الطب الشعبي في البحرين
العدد 12 - عادات وتقاليد
زينب عباس عيسى / كاتبة من البحرين


 تعريف الطب الشعبي:
 الطب الشعبي: هو معتقدات أفراد المجتمع نحو المرض والأفكار السائدة حول مسبباته وردود الأفعال التي تبدو في سلوكهم وتصرفاتهم لمواجهته خارج نطاق الطب الحديث لتشمل الطقوس والممارسات العلاجية للشفاء أو المرض أو الوقاية منه وكذلك المحاولات المتنوعة التي تستخدم العناصر العلاجية للشفاء أو المرض أو الوقاية منه وكذلك المحاولات المتنوعة التي تستخدم العناصر العلاجية أو تلك التي تتم على يد معالج متخصص.
 ويركز هذا التعريف على المعتقدات والممارسات العلاجية تجاه المرض خارج نطاق الطب الحديث وعلى يد معالج متخصص.
 وقدعرفه فوزي عبدالرحمن بأنه «أساليب وطرق معينة تستعمل فيه غالباً الأعشاب والنباتات الطبية على شكل خلاصات كيميائية بتأثير بعض المعتقدات والأفكار السائدة في المجتمع».1
 أما منير البعلبكي فيعرف الطب الشعبي بأنه «معالجة الأمراض بطرائق تقليدية أو مكتسبة عن طريق الخبرات المتوارثة جيلا بعد جيل،   لا بطرائق علمية أو مكتسبة عن طريق الدراسة في كلية من كليات الطب»2.


 الطب الشعبي أنواعه وطرقه:
 المفهوم الإجرائي: الطب الشعبي هو جميع الممارسات التقليدية المتوارثة حول الصحة والمرض التي يتم بها علاج الأمراض.
 وتتضمن مجالات الطب الشعبي ما يلي:
 1.العلاج بالأعشاب
 2.العلاج بالكي والحجامة والتجبير
 
الأعشاب: هو عشب يؤكل أو يلتهم مجففا أو يشرب مذابا في الماء كدواء.
 
الكي: هو اتلاف نسيج حي سليم أو مريض بمادة كاوية أو بحديدة حامية أو بمكواة كهربائية لغاية علاجية.
 
الحجامة: هي حرفة وفعل الحَجَام،   والحَجْمُ: المص وتعني المداواة والمعالجة بالحجم. ويقصد بالحجامة تحويل الاحتقان الدموي من مكان إلى آخر وتعرف في الطب الشعبي ب«كاسات الهوا».
 
وتعرف الحجامة بأنها استنزاف كمية من دم الجسم بإحداث جرح صغير فيه ووضع كأس يفرغ منه هواؤه بحرق قطعة قماش صغيرة فيه فوق الجرح فيتدفق الدم إلى الكأس.
 
تتركز معظم المعتقدات الطبية الشعبية عند كافة العالم على معتقد أساسي وهو أن الله خلق لكل داء دواء،   وأن الإنسان ما عليه إلا أن ينهج الطريق السليم للبحث عن هذا الدواء. ويختلف الناس في مدى ما يصيب كلا منهم من حظ ونجاح في العثور على الدواء المناسب سواء في الشعوب البدائية أو الطبقات الشعبية في أي مجتمع حديث.
 
ونظرا لاعتماد الممارسات الطبية على المحاولة والخطأ فقد يؤدي ذلك إلى تزايد طرق العلاج الشعبي على مدار العصور ومن هنا كانت البدايات الأولى للطب الحديث محتوية على بعض وصفات منها،   وهناك الكثير من الجماعات تصر على التمسك ببعض الوسائل التقليدية في العلاج الشعبي.
 
ويقول سوليبان «تركزت الكثير من المعتقدات والتقاليد والممارسات الخرافية حول أمراض الإنسان وكيفية علاجها طلبا للشفاء منها مما أدى إلى لجوء الناس للمصادر الشعبية والاعتماد على الأشخاص التقليديين الذين يقومون بالعلاج،   وقد لعبت الرغبة في اكتشاف الغامض بجانب تمتع بعض الأفراد بمميزات شخصية دورا كبيرا في الطب الشعبي.ويرى أنه لا ينبغي أن ننظر إلى طرق العلاج القديمة على أنها بالية ولكن علينا أن ندرسها من منطلق افتراضي وهي أنها ممارسات قامت على أساس معين في وقت معين.
 
موقف الحضارات والشعوب من الطب الشعبي:
كان الطب لدى الصينيين تجريبيا،   مقرونا بالخرافة وبرعوا في الجراحة منذ القرن الثامن الميلادي، وقد اخترعوا نوعا من الشراب المخدرة،   كما اشتهروا بوخز الإبر واستخدموا اللقاح في معالجة الجدري،كما استخدموا الزئبق في مداواة مرض الزهري. ويروى أن أحد أباطرة الصين القدماء وصف نحو 250 من النباتات ذات القيمة العلاجية وقد ضمنها أول كتاب صيني عن التداوي بالأعشاب وكان ذلك سنة 2700 قبل الميلاد،   وكانوا يرجعون حدوث الأمراض إلى الحر والبرد والجفاف والرطوبة.
 
وفي الحضارة الفارسية عرف الفرس قواعد الصحة العامة وطبقوها. كما مارسوا السحر والخرافة بشكل واسع وكانوا يعتقدون أن الشيطان أوجد 99،  999 مرضاً لذلك كان كتابهم الديني «زاندفستا» مرجعهم الطبي في أكثر الأحيان وتميزوا بأنهم عرفوا مفهوم النقابة في ميدان الطب باكراً قياساً إلى الشعوب والأقوام الأخرى.
 
أما الطب الهندي فقد تطور واعتمد على توصيات صحية وأدوية طبية نباتية وحيوانية ومعدنية ومعالجات جراحية ذلك بعد أن كان يعتمد على السحر والتعاويذ ولا يزال يستعمل العلاج الهندي إلى الآن إلا أنه اختلط بعقيدة الأرواح الشريرة.
 
وفي الحضارة اليونانية توطدت العلاقات المصرية الإغريقية فأفاد الإغريق من تجربة المصريين في مضمار الطب ومن مآثرهم الطبيعية: اعتبارهم الدماغ مركزا للشعور،   وإدراكهم أن التنفس يكون بالجلد وليس بواسطة القلب والرئتين فحسب، وكانوا على معرفة بالدورة الدموية، كما أن لديهم محاولات جادة في جراحة العنق، ويعتبر طبيب اليونان «أسقليبيوس» هو من علم أبناءه صناعة التطبيب وأمرهم بأن يكتموها عن الناس وقد بلغ شأنا عظيما في الطب وشفى المرضى ويرجع له الفضل في إقامة الطب على قاعدة مزاجية (طبيعية وعلمية) وفي تعليم الطب لجميع الناس إلى أبقراط الذي ترك صورا سريرية لداء السل والتشنج المخاضي وساهم في تقليص دور المبضع في معالجة الأورام.
 
الطب العربي في العصر الجاهلي:
 كان العرب في العصر الجاهلي يمارسون الطب على نطاق واسع مازجين تجاربهم بتجارب جيرانهم من الشعوب الأخرى،   وقد ذكر أن أول من تعاطى الطب من العرب بعد الكهنة هم جماعة ممن خالطوا الروم والفرس في القرن السادس الميلادي وساعدت البيئة الصحراوية بما فيها من نباتات وأعشاب على تحقيق التجربة في استخدام الأعشاب لعلاج بعض الأمراض فالعرب هم من أدخل صناعة الأعشاب والعقاقير الطبية إلى أوروبا وقد اعتمدوا في علاجاتهم على إحدى الطرق التالية:
 
الكهانة والعرافة: وهما شعوذة ودجل وإدعاء بعلم الغيب
 
التداوي بالأعشاب: وكان شائع الاستعمال على نطاق واسع
 
استعمال العقاقير المعدنية والحيوانية
 
الكي والحجامة والفصد: (لتجديد الدم عند الانسان وإبقاءه نظيفاً)
 
العسل: ويصفونه للكثير من الأمراض.
 
ومن أطبائهم ابن حذيم وكان مشهوراً جداً حتى أن العرب قالوا في أمثالهم «أطب بالكي من ابن حذيم».
 
ثم ذهب الطب من العرب،   وخفي عندهم ردحا من الزمن وذلك منذ ظهور الدعوة الإسلامية حتى شطر الدولة الأموية إذ أن المسلمين كانوا يعتقدون،   أن الإسلام يهدم ما قبله ولا ينبغي أن يتلى غير القرآن ولكن مع اتساع نطاق الإسلام بدأ الاهتمام بالطب حيث كان علم الطب من أكثر العلوم اهتماما.
 
فلسفة الطب الشعبي:
إن فلسفة الطب الشعبي تظهر في معظم الثقافات وتقوم على الاعتقاد بالعوامل والأرواح والكائنات فوق الطبيعة كمسببات للمرض وحيث أن لكل داء دواء فكل مرض من الممكن شفاؤه ما لم تكن نهاية المريض مقدرة في تلك اللحظة،   وحيث أن المرض يرجع إلى عوامل نفسية أو روحية وأخرى مادية فالعلاج يتم بوسائل سحرية كما يتم بوسائل طبية تقليدية.
 
فهناك الوصفات العلاجية التقليدية وهي كل ما تنتجه البيئة الطبيعية من نباتات بعد تقييدها بعدد من الظروف وهناك آلاف الوصفات التي يعرفها الناس ويمارسونها دون تدخل من شخص محترف،   ولكن هناك حالات تتطلب تدخل الطبيب الشعبي الذي يحظى بمكانة محورية في المعتقد الشعبي عند كل الشعوب.
 
أما أهم مميزات الطب الشعبي أنه قد ينفع ولا يضر،   بمعنى أن استخدام الأدوية الشعبية لعلاج الأمراض يشفي بعضاً منها،   كما أنها ليست لها أضرار جانبية مقارنة بتأثير الأدوية الكيميائية.
 
ممارس الطب الشعبي:
هوالمعالج الشعبي أو المطبب كما هو معروف في الدراسات الانثروبولوجية عموما والثقافية منها على وجه الخصوص. وهذا المصطلح لا يقتصر على ممارسي العلاج الطبي فقط وإنما يغطي فئة أوسع تضم القائمين بالعرافة والمعالجين بالطب الديني وهو الطب النبوي عند المسلمين فهو بهذا المعنى يطلق على الشخص الذي تمتع بقوى خارقة أو مواهب فوق الطبيعية. وقد بدأ استخدام هذا المصطلح من جانب الرحالة والمبشرين عند كتاباتهم عن الهنود الحمر الأمريكيين طوال القرن السابع والثامن والتاسع عشر،   ثم تغير الوضع مع مطلع القرن العشرين وأصبح الانثربولوجيون يطلقون مصطلحات أكثر تخصصا مثل الطبيب والطبيب الشعبي المعالج بالأعشاب فقط.
 
الطب الشعبي وبعض عناصر التراث:
يعكس الطب الشعبي الارتباط بين مختلف عناصر التراث الشعبي فهناك ارتباط بينه وبين عنصرآخر من عناصر المعتقدات وهو السحر،   ففي كثير من الحالات لا نستطيع أن نفصل بينهما حيث يتم اكتشاف هذه الأمراض ومعرفة أسبابها عن طريق الشيخ الذي يقوم بقياس أثر المريض لمعرفة سبب المرض.
 
كما يرتبط الطب الشعبي بالمعتقدات سواء الخاصة بالكائنات فوق الطبيعية أو بالمعتقدات الخاصة بالنبات والحيوان كأدوية للمرض،   وله علاقة أيضا بالأدب الشعبي ويتضح ذلك من خلال الأمثال الشعبية حول الصحة والمرض وقيمته العلاجية والكتب الطبية الشعبية.
 
ويعكس الطب الشعبي التفاعل بين الإنسان والنسق الايكولوجي الذي يعيش فيه.فمصادر البيئة من أعشاب ونباتات لا يمكن أن تشفي أمراض دون وجود الخبرة البشرية في استخدامها والتعامل معها،   كذلك الخبرة البشرية لا أهمية لها بدون تلك المصادر الطبية التي تتعامل معها. ولا تقف الخبرة الإنسانية عند الاستفادة من الأعشاب والنباتات وإنما تمتد لتستفيد من كل إمكانيات البيئة المتاحة فهو يستخدم الرمل الساخن في شفاء الأمراض،   والاستفادة من ألبان الحيوانات التي لا تؤكل أساسا في شفاء الأمراض مثل التهاب اللسان. وهذا ما يؤكد أن الممارسات العلاجية تمتد وفقا للعلاج الايكولوجي وخصائص البيئة المحلية.
 
الطب الشعبي في الأمثال الشعبية الخليجية: 
يعتبر المثل الشعبي من أهم وأصدق وأكثر تجارب الإنسان حكمة وخبرة ولكل شعب من الشعوب أمثاله الخاصة به،   ولعله من الهام القول بأن الأمثال الشعبية هي ألفاظ وجمل نطق بها فرد في المجتمع في موقف من المواقف تنم عن حكمة أو تجربة قد يتعرض لها أي فرد منهم ويرددها.
 
ولقد عرف أبناء الخليج العربي منذ القدم طريقهم إلى الطب وتركيب الأدوية مما سهل عليهم معرفة أسرار هذه المهنة وتوارثها مع الأجيال ولعل بعضهم ورثوا هذه المهنة عن آبائهم وأجدادهم حيث لم يكن عندهم في الخليج العربي مدارس أو معاهد تهتم بهذا الأمر في ذلك الوقت. وقد تناقل الآباء والأجداد بعض المأثورات في مجموعة كبيرة من الأمثال الشعبية تتعلق بالأمور الطبية والتداوي بالأعشاب والنباتات الطبية.
 
الطبيب: وردت كلمة الطبيب والتطبيب بمعنى المعالجة في طائفة من الأمثال الخليجية منها:
اسأل مجرب ولا تسأل طبيب
 
هذا المثل يأتي في صيغة الأمر أو النصيحة لأولئك الذين يقعون أو يتورطون في بعض المشاكل المعقدة فينصحون باللجوء إلى المجربين الذين خبروا الحياة فتعودوا على حل مثل تلك المشاكل. فيكون المجرب بذلك خيراً من الطبيب. ومن الأمثلة الشائعة أيضا:
راح يطبها عماها
الطيب غلب الطبيب
الكحل طبيب العيون
المجرب غالب الطبيب

 
الدواء :
«الفوم خايس بس فيه فوايد»
والفوم هو الثوم حيث أن الثاء تقلب إلى الفاء في بعض مناطق الخليج وللثوم فوائد كثيرة منها:
1- يساعد على علاج عسر الهضم والغازات والتيفود والباراتيفويد والكوليرا وله فوائد في حالات الدوسنتايا الامبيبية وطرد الديدان الدبوسية ومنشط للمعدة.
2 - للثوم أهمية خاصة في خفض الكوليسترول في الدم وتنشيط عضلة القلب والوقاية من حصوات الكلى.
3 - يعمل على إدرار البول وتنشيط حركة الكلى وعلاج الالتهابات البولية والوقاية من حصوات الكلى.
4 - للثوم فوائد في علاج ضعف اللثة وآلام الأسنان وسقوط الشعر وغيرها
 
«الدوا في أخس الشجر»
ويعني أن الأدوية عادة ما تكون في الأشجار التي لا يهتم الناس بها أو الأشجار الشوكية المؤذية.
العوارض المرضية:
إذا أذاك من بطنك وين تجيك العافية
إذا جات المنية ما عنها أدوية
المنية: الموت، الوفاة
أدوية: تصغير دواء أي علاج
لا تشتكي الضر وعندك المر.

يضرب ليبين الفائدة من المر كعلاج من بعض الأمراض فلقد كان الناس في الماضي عندما يشتكي الواحد منهم ألماً أو مرضاً يوصف له المر ليشفى مما يعانيه،   فمادام المر متوفراً فعليك باستعماله فإن الألم الذي تشتكي أو تتألم منه سوف يزول.
تشتكي : أي تتألم أو تشعر بمـا تعانيـه مـن ألـم        أومـرض.
الضر: المرض أو الألم
المر: دواء شعبي مأخوذ من بعض الأشجار وعادة ما يستخدم لعلاج أمراض المعدة أو الأمعاء.
من لعب بالدوا الدوا لعب به.
ويقصد به عدم الإكثار من تناول الدواء بقصد الشفاء العاجل فهذا من أخطر الأمور على الجسم.
برز الدوا قبل الفلعة.
يضرب في حالة الاستعداد لشيء ما قبل حدوثه أو قد لا يحدث.
برز: أي جهز.
الدوا: الدواء (الفلعة) المقصود منها هنا الجرح الذي ينزف وعادة ما يصيب الرأس نتيجة وقوع شخص على الأرض.
الجروح:
«اربط صبعك الكل ينعت لك دوا»
يضرب هذا المثل عندما تكثر الآراء والمقترحات حول فكرة معينة أو عمل معين فالكل يبدي رأيه ومقترحاته.
(اربط) فعل أمر ومعناه أن تقوم بلف شاش أو قطعة قماش حول اصبعك وكلمة ينعت يصف أي دواء.
 
الحروق:
النار ما تحرق إلا ريل واطيها
يضرب هذا المثل لمن يتورط في مشكلة فلا يعايش هذه المشكلة إلا هو ولا يحس بها غيره ممن يحيطون مثل ضائقة مالية أو مشكلة.
 
إصابات العين:
الأعور بين العميان باشا.
العوار تعيب على أم زر.

فهما سواء .كلتاهما لا تستطيع أن ترى إلا من عين واحدة.
 
العلاج بالكي:
آخر الدوا الجي
يضرب هذا المثل عندما يستعصي علاج الأمور والوصول إلى الحل السليم الذي لا مفر منه ولو كان صعبا.
(الجي) هو علاج عرفه الانسان منذ القدم ويمارس في كثير من البلدان حتى الوقت الحاضر يقوم به بعض الأطباء الشعبيين ويتمثل في أن يلسع أو يكوي موضع الألم من جسم الإنسان المصاب بحديدة محماة في النار ويقال أن هذا العلاج لا يكون إلا بعد عدم جدوى الأدوية الشعبية.
الجي: أي الكي.


الطب الشعبي والطب الحديث: 
قبل أن نعرف شيئاً اسمه الطب الحديث كان الطب الشعبي هوالطب فقط ولما دخل الطب الحديث كل مجتمعات الدنيا بطريقة أو بأخرى بدأ الطب الشعبي يتراجع في مناطق كثيرة وبدرجات متفاوتة ولكنه بقي بشكل أو بآخر في بعض المجتمعات.
ثم ظهرت الثنائية أو التعددية Pluralism Medical التي تستوجب نوعا من إدارة العلاقة بين النظم الطبية الرسمية والشعبية يتم فيها إعادة اكتشاف الطب الشعبي منها الطب البديل. ففي العهد الحالي ومع كثرة المشاكل الطبية المختلفة التي تسببها الكيماويات المصنعة يتجه العالم اليوم أكثر إلى الأعشاب الطبية وها هي منظمة الصحة العالمية تتجه مؤخرا لإدماج نظام الطب التقليدي كنسق طبي يمكن استخدامه في الرعاية الصحية.
 
فالطب الشعبي يشهد زيادة في الإقبال عليه في الدول النامية أوالمتقدمة على حد سواء وها هم الناس يعودون من جديد إلى رحاب الطبيعة التي كانت ولا تزال الصيدلية الأولى للإنسان بحثا عن صحة أفضل رغم ما وصل إليه الطب وتصنيع الدواء من تقدم حيث يشهد العالم في الوقت الحاضر دعوة إلى الاهتمام بالأعشاب الطبية واستخدامها  بكثافة في الأدوية.
 
ولقد أصبح الطب الحديث كما تشهد بذلك الصحف الطبية والمجلات العلمية والصحية يتراجع عند بعض الأطباء لتحل محله الأعشاب والنباتات،   وينظر إليها نظر المقدر لمنافعها الصحية وأثرها الطبيعي في معالجة الأدواء المختلفة والأمراض الكثيرة مما جعل الأطباء في مختلف الظروف والمناسبات يحثون مرضاهم على استعمال ذلك لبساطته في الاستعمال ونجاعته وقلة مضاره،  إن لم نقل عدمها.
 
كما اعترف الطب الحديث بفاعلية طب الأعشاب التي أثبتت نجاحها في العديد من الأمراض بعيدا عن الآثار الجانبية ومن الجدير ذكره أن وزارة الصحة أعلنت عن البدء في تسجيل الأدوية الطبية التي أثبتت فائدتها وجدواها وذلك وفق شروط ولوائح بهدف حماية المرضى وتمثلت هذه الشروط في أن يكون الدواء العشبي خاليا من التلوث البكتيري وأن يكون من الأعشاب المعروفة.
 
1ـ التداوي بالأعشاب:
لعل أقدم تاريخ للعلاج هو التداوي بالأعشاب والحشائش والنباتات التي تنمو على سطح الأرض،   ومازال التداوي بالأعشاب مستمراً حتى الآن في شكل علاج  شعبي نطلق عليه «الحواج» وتشير الدراسات إلى أن استخدام العرب للأعشاب قد أخذوه عن شعوب أخرى وأضافوا إليها الكثير. فهناك العديد من الوصفات الشعبية السائدة في دول الخليج وبعض هذه الوصفات ذات تأثير علاجي حيث تتكون من أدوية مشتقة من أعشاب طبية منها ما يسمى في البحرين «بالجسو» (وهو يتكون من بيض وطحين وسكر ودهن وبهارات) في فترة النفاس اعتقادا منهن أن هذه الأطعمة تساعد على تنظيف الرحم من الدم والتخلص من بقايا المشيمة. وعلى أي حال هناك العديد من الوصفات لبعض الأمراض،   منها:
 
1- آلام البطن: فالاضطرابات الهضمية الناتجة عن الإكثار أو عدم الانتظام في الطعام والتلوث الميكروبي للطعام من أكثر الأسباب المؤدية إلى آلام البطن في المعدة والأمعاء فقد استخدمت وصفات شعبية، بها مشروبات محلاة بالسكر لعلاج الآلام الناتجة عن الإسهال وقد ترجع هذه الفكرة إلى أن استخدام السكر مع الماء في علاج آلام البطن مفيد ذلك أن التركيز العالي للسكر يساعد على قتل بعض الجراثيم نتيجة خاصيته الاسموزية وبالتالي تخفيف الألم إذا كان ناتجا عن التلوث بالجراثيم ولذلك هناك وصفات مثل شراب الماء المحلى بالسكر أو شراب الزعتر وشراب شاي الليمون وشراب العشرج (العشرج عبارة عن شراب يتكون من مزيج منقوع لمجموعة من النباتات والعقاقير الطبية وهي الورد والعناب وعلك البان والهليلج والزعتر وحبة حلوة وأوراق العشرج). شراب الدارسين،   عصير البرتقال. كما يستخدم البابونج والشمر وحبة البركة كمسكن لآلام البطن.
 
2-  الإسهال:يعتبر الإسهال من أكثر الاضطرابات الهضمية شيوعاً خاصة بين الأطفال... وتعتقد بعض الأمهات أن تناول الموز يفيد في علاج الإسهال.. وقد ورد ذكر الموز في الكتب القديمة وقال عنه ابن سينا بأن الإكثار من الموز يولد السدد ويثقل المعدة.. ومن الوصفات الشعبية لعلاج الإسهال تناول الموز،   شراب الليمون.. اللبن الزبادي.. الشاي بدون سكر.. ماء النشا (ماء الأرز) أيضا يؤخذ الجزر والنعناع والجوز ويمزج ويغلى ويشرب منه لعلاج الإسهال.
 
3- الإمساك: وينتج الإمساك عن قلة تناول الألياف كالخضروات.. ومن الوصفات الشعبية لعلاج الإمساك تناول شراب العشرج وعصير البرتقال.. وتناول الماء المحلى بالسكر.. الصبار.. وشربة الخضار.. ويعطى أيضاً الرواند.
 
4- الغثيان والقيء: يمكن استعمال القرنفل حيث توضع نقطة أو نقطتين من زيت القرنفل على قطعة سكر وتضاف للطعام وأيضا يمكن استخدام الزنجبيل.
 
5- الزكام والانفلونزا: ويستخدم بعض الناس عصير البرتقال وعصير الليمون وهما بالطبع مواد هامة حيث تحتوي على فيتامين (ج) والذي تبين أنه يساعد على تقوية جهاز المناعة بالجسم.. وفي الطب القديم استخدم القدماء البصل كعلاج للزكام والتهابات الرئة ومن الوصفات الشعبية لعلاج الزكام والأنفلونزا تناول عصير البرتقال والليمون.. استنشاق السكر المحروق.. استنشاق البخور.. تناول زيت الزيتون.. وقد يرجع ذلك إلى أن من أعراض نزلات البرد انسداد فتحات الأنف وصعوبة التنفس فاستنشاق مثل هذه المواد ذات الروائح النفاذة يساعد على تخفيف هذه الحالة.. وكذلك يستخدم الثوم حيث يؤكل ستة فصوص طازجة ويعطي أفضل النتائج بمفرده ويحذر استعماله في حالة تهيج المعدة. وتوصف كذلك للزكام زهرة النوفل والعناب والبابونج وعرق السوس وقليل من سكر النبات والزنجبيل ويتم غليها وشربها.
 
6- الصداع وآلام الرأس: لعل من أشهر الوصفات الشعبية المستخدمة في علاج الصداع منذ القدم هي استخدام الحناء والتي ورد ذكرها في كتاب (الطب النبوي) لابن قيم الجوزية.. ومن بعض الوصفات الشعبية الأخرى،   شرب شاي الليمون.. ودهن الرأس بالزيت.. تناول العشرج.. وأيضاً يستخدم الزعفران حيث يوضع مع الخل ويدهن به الصدغان فيسكن الصداع بالإضافة إلى استعمال النعناع حيث يدق ويخلط ويوضع على الجبهة لتسكين الصداع كذلك. وأيضا يستعمل الزنجبيل بعد خلطه مع الخل حتى تشكل «لبخة» على الرأس من الأذن اليمنى لليسرى. أو يدق ورق السدر ويخلط بالحناء ويدهن به الرأس.. كما يقوم بعض العطارين بوصف المحلب والقرنفل والريحان والعفص فتدق ويدهن بها الرأس.. وكذلك تستعمل المصطكة في حالات الصداع بعد تسخينها وتلصق بواسطة قطعة مستديرة على جانبي الرأس أو تسخن المصطكة مع السمن البلدي وتقطر في الأنف.
 
7- آلام الأسنان: لعل من الأشياء الشائعة هي تسوس الأسنان وآلامها ولذلك فهناك وصفات شعبية كثيرة لعلاج آلام الأسنان يستخدم فيها الزعتر وشراب الماء بالملح والقرنفل.. وقد ذكر القرنفل في الطب القديم كذلك لأنه يسكن ألم الأسنان فيوضع القرنفل أو الزعتر على الأسنان المؤلمة ويستخدم الماء والملح للمضمضة. ويمكن عمل غرغرة من مائتي غرام من التين الجاف أو التمر أو الزبيب وتغلى في لتر ماء وتستعمل غرغرة ويمكن أيضا استعمال غرغرة من غلي بذر كتان في الماء ويضاف إليه مقدار من الحليب ويستعمل فاترا كغرغرة. ولتقرحات الفم يستخدم المر وهو مضاد للجراثيم وقابض ويعمل على التئام الجروح.. كما يستخدم القيصوم والصمغ العربي والثوم والسكران والخروع والخشخاش والفستق في بعض حالات آلام الأسنان.
 
8- المساعدة على الحمل: يمزج طلع النخل بالعسل ويحمل في المهبل قبل الجماع مباشرة كما يؤكل للمساعدة على تكوين البويضة ولتنشيط الإخصاب عند الرجل والمرأة.. وقد تؤكل بعض الأشياء الأخرى مثل طلع النخل - زيت النخل - زيت القمح - صفار البيض - زيت الذرة- زيت الصويا - زيت السمسم - الجزر - الخس.
 
9- تورم الثديين بعد الولادة: يستعمل كأس من الخل ويضاف مثله من الماء الساخن وتوضع كمادات ساخنة على الثدي ويكمد أيضا بدهن الورد والماء الساخن.
 
10- آلام المفاصل: من الوصفات الشعبية الشائعة وضع التمر على مكان الألم أو تدليك المفاصل بالدهن أو الزيت مثل زيت الخروع أو زيت الزيتون.. أو التدليك بشراب ماء الورد والزنجبيل والماء والملح والحليب.
 
11- آلام الأذن: تستخدم بعض الوصفات الشعبية مثل زيت الزيتون ويتم ذلك بأن يقطر زيت الزيتون أو ماء الزعتر في الأذن وفي بعض الأحيان يخلط زيت الخروع مع كمية من الفلفل الأسود المدقوق وتوضع في أذن المريض وأيضا قد يستخدم الليمون والثوم لعلاج آلام الأذن. ففي حالة سيل الدم يؤخذ عليق مع الخل ويقطر في الأذن أو دهن ورد وخل يسخن ويقطر فيها.. أو يقطر فيها عصارة الفجل أو دهن ورد أو لبن امرأة.. وللطنين يقطر فيها القطران مع العسل.. وللتلقيح في الأذن يقطر فيها بول الطفل أو النعناع مع العسل.. وللدود في الأذن يقطر فيها عصير البصل أو عسل أو خل عنب أو عصارة الكرات مع لبن امرأة أو دهن ورد وعصارة الفجل.
 
12- آلام العيون: لعل من أهم الوصفات الشعبية الشائعة هو حليب الأم وخاصة عند الأطفال الرضع وتتم هذه الطريقة بتقطير حليب الأم في عين الطفل. وقد ذكر التركماني  في كتابه (المعتمد في الأدوية) بأن لبن الأم ينفع من الرمد والطرفة (بفتح الطاء وسكون الراء) في العين. وأيضا استعمال الورد والعسل كعلاج لالتهابات العين وقد ذكر ابن سينا أن العسل يجلو البصر. أيضاً من المعروف في الطب الشعبي أن للجزر فوائد كثيرة للمحافظة على قوة الإبصار لاحتوائه فيتامين (أ).
 
وينصح بعض العطارين في حالة التهاب العين بغسلهما بماء بارد وتكحل بماء البصل بعد غرس مرود الكحل في قلبهما وبعدها يتم تكحيل العين بالكحل الطبيعي وإذا ظهرت حبة أو كيس دهني داخل العين فيزيلها العطار بواسطة حب الرشاد أو (التفة) ثم يغرس مرود الكحل في قلب البصل لتعقيم العين.
 
وفي حالة المياه البيضاء بالعين: يمزج ربع فنجان عصير بصل مع نصف فنجان عسل ويضاف إليه البابونج والخبيزة ثم يقطر المزيج السابق نقطة واحدة مرتين في اليوم وراحة كل يومين ويقطر حتى تكون مدة التقطير خمسة أيام وتدهن العين بزيت الخروع عندما ينجم التهاب بالعين عن القطرة. أما المياه الزرقاءبالعين فإنه يمزج العسل بالبن والتين الأخضرويقطر منه للمياه الزرقاء. كما تفيد هذه الطريقة في حالة الغباشة الرطبة ويمسح بزيت الخروع إذا حدثت التهابات من القطرة.
 
2ـــ الحجامة كأسلوب علاجي:
اشتهر العرب بالطب والعلاج،   ولكن لا يجب أن نظن أن الفن الطبي لديهم قد اعتمد على العرف والعادة وعلى توارث ما هو تقليدي،   بل امتد العلاج عند العرب إلى أبعد من ذلك ليشمل العمليات الجراحية منها الحجامة.
وتعد عملية  الحجامة والفصد عمليتين معروفتين تقوم كل منهما على فلسفة طبية معروفة هي فكرة «الامتلاء الدموي» الذي يتطلب إخراج كمية من الدم من جسم المريض،   ولا تتضمن عملية الحجامة أي خطورة. والحجامة هي سحب الدم الفاسد من الجسم الذي سبب مرضا معينا أو قد يسبب مرضا في المستقبل بسبب تراكمه وامتلائه بالأخلاط الضارة والحجم يعني التقليل. والحجامة تنقي الدم من الأخلاط الضارة التي هي عبارة  عن كريات دم هرمة وضعيفة لا تستطيع القيام بعملها على الوجه المطلوب من امداد الجسم بالغذاء الكافي والدفاع عنه ضد الأمراض.
 
وللحجامة هدفان لا ثالث لهما:
1- وقائية: وهي تعمل بدون أن يحس الشخص بمرض معين وهي تقي بإذن الله من الأمراض مثل الشلل والجلطات.
2- علاجية: وهي تكون بسبب مرض معين،   فهناك الكثير من الأمراض التي عولجت بالحجامة مثل الصداع المزمن والخدر وتنميل الأكتاف وآلام  الركبتين والروماتيزم وحساسية الطعام وكثرة النوم.
 
تاريخ الحجامة
الحجامة هي من أقدم الممارسات الطبية التي عرفها الإنسان منذ القدم،   ولقد استخدمها قدماء المصريين والآشوريين والصينيين،   وانتشرت في كل أركان الأرض،   وكانت موجودة في جزيرة العرب قبل البعثة،   وأثناء البعثة وبعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم،   وظلت هذه الطريقة العلاجية البدائية متفشية كواحدة من أهم الوسائل الطبية،   ولكنها بدأت تنحصر وتنزوي في بعض المجتمعات المغلقة والمتخلفة بعد بزوغ شمس الطب الحديث،   وأخيرا بدأت تطل برأسها مرة أخرى على استحياء من خلال موضة ما يسمى «بالطب البديل»،   وكذلك من خلال إعادة بعث ما يسمى «بالطب النبوي» ولعل الصينيين وحدهم هم الذين ظلوا يحافظون على الحجامة منذ القدم وحتى الآن كعمود من أعمدة الطب الصيني الغامض،   بالإضافة إلى الإبر الصينية وطب الأعشاب.
 
ولسنا هنا بصدد تقييم الطب الصيني،   ولكننا باختصار نرى أن هذا الطب الذي بدأ قبل الميلاد بآلاف السنين واستمر حتى يومنا هذا كطب مستقل عن الطب الغربي أو الحديث،   لم يحقق نجاحا مرضيا بالقدر الذي نستطيع أن نعتمد عليه لعلاج حالة مرضية معينة بنسبة نجاح محددة ودون الاستناد إلى وسائل طبية  أخرى مساعدة،   وذلك أن هذا الطب لا يعتمد على أسس علمية وتجريبية بقدرما يعتمد على أسس فلسفية وروحانية ونظريات افتراضية لم نتمكن حتى الآن من إثباتها بطريقة علمية ملموسة،   وذلك مثل نظرية الطاقة الشهيرة،   ونظرية السالب والموجب،   وغيرها.
 
شروط عمل الحجامة
هناك عدد من الشروط ينبغي توفرها لكي تنجح عملية الحجامة،   وتتعلق بعض هذه الشروط بالحجامة نفسها مثل الوقت المناسب لإجرائها،   ويتعلق بعضها بالمريض وبعضها بالمعالج.
1- الوقت الملائم:
على الرغم من اختلاف بعض الحجامين فيما يتعلق بتحديد الوقت الملائم للحجامة صيفا أو شتاءإلا أن هناك اتفاقا على أن الجو المعتدل هو أكثر مناخ  ملائم لإتمام العملية،   ذلك لأن الجو الحار يساعد على سيولة الدم الأمر الذي يؤدي إلى خروج كمية أكبر من الدم مما يضر بالمريض. كما أن الجو البارد يمكن أن يؤدي إلى تجمد الدم فلا يخرج من مكان التشريط على الإطلاق.
ويرى البعض أن أول يوم وآخر يوم من الشهر لا يجب أن تتم فيه الحجامة وبالنسبة لأيام الأسبوع الأكثر ملاءمة للحجامة فيبدو أن أيام الاثنين والثلاثاء والأربعاء هي الأكثر ملاءمة،   ويفضل أن تتم العملية قبل شروق الشمس أو بعدها بقليل حتى يكون الجو معتدلا ويعتبر وقت الصباح بصفة عامة وقتا صالحا للحجامة.
 
2- النظافة والنوم:
من الشروط الأساسية في عملية الحجامة،   النظافة والنوم،   بالنسبة للنظافة لا يجب أن يستحم المريض بعد الحجامة مباشرة بل يجب عليه أن ينتظر عددا من الساعات ما بين ساعتين إلى ثلاث ساعات،   كذلك يجب ألا ينام بعد إتمام العملية مباشرة.
 
3- التغذية:
أما بالنسبة للتغذية فيجب أن يأكل المريض جميع المأكولات وخاصة الدجاج والجبن وعصير البرتقال ويجب أن يمتنع عن تناول السمك والبصل في يوم الحجامة فقط وترجع الأسباب إلى أن السمك والبصل «أرياحين» بمعنى أنها تسبب الغازات في البطن.
 
4- مواضع الحجامة في الجسم:
تتم عملية الحجامة في أجزاء محددة من الجسم وأشهر هذه الأجزاء خلف الرأس وأعلى الظهر أو من أعلى الوسط،   وجانبي الركبة والساعد في منتصف المسافة بين الركبة والقدم من الخلف،   وجانبي العينين وعلى الرغم من تأكيد أكثر من حجام أن الحجامة يمكن أن تتم في منطقة الصدر إلا أن بعضهم قد حذر من حجامة الجزء الأيسر من الصدر. ولا يجوز إجراء الحجامة في اليد أو الفخذ أو البطن أو القلب. ويتم تحديد مواضع الحجامة من خلال ثلاث طرق وهي:
 
1) إثارة وتنبيه مناطق الألم.
2) تنبيه المناطق العصبية: التي لها اتصال بالجلد أو بمعنى آخر الوصلات العصبية المشتركة مع الجلد في مراكز واحدة كما في حالات القلب حيث يتم التنبيه في مناطق معينة في الكتف.
3) الطريقة الثالثة عبارة عن استخدام ردود الأفعال حيث يتم التنبيه في أماكن معينة في الجلد فيحدث ذلك ردود فعل في الأعضاء الداخلية مثل تنبيه الغدد وتنبيه افرازات الجهاز الهضمي.
 
5- العمــر:اختلف الحجامون في تحديد السن الملائم للحجامة،   فقد قرر بعضهم أنه يبدأ من سن ثماني سنوات بينما قرر البعض أنه يبدأ من سن 12 إلى 15 سنة.
 
التجهيز لعملية الحجامة: تبدأ عملية الحجامة ببعض الاستعدادات الخاصة بالأدوات والمريض على السواء،  ويتم تجهيز الأدوات بتنظيفها بالغسيل بالماء والصابون،   أما من جهة  المريض فبعد أن يسأله الحجام عن شكواه بالتالي يحدد مكان الحجامة يبدأ بقص الشعر بالموس للتأكد من عدم وجود شعر في المكان نهائياً.
 
ثم يبدأ الحجام بوضع المحجمة أو الشيشة على المكان الذي يتم تحديده ويتم تثبيت المحجمة على المكان عن طريق شفط الهواء من المكان حتى يتجمع الدم داخل إطار المحجمة ويحتقن المكان ويصبح محمرا وهذا تمهيد لعملية التشريط،   وكلما كان الشفط قويا تجمع الدم بكثرة في المكان،   ويفترض أن يكون التشريح سطحيا وأن ينحصر داخل الدائرة الحمراء. ويقول الحجامون أن كثرة الشفط تؤدي إلى ما يشبه تخدير المكان بحيث لا يشعر المريض بألم التشريط ويحدد الحجامون عدد التشريطات بثلاثة تسيل من كل منها الدم بمجرد التشريط ويقوم بعد ذلك بعملية مص أو شفط الدم من المكان.
 
ويرى بعض الحجامين أن أول كمية من الدم تسيل من الجرح يكون لونها أسود وهذا هو الدم الفاسد،   أما الكمية التي تلي ذلك فتكون أكثر احمراراً،   والكمية الثالثة تكون حمراء فاتحة،   ويعتبر ذلك مؤشرا على نجاح العملية وخروج الدم الفاسد.
 
وبعد إتمام التشريط وسحب الدم يجفف بعض الحجامين المكان بقطعة من القماش ثم يضعون عليه زعتر مطحون ويقوم الزعتر بوظيفة هامة في تجفيف الجرح وحفظه والإسراع بالتئامه وإذا لم يكن الزعتر مطحونا فهو يفرك باليد.
 
ويقوم الحجام بعد ذلك بغسل أدواته والتخلص من كمية الدم الني تجمعت بإلقائها في وعاء مليء بالتراب أو دفنها في الرمال ويتم تجفيف الأدوات بعد غسلها باستخدام قطعة قماش،   أما المحجمة فتنكس بحيث تكون فتحتها إلى الأسفل وقاعدتها إلى الأعلى،   وإذا تم استخدام الموس الكبير فيتم تنظيفه. أما إذا كان من الشفرات الصغيرة فسيتم التخلص منها واستخدام موس جديد مع مريض آخر.
 
ويجب على المريض أن لا يستحم قبل مضي ساعتين على إتمام الحجامة،  ويعتبر ذلك حماية للجرح من الالتهاب،   ويقرر الحجامون أن المريض يشعر بالراحة بمجرد أن تنتهي العملية ويمكن أن ينام مستريحا ولا يحتاج إلى متابعة أو إعادة فحص.
 
من الأمراض التي تعالج بالحجامة: يحدد المعالجون بالحجامة الأمراض التي تعالج وأماكن علاجها وهي كثيرة من أهمها:
 
1- آلام الجسم عامة:
عندما يشعر المريض بتعب جسمي عام وبآلام ليست محددة الموضع وما يرتبط بذلك من الإحساس بالإرهاق فإنه يعالج بالحجامة على «كرشة الساق» في المنطقة الواقعة بين القدم والركبة من خلف القدم.
 
2- أوجاع الرأس والدوار:
تعالج أوجاع الرأس والإحساس بالدوار بالحجامة خلف الرأس وهو مكان متفق عليه.
 
3- آلام الأسنان:
تتم الحجامة في حالة آلام الأسنان أسفل الفم من الخارج.
 
4- وجع العينين المصحوب بالدوار:
إذا أصيب الشخص بوجع في العين وارتبط ذلك الإحساس بدوار الرأس فإن الشخص يحجم على جانبي العين أو على جانبي الرأس.
 
5- آلام الصدر والكحة:
يحجم الشخص المصاب بآلام صدرية وكحة إما على كتفه من الخلف أو بين الثديين.وغيرها كثير....
 
ويستخدم  الحجامون نوعين من الأمواس: الأول هو الموس الكبير الذي يستخدم لحلاقة الذقن في محلات الحلاقة ومن الطبيعي أن الحجام يستخدمه وينظفه ثم يعيد استخدامه مرة أخرى مع مريض آخر،   أما النوع الثاني فهو شفرات الحلاقة التي يستخدمها الرجال،   وفي هذه الحالة يحتفظ الحجام أو الحجامة بمكينة واحدة يوضع بها الموسى ولكنه يحتفظ بعدة أمواس أو شفرات،   وقد أعطي وجود هذه الأمواس أو الشفرات فرصة لاستخدام شفرة واحدة مع مريض واحد وواكب ذلك وعي متزايد بفكرة التلوث ومخاطر ذلك على الناس.
 
4- مواد وأدوات التنظيف:
يستخدم الحجام مواد عشبية لتجفيف مكان الجرح وذلك باستخدام قطعة قماش ثم ينثر الزعتر على الجرح لكي يتم تجفيف مكان الجرح تماما وأحيانا يستخدم «الآيدين» لنفس الغرض.
 
5- أوعية وأشياء أخرى:
إذا تفحصنا الأدوات والأوعية والمواد وغيرها من الأشياء التي يستخدمها كل حجام نجد أن كل حجام يحتفظ ببعض الأشياء،   فهناك من يحتفظ بخرق من القماش يلف بها أدوات الحجامة وآخر يحفظ الأمواس في علية صغيرة.
فكل حجام يستخدم الأدوات الرئيسية للحجامة ولكن طريقة حفظ الأدوات تختلف من حجام لآخر.
 
3ــ عملية الكي:
الكي من العمليات الطبية المشهورة ويعتبر أحد أنواع أساليب العلاج الشعبي المتوارث وكان الناس يلجأون للكي عندما تنعدم وتعجز كافة السبل العلاجية الأخرى فيضطر الناس إلى اللجوء إليه طلبا للشفاء. فهناك اعتقاد راسخ بأن للنار مفعولا علاجيا مؤكدا لاعتقادهم أن بعض الأمراض سببها رطوبات فاسدة لذلك علاجها بالنار حيث يتم ذلك باستخدام أدوات وآلات حديدية لكي أحد أعضاء الجسم بعد تحميتها في النار،   وهو ما اصطلح على تسميته «عملية الكي» وهو أسلوب علاجي واسع الانتشار في ثقافات متعددة بل إنه يعتبر من أقدم الأساليب العلاجية التي استخدمت منذ فجر التاريخ.
 
عملية الكي
عملية الكي هي إحراق الجلد باستخدام أداة حديدية أو أي أداة أخرى وذلك بعد تحميتها في النار ويطلق على الكية في بعض الأحيان لفظ رشمة بمعنى رسمة أو يطلق عليها الرقم وهي تعني الترقيم وتأتي هذه التسمية نسبة إلى أن الكي عادة ما يحدث علامة في الجلد.


وعادة ما تبدأ جلسة العلاج  بحديث قصير بين الكواء وبين أهل المريض وغالبا ما يستغرق ذلك الحديث الوقت الذي تحتاجه المكواة للتسخين ويختار الكواء المكواة المناسبة للكي بحسب نوع المرض ومكان الكي وتحمى المكواة على النار عن طريق وضعها في فحم متوهج،   وتترك إلى أن يتحول لون الحديدة إلى الأحمر وعادة لا يحتاج المعالج أن يطهر مكان الكي إذ أن عملية الكي لا تحتاج إلى تطهير المكان،   فالنار يمكن أن تقضي على أي ميكروبات.
 
ويلجأ بعض الكوائين إلى تحديد مكان الكي باستخدام طباشير أو كحل أو قلم أو حتى رماد وذلك لكي يكون واثقا من المكان الصحيح للكي عند قيامه بذلك أما في حالة الكي في الرأس فإن الامر يتطلب حلق الشعر لتحديد مكان الكية. ولابد أن يجمع الكواء بين أمرين ربما يصعب الجمع بينهما وهما أن تكون الكية عميقة بحيث تصيب المكان المقصود كيه وأن تكون خفيفة فلا تحدث حرقاً في الجلد. ويؤدي إلى نجاح الكواء في ذلك عنصر المهارة والسرعة.
 
شروط نجاح عملية الكي 
هناك عدة شروط ذكرها معظم الكوائين لنجاح عملية الكي ويمكننا تقسيمها إلى ثلاثة أنواع:
 
أولا: شروط تتعلق بالكواء.
لابد أن تتوفر في الكواء الشروط التالية:
1- الطهارة: فقد أشار أكثر من كواء إلى أن الطهارة شرط من شروط نجاح عملية الكي إلا في الحالات الحرجة.
2 - الخبرة والمهارة: لابد أن تكون للكواء خبرة طويلة المدى،   ولابد أن يتوفر لديه قدر كبير من المهارة ويلاحظ أن الخبرة الطويلة تؤدي دائماً إلى مزيد من المهارة وتظهر خبرة ومهارة الكواء دائما في ثلاث مسائل.
 
تحديده لمكان الكية وعدد الكيات الضرورية.
طريقة الكي ويبدأ ذلك بالكيفية التي يمسك بها الكواء بالمكواة وحتى إتمام عملية الكي.
 
خفة اليد بحيث لا يضغط بشدة أو يستمر وقت أطول مما يجب.
3 - الجرأة والعزم والثقة بالنفس: من الضروري أن يكون الكواء قوي الايمان ويؤمن أن الكيّة سوف تشفي المريض بإذن الله وأن يكون قوي القلب غير متردد فيحمي المكواة ويضعها على جسم المريض بثقة وجرأة وعزم.

ثانياً: شروط تتعلق بعملية الكي.
لكي يكون الكي صحيحاً لابد أن تتوفر فيه الشروط الآتية:
1 - تحمية المكواة جيداً بحيث تحمر المكواة وتكون لها رائحة ويتصاعد منها الدخان ويصير لونها محمراً حمرة شديدة وبذلك تصبح الأداة صالحة للكي وذلك أن الأداة غير المحماة جيداً يمكن أن تحدث تيبساً في الجلد. كما أن الكواء سيضطر إلى أن يضغط بها على جسم المريض فترة طويلة مما يزيد ألمه وقد يحدث ذلك أضراراً عديدة ولهذا يفضل تحمية المكواة على الفحم وليس في الفرن فهو يساعد على المزيد من تحميتها.
2 - عدم تخدير المريض بأي مخدر فلابد أن يشعر المريض بآلام الحرق دون محاولة تخفيف هذا الاحساس.
3 - عدم محاولة علاج أثر الكي بوضع مواد علاجية تساعد على سرعة شفاء الحرق مثل المراهم وغيرها والمادة الوحيدة التي يمكن أن تدهن بها هي «الزبد».

ثالثاً: شروط تتعلق بالمريض.
ويمكن تلخيص الشروط التي تتعلق بالمريض فيما يأتي:
 
1 - الصلابة والجأش:
من المعروف أن الكي يعد أحد العلاجات الشعبية المؤلمة ولهذا فهو يتطلب جأشاً وتماسكأ وإذا لم يكن المريض قادراً على الصبر وضبط النفس أثناء إجراء الكي فيجب أن يمسكه آخر حتى لا يهتز جسمه أثناء العملية فيؤدي الى حرق مناطق آخرى غير مقصودة من الجلد. ولهذا عادة ما يسأل الشخص البالغ إذا ما كان يمكنه الثبات أم يحتاج إلى أن يمسكه آخر.
 
ويفضل الناس ألا ينظر المريض إلى المكواة أو الى يد المعالج الشعبي وهي تقترب منه لتكويه لأن ذلك يزيد من خوفه وبالتالي يؤدي ارتجافه واهتزازه،   ولهذا يتطلب من المريض أن يدير وجهه جانباً أو يضع على عينيه رباطا حتى لايرى إذا لم يتمكن من حجب وجهه طواعية. على أن الأفراد الذين يتميزون بالصلابة والجأش عادة ما يرفضون إبعاد نظرهم عن الكواء أثناء العملية ويتحكمون في أنفسهم إلى درجة قصوى فلا يتحركون مهما شعروا بالآلام.
 
2 - الثقة بالمعالج: لابد أن يثق المريض بالمعالج وبقدرته على الكي بطريقة صحيحة وفي الموضع الصحيح ذلك أن هذه الثقة تعد عاملاً مساعداً على إقدام المريض على العلاج وصبره على آلآم العلاج،   واتباعه لتعليمات الطبيب.
 
3 - عدم الاستحمام بعد الكي:يجب أن لا  يستحم المريض بعد الكي مدة يحددها المعالج تبعاً لنوع المرض.
 
أدوات الكي: يعد الخلال الأداة التقليدية الرئيسية التي استخدمت في عملية الكي، ويؤكد الاستخدام التقليدي للخلال سعي الانسان لاستخدام معطيات البيئة في علاج  الأمراض وقد استخدمها في صورة طبيعية في بعض الأحيان، بينما أجرى عليها تعديلات أخرى أحياناً. والملاحظ أن بعض هذه الأدوات حديدي وبعضها خشبي كما أن أكثرها تستخدم لأغراض الكي.
 
أما أدوات الكي فهي:
1.الخلال: وهو عبارة عن مسمار حديدي كان يستخدم لربط حجاب بيت الشعر ويلاحظ أن الخلال يكون مثنياً على شكل حرف (U) من طرف،   وعلى شكل دائرة من الطرف الآخر ويسمى الطرف الذي يأخذ شكل (U) المطرق ويسمى الدائري بالرقمة.
2 - المسمار: ويعتبر من الأدوات الرئيسية للكي اليوم،  ومنذ القدم كانت تستخدم المسامير التي تصنع لتدق في أخشاب السفن في الكي أما الآن فيستخدم أي مسمار.
3 - الميبر- المخيط- الدفرة: وهي الإبرة الكبيرة التي تستخدم لخياطة المراتب والمفارش وتستخدم بعد ثني رأسها على شكل دائري.
4 - الطرف الدائري للحلق: يستخدم الطرف الدائري للحلق «الجلاب» في الكي في العين على وجه الخصوص.
5 - عروة المقص: ويتم الكي أيضاً باستخدام حلقة المقص التي يتم إدخال الإصبع فيها عند استخدامه في عملة القص.
6 - خوصة النخيل: وتستخدم أيضاً في الكي ويستخدم الجزء المدبب حيث يتم تسخينه والكي به.
7 - قطع القماش: وتستخدم أيضاً في عملية الكي بحيث تحرق قطعة القماش وتوضع على المكان الذي يجب كيه.
 
الأمراض التي تعالج بالكي:
هناك العديد من الأمراض التي تعالج بالكي ولكن في المقابل هناك مواضع من الجسم لا يجب كيها وقد حددها المتخصصون في العلاج بالكي وهي:
 
1 - الأماكن اللينة المليئة باللحم.
2 - الاماكن القريبة من العروق.
3 - المفاصل.
 
وتعود أسباب ذلك إلى أن الأماكن المليئة باللحم هي اختباء العروق « الشرايين والاوردة» وكيها يعود بالضرر على المريض،   لذلك فإن الأماكن القريبة من الأوردة والشرايين أو الأماكن التي تمتلئ بها لا يجب الكي عليها،   أما المفاصل فيجب أيضاً الحذر فيهامن الكي  إذ أنها تعتبر مناطق خطرة وبالذات منطقة مفصل الركبة والكوع.
 
ويعتقد المعالجون والناس الذين يلجأون إلى الكي في جدوى وفعالية و أهمية العلاج عن طريق الكي بل يعتقدون أنه العلاج الأكثر فاعلية عندما لا توجد علاجات أخرى وهناك العديد من القصص التي يحكيها الناس عن نجاح الكي في علاج الأمراض،   فهناك ثقة كبيرة لدى الناس بالكي كوسيلة علاجية.
 
ويذكر المعالجون فاعلية الكي بذكر حالات كثيرة لأشخاص ذوي مراكز وظيفية عالية عولجوا بالكي،   وهناك أيضاً العديد من الأجانب الذين لجأوا إلى الكي بعد أن استعصى الشفاء بالأساليب الأخرى،   كما يشارك المعالجون في إجراء مقارنات عديدة عند الحديث عن الكي بين ما يستطيعه الطب الحديث وما يقدرعلى إنجازه وبين ما يحققه الكي من إنجازات هائلة قد يعجز عنها الطب الحديث في اعتقادهم.
 
الأمراض التي تعالج بالكي في النسخة المطبوعه من المجلة
هذا البحث في أصله دراسة جامعية أعدت في جامعة البحرين  تحت إشراف الدكتورة سوسن كريمي وهيأته للنشر مقالاً الدكتورة نور الهدى باديس
 
الهوامش
1 - (انظر عبد الرحمن مصيقر الوصفات الشعبية المتعلقة بعلاج الأمراض،   دراسة ميدانية،    مجلة المأثورات الشعبية،  قطر،  الدوحة،  مركز التراث الشعبي  لدول الخليج العربية س 3،  ع9،   1988).
2 - (انظر،  منير البعلبكي،  موسوعة المورد)،  دار العلم للملايين،  بيروت 1983ص 147).
 

http://www.folkculturebh.org/ar/index.php?issue=12&page=showarticle&id=55