المعالجة بالكــي " الوسم "

Cauterization

وقد يُعجِزُ الدَّاءُ الدَّواءَ مِن امرِىء ٍ ***  ويشفيه من داء به الكي والفصدُ

 

الكي في اللغة والحديث

الكي والوسم واللذع

يقول ابن المنظور في لسان العرب:

(كوي) الكَيُّ معروف إِحراقُ الجلد بحديدة ونحوها كواه كَيّاً وكوَى البَيْطارُ وغيره الدابة وغيرها بالمِكْواة يَكْوِي كَيّاً وكَيَّة وقد كَوَيْتُه فاكْتَوَى هو وفي المثل آخِرُ الطِّبِّ الكَيُّ.

 

والكَيَّةُ موضع الكَيِّ والكاوِياء مِيسَمٌ يُكْوَى به واكْتَوَى الرجل يَكْتَوِي اكْتِواء استعمل الكَيَّ واسْتَكْوَى الرجل طلب أَن يُكْوَى والكَوَّاء فَعَّال من الكاوِي وكَواه بعينه إِذا أَحدَّ إِليه النظر وكَوَتْه العقرب لدغته وكاوَيْتُ الرجل إِذا شاتمته.

 

الوَسْمُ أَثرُ الكَيّ والجمع وُسومٌ، وقد وسَمَه وَسْماً وسِمةً إِذا أَثَّر فيه بسِمةٍ وكيٍّ، والمِيسَمُ المِكْواة أَو الشيءُ الذي يُوسَم به الدوابّ والجمع مَواسِمُ ومَياسِمُ.

 

واللذْعُ حُرْقةِ النار وقيل هو مسّ النارِ وحِدَّتها لَذَعَه يَلْذَعُه لَذْعاً ولَذَعَتْه النار لَذْعاً لفَحَتْه وأَحْرقتْه، واللَّذْعُ الخفيفُ من إِحراق النار يريد الكَيَّ والمَلْذُوعٌ كُوِيَ كَيّةً خفيفةً.

 

والمعنى الاصطلاحي لا يخرج عن المعنى اللغوي.

 

الكي في كتب الحديث

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «رَأَيْتُ فِي يَدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِيسَمَ وَهُوَ يَسِمُ إِبِلَ الصَّدَقَةِ»[1]

وعن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ " إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَدْوِيَتِكُمْ أَوْ يَكُونُ فِي شَيْءٍ مِنْ أَدْوِيَتِكُمْ خَيْرٌ فَفِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ أَوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ أَوْ لَذْعَةٍ بِنَارٍ تُوَافِقُ الدَّاءَ وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِيَ " رواه البخاري[2]

 

وعَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِى سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى أُبَىِّ بْنِ كَعْبٍ طَبِيبًا فَقَطَعَ مِنْهُ عِرْقًا ثُمَّ كَوَاهُ عَلَيْهِ[3].

 

وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: رُمِيَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ رضي الله عنه يَوْمَ الْأَحْزَابِ فَقَطَعُوا أَكْحَلَهُ، " فَحَسَمَهُ[4] رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالنَّارِ " ثُمَّ وَرِمَتْ يَدُهُ ، فَتَرَكَهُ ، فَنَزَفَهُ الدَّمُ " فَحَسَمَهُ الثَّانِيَةَ " فَانْتَفَخَتْ يَدُهُ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَالَ: اللَّهُمَّ لَا تُخْرِجْ نَفْسِي حَتَّى تُقِرَّ عَيْنِي مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ، فَاسْتَمْسَكَ عِرْقُهُ ، فَمَا قَطَرَ قَطْرَةً ، حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، فَأُرْسِلَ إِلَيْهِ، فَحَكَمَ أَنْ يُقْتَلَ رِجَالُهُمْ ، وَيُسْتَحْيَا نِسَاؤُهُمْ وَذَرَارِيُّهُمْ يَسْتَعِينُ بِهِنَّ الْمُسْلِمُونَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " أَصَبْتَ حُكْمَ اللهِ فِيهِمْ "، وَكَانُوا أَرْبَعَ مِائَةٍ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قَتْلِهِمْ ، انْفَتَقَ عِرْقُهُ فَمَاتَ[5].

 

وعَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ وَأَنَسَ بْنَ النَّضْرِ كَوَيَاهُ وَكَوَاهُ أَبُو طَلْحَةَ بِيَدِهِ وَقَالَ عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ أَذِنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ بَيْتٍ مِنْ الْأَنْصَارِ أَنْ يَرْقُوا مِنْ الْحُمَةِ وَالْأُذُنِ قَالَ أَنَسٌ كُوِيتُ مِنْ ذَاتِ الْجَنْبِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيٌّ وَشَهِدَنِي أَبُو طَلْحَةَ وَأَنَسُ بْنُ النَّضْرِ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَأَبُو طَلْحَةَ كَوَانِي[6].

 

وفي رواية عند أحمد عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَوَانِي أَبُو طَلْحَةَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا، «فَمَا نُهِيتُ عَنْهُ»

 

وعند الترمذي عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى خَبَّابٍ وَقَدْ اكْتَوَى فِي بَطْنِهِ، فَقَالَ: مَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَ مِنَ البَلَاءِ مَا لَقِيتُ، لَقَدْ كُنْتُ وَمَا أَجِدُ دِرْهَمًا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي نَاحِيَةٍ مِنْ بَيْتِي أَرْبَعُونَ أَلْفًا، «وَلَوْلَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَانَا أَوْ نَهَى أَنْ نَتَمَنَّى المَوْتَ لَتَمَنَّيْتُ»

وفي رواية عند البخاري في صحيحه عَنْ قَيْسٍ قَالَ: سَمِعْتُ خَبَّابًا، وَقَدِ اكْتَوَى يَوْمَئِذٍ سَبْعًا فِي بَطْنِهِ، وَقَالَ: «لَوْلاَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَانَا أَنْ نَدْعُوَ بِالْمَوْتِ لَدَعَوْتُ بِالْمَوْتِ، إِنَّ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَضَوْا، وَلَمْ تَنْقُصْهُمُ الدُّنْيَا بِشَيْءٍ، وَإِنَّا أَصَبْنَا مِنَ الدُّنْيَا مَا لاَ نَجِدُ لَهُ مَوْضِعًا إِلَّا التُّرَابَ»

 

وَعَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما اكْتَوَى مِنَ اللَّقْوَةِ[7] ، وَرُقِيَ مِنَ الْعَقْرَبِ[8]. وفي رواية عن أبو الزبير قَالَ: رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ اكْتَوَى مِنَ اللَّقْوَةِ فِي أَصْلِ أُذُنَيْهِ[9].

 

وروي في الموطأ عن مالك عن يحيى بن سعيد؛ قال: بلغني أن أسعد بن زرارة اكتوى في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم من الذبحة، فمات.

 

وفي الطبقات الكبرى لابن سعد: عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، أنه أخبره: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد أسعد بن زرارة وبه الشوكة، فلما دخل عليه قال: " قاتل الله يهود، يقولون: لولا دفع عنه، ولا أملك له ولا لنفسي شيئا، لا يلوموني في أبي أمامة «، ثم أمر به فكوي وحجر به حلقه، يعني بالكي»

يقال: حجر عين البعير: إذا وسم حولها بميسم مستدير.

 

وفي الفائق في غريب الحديث: عَاد الْبَراء بن معْرور وأخذته الذبْحَة فَأمر من لعطه بالنَّار، الذُّبْحة والذُّبَحَة والذُّبَاح: أَن يتورم الْحلق حَتَّى ينطبق وَلَا يسوغ فِيهِ شيء، وَيمْنَع من التنفس فَيقْتل.

 

وفي لسان العرب: الذَّبَحَة[10] بفتح الباء داء يأْخذ في الحَلقِ وربما قتل يقال أَخذته الذُّبَحة والذِّبَحة، الأَصمعي الذُّبْحةُ بتسكين الباء وجع في الحلق، وكان أَبو زيد يقول الذِّبَحَةُ والذُّبَحة لهذا الداء، وقال ابن شميل الذِّبْحَة قَرْحة تخرج في حلق الإِنسان، الذُّبَحة وجع يأْخذ في الحلق من الدَّمِ وقيل هي قَرْحَة تظهر فيه فينسدّ معها وينقطع النفَس فَتَقْتُل.

 

 اللُّعْطةُ: خطٌّ بسواد أَو صفرة تَخُطُّه المرأَة في خدّها، وقال أَبو زيد: إِن كان بِعُرْضِ عنق الشاة سواد فهي لَعْطاء والاسم اللُّعْطة، وفي الحديث: أَنه عاد البَراءَ بن مَعْرُور وأَخذَتْه الذُّبْحةُ فأَمَرَ مَن لَعَطَه بالنّار أَي كَواه في عُنُقه.

وفي كتاب غريب الأثر: أنه عاد الْبَراء بن مَعْرُور وأخَذْته الذبْحَة فأمَر من لَعَطَه بالنَّار، أي كَواه في عُنُقِه، والعِلاَط: وَسْم في العُنُق عَرْضاً.

 

وفي تاج العروس وفي النهاية في غريب الحديث والأثر

أنه كوى أسعد بن زرارة على عاتقه حوراء، وفي رواية أنه وجد وجعا في رقبته فحوره رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديدة، ومنه في الحديث " أنه لما أخبر بقتل أبي جهل قال: إن عهدي به وفي ركبتيه حوراء فانظروا ذلك فنظروا فرأوه " يعني أثر كية كوي بها.

الحوراء: كية مدورة من حار يحور إذا رجع، وحوره إذا كواه هذه الكية كأنه رجعها فأدارها، وقيل سميت حوراء لأن موضعها يبيض من أثر الكي.

 

الْكَيِّ في كتاب نيل الأوطار للشوكاني

عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ طَبِيبًا فَقَطَعَ مِنْهُ عِرْقًا ثُمَّ كَوَاهُ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.

وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَيْضًا: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَوَى سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ فِي أَكْحُلِهِ مَرَّتَيْنِ». رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَمُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ.

وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَوَى أَسْعَدَ بْنَ زُرَارَةَ مِنْ الشَّوْكَةِ»[11] . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.

وَعَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ اكْتَوَى أَوْ اسْتَرْقَى فَقَدْ بَرِئَ مِنْ التَّوَكُّلِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ

 

وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الشِّفَاءُ فِي ثَلَاثَةٍ: فِي شَرْطَةِ مَحْجَمٍ، أَوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ، أَوْ كَيَّةٍ بِنَارٍ، وَأَنْهَى أُمَّتِي عَنْ الْكَيِّ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ.

 

وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْكَيِّ فَاكْتَوَيْنَا فَمَا أَفْلَحْنَ وَلَا أَنْجَحْنَ». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيّ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: فَمَا أَفْلَحْنَا، وَلَا أَنْجَحْنَا.

 

يقول الشوكاني بَابُ مَا جَاءَ فِي الْكَيِّ:

قَوْلُهُ: (فَقَطَعَ مِنْهُ عِرْقًا) اُسْتُدِلَّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ الطَّبِيبَ يُدَاوِي بِمَا تَرَجَّحَ عِنْدَهُ، قَالَ ابْنُ رَسْلَانَ: وَقَدْ اتَّفَقَ الْأَطِبَّاءُ عَلَى أَنَّهُ مَتَى أَمْكَنَ التَّدَاوِي بِالْأَخَفِّ لَا يُنْتَقَلُ إلَى مَا فَوْقَهُ، فَمَتَى أَمْكَنَ التَّدَاوِي بِالْغِذَاءِ لَا يُنْتَقَلُ إلَى الدَّوَاءِ، وَمَتَى أَمْكَنَ بِالْبَسِيطِ لَا يُعْدَلُ إلَى الْمُرَكَّبِ، وَمَتَى أَمْكَنَ بِالدَّوَاءِ لَا يُعْدَلُ إلَى الْحِجَامَةِ، وَمَتَى أَمْكَنَ بِالْحِجَامَةِ لَا يُعْدَلُ إلَى قَطْعِ الْعِرْقِ.

 

وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَوَادٍ " قَطْعُ الْعُرُوقِ مَسْقَمَةٌ " كَمَا فِي التِّرْمِذِيِّ وَابْنُ مَاجَهْ " تَرْكُ الْعَشَاءِ مَهْرَمَةٌ " وَإِنَّمَا كَوَاهُ بَعْدَ الْقَطْعِ لِيَنْقَطِعَ الدَّمُ الْخَارِجُ مِنْ الْعِرْقِ الْمَقْطُوعِ قَوْلُهُ: (كَوَى سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ) الْكَيُّ: هُوَ أَنْ يُحْمَى حَدِيدٌ وَيُوضَعُ عَلَى عُضْوٍ مَعْلُولٍ لَيُحْرَقَ وَيُحْبَسَ دَمُهُ وَلَا يَخْرُجُ أَوْ لِيَنْقَطِعَ الْعِرْقُ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ الدَّمُ، وَقَدْ جَاءَ النَّهْيُ عَنْ الْكَيِّ، وَجَاءَتْ الرُّخْصَةُ فِيهِ، وَالرُّخْصَةُ لِسَعْدٍ لِبَيَانِ جَوَازِهِ حَيْثُ لَا يَقْدِرُ الرَّجُلُ أَنْ يُدَاوِيَ الْعِلَّةَ بِدَوَاءٍ آخَرَ، وَإِنَّمَا وَرَدَ النَّهْيُ حَيْثُ يَقْدِرُ الرَّجُلُ عَلَى أَنْ يُدَاوِيَ الْعِلَّةَ بِدَوَاءٍ آخَرَ لِأَنَّ الْكَيَّ فِيهِ تَعْذِيبٌ بِالنَّارِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعَذِّبَ بِالنَّارِ إلَّا رَبُّ النَّارِ وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلِأَنَّ الْكَيَّ يَبْقَى مِنْهُ أَثَرٌ فَاحِشٌ، وَهَذَانِ نَوْعَانِ مِنْ أَنْوَاعِ الْكَيِّ الْأَرْبَعَةِ وَهُمَا النَّهْيُ عَنْ الْفِعْلِ وَجَوَازُهُ، وَالثَّالِثُ: الثَّنَاءُ عَلَى مَنْ تَرَكَهُ كَحَدِيثِ السَّبْعِينَ أَلْفًا الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَالرَّابِعُ: عَدَمُ مَحَبَّتِهِ كَحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ " وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِيَ " فَعَدَمُ مَحَبَّتِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَوْلَى عَدَمُ فِعْلِهِ، وَالثَّنَاءُ عَلَى تَرْكِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنْ تَرْكَهُ أَوْلَى، فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا تَعَارُضَ بَيْنَ الْأَرْبَعَةِ.

 

قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَمْزَةَ: عُلِمَ مِنْ مَجْمُوعِ كَلَامِهِ فِي الْكَيِّ أَنَّ فِيهِ نَفْعًا وَأَنَّ فِيهِ مَضَرَّةً فَلَمَّا نَهَى عَنْهُ عُلِمَ أَنَّ جَانِبَ الْمَضَرَّةِ فِيهِ أَغْلِبُ، وَقَرِيبٌ مِنْهُ إخْبَارُ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّ فِي الْخَمْرِ مَنَافِعَ ثُمَّ حَرَّمَهَا؛ لِأَنَّ الْمَضَارَّ الَّتِي فِيهَا أَعْظَمُ مِنْ الْمَنَافِعِ انْتَهَى مُلَخَّصًا ، قَوْلُهُ: (مِنْ الشَّوْكَةِ) هِيَ دَاءٌ مَعْرُوفٌ كَمَا فِي الْقَامُوسِ، قَالَ فِي النِّهَايَةِ: هِيَ حُمْرَةٌ تَعْلُو الْوَجْهَ وَالْجَسَدَ يُقَالُ مِنْهُ شِيكَ فَهُوَ مُشَوَّكٌ، وَكَذَلِكَ إذَا دَخَلَ، فِي جِسْمِهِ شَوْكَةٌ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ " وَإِذَا شِيكَ فَلَا انْتَقَشَ " أَيْ إذَا شَاكَتْهُ شَوْكَةٌ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى انْتِقَاشِهَا وَهُوَ إخْرَاجُهَا بِالْمِنْقَاشِ.

 

قَوْلُهُ: (فَقَدْ بَرِئَ مِنْ التَّوَكُّلِ) قَالَ فِي الْهَدْيِ: أَحَادِيثُ الْكَيِّ الَّتِي فِي هَذَا الْبَابِ قَدْ تَضَمَّنَتْ أَرْبَعَةَ أَشْيَاءَ: أَحَدُهَا: فِعْلُهُ، ثَانِيهَا: عَدَمُ مَحَبَّتِهِ، ثَالِثُهَا: الثَّنَاءُ عَلَى مَنْ تَرَكَهُ، رَابِعُهَا: النَّهْيُ عَنْهُ، وَلَا تَعَارُضَ فِيهَا بِحَمْدِ اللَّهِ فَإِنَّ فِعْلَهُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ وَعَدَمِ مَحَبَّتِهِ لَا يَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ مِنْهُ، وَالثَّنَاءُ عَلَى تَارِكِيهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَرْكَهُ أَفْضَلُ وَالنَّهْيُ عَنْهُ إمَّا عَلَى سَبِيلِ الِاخْتِيَارِ مِنْ دُونِ عِلَّةٍ أَوْ عَنْ النَّوْعِ الَّذِي يَحْتَاجُ مَعَهُ إلَى كَيٍّ انْتَهَى. وَقِيلَ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ هُوَ الِاكْتِوَاءُ ابْتِدَاءً قَبْلَ حُدُوثِ الْعِلَّةِ كَمَا يَفْعَلُهُ الْأَعَاجِمُ، وَالْمُبَاحُ هُوَ الِاكْتِوَاءُ بَعْدَ حُدُوثِ الْعِلَّةِ. قَوْلُهُ: (فِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْجِيمِ. قَوْلُهُ: (أَوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: الْعَسَلُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ وَأَسْمَاؤُهُ تَزِيدُ عَلَى الْمِائَةِ.

 

قَوْلُهُ: (وَأَنْهَى أُمَّتِي عَنْ الْكَيِّ) قَالَ النَّوَوِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ بَدِيعِ الطِّبِّ عِنْدَ أَهْلِهِ لِأَنَّ الْأَمْرَاضَ الِامْتِلَائِيَّةَ دَمَوِيَّةٌ أَوْ صَفْرَاوِيَّةٌ أَوْ سَوْدَاوِيَّةٌ أَوْ بَلْغَمِيَّةٌ، فَإِنْ كَانَتْ دَمَوِيَّةً فَشِفَاؤُهَا إخْرَاجُ الدَّمِ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ فَشِفَاؤُهَا بِالْإِسْهَالِ بِالْمُسَهِّلِ اللَّائِقِ بِكُلِّ خَلْطٍ مِنْهَا، فَكَأَنَّهُ نَبَّهَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعَسَلِ عَلَى الْمُسَهِّلَاتِ وَبِالْحِجَامَةِ عَلَى إخْرَاجِ الدَّمِ بِهَا وَبِالْفَصْدِ وَوَضْعِ الْعَلَقِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا، وَذُكِرَ الْكَيُّ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ عِنْدَ عَدَمِ نَفْعِ الْأَدْوِيَةِ الْمَشْرُوبَةِ وَنَحْوِهَا، فَآخِرُ الطِّبِّ الْكَيُّ.

 

وَالنَّهْيُ عَنْهُ إشَارَةٌ إلَى تَأْخِيرِ الْعِلَاجِ بِالْكَيِّ حَتَّى يُضْطَرَّ إلَيْهِ مَا فِيهِ مِنْ اسْتِعْجَالِ الْأَلَمِ الشَّدِيدِ فِي دَفْعِ أَلَمٍ قَدْ يَكُونُ أَضْعَفَ مِنْ أَلَمِ الْكَيِّ قَوْلُهُ: (نَهَى عَنْ الْكَيِّ فَاكْتَوَيْنَا) قَالَ ابْنُ رَسْلَانَ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ فِيهَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يُبَاحُ الْكَيُّ عِنْدَ الضَّرُورَةِ بِالِابْتِلَاءِ بِالْأَمْرَاضِ الْمُزْمِنَةِ الَّتِي لَا يَنْجَعُ فِيهَا إلَّا الْكَيُّ وَيُخَافُ الْهَلَاكُ عِنْدَ تَرْكِهِ، أَلَا تَرَاهُ كَوَى سَعْدًا لَمَّا لَمْ يَنْقَطِعْ الدَّمُ مِنْ جُرْحِهِ وَخَافَ عَلَيْهِ الْهَلَاكَ مِنْ كَثْرَةِ خُرُوجِهِ كَمَا يُكْوَى مَنْ تُقْطَعُ يَدُهُ أَوْ رِجْلُهُ، وَنَهَى عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ عَنْ الْكَيِّ لِأَنَّهُ كَانَ بِهِ بَاسُورٌ وَكَانَ مَوْضِعُهُ خَطَرًا فَنَهَاهُ عَنْ كيه، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ خَاصًّا بِمَنْ بِهِ مَرَضٌ مَخُوفٌ، وَلِأَنَّ الْعَرَبَ كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ الشَّافِي لِمَا لَا شِفَاءَ لَهُ بِالدَّوَاءِ هُوَ الْكَيُّ، وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّ مَنْ لَمْ يَكْتَوِ هَلَكَ، فَنَهَاهُمْ عَنْهُ لِأَجْلِ هَذِهِ النِّيَّةِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الشَّافِي.

 

قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: الْكَيُّ جِنْسَانِ كَيُّ الصَّحِيحِ لِئَلَّا يَعْتَلَّ فَهَذَا الَّذِي قِيلَ فِيهِ لَمْ يَتَوَكَّلْ مَنْ اكْتَوَى لِأَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَدْفَعَ الْقَدَرَ عَنْ نَفْسِهِ، وَالثَّانِي كَيُّ الْجُرْحِ إذَا لَمْ يَنْقَطِعْ دَمُهُ بِإِحْرَاقٍ وَلَا غَيْرِهِ، وَالْعُضْوُ إذَا قُطِعَ فَفِي هَذَا الشِّفَاءُ بِتَقْدِيرِ اللَّهِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْكَيُّ لِلتَّدَاوِي الَّذِي يَجُوزُ أَنْ يَنْجَحَ وَيَجُوزُ أَنْ لَا يَنْجَحَ فَإِنَّهُ إلَى الْكَرَاهَةِ أَقْرَبُ. وَقَدْ تَضَمَّنَتْ أَحَادِيثُ الْكَيِّ أَرْبَعَةَ أَنْوَاعٍ كَمَا تَقَدَّمَ.

 

قَوْلُهُ: (فَمَا أَفْلَحْنَ وَلَا أَنْجَحْنَ) هَكَذَا الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ بِنُونِ الْإِنَاثِ فِيهِمَا، يَعْنِي تِلْكَ الْكَيَّاتِ الَّتِي اكْتَوَيْنَاهُنَّ وَخَالَفْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي فِعْلِهِنَّ وَكَيْفَ يُفْلِحُ أَوْ يَنْجَحُ شَيْءٌ خُولِفَ فِيهِ صَاحِبُ الشَّرِيعَةِ، وَعَلَى هَذَا فَالتَّقْدِيرُ فَاكْتَوَيْنَا كَيَّاتٍ لِأَوْجَاعٍ فَمَا أَفْلَحْنَ وَلَا أَنْجَحْنَ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ أَنْ يَكُونَ الْمَحْذُوفُ الْفَاعِلَ عَلَى تَقْدِيرِ فَمَا أَفْلَحْنَ الْكَيَّاتِ وَلَا أَنْجَحْنَ؛ لِأَنَّ حَذْفَ الْمَفْعُولِ الَّذِي هُوَ فَضْلَةٌ أَقْوَى مِنْ حَذْفِ الْفَاعِلِ الَّذِي هُوَ عُمْدَةٌ وَرِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ فَيَكُونَ الْفَلَاحُ وَالنَّجَاحُ مُسْنَدًا فِيهَا إلَى الْمُتَكَلِّمِ وَمَنْ مَعَهُ.

وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ مَاجَهْ " فَمَا أَفْلَحَتْ وَلَا أَنْجَحَتْ " بِسُكُونِ تَاءِ التَّأْنِيثِ بَعْدَ الْحَاءِ الْمَفْتُوحَةِ.

 ومن أمثال العرب "قد يَضْرَطُ العَيْرُ والمِكْواةُ في النار"

يضرب هذا للرجل يتوقع الأَمر قبل أَن يَحِلَّ به وهذا المثل يروى عن عمرو بن العاص، قاله في بعضهم، وأَصله أَن مُسافر بن أَبي عمرو سَقَى بَطْنُهُ فداواه عِبادِيٌّ وأَحْمَى مَكاوِيه، فلما جعلها على بطنه ورجل قريب منه ينظر إِليه جعل يَضْرَطُ فقال مسافر:العَيْرُ يَضْرَط والمِكواةُ في النار.

  



[1] صحيح مسلم 2119

[2]  البخاري 5683 - (لذعة) إصابة خفيفة. (توافق الداء) متحقق منها أنها تكون سببا لزوال الداء لا على سبيل التخمين والتجربة

[3] رواه مسلم 5875

[4] أَيْ: كَوَاهُ لِيَقْطَعَ دَمَه، وَأَصْلُ الْحَسْمِ الْقَطْع. شرح النووي (ج 7 / ص 348)

[5] الجامع الصحيح للسنن والمسانيد

[6] رواه البخاري 5719 - (يرقوا) يستعملوا الرقية وهي التعوذ بالقراءة. (الحمة) سم العقرب وإصابته بإبرته. (الأذن) وجع الأذن. (ذات الجنب) ورم يعرض للغشاء المستبطن للأضلاع.

[7] «اللقوة» : داء يصيب الوجه وهي مرض يَعْرِض للوَجْه فيُمِيلُه إلى أحد جانِبَيْه.

[8] الجامع الصحيح للسنن والمسانيد

[9] شرح معاني الآثار 7162

[10] ذكري لي معالج من اهل المدينة أن الذبحة معروفة عندهم وهي التهاب في الحلق وكانوا يكونه من أسفل الاذن الى أسفل الاذن الأخرى على الحلق ، وربما هذا المرض هو ما يسمى علميا (بالدفتيريا) .

[11] الحديث روي بعدة طرق ومنها عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَادَ أَبَا أُمَامَةَ أَسْعَدَ بن بَدْرٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِئْسَ الْمَيِّتُ هَذَا لِيَهُودَ يَقُولُونَ أَلَا دَفَعَ عنه ولا أملك له ولا لنفسي شيئا فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكُوِيَ مِنَ الشَّوْكَةِ طُوِّقَ عُنُقُهُ بِالْكَيِّ فَلَمْ يَلْبَثْ أَبُو أُمَامَةَ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى مَاتَ.  الْمَعْرُوفَةُ مِنَ الشَّوْكَةِ وَهِيَ الذُّبْحَةُ وَأَمَّا الشَّوْصَةُ فَهِيَ ذَاتُ الْجَنْبِ وَقَدْ يُكْتَوَى مِنْهَا أَيْضًا . أنظر التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد 467

 

 

في حالة نسخ أي صفحة من صفحات هذا الموقع حبذا ذكر المصدر على النحو التالي

نقلاً موقع الطب الشعبي

الرجوع للصفحة الرئيسية