلة، فإنها تنقلع من
أصولها، ثم تعالج موضع الجرح بالمرهم المنبت للحم حتى يبرأ إن شاء الله تعالى.
فإن كانت المسامير غير معكوسة، وكثيراً ما تحدث في سطح البدن، ولا سيما في الأيدي
والأرجل، فينبغي أن تأخذ أنبوبة من نحاس أو من حديد، أو ريش نسر، وتنزلها على
المسمار أو الثؤلول، ثم تلقي في الأنبوبة من الماء الحاد قدراً يسيراً، وتمسك يدك
وأنت تديرها مع غمز يدك قليلاً، لكي تؤثر حاشية الأنبوبة في أصل المسمار، أو يجد
الماءُ الحادُّ السبيل إلى الغوص إلى أصل المسمار، ويصبر العليل قليلاً على لذع
الماء الحاد ساعة، ثم تتركه فإن المسمار ينقلع بأصوله ... هكذا تفعل بها واحدة
واحدة، حتى تأتي على جميع ما منها في الجسم، ثم تعالج مواضعها، بعد أن تنقلع، بما
ينبت اللحم من المراهم إن شاء الله تعالى.
الفصل الرابع
والخمسون
في كي النافض
إذا حدث بأحد نافض من برد في العصب أو من حمى ربع أو غير ذلك، فينبغي أن تكويه أربع كيات أو خمساً على خرز الظهر، بين كل خرزتين كية، وفي صدره كية، وعلى معدته كية، بالمكواة الزيتونية، فإن النافض يسكن، ويسرع بنضج المرض البارد، إن شاء الله تعالى.
النافض
Tremor
، النافض: هو الرِعدة
التي تتقدم قبل صنوف الحمى ، وقد تكون بغير حمى ، وهو إذ ذاك مرض بذاته .
الفصل الخامس
والخمسون
في كي البثر الحادث في البدن
قد يندفع في البدن بثور قبيحة، تكون عن مواد باردة غليظة فاسدة، فينبغي أول ظهورها أن يكوى على رأس كل بثرة كية لطيفة بعود آس قد أوقد طرفه بالنار، أو بأصل الزراوند الطويل، أو بمكواة عدسية... وقد تكوى الدماميل في أول اندفاعها على هذه الصفة، فلا تزيد ويتبدد الفضل الفاعل لها، ويبرأ منها العليل، إلا أنه ينبغي أن يكون ذلك بعد استفراغ العليل بالفصد، إن شاء الله.
الفصل السادس
والخمسون
في كي النزف الحادث عند قطع الشريان
كثيراً ما يحدث نزف
الدم من شريان قد انقطع عند جروح تعرض من خارج، أو عند شق ورم، أو كيّ عضو ونحو
ذلك، فيعسر قطعه، فإذا حدث لأحد ذلك فأسرع بيدك إلى فم الشريان، فضع عليه إصبعك
السبابة، وسدّه نعمّا، حتى ينحصر الدم تحت إصبعك، ولا يخرج منه شيء، ثم ضع في النار
مكاوٍ زيتونية، صغاراً وكباراً عدة، وتنفخ عليها حتى تصير حامية جداً، ثم تأخذ منها
واحدة إما صغيرة وإما كبيرة، على حسب الجرح والموضع الذي انفتح فيه الشريان، وتنزل
المكواة على نفس العرق بعد أن تنزع إصبعك بالعجلة، وتمسك المكواة حتى ينقطع الدم،
فإن اندفع عند رفعك الإصبع من فم الشريان وطفأ المكواة، فخذ مكواة أخرى بالعجلة من
المكاوي التي في النار المعدّة، ولا تزال تفعل ذلك بواحدة بعد أخرى حتى ينقطع الدم،
وتحفّظ لا تحرق عصباً يكون هناك فتحدث على العليل بليّة أخرى.
واعلم أن الشريان إذا نزف منه الدم، فإنه لا يستطاع قطعه ولا سيما إذا كان الشريان
عظيماً إلا بأحد أربعة أوجه؛ إما بالكي كما قلنا، وإما ببتره إذا لم يكن قد انبتر،
فإنه إذا بتر تقلصت طرفاه وانقطع الدم، وإما أن يربط بالخيوط ربطاً وثيقاً، وإما أن
توضع عليه الأدوية التي من شأنها قطع الدم والشد بالرفايد شداً محكماً.
وأما من يحاول قطعه برباط أو بشد بالخرق، أو وضع الأشياء المحرقة، ونحو ذلك، فإنه
لا ينتفع بذلك البتة إلا في الندرة.
فإن عرض لأحد ذلك ولم يحضره طبيب ولا دواء، فليبادر بوضع الإصبع السبابة على فم
الجرح نفسه، كما وصفنا، ويشده جيداً حتى ينحصر الدم، ويَنطل من فوق الجرح على
الشريان، والإصبع لا تزول من عليه، بالماء البارد الشديد البرد دائماً حتى يجمد
الدم ويغلظ وينقطع، وفي خلال ذلك تنظر فيما يحتاج إليه من كي أو دواء إن شاء الله
تعالى.
أهم المراجع :
صفحات من الكتاب أبو قاسم الزهراوي مترجم على هذا الرابط :
http://books.google.com/books?id=mjVra87nRScC&printsec=frontcover&dq=ALBUCASIS&hl=ar&cd=2&safe=active#v=onepage&q=&f=false
* صور أدوات الكي نقلت بعضها من الكتب كما هي الا أنني عملت لها مقبضا لتمييز المقبض من الطرف الذي يكوى به أما التي وجدت انها غير واضحها عملت شبيها لها ببرامج الرسم .