مختصر كتاب ارشاد الأنام الى فوائد الآحتجام

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العالمـين ،والصـلاة والسـلام على نبينا محمد وعلى آله وصـحبه أجمعـين .

أمَّا بَعْدُ : فهذه مجموعةُ أوراقٍ في الحجامةِ وأحكامِها ، سألني إياها : بعضُ المشتغلين بصناعة الحجامة ؛فاعتذرتُ عن تحرير المقال فيها فترةً من الزمن،وذلك لاشتغالي ببحوث أُخر يسَّرَ الله إتمامها ،ولمَّا ألحَّ صاحِبُنا بالسؤال لعلةِ مداواتهِ الناسَ بالحجامة ،وحاجته إلى معرفة فضائلها وأحكامها من صحيح سنة النبي صلى الله عليه وسلم،وما يتْبعُ ذلك من فوائدها وكيفيتها في قديم صناعة الطب وحديثه ،رأيتُ أنَّ في إجابتهِ تعديةَ خيرٍ إلى عموم المسلمين.

   هذا وقد أضفتُ إلى هذه الرسالة جملةً من الفـوائدِ المتعلقة بالأمراض المذكورة فيها وذلك للوصول إلى النتيجة المرادة،مع الربطِ بينها وبينَ الحجامة.

   والله أسأل أن يجعلها خالصةً لوجهه الكريم ، نافعةً للمسلمين في كلِّ مكان.

 فإنَّه سبحانه الموفق لا ربَّ سواه .

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

وكتب:

أبو عبد الرحمن حسن بن محمد

8/ شبعان / 1422

alhassan-m@maktoob.com

 

 

    الحجامةُ في أصل الوضع العربي : من الحجْمِ الذي هو: المص . يُقال : حجم الصبيُّ ثدي أُمِّه إذا مصَّهُ. والحجام : المصاص .

   قال الأزهري : (( يُقال للحَاجِم : الحجَّام لامتصاصه فم المحجمة )) .

والحجامة : فعل الحاجم وحرفته .

   والمحجم والمحجمة : الآلة التي يُجمع فيها دم الحجامة. والجمع محاجم .وقد يُسمى مشرط الحجام محجماً (1) .

   حدُّها عند أهلِ الصناعة :

(( هي صِنَاعَةٌ بها يأخذ الحجَّام مقداراً من الدم من جسم الإنسـان وذلك بشرط الموضعِ المُرَاد ، وتُسمى : الحجامة بالشرط، أو الرطبة، أو الدامية .

أو استعمال المحجم بدون مشرط ، وتُسمى : الحجامة بلا شرط ، أو الحجامة الجافة )) (2)  .

 

الحِجَامةُ في صحيح سُنَّـةِ النبي  صلى الله عليه وسلم :

 ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم عِدَّةٌ من الأحاديث الواردة في الحجامة وفضلها،وسأقتصرُ هنا على ذكر أرأسها وأهمها ، ثم أذكرُ -بَعدُ- بعضاً من الأحاديث الضعيفة والموضوعة في الحجامة وما جاء في فضلها :-

أخرج البخاري ومسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال :

سمعت النبي  صلى الله عليه وسلم يقول : (( إنْ كان في شيءٍ من أدويتكم خيرٌ،ففي شَرطةِ محجمٍ،أو شربةِ عسلٍ، أو لذعةٍ بنارٍ تُوافقُ الداءَ،وما أحب أنْ أكتوي )) .

وثبت في المسند، وسننِ أبي داود،وابن ماجة،ومستدرك الحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال : ((إنْ كان في شيءٍ مما تداويتم به خيرٌ فالحجامة )) .

   وأخرج البخاري في الصحيح، وابن ماجة في السنن، وأحمد في المسند عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( الشِّفاءُ في ثلاثةٍ : شربةِ عسلٍ ، وشَرْطةِ محجمٍ ، وكيَّةِ نارٍ، وأنهى أمتي عن الكيِّ )) .

   وفي الصحيحين من طريق حميد الطويل عن أنس رضي الله عنه : أنه سُئلَ عن أُجرةِ الحجَّام،فقال : احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ،حجمه أبو طيبة، وأعطاه صاعين من طعام ، وكلم مواليه فخففوا عنه، وقال : (( إنَّ أَمْثَلَ ما تداويتم به الحجامة ، والقسط البحري )) .

   وأخرج أحمد في المسند،والترمذي ،وابن ماجة في السنن،والحاكم في المستدرك عن ابن عباس رضي الله عنهما،قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ما مررتُ بملأ من الملائكة ليلةَ أسري بي إلاّ كلهم يقول لي : عليك يا محمد بالحجامة )) .

الحديث:حسنه الترمذي،وقال الحاكم : صحيح الإسناد،وقال الإمام الألباني في صحيح الترغيب (3/352) : صحيحٌ لغيره  .

 

   وأخرج الترمذي عن ابن مسعود رضي الله عنه،قال: حدَّث رسول الله صلى الله عليه وسلم عنْ ليلة أُسْري به أنَّه: ((لم يمرَّ بملأ من الملائكة إلا أمروه : أنْ مُرْ أمَّتكَ بالحجامة )).

وأخرجه ابن ماجة من حديث أنس رضي الله عنه. والحديث بمجموع طرقه يرقى إلى درجة الصحة،وانظر :السلسلة الصحيحة ( رقم:2264)،وصحيح الترغيب (3/352) .

 

الأحاديث الضعيفة،والموضوعة في الحجامة،وما جاء في فضلها :

   الحديث الموضوع:هو المكذوبُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وقد عُقِدَ إجماعُ أهل العلم على عدم العمل به،ووجوب التحذير من روايته إلاَّ على سبيل التحذير منه.

   والحديث الضعيف:هو مالم تتوفر فيه شروط القبول،لعللٍ معروفةٍ عند أهل الحديث ،وله أنواعٌ كثيرة ،بَسْطها في تضاعيف كتب مصطلح الحديث،وقد اخْتُلِفَ في العمل به،والمترجِّحُ عند أهل التحقيق ،أنه:لا يُعمل به،وذلك:لأن في صحيح الأحاديثِ ما يُغني عن ضعيفها .

   ثم أحاديث الحجامة:هي من باب صِناعة الطب التي يجب أن يتحرى المسلم في اختيار أصحها ثبوتاً عن النبي صلى الله عليه وسلم ،وليست من باب فضائل الأعمال التي يُرخِّصُ البعضُ في العمل بها بالشروط المعتبرة عندهم .

وسأذكرُ هنا:بعضاً من الأحاديث الضعيفة،والموضوعة،مما جاء في الحجامة وفضلها، على سبيل التحذير منها،والعمل بها .

 

تنبيه على الابتداء :

بعض  ألفاظ الأحاديث التي سيأتي ذكرها قد يكون موجداً في أدلةٍ صحيحة،فمن أجل ذلك على الناظر في هذه الأحاديث :عدم الاستعجال على حديث يسمعه،أو يقرؤه بأنه ضعيف، أو موضوع ،وذلك لوجوده في كتب الموضوعات،والضعاف،أو حكم عليه بالضعف،أو الوضع ، أحد أئمة الحديث،

 

   فالحكم على الحديث بالضعف،أو الوضع :قد يكون لوجود لفظةٍ زائدة في الحديث،أو الشطر الأول منه،أو الآخِر ،لوروده بسند ضعيف،أو موضوع،أو لا أصلَ له.

   فكمْ من حديث يُحكمُ عليه بالضعف،فيتعجل البعضُ ويحكم على الحديث جملةً أنه ضعيف، لأنه موجود في كتاب أحد علماء الحديث،وقد حكم عليه العالمُ بالضعف،والحديث قد يكون مخرجاً في الصحيحين،أو غيرهما بسند صحيح،أو حسنٍ،والذي حَكم عليه هذا المصنفُ إنما هو: شطرٌ،أو لفظةٌ من الحديث زائدة فيه.

   فعُرِفَ بما تقدَّم:أنه لا يُستعجل في الحكم جملةً على حديث بنتيجة حكمية نهائية إلاّ بعد التأمل والنظر في مجموع ألفاظه، هل هي موجودة في الأحاديث المقبولة،أو غير موجودة ؟!.

   1- (( الحجامة تنفعُ من كلِّ داء، ألا فاحتجموا )) .

   الحديث : موضوع. انظر: تسديد القوس، لابن حجر: (2/99-100)

وفيض القدير،للمناوي :( 3/405) وضعيف الجامع الصغير،للألباني:(رقم2754) .

   2- (( الحجامة في الرأس شفاء من سبع ،إذا ما نوى صاحبها : من الجنون،والصداع،والجذام،والبرص،والنعاس،ووجع الضرس،وظلمة يجدها في عينيه)) .

   الحديث:موضوع .انظر: العلل المتناهية،لابن الجوزي (2/1469)وفتح الباري،لابن حجر:(10/152). وفيض القدير:(3/404) وذخيرة الحفاظ،للقيسراني:(3/2966)وضعيف الجامع:(رقم2755) .

   3- ((الحجامة في الرأس دواء :من الجنون،والجذام،والبرص،والنعاس،والضرس)).

   الحديث: ضعيف جداً.انظر: مجمع الزوائد،للهيثمي:(5/93)وفيض القدير:(4/405) وتذكرة الموضوعات،للفتني:(ص 208) وضعيف الجامع:(رقم2756).

   نفع الحجامة للأمراض المذكورة:قد يكون نافعاً من حيثُ الصناعة الطبية،وعليه لا يلزم من الحكم على هذه الأحاديث بالضعف،أو الوضع:عدم نفع الحجامة من حيث التطبب بها،فتنبه !‍.

   4- (( نعم العبد الحجام،يُذهبُ بالدم ،ويُخفُ الصلبَ،ويجلو عن البصر )) .

  الحديث:ضعيف.انظر:المستدرك مع تلخيصه،للذهبي:(4/410)وفيض القدير (6/287))وذخيرة الحفاظ،للقيسراني:(5/5756)والسلسلة الضعيفة : (رقم2036) .

   5- (( إذا اشتد الحر فاستعينوا بالحجامة،لا يتبيغ الدم بأحدكم فيقتله )) .

   6- (( استعينوا على شدة الحر بالحجامة،فإن الدم ربما يتبيغ بالرجل فيقتله )) .

     الحديثان:موضوعان.انظر: ضعيف الترغيب:(2/380)والسلسلة الضعيفة(رقم 2331و2363 ).

   ويغني عنهما:حديث: (( إذا هاج بأحدكم الدم فليحتجم،فإن الدم إذا تبيغ بصاحبه قتله)). وسيأتي ذكره وشرحه –بعدُ-إن شاء الله  .

   7- ((ثلاث لا يفطرن الصائم : الحجامة والقيء والاحتلام )) .

  الحديث:ضعيف.انظر: رسالة لطيفة … ،لابن قدامة:(ص41)والعلل المتناهية،لابن الجوزي:(2/888)وفيض القدير: ( 3/312) والأحاديث الموضوعة،لابن سعيد الموصــلي: (1/71)وحسن الأثر،للحوت: (ص205) وضعيــف الجامع : ( رقم2566).

   8- (( الحجامة تكره في أول الهلال،ولا يُرجى نفعها حتى ينقص الهلال )) .

  الحديث:ضعيف.انظر: فيض القدير: (3/405) والإتقان،للغزي: (1/630)والمقاصد الحسنة،للسخاوي: (ص387)وتذكرة الموضوعات،للفتني: (ص207)وكشف الخفاء،للعجلوني: (1/1105)وضعيف الجامع : (رقم2753) .

   9- ((الحجامة في الرأس هي المغيثة،أمرني بها جبريل حين أكلت طعام اليهودية)) .

  الحديث:ضعيف جداً .انظر: ضعيف الجامع: (رقم 2757) .

   10- ((خمسٌ من سنن المرسلين:الحياء،والحلم،والحجامة،والتعطر،والنكاح)).

  الحديث:ضعيف.انظر:فيض القدير:(4/457)والنوافح العطرة،لابن أحمد الصنعاني: (ص35)وضعيف الجامع :رقم2856)ولحظ الإلحاظ،للفريوائي:(650).

   11- ((خير الدواء الحجامة،والفصاد )) .

  الحديث:ضعيف.انظر: ضعيف الجامع:(رقم 2883) .

وقد صح شطره الأول، دون قوله:الفصاد ! .

   12- ((خير ما تداويتم به :اللدود،والسعوط،والحجامة،والمشي، والعلق  )) .

    الحديث:ضعيف.انظر: السلسلة الضعيفة: (رقم1959) .

   13- (( عليكم بالحجامة في جوزة القَمَحْدُوَة، فإنها دواء من اثنتين وسبعين داء وخمسة أدواء،من الجنون،والجذام،والبرص،ووجع الضرس )).

  الحديث:ضعيف.انظر: ضعيف الجامع: (رقم3762) .

   14-((الحجامة في نُقْرة الرأس تورث النسيان،فتجنبوا ذلك )).

   الحديث: موضوع.انظر: المنار المنيف،ابن القيم: (ص59)والأسرار المرفوعة،للقاري: (168)والإتقان،للغزي: (631)والغماز على اللماز،للسمهودي: (93)والفوائد المجموعة،للشوكاني:(841)والكشف الإلهي،للطرابلسي: (1/341)والمقاصد الحسنة،للسخاوي: (1/388)وتذكرة الموضوعات:(207)وكشف الخفاء: (1/1106)وأسنى المطالب،للحوت: (573).

   نُقْرَةُ القفا،أو القَمَحْدُوَة،هي:حفرة آخر الدماغ ،كما في المصباح المنير:(ص761)وقد اختُلفَ في الاحتجام في نُقرة القفا على قولين يأتي ذكرهما عند الحديث –إن شاء الله- عن مواضع الحجامة، والراجح من الخلاف في ذلك.

   15-((قطع العرق مسقمة،والحجامة خير منه)).

   الحديث:موضوع انظر: ذخيرة الحفاظ: (3/3786)وميزان الإعتدال،للذهبي: (456-557)وضعيف الجامع: (رقم 4099).

   16-((كان يكتحل كل ليلة،ويحتجم كل شهر،ويشرب الدواء كل سنة )).

   الحديث: موضوع.انظر:الأحاديث التي لا أصل لها في الإحياء،للسبكي: (374)والموضوعات،لابن الجوزي: (3/210)والفوائد المجموعة: (815)وضعيف الجامع:(رقم4600).

   17-((ادفنوا دماءكم وأشعاركم وأظافركم،لا تلعب بها السحرة )).

   الحديث:موضوع.انظر:السلسلة الضعيفة: (رقم2176) .

   18-((ادفنه لا يبحث عنه كلب.يعني دم الحجامة )).

   الحديث:ضغيف.انظر:السلسلة الضعيفة: (رقم2180).

   19-((كان إذا أخذ من شعره،أو قلم أظافره ،أو احتجم بعث به إلى البقيع )) .

   الحديث:باطل.انظر:السلسلة:(رقم 714).

   20-((كان يأمر بدفن سبعة أشياء من الإنسان:الشعر،والظفر،والدم،والحيضة،والسن،والعلقة،والمشيمة)).

   الحديث:ضعيف.انظر: السلسلة: (رقم2357) .

   21-((عن أم سعد امرأة زيد بن ثابت،قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بدفن الدم إذا احتجم )) .

   الحديث:إسناده ضعيف جداً.فيه:هياج بن بسطام:ضعيف.وعنبسة بن عبد الرحمن :متروك.ومحمد بن زاذان:متروك.وانظر: الإصابة لابن حجر:(4/456)،ومجمع الزوائد للهيثمي:(5/94) .

   أقول:دفن دم الحجامة،أو تغيبه وغيره مما ذكر:قد يكون مطلوباً،أو واجباً،إن كان من باب درء مفاسد السحرة،لما لهم من تسلط على هذه المذكورات،بصناعة السحر منها،أوبها،وقد دل على ذلك عموم أدلة الشريعة القاضية بجلب المصالح وتكثيرها،ودرء المفاسد وتقليلها .

 

الحجـامة والمسـؤولية الطبـية:

   إن الواجب في كل صنعة أن يتصدى لها من هو أهلٌ للقيام بها على أكمل وجه،ليكون عمله خالياً عن أن تشوبه شائبة تقصير أو إهمال.

   وكلما كانت الصَّنْعَةُ دقيقة وخطرة،فإنَّ هذا المعنى يتأكد،لأن نتيجة الخطأ في الصناعات الخطرة  أشد منها في الصناعات التي لا خطر فيها (التداوي والمسؤولية الطبية،لقيس آل الشيخ مبارك: (ص257) .) .

   يقول العلماء: (( إن الضابط في الولايات كلِّها أنه لا يجوز أن يتقدم فيها،ويتصدى لها إلا أقدر الناس على جلب مصالحها ودرء مفاسدها،فيُقدم أقدر الناس على أداء أركانها وشروطها ،على أقدرهم بأداء سننها وآدابها،وذلك لأن أداء  أركان المصالح وشروطها أهم من أداء سننها وآدابها،فكان الحفاظ عليها أولى وآكد من الحفاظ على آدابها وسننها (قواعد الأحكام: (1/166) )) .

   وصناعة الحجامة من الصناعات الخطرة،إذ إنها تتعلق ببدن الإنسان،والإقدام عليها دون علم قد يفضي إلى الضرر بهذا الإنسان .

فيجب على من تصدى للعلاج بالحجامة أن يتوفر فيه شرطان :

   الأول: أن يكون ذا علم وبصيرة بصناعة الحجامة .

   الثاني: أن يكون قادراً على تطبيقها وآدائها على الوجه المطلوب (انظر: أحكام الجراحة، للشنقيطي: (ص112)) .

فمن خالف هذين الشرطين،فقد عرض نفسه للضمان عند وجود الضرر،وذلك لأن الحجامة فرعٌ من فروع علم الطب .

 

    يقول الإمام ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: (5/312): عند حديثه عن ضمان الحجام والختان والطبيب،قال: وجملته أن هؤلاء إذا فعلوا ما أمروا به لم يضمنوا بشرطين :

    أحدهما : أن يكونوا ذوي حذق في صناعتهم،ولهم بها بصارة ومعرفة،لأنه إذا لم يكن كذلك لم يحل له مباشرة القطع،وإذا قطع مع هذا كان فعـلاً محرماً،فيضمن سرايته كالقطع ابتداءً .

    الثاني : أن لا تجني أيديهم فيتجاوزوا ما ينبغي أن يقطع.

    إذا وجد هذان الشرطان لم يضمنوا، لأنهم قطعوا قطعاً مأذوناً فيه،فلم يضمنوا سرايته،كقطع الإمام يد السارق،أو فعل فعلاً مباحاً مأذوناً في فعله أشبه ما ذكرنا.فأما إن كان حاذقاً وجنت يده مثل:أن تجاوز قطع الختان إلى الحشفة،أو إلى بعضها،أو قطع في غير محل القطع، أو يقطع بآلة كآلة يكثر ألمها،أو في وقتٍ لا يصلح القطع فيه،وأشباه هذا ضمن فيه كله،لأنه إتلاف لا يختلف ضمانه بالعمد والخطأ،فأشبه إتلاف المال،ولأن هذا فعل محرم فيضمن سرايته كالقطع ابتداءً…  إلى أن قال:ولا نعلم فيه خلافاً )) .

    وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم  في الحديث الذي أخرجه أبو داود، والترمذي ،والنسائي وابن ماجة،والحاكم من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده،قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من تطبَّبَ ولم يعلم منه طبٌّ قبل ذلك فهو ضـامن )) .

    فهذا الحـديث الشريف يعتبر أصلاً عند أهل العلم - رحمهم الله - في تضمين المتطبب الجاهل إذا عالج غيره واستضر بعلاجه.

    وقد دلّ الحديث على اعتبار المسؤولية الطبية ا لتي عبر عنها بأثرها وهو:وجوب الضمان على هذا النوع ممن يدعي الطب وهو جاهل به.

    وهو عام لمن تطبب بالحجامة أو غيرها من فروع الطب .

    وكما دلت السنة النبوية على مشروعية تحميل الطبيب عبء المسؤولية عن الأضرار الناتجة عن خطئه،كذلك دل الإجماع على مشروعية ذلك واعتباره .

    فقد أجمع أهل العلم على تضمين الطبيب الجاهل،وكذلك تضمين الطبيب المتعدي الذي يجاوز الحدود والضوابط المعتبرة عند أهل المعرفة والاختصاص .

    يقول الإمام ابن القيم –رحمه الله-في الطب النبوي: (ص109): ((فإيجاب الضمان على الطبيب الجاهل،فإذا تعاطى علم الطب وعمله،ولم يتقدم له به معرفة،فقد هجم بجهله على إتلاف النفوس،وأقدم بالتهور على ما لم يعلمه،فيكون قد غرَّرَ بالعليل،فيلزمه الضمان لذلك،وهذا إجماع من أهل العلم .

قال الخطابي:لا أعلم خلافاً في أن المعالج إذا تعدى فتلف المريض كان ضامناً )).

وكما دلَّ دليل النقل على اعتبار المسؤولية الطبية في الحجامة،وثبوتها شرعاً في حال الجهل والتعدي ،كذلك دل دليل العقل على مشروعيتها،وذلك من الوجوه التالية:

    الوجه الأول القياس :

    أ-يضمن الحجام الجاهل ما أتلفته يداه،كما يضمن الجاني سراية جنايته،بجامع كون كل منهما سراية جرح لم يجز الإقدام عليه .

    ب-يضمن الحجام المتعدي ما أتلفت يداه،كما يضمن الجاني سراية جنايته،بجامع كون كل منهما فعلاً محرماً .

    الوجه الثاني النظر:

    وهو أن الشريعة الإسلامية راعت العدل بين العباد،ودفع الظلم عنهم،والمسؤولية الطبية عن الحجامة معينة على تحقيق ذلك فوجب اعتبارها .

وبهذه الأدلة النقلية والعقلية،تبين لنا ثبوت المسؤولية عن الحجامة،واعتبار الشريعة الإسلامية لها  -انظر: أحكام الجراحة: (ص449-450 ) .

 

الأحكام الفقهية المتعلقة بالحجامة :

    سأذكر في هذا المبحث بعضاً من الأحكام الفقهية المتعلقة بالحجامة على سبيل الإجمال،إلاَّ في مسألة أخذ الأجرة على الحجامة،فسيكون بحثها على سبيل البسط والتفصيل،وذلك من أجل كثرة دورانها على ألسنة الحجامين والمرضى،وهل يجوز أخذ المال على الحجامة مطلقاً ؟والمشارطة على ذلك قبل فعـلـها للـمريض،هـل هو جـائز أم لا ؟ كـلُّ ذلك سيـأتي بسـطه - بمشيئة الله عزَّ وجلَّ - .

1- الوضوء والاغتسال بعد الحجامة :

    ذهبت الحنفية،وكـذلك الحنـابلة:على أنَّ الحجامة من نواقض الوضوء،فمن احتجم فعليه الوضوء .

وقرر المالكية،والشافعية:عدم نقض الوضوء بالحجامة انظر: المغني،لابن قدامة :(1/184) والمجموع شرح المهذب،للنووي:(2/65إلخ ) ونيل  الأوطار:(1/294-296)والفقه والإسلامي وأدلته:(1/267-268)  .

    والراجح : هو:عدم نقض الوضوء بالحجامة .

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- في مجموع الفتاوى(20/527): ((ولم يثبت عنه - أي النبي صلى الله عليه وسلم - أنه أمر بالوضوء من الحجامة،ولا أمـر أصحابه بالوضوء إذا جرحوا،مع كثرة الجراحات … )) واختار شيخ الإسلام:الاستحباب لا الإيجاب انظر: مجموع الفتاوى:(20/526-527) .

 

    وقال الإمام الشوكاني –رحمه الله -: ((…فلا يُصار إلى القول بأنَّ الدم والقيء ناقض إلاّ لدليل ناهض،والجزم بالوجوب قبل صحة المستند كالجزم بالتحريم قبل صحة النقل،والكلُّ من التقول على الله بما لم يقل .

    ومن المؤيدات لما ذكرنا،حديث: أنَّ عبَّاد بن بشر أصيب بسهام وهو يصلي،فاستمر في صلاته-عند البخاري تعليقاً وأبي داود وابن خزيمة-ويبعد أن لا يطلع النبي صلى الله عليه وسلم على مثل هذه الواقعة العظيمة ،ولم ينقل أنه أخبره بأن صلاته قد بطلت انظر:نيل الأوطار: (1/295).).

    أقول: إنْ توضأ المحتجم احتياطاً وخروجاً من الخلاف فهو حَسَنٌ .

جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (5/261):

    ((الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه.وبعد : لا نعلم دليلاً شرعاً يدل على أن خروج الدم من غير الفرج من نواقض الوضوء،والأصل أنه ليس بناقض.والعبادات مبناها على التوقيف،فلا يجوز لأحد أن يقول هذه العبادة مشروعة إلاَّ بدليل.

    وقد ذهب بعض أهل العلم إلى نقض الوضوء بخروج الدم الكثير عرفاً من غير الفرج،فإذا توضأ من خرج منه ذلك احتياطاً وخروجاً من الخلاف فهو حَسَنٌ،لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( دع ما يريبُكَ إلى مالا يريبُكَ  )) .

 

أمَّا الاغتسال من الحجامة :

فمستحب عند جمهور أهل العلم وليس بواجب،لما ورد في ذلك من آثارٍ،ومعللين ذلك :بأن الحجامة تضعف الجسد،والغُسْلُ يَشُدُّه وينعِشُه.  وبتعليلٍ آخر : أن ذلك للنظافة وطهارة البدن  .

 

2- الحجامة للصائم في نهار رمضان :

    ذهب جمهور أهل العلم:على أنَّ الحجامة في نهار رمضان ليست من المفطرات للصائم، ويجوز له فعلها، مع اختيارهم:أن التـرك أولى، لعلة أن الحجامة قد تضعف الصائم،وخروجاً من خلاف من قال: بإفطارها للصائم .

    واختار الحنابلة:أن الحجامة مفطرة للصائم،حاجماً كان أو محجوماً،فمن فعلها في نهار رمضان،فعليه القضاء دون الكفارة .

    أقول: والمختار: هو ترك الحجامة للصائم في نهار رمضان: براءةً للذمة،واحتياطاً للدين، وخروجاً من خلاف من قال بالإفطار.

 

3- الحجامة والإحرام :

    في الصحيحين عن ابن عباس-رضي الله عنه-قال: (( احتجم رسول  صلى الله عليه وسلم وهو محرم )) .

    الحجامة للمحرم عند جمهور أهل العلم:مباحة من غير فدية إذا لم يقطع شعراً . فإن احتاج في الحجامة إلى قطعِ شعرٍ، فله قطعه وعليه الفدية.

 

4- الإجارة على الحجامة :

    اختـلف أهلُ العلم –رحمهم الله- في مسألة الإجارة على الحجامة على ثلاثة أقوال:

القول الأول: تجوز الإجـارة على الحجـامة،ويكره للحُرِّ أكل ثمنها.وهو مذهب الحنابلة-رحمهم الله  .

القول الثاني:  تجوز الإجارة على الحجامة مطلقاً . وهو قول عبد الله بن عباس –رضي الله عنهما-،وعكرمة،والقاسم،ومحمد بن علي،وربيعة،ويحي الأنصاري،والليث بن سعد . وهو مذهب الحنفية،والمالكية،والشافعية -رحم الله الجميع   .

القول الثالث : لا تجوز الإجارة على الحجامة ولا تصح .

وهو قول عثمان،وأبي هريرة –رضي الله عنهما-،والحسن البصري،وإبراهيم النخعي.وهو مذهب الظاهرية-رحمهم الله .

 

الراجح من الخلاف :

المترجح من الأقوال المتقدمة – والعلم عند الله – هو: القول بصحة الإجارة على الحجامة،وكراهية أكل ثمنها للحرِّ خاصة.

الراجح هو القول بصحة عقد الإجارة على فعل الحجامة،وكراهة أكلِ أجرتها للحرِّ خاصة ، هذا عند وجود المشارطة، فأمَّا إنْ أعطي الحرُّ مالاً بدون شرطٍ سابقٍ فله أخذه، ولا كراهـة في ذلك ، والله أعلم  .

 

 

أوقـاتُ الحجَـامة :

    ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم عدَّةٌ من الأحاديث،تفيدُ حصر فعل الحجامة في أوقات معينة بالنسبة لأيام الأسبوع،وكذلك لأيام الشهر،وأيضاً تحذر وتمنع من فعل الحجامة في أيام معينة،وهذه الأحاديث كثير منها لا يصح ثبـوت سندها إلى رسـول الله صلى الله عليه وسلم ،فسأذكر-بمشيئة الله- بعضاً من هذه الأحاديث المنتَقَدَةِ عند أهل الحديث-رحمهم الله-ثم أذكر ما صح ثبوتُه عن النبي صلى الله عليه وسلم،وإنْ كان التصحيح هنا مما اختلف فيه اجتهاد النقاد والحفاظ من أهل صِنَاعة الحديث،إلاَّ أنني اخترت ما قرَّرَ ثبوته وصحته أئمتُهم وكبراؤهم –رحمهم الله - .

 

الأحاديث الضعيفة، والموضوعة،بالنسبة لأيام الأسبوع :

    1-(( الحجامة يوم الأحد شفاء)) .

الحديث: ضعيف جداً.انظر: ضعيف الجامع:(رقم:2759) .

    2-((الحجامة يوم الثلاثاء لسبع عشرة من الشهر،دواء لداء السنة )) .

الحديث:موضوع.انظر: ضعيف الجامع:(رقم:2759) .

    3-((من احتجم يوم الأربعاء، أو يوم السبت،فرأى في جسده وضحاً،فلا يلومنَّ إلاَّ نفسه )) .

الحديث:ضعيف.انظر: السلسلة الضعيفة:(رقم:1408و1524و1672).

    4-((من احتجم يوم الخميس،فمرض فيه،مات فيه )) .

الحديث: منكر جداً.انظر السلسلة الضعيفة:(رقم:1409) .

    5- عن أبي بكرة-رضي الله عنه-أنه كان ينهى أهله عن الحجامة يوم الثلاثاء،ويزعم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أنَّ يـوم الثلاثاء يوم الدم،وفيه ساعـة لا يرقأ فيه الدم)).

الحديث:ضعيف.انظر:ضعيف الترغيب:(2/379) .

    6-(( إنَّ في الجمعة ساعة لا يحتجم فيها محتجم إلاَّ عرض له داء لا يشفى منه)).

الحديث:ضعيف.انظر:السلسلة الضعيفة: (رقم:1411).

    7-((إنَّ في الجمعة لساعة لا يحتجم فيها أحد إلاَّ مات )) .

الحديث:موضوع.انظر:السلسلة: (رقم:1412) .

الأحاديث المتقدمة:كلاًّ،أو بعضاً،قد حكم عليها جملة من الحفاظ بعدم الثبوت.

قال الإمام النووي-رحمه الله- في المجموع شرح المهذب(9/58):( والحاصل أنه لم يثبت شيءٌ  في النهي عن الحجامة في يوم معين ، والله سبحانه وتعالى أعلم  ).وقال غير واحد من أئمة الحديث مثل ذلك.

 

فـائــدة :

    كره الإمام أحمد بن حنبل-رحمه الله-:الإحتجام يوم السبت،ويوم الأربعاء،وقال:(بلغني عن رجل أنه تنور واحتجم،يعني:يوم الأربعاء،فأصابه البرص فقلت له:كأنه تهاون بالحديث،قال: نعم ) .

 

قال ابن مفلح في الفروع من كتب الحنابلة-رحمهم الله- (1/109)وعنه المرداوي،في الإنصاف(1/127)والبهوتي،في كشَّاف القناع(1/82):(كره أحمد الحجامة يوم السبت،ويوم الأربعاء،نقله:حرب،وأبو طالب،وعنه الوقف في يوم الجمعة،وفيه خبر متكلمٌ فيه … والمراد بلا حاجة!!قال حنبل:كان أبو عبد الله يحتجم أيَّ وقت هاج به الدم،وأيَّ ساعة كانت،ذكره الخلال) انظر: التمهيد:(24/350)وفتح الباري:(10/149)والطب النبوي،لابن القيم:(ص74) والآداب الشرعية ،لابن مفلح .وفيض القدير:(6/35) .

 

فعلم مما تقدم: أنَّ الكراهة عند الإمام أحمد-رحمه الله- إن فعلت في هذه الأيام بغير حاجة.أمَّا إن فعلها لحاجة فلا كراهة.

وعليه:إنْ ترك المسلم الإحتجام في هذه الأيام توقياً،فله ذلك،خاصةً وأن بعض أهل العلم يُثبت نسبةَ بعض هذه الأحاديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سيأتي.

وإن فعل الإحتجام لغير حاجة،لعلة عدم صحة الوارد في النـهي عن الإحتجام في هذه الأيام،فله ذلك.

جاء في كفاية الطالب(2/641)لأبي الحســن المالكي،من كتب المالكية -رحمهم الله -:( والحجامة:حسنة،أي مستحبة في كل أيام السنة.وقال ابن رشد:ولصحة إيمان مالك بالقدر،كان لا يكره الحجامة،ولا شيئاً من الأشياء يوم السبت،والأربعاء،بل يتعمد ذلك فيهما ).

 

 

الأحاديث الصحيحة بالنسبة لأيام الأسبوع :

  عن نافع،أنَّ ابن عمر-رضي الله عنهما-قال له:يا نافع تبيغ بي الدم فالتمس لي حجاماً،واجعله رفيقاً إن استطعت،ولا تجعله شيخاً كبيراً،ولا صبياً صغيراً،فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(( الحجامةُ على الريق أمثلُ،وفيها شفاء وبركة،وتزيد في العقل والحفظ،واحتجموا على بركة الله يوم الخميس،واجتنبوا الحجامة يوم الأربعاء والجمعة والسبت والأحد تحريَّاً،واحتجموا يوم الاثنين والثلاثاء؛فإنه اليوم الذي عافى الله فيه أيوب،وضربه بالبلاء يوم الأربعاء،فإنه لا يبدو جُذامٌ ولا بَرَصٌ إلاَّ يوم الأربعاء،وليلة الأربعاء )) . رواه ابن ماجة في السنن ، وغيره .

    الحديث: حَسَّنَهُ بمجموع طرقه الإمام الألباني-رحمه الله-في السلسلة الصحيحة: (رقم:766)وفي صحيح الترغيب(3/354) قال: حسن لغيره .

الأحاديث الضعيفة،والموضوعة بالنسبة لأيام الشهر :

    1-((احتجموا لخمس عشرة،أو لسبع عشرة،أو لتسع عشرة،أو إحدى وعشرين،لا يتبيغ بكم الدم فيقتلكم )) .

الحديث:ضعيف.انظر:السلسلة الضعيفة:(رقم:1863) . تنبيه: قد صح الحديث من فعل النبي صلى الله عليه وسلم دون قوله:(لا يتبيغ ).

وصح من قوله صلى الله عليه وسلم نحوه –كما سيأتي- دون:(التبيغ) . وليس في الثابت عنه صلى الله عليه وسلم في هذه الأحاديث لفظ:(لخمس عشرة )!! . أمَّا لفظ:(التبيغ) فهو ثابت عنه صلى الله عليه وسلم بلفظ: (( إذا هاج بأحدكم الدم فليحتجم،فإن الدم إذا تبيغ بصاحبه يقتله )) . تقدم ذكـره ، وسيأتي شرحه في موضعه  – إن شاء لله - .

    2-((من أراد الحجامة فليتحر سبع عشرة،أو تسع عشرة،أو إحدى وعشرين،ولا يتبيغ بأحدكم الدم فيقتله )) .

الحديث: ضعيف جداً.انظر :السلسلة الضعيفة:(رقم:1864) .

    والكلام عليه: فقهاً واصطلاحاً كسابقه ! .

    3-((الحجامة يوم الثلاثاء لسبعَ عشرةَ مَضَتْ من الشهرِ دواء السَّنَة )) .

الحديث:موضوع،روي من حديث معقل بن يسار-رضي الله عنه-،وروي نحوه من حديث أبي هريرة-رضي الله عنه-ولا يصح –أيضاً-انظر:السلسلة:(رقم:1799)وضعيف الترغيب:(3/379) .

    هذا الحديث:فيه ذِكْرُ اليومِ من الأسبوع حاصراً فعلَ الحجامة بيوم من الشهر،فاجتمع نسبة اليوم من الأسبوع،واليوم من الشهر،ولذلك ذكرته هنا .

الأحـاديث الصحـيحة بالنسبة لأيام الشهر :

    1-(( إنَّ خيرَ ما تحتجمون فيه يوم سبع عشرة،ويوم تسع عشرة،ويوم إحدى وعشـرين )) .

الحديث:صحيح لغيره.انظر:صحيح الترغيب: (3/352) .

    2-(( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتجم في الأخدعين والكاهل،وكان يحتجمُ لسبع عشرة ،وتسع عشرة،وإحدى وعشرين )) .

الحديث: حَسَنٌ .انظر:السلسلة الصحيحة: (رقم:908)صحيح الترغيب: (3/353) .

    3-((من احتجم لسبع عشرة،وتسع عشرة،وإحدى وعشرين كان شفـاءً من كلِّ داءٍ )) .

الحديث:حَسَنٌ . انظر: صحيح الترغيب: (3/353) .

 

تحديد فعل الحجامة بالنسبة لليوم من الأسبوع أو الشهر:إنما هو عند عدم الحاجة إلى الحجامة وذلك:

أن الحجامة تنقسم إلى قسمين:

 أ-القسم الأول: الضروري: ويُفعلُ متى وجد الاحتياجُ إليه .

 ب-القسم الثاني: اختياري والأفضل فيه أن يكون موافقاً للأيام المذكورة في هذه الأحاديث .

 

 قال الإمام ابن القيم -رحمه الله – في الطب النبوي (ص45-46): (وهذه الأحاديث موافقة لما أجمع عليه الأطباء :أن الحجامة في النصف الثاني،-وما يليه من الربع الثالث من أرباعه- أنفع من أوله وآخره ،وإذا استعملت عند الحاجة إليها نفعت أيَّ وقت كان: من أول الشهر وآخره .  قال الخلال: أخبرني عصمة بن عاصم،قال: حدثنا حنبل،قال: كان أبو عبد الله أحمد بن حنبل يحتجم أيَّ وقت هاج به الدم،وأيَّ ساعة كانت …- إلى أن قال الإمام ابن القيم-:واختيار هذه الأوقات للحجامة:فيما إذا كانت على سبيل الاحتياط والتحرز من الأذى،وحفظاً للصحة .وأمَّا في مداواة الأمراض:فحيثما وجد الاحتياج إليها،وجب استعمالها )) .

 

وقال موفق الدين البغدادي-رحمه الله -في الطب من الكتاب والسنة:(ص47): (هذا النهي- أي في الأيام المنهي عن الاحتجام فيها-كله إذا احتجم حال الصحة،أمَّا وقت المرض، وعند الضرورة،فعندها سواء كان سبع عشرة،أو عشرين) انظر:فتح الباري: (10/149)وفيض القدير:(1/181) وتحفة الأحوذي:(6/175).

 

مـواضعُ الـحِجَـامة :

    من المهمات التي ينبغي معرفتها لصانع الحجامة:معرفة مواضع الحجامة من جسد الإنسان،وهذه المواضع:سيأتي ذكرها في قسمين :

    1- القسم الأول: المواضع التي احتجم عليها النبي صلى الله عليه وسلم من جسده الشريف،مقتصراً على ما صح عنه صلى الله عليه وسلم من المواضع،وقد أنبه على بعض ما لم يصح لمناسبة في ذلك.

    2- القسم الثاني:ما ذكره الأطباء المتقدمون،وغيرهم في مصنفاتهم من مواضع الحجامة،مُتْبِعَاً ذكرَ كلامِ الأطباء المعاصرين،وأصحاب الخبرة والاختصاص في علم صناعة الحجامة .

القسم الأول:المواضع التي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم الاحتجام عليها:

    (  الحجامة وسط الرأس  ):

    1-روى البخاري عن ابن عباس-رضي الله عنهما-: (( احتجم النبي  صلى الله عليه وسلم في رأسه وهو محرم،من وجع كان به،بماء يقال له:لحى جَمَلٍ)) . وفي رواية عنه-رضي الله عنه-: ((  أنَّ رسول الله  صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم في رأسه، من شقيقة كانت به  )) .

    2-وعن عبد الله بن بحينة-رضي الله عنه-: ((أنَّ رسول الله  صلى الله عليه وسلم احتجـم بلَحْيِ جَمَلٍ من طريق مكة،وهو محرم،في وسط رأسه )) أخرجه البخاري،ومسلم بدون ذكر: ((لحي جمل )) . قوله: ((لحي جمل )) قال الحافظ في فتح الباري(4/51و10/152):(قوله:بلحى جمل بفتح اللام وحكى كسرها وسكون المهملة وبفتح الجيم والميم موضع بطريق مكة )) . ثبت في سنن أبي داود، وغيره،عن أبي هريرة –رضي الله عنه-:(( أنَّ أبا هند حجم النبي صلى الله عليه وسلم في اليافوخ )) .

اليافوخ: هو وسط الهامة حيث ملتقى عظم مقدم الرأس وعظم مؤخره (انظر: المخصص،لابن سيده :(1/55)) .

 

( الحجامة في الأخدعين والكاهل ) :

عن أنس بن مالك-رضي الله عنه-قال:(( كان رسول الله  صلى الله عليه وسلم يحتجم في الأخدعين والكاهل …)) رواه الترمذي ،وأبو داود بلفظ: ((أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم احتجم ثلاثاً في الأخدعين والكاهل )) حديثٌ حَسَنٌ .

 

الأخـدعان : عرقان في جانبي العنق  .

قال صاحب لسان العرب-مادة:خدع-:(الأَخْدَعانِ: عِرْقان خَفِـيّان فـي موضع الـحِجامة من العُنق، وربما وقعت الشَّرْطةُ علـى أَحدهما فـيَنْزِفُ صاحبه لأَن الأَخْدَع شُعْبَةٌ مِن الوَرِيد . وفـي الـحديث: أَنه احْتَـجَمَ علـى الأَخْدَعَين والكاهل؛ الأَخدعانِ: عرقان فـي جانِبَـي العُنق قد خَفِـيا وبَطَنا،و الأَخادِعُ الـجمع؛ وقال اللـحيانـي:هما عِرقان فـي الرقبة، وقـيل: الأَخدعان الوَدجانِ ) .

 

والكاهل: ما بين الكتفين،عند الفقرة السابعة من الفقرات العنقية .

وقوله: (( ثلاثاً )) أي اثنتين في الأخدعين،وواحدة في الكاهل(انظر: المجموع شرح المهذب(9/57)) .

 

( الحجـامةُ على الـورك ) :

ثبــت عند أبي داود في سنــنه،وغيره من طــريق أبي الزبير عن جـابر-رضي الله عنه-: (( أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم على وركه من وثء كان به )) .  قوله على وركه : بفتح الواو وكسر الراء ،وفي القاموس:الورك بالفتح والكسر ككتف ما فوق الفخذ .

 

وقوله من وثء : بفتح واو وسكون مثلثة آخره همزة،والعامة تقول بالياء ،وهو غلط،وهو:وهن،أو وجع يصيب اللحم ولا يبلغ العظم ،أو وجع يصيب العظم من غير كسر (انظر: عون المعبود: (10/245)،وحاشية السندي على سنن النسائي: (5/193)) .

 

( الحجـامة على ظهر الـقـدم ) :

    ثبت في مسند الإمام أحمـد،وسنن أبي داود،والنسائي عن أنس-رضي الله عنه-: (( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم،على ظهر القدم من وجع كان به )) .

 

فـائـدة :

 ( الحجامة في جوزة القَمَحْدُوَة،أو نُقْرة القفا ) :

روي عن النبي صلى الله عليه وسلم  الحث على الاحتجام في جوزة القمحدوة ،أونقرة القفا،وكذلك روي عنه عليه الصلاة والسلام:المنع من الاحتجام عليها،وكلُّ ذلك لا يصح عنه صلى الله عليه وسلم .

 

1- (( عليكم بالحجامة في جوزة القَمَحْدُوَة،فإنها دواء من اثنتين وسبعين داء وخمسة أدواء،من الجنون،والجذام،والبرص،ووجع الضرس )).

    الحديث:ضعيف.انظر: ضعيف الجامع: (رقم3762) .

2- (( الحجامة في نُقْرة الرأس تورث النسيان،فتجنبوا ذلك )). الحديث: موضوع.

 

وقد اختُلفَ في الاحتجام في نُقرة القفا على قولين :

القول الأول: اختار قومٌ المنع، وعللوا ذلك:بأن الحجامة على نُقْرَة القفا تورث النسيان،وذلك أنَّ مؤخر الدماغ موضع الحفظ، ولما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من النهي في ذلك  .

القول الثاني: أنَّ الحجامة نافعة في نُقْرَة القفا،وقد دلَّ على ذلك الطب والواقع العملي،والشرع-أيضاً-.

 

والجواب على المعترض:

أولاً:الحديث الذي ورد فيه ذكر النهي لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فبطل التعليل به.

ثانياً: نوافق المانعين الرأي أنَّ الحجامة إذا استعملت بغير ضرورة تضعف مؤخر الدماغ،أمَّا إذا استعملت لغلبة الدم عليها:فإنها نافعة للمحتجم طباً وشرعاً؛فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنَّه احتجم في عدة أماكن من قفاه،بحسب ما اقتضاه الحال في ذلك؛واحتجم في غير القفا بحسب ما دعت إليه حاجته  .

الترجيح: هو اختيار القول الثاني،لقوته من حيث التعليل الشرعي،وكذلك التعليل الطبي .

 

فـصـل:المواضع التي احتجم عليها  النبي صلى الله عليه وسلم،هي من باب ما دعت إليه الضرورة والحاجة،وليس من باب الإلزام، والاقتصار عليها . نعم هناك حكمٌ كثيرةٌ لفعل النبي صلى الله عليه وسلم الاحتجامَ في هذه المواضع،وقد دلَّ عليها،وبينها الطب قديماً وحديثاً .

 

لكنَّ تَقديم هذه المواضع عند فعل الحجامة لحفظ الصحة مطلقاً، أو عند وجود العلة المشابهة التي فعل النبي صلى الله عليه وسلم  الحجامةَ من أجلها،قد يكون مستحباً، أو مطلوباً. وذلك لأن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم وحثَّه في أمور الطب من باب التشريع، وليس من باب المشورة وإبداء الرأي في أمر من أمور الدنيا،كما قال ذلك ابن خلدون،ومن وافقه من المتقدمين،وبعض من المعاصرين ! .

 

القـسم الثاني:

( مواضع الحجامة التي ذكرها الأطباء المتقدمون،وغيرهم في مصنـفاتهم،وكذلك ما ذكره الأطباء المعاصرون،وأصحاب الخبرة والاختصاص في علم صناعة الحجامة من هذه المواضع ) .

ذَكَرَ المتقدمون من الأطباء وغيرهم في تضاعيف مؤلفاتهم جملةً من المواضع،منها:

1-( الحجامة وسط الرأس ) :

وهي نافعة: من الصداع، والنعاس، ووجع الضرس،ومن سُقِيَ سُمَّاً،وظلمة البصر،وغير ذلك .

2-( الحجامة على نُـقْرَةِ القفا ):

نافعة: من السواد تحت العين،والنتوء العارض فيها،ومن ثقل الحاجبين والجفن، ومن جربه –أيضاً-وتنفع كثيراً من أمراض العين.إلاَّ أنها تفعل عند الحاجة لا غير،كما تقدم تفصيله عند الحديث عن الاختلاف في حجامة نُقرة القفا.

3-( الحجامة على الأخدعين ) :

نافعة: من أمراض الرأس،وأجزائه: كالوجه،والأسنان،والأذنين، والعينين،والأنف، والحلق،وغير ذلك .

4-( الحجامة على الكاهل ) :

نافعة: من وجع المنكب والحلق،وأمراض الطحال، والكبد،والصدر،وغير ذلك .

5-( الحجامة تحت الذَّقَنِ ) :

نافعة: من وجع الأسنان،والوجه،والحلقوم إذا استعملت في وقتها،وتُنقي الرأس والكتفين .

6-( الحجامة أسفل الظهر ) :

نافعة : من وجع الظهر،والكلى،والمثانة وأمراضها:كالسلس وحرقة البول،ومن دماميل الفخذ،وجربه،وبثوره،ومن داء النِّقْرِس،وداء الفيل،والبواسير،وآلام الرحم،ومن حكة الظهر.

7-( الحجامة على الفخذين ) :

الحجامة على الفخذين من الأمام نافعة: من ورم الخصيتين،وخرَّاجات الفخذين والساقين .

ومن الخلف نافعة: من الأورام ،والخراجات الحادثة في الإليتين .

8-( الحجامة على الركبة ) :

نافعة: من جميع آلام الركبة،والقروح الرديئة .

9-( الحجامة على الساق ) :

نافعة: من قروح الساقين،والنقرس، وعرق النسا،ونافعة لصحة الدماغ.

10-( الحجامة على ظهر القدم ) :

نافعة: من قرح الفخذين والساقين،وانقطاع الطمث- الدورة الشهرية عند النساء-والحِكَّةِ العارضة في الخصيتين .

وغير ذلك من المواضع المبسوطة عندهم (1).

_____________________

1-انظر:القانون،لابن سينا:(1/309-310)وكتاب المنصوري في الطب،لأبي بكر الرازي: (ص331) وتذكرة داود:(2/88) وتسهيل المنافع: (53) والرسالة الذهبية في الطب،للإمام علي الرضا: (ص162)والطب النبوي،لابن القيم: (ص43-45)والمنهج السوي في الطب النبوي،للسيوطي: (ص252إلخ) والإبداعات الطبية لرسول الإنسانية:(ص207) وفتح الباري: (10/149)وفيض القدير: (3/404)ونيل الأوطار:(9/98)وعون المعبود: (10/242) وتحفة الأحوذي:(6/174-175) والآداب الشرعية ،لابن مفلح .

 

*****

 

وأمَّا الأطباء المعاصرون، وكذلك أصاحب الخبرة والاختصاص في علم الحجامة ، فيذكرون هذه المواضع اعتماداً منهم على  الاستقراء والتجارب.

وكثير منهم يستمدون تلك المواضع من مسارات الطاقة في جسد الإنسان،وهي الطريقة المتبعة عند الصينيين في علاجهم المسمى:(بالإبر الصينية ).

ويرى الأطباء: أن الحجامة تأتي بنتائج أفضل مراتٍ عدة من الإبر الصينية ، معللين ذلك،بقولهم:

1- إن الإبر الصينية تعمل على نقطة صغيرة،وأمَّا الحجامة،فتعمل على دائرة قطرها: 5 سم تقريباً .

2- الإبر الصينية :يتم بها تنبيه مراكز الإحساس لا غير .

أمَّا الحجامة: فيتم بها تنبيه مراكز الإحساس،إضافةً إلى تحريك الدورة الدموية،وتنبيه جهاز المناعة.

3- الإبر الصينية: في استعمالها نوعُ مخاطرة،منها:

أ-تدمير الأنسجة:وهو ما يمكن أن يحصل عند إدخال الإبرة،فـتدمِّر الأوردة والأعصاب،أو حتى بدرجة أقل:أعضاءً كبيرة كالرئتين مثلاً.

وهنا يمكن أن يخرج الهواء من الرئة المثقوبة،ويدخل في الحيز المجاور،فيُحدِثُ ضغطاً متزايداً يؤدي إلى توقف الرئة عن العمل والاختناق .

 

أقول :

نظراً لتقدم أبحاث الطب المعاصر:أمكن الاستفادة من معرفة توزيع الأعصاب على الجلد، والأحشاء الداخلية لتحديد الأماكن التي تستعمل عليها الحجامة: للحصول على الفائدة المرجوة.

ونستطيع الاستفادة كثيراً في هذا المجال من الخرائط التشريحية الصينية المستعملة في العلاج بالإبر الصينية،بالإضافة إلى كتب التشريح ،ووظائف الأعضاء من أجل الحصول على المزيد من الفوائد الطبية للحجامة.

وسأنقل هنا بعضاً من هذه الخرائط والتصاوير المفيدة في تحديد أماكن الحجامة للمرض الذي يُراد علاجه .

 

فـوائد الـحجـامة :

كفى بالحجامةِ فضلاً وفائدةً:قولُ نبيِّ الإسلام محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم والذي زَكَّاهُ،وأثنى عليه ربُّه في كتابه الكريم،فقال جلَّ وعلا: والنَّجمِ إذا هوىما ضلَّ صاحبُكم وما غَوى وما ينطق عن الهوىإنْ هو إلاَّ وحيٌ يُوحَى سورة النجم:آية:1-4 .

فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في صحيح الأخبار-كما تقدم-أنه قال: (( إنْ كان في شيءٍ من أدويتكم خيرٌ،ففي شَرطةِ محجمٍ،أو شربةِ عسلٍ، أو لذعةٍ بنارٍ تُوافقُ الداءَ،وما أحب أنْ أكتوي )) .

وثبت في المسند، وسننِ أبي داود،وابن ماجة،ومستدرك الحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال : ((إنْ كان في شيءٍ مما تداويتم به خيرٌ فالحجامة )) .

وأخرج البخاري في الصحيح، وابن ماجة في السنن، وأحمد في المسند عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( الشِّفاءُ في ثلاثةٍ : شربةِ عسلٍ ، وشَرْطةِ محجمٍ ، وكيَّةِ نارٍ، وأنهى أمتي عن الكيِّ )) .

وفي الصحيحين من طريق حميد الطويل عن أنس رضي الله عنه : أنه سُئلَ عن أُجرةِ الحجَّام،فقال : احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ،حجمه أبو طيبة، وأعطاه صاعين من طعام ، وكلم مواليه فخففوا عنه، وقال : (( إنَّ أَمْثلَ ما تداويتم به الحجامة ، والقسط البحري )) .

فهذه الأحاديث:حُجَّةٌ مُسلَّمَةُ الثبوتِ لا نقاشَ فيها،كيف لا،ونبينا صلى الله عليه وسلم تحثه ملائكة الرحمن-حين أُسْرِيَ به- على استعمال الحجامة،بل وتأمره عليه الصلاة والسلام :أن يأمر أمته بالحجامة؟! .

للمُصطفى في السَماءِ قالَتْ مَلائِكَةٌ    مُرْ بِالحِجامَةِ شَاكيَ الداءِ  وَالعِـلَلِ

   ما مَــرَّ في مَـلأ إلا وَقـالَ لَهُ     مُرْ أُمَّـهً لَكَ فَلتَحتجِم وَتَمتَــثِلِ

 

أخرج أحمد في المسند،والترمذي،وابن ماجة في السنن،والحاكم في المستدرك عن ابن عباس –رضي الله عنهما-،قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ما مررتُ بملأ من الملائكة ليلةَ أسري بي إلاّ كلهم يقول لي : عليك يا محمد بالحجامة )) .

الحديث:حسنه الترمذي،وقال الحاكم : صحيح الإسناد،وقال الإمام الألباني في صحيح الترغيب (3/352) : صحيحٌ لغيره  .

وأخرج الترمذي عن ابن مسعود -رضي الله عنه-،قال: حدَّث رسول الله صلى الله عليه وسلم عنْ ليلة أُسْري به أنَّه: ((لم يمرَّ بملأ من الملائكة إلا أمروه : أنْ مُرْ أمَّتكَ بالحجامة )). وأخرجه ابن ماجة من حديث أنس رضي الله عنه.والحديث بمجموع طرقه يرقى إلى درجة الصحة،وانظر :السلسلة الصحيحة ( رقم:2264)،وصحيح الترغيب (3/352) .

وهذا الأمرُ من الملائكة الكرام:إنما هو أمرٌ من الله جلَّ في علاه .

ومما يدل على ذلك:أمرهم جميعاً له صلى الله عليه وسلم وتقريره لذلك،وظاهر الخبر أنَّ الأمر من

الله تعالى،إلاَّ أنَّ الأمر هنا:للمبالغة والتأكيد، وليس للوجوب كما ذكـر ذلـك أهل العلم-رحمهم الله-( انظر:تحفة الأحوذي: (6/176-177)) .

ثمَّ إنَّ في فعلِ الحجامة نوع تأسىٍ برسول الله صلى الله عليه وسلم .

قال شيخ الإسلام ابن تَيمية –رحمه الله-في مجموع الفتاوى (22/325) :

(…فالإقتداء به يكون تارة في نوع الفعل ،وتارة في جنسهِ، فإنه قد يفعل الفعل لمعنى يعمُّ ذلك النوع وغيره ،لا لمعنى يخصُّه، فيكون المشروع هو الأمر العام،   مثال ذلك: احتجامه،فإن ذلك كان لحاجته إلى إخراج الدم الفاسد، ثم التأسي هل هو مخصوص بالحجامة، أو المقصود إخراج الدم على الوجه النافع ،ومعلوم أن التأسي هو المشروع ) .

وأيضاً فعل الحجامة ليس المقصود به حفظ الصحة الجسدية لا غير،بل للحجامة مقاصد إيمانية، منها:

 تهذيب النفس،وكبح جماحها،وتطهيرها من أدرانها،وجعلها تسير خاضعةً لربها سبحانه جلَّ وعلا،وهذه المقاصد:مطلبٌ شرعيٌّ عظيمٌ كما لا يخفى ؟! .

 

قال المناوي-رحمه الله- في فيض القدير: (3/403 و5/465):

( قال التوربشتي :ووجه مبالغة الملائكة فيها سوى ما عرفوا فيها من المنفعة التي تعود إلى الأبدان: أن الدَّم مركبٌ من القوى النفسانية الحائلة بين العبد وبين الترقي إلى ملكوت السماوات …،وبغلبته يزداد جماح النفس وصلابتها ،فإذا نزف الدم أورثها ذلك خضوعاً وخموداً ،وليناً ورقةً، وبذلك تنقطع الأدخنة الناشئة من النفس الأمارة ،وتنحسم مادتها، فتزداد البصيرة نوراً إلى نورها ).

ويؤيدُ ما تقدم تقريره من مقاصد الحجامة: ما ذكره الطبيب الفاضل محمد بن علي البار في حاشيته على الرسالة الذهبية في الطب النبوي للإمام علي الرضا-رحمه الله- قال –حفظه الله-:( وقد ظهر في العصر الحديث أبحاث مفادها أن القمر عندما يكون بدراً،أي في الثالث عشر،والرابع عشر،والخامس عشر،يزداد التهيج العصبي،والتوتر النفسي إلى درجة بالغة.ويقول الدكتور ليبر عالم النفس بميامي في الولايات المتحدة:<إنَّ هناك علاقة قوية بين العدوان البشري والدورة القمرية،وخاصة بين مدمني الكحول والميَّالين إلى الحوادث ،وذوي النـزعات الإجرامية…ويشرح نظريته قائلاً:إنَّ جسم الإنسان مثل سطح الأرض يتكون من 80 بالمئة من الماء،والباقي هو من المواد الصلبة.ومن ثمَّ فهو يعتقد بأنَّ قوة الجاذبية القمرية التي تسبب المدَّ والجزر في البحار والمحيطات، تسبب أيضاً هذا المدَّ في أجسامنا عندما يبلغ القمر أوج اكتماله في الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر.وهو نفسه ما عبر عنه القدماء بتهيج الأخلاط وتبيغ الدم.وكما يحدث المدُّ في البحر عند اكتمال البدر، يحدث هياج الدم وتبيغه في الجسم عند اكتمال القمر أي في اليوم الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر ) .

 

وما ذكره الطبيب هو ما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله الشريفة من الإحتجام في النصف الآخر من الشهر ،ومن تلك الأحاديث،التي تقدم ذكرها عند حديثنا عن  أوقات الحجامة :

1-(( إنَّ خيرَ ما تحتجمون فيه يوم سبع عشرة،ويوم تسع عشرة،ويوم إحدى وعشـرين )) .الحديث:صحيح لغيره.انظر:صحيح الترغيب: (3/352) .

2-(( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتجم في الأخدعين والكاهل،وكان يحتجمُ لسبع عشرة ،وتسع عشرة،وإحدى وعشرين )) .

الحديث: حَسَنٌ .انظر:السلسلة الصحيحة: (رقم:908)صحيح الترغيب: (3/353) .

أقول:ما ذكـره طبيبنا الفاضلُ آنفاً :هو من باب الاستئناس لا غير.

فنحن معاشر المسلمين  يكفينا ما قرَّرَه الشارع الكريم،إلاَّ أنَّ دينَ الإسلام لا يمنع من أخذ الحكمة والفائدة حيثُ وجِدَت ما لم تعارض الشرع ؟!

 

ومن فوائد الحجامة :

ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أنس-رضي الله عنه- قال:قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم :(( إذا هاج بأحدكم الدم فليحتجم،فإنَّ الدَّمَ إذا تَبَيَّغَ بصاحبه قتله )) .

التبيغ:ثوران الدم،وتبيغ الدم:هاج وغلب .

وفي الهادي إلى لغة العرب:باغ الدم:ثار وهاج،كما يكون الحال عند من به ارتفاع في ضغط الدم ، انظر:القامــوس المحيط،ولسان العرب،والنهاية في غريب الحديث،مــــادة: (بوغ ).والسلسلة الصحيحة : (6/562) .

 

- فائدة الحجامة في علاج صداع الرأس :

ثبت في مسند الأمام أحمد وسنن أبي داود وغيرهما عن سلمى-رضي الله عنها- خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت :( ما كان أحد يشتكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعاً في رأسه إلاَّ قال: احتجم،ولا وجعاً في رجليه إلاَّ قال:اخضبهما بالحناء ) .

 

ثبت علمياً في الطب الحديث:

أنَّ معالجة أوجاع الرأس (-الصداع:Headache ) بواسطة الحجامة له تأثير حسنٌ في نوعين من الصداع،وهما:

 1-الصداع الناجم عن ارتفاع التوتر الشرياني ،وهو صداع غالباً ما يكون صباحاً باكراً في مؤخرة الرأس،ويتحسَّن بالسيطرة على التوتر الشريانتي  .

2-الصداع في مرض الشقيقة، وهي عبارة عن نوبات متكررة من الصداع الذي يكون وحيد الجانب في بدايته غالب الأمر.

وتترافق بحسّ غثيان وقياء،وتترافق باضطرابات حسيّة وحركية،أواضطرابات في المزاج.

وأثبتت الدراسات :أنَّ الشقيقة تحدث بنسبة أكبر عند مرضى فرط التوتر الشرياني،كما أنَّ مرض فرط التوتر الشرياني يحدث هو الآخر بنسبة أكبر عند مرضى الشقيقة .

وكلا الصداعين:صداع وعائي المنشأ . " انظر:الطب النبوي والعلم الحديث : (3/98) والطب والشريعة،محمد خالد،والمعجم السريري لارتفاع التوتر الشرياني: (163) وعنهما: الطب النبوي في ضوء العلم الحديث،للدكتور غياث حسن : (2/152-153)" .

 

- الحجامة في الرأس لمرض الشقيقة :

1-روى البخاري عن ابن عباس-رضي الله عنهما-: ((احتجم النبي  صلى الله عليه وسلم في رأسه وهو محرم،من وجع كان به،بماء يقال له:لحى جَمَلٍ)) .

وفي رواية عنه-رضي الله عنه-: ((أنَّ رسول الله  صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم في رأسه، من شقيقة كانت به )) .

2-وعن عبد الله بن بحينة-رضي الله عنه-: ((أنَّ رسول الله  صلى الله عليه وسلم احتجم بلَحْيِ جَمَلٍ من طريق مكة،وهو محرم،في وسط رأسه )) أخرجه البخاري،ومسلم بدون ذكر: ((لحي جمل )) .

قوله: ((لحي جمل )) قال الحافظ في فتح الباري(4/51و10/152):(قوله:بلحى جمل بفتح اللام وحكى كسرها وسكون المهملة وبفتح الجيم والميم موضع بطريق مكة )) .

 

لاحظ الأطباء عند تطبيق الحجامة على المرضى الذين يعانون من مرض الشقيقة:أنَّ الألم يزول مباشرة، وتختفي نوبات الشقيقة بكلِّ مراحلها إطلاقاً .

ويقول الدكتور عبد المالك الشالاتي-أستاذ الأمراض الداخلية والعصبية بجامعة دمشق-:( من الناحية العصـبية معلوم أنَّ الحجامة هي: سحب كمية من الدم، وكذلك تنقية الدم،وتخفيف الاحتقان الدموي العام ،وبالتالي الدماغي.

فهي تفيد في حالات:الصداع الوعائي،الصداع التوتري:< الشقيقة > )(1) .

وقال الدكتور النسيمي-رحمه الله-: (وتُعلَّل فائدة الحجامة في وسط الرأس -أي بعيدة عن العروق الدموية الكبيرة - في تسكين الصداع الشقيقي،بحدوث انعكاسات على الأوعية الدمـاغية التي يؤدي انقباضها إلى حدوث ذلك الصداع )(2) .

 

-فائدة الحجامة في علاج التواء المفصل :

ثبت عند أبي داود في سنــنه،وغــيره من طريــق أبي الزبير عن جـابر-رضي الله عنه-: (( أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم على وركه من وثء كان به )) .

قوله على وركه:بفتح الواو وكسر الراء ،وفي القاموس: الورك بالفتح والكسر ككتف ما فوق الفخذ .

وقوله من وثء: بفتح واو وسكون مثلثة آخره همزة،والعامة تقول بالياء ،وهو غلط،وهو:وهن،أو وجع يصيب اللحم ولا يبلغ العظم ،أو وجع يصيب العظم من غير كسر، أو هو الفك  .

وثبت في مسند الإمام أحمد،وسنن أبي داود،والنسائي عن أنس-رضي الله عنه-: (( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم،على ظهر القدم من وجع كان به )) .

وعند ابن ماجة من حديث جابر-رضي الله عنه-: (أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم سقط عن فرسه على جذع، فانفكت قدمه)قال وكيع يعني أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم احتجم عليها من وثء.

من فوائد الحجامة :أنها علاج فعَّال عندما يصاب الإنسان بالتواء المفصل العنيف.

وقد عرَّف الوثءَ،النسيمي بقوله:(هو التواء المفصل منذ تمطط الرُّبط حتى انقطاعها ) .

_____________________

1-انظر:صحيفة الرياض،العدد:(12127). وصحيفة عكاظ،عدد: (الخميس13/9/2002) ومنتدى الوئام على شبكة الإنترنت .

2-الطب النبوي والعلم الحديث: (3/99) .

 

*****

 

-فائدة الحجامة في علاج الـخُراج :

وذلك بشرط الخراج، أي شقه ليخرج الصديد،ثم وضع المحجم لمص كافة محتوياته .

أخرج مسلم في صحيحه عن عاصم بن عمر بن قتادة -رحمه الله-قال:جاءنا جابر بن عبد الله-رضي الله عنه- في أهلنا ،ورجل يشتكي خُراجاً به- أو جراحاً- فقال: ما تشتكي ؟قال:خُراج بي قد شقَّ عليَّ، فقال:يا غلام ائتني بحجام،فقال: له ما تصنع بالحجام يا أبا عبد الله؟ قال: أريد أن أعلق فيه محجماً، قال :والله إنَّ الذباب ليصيبني،أو يصيبني الثوب فيؤذيني،ويشق عليَّ،فلما رأى تبرمه من ذلك قال:إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن كان في شيء من أدويتكم خير، ففي شرطة محجم، أو شربة من عسل، أو لذعة بنار، قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم وما أحبُّ أنْ أكتوي، قال فجاء بحجام فشرطه فذهب عنه ما يجد ) .

قال القاضي عياض -رحمه الله- في شرحه على صحيح مسلم (7/113):

(فإنَّ هذا من البديع عند من علم صناعة الطب،وذلك أنَّ سائر الأمراض الامتلائية :إمَّا أن تكون دموية، أو صفراوية،أو سوداوية،أو بلغمية،فإنْ كانت دموية، فشفاؤها إخراج الدم … ) -وانظر: شرح النووي على صحيح مسلم : (14/192) والقانون لابن سيناء : (1/13-17) .

 

-الحجَـامة بـعـد التسـمم :

ذكر الإمام ابن القيم-رحمه الله- في الطب النبوي(ص97-98)عن موسى بن عقبة قال: ( معالجة السُّمِّ تكون بالاستفراغات،وبالأدوية التي تُعارض فعل السمِّ وتبطله:إمَّا بكيفيَّتِها،وإمَّا بخواصها.

فمن عَدِمَ الدواء:فليبادر إلى الاستفراغ الكُلِّي.وأنفعه الحجامة لا سيَّمَا إذا كان البلد حارَّاً ،والزمانُ حارَّا ،فأنَّ القوة السُّميةَ تسري إلى الدم،فينبعث في العروق والمجاري حتى تصل إلى القلب،فيكون الهلاك.

فالدم هو المنفذ الموصل للسم إلى القلب والأعضاء .فإذا بادر المسموم وأخرج الدم:خرجت معه تلك الكيفية السُّمية التي خالطته.

فإن كان استفراغاً تاماً:لم يضره السم،بل إمَّا أن يذهب،وإمَّا أن يضعف فتقوى عليه الطبيعة،فتبطل فعله،أو تضعفه ) .

وأفاد الإمام الذهبي -رحمه الله-: أن الأفضل في علاج الملسوع،هو:أن يشق موضع اللسعة ويوضع عليها المحاجم، وتمص مصاً قوياً،ويجتهد أن يبقى الجرح مفتوحاً ليخرج منه تلك المادة الفاسدة .

ويقرُّ الطب الحديث بفائدة الحجامة في علاج بعض التسممات،ويوصي بنقل الدم بعد وجود التسمم  .

 

*****

 

كَيـفِيَّـةُ عَمـلِ الحجـامة:

الحجامةُ كأيِّ صناعةٍ من الصناعات،لها قواعدُ وأصولٌ متبعة في كيفيةِ عملها،والمذكور هنا مأخوذ مما ذَكرَه أهلُ الدِّراية بأحوال صِناعة الحجامة،وكذلك ما هو مبسوط في مؤلَّفات أهل الطب قديماً وحديثاً،وما ذُكِرَ في تضاعيف كتب أهل الحديث والفقه،وما رُقِمَ في الصحف والمجلات،وعلى مواقع شبكة الإنترنت .

فأقول :

1-المعدل الطبيعي لفعل الحجامة :

المعدل الطبيعي لفعل الحجامة بالنسبة للإنسان في عمره الوجودي:

واحدة كلَّ شهر،هذا في فعل الحجامة حفظاً للصحة،ودرءاً للمرض.أمَّا عِنْدَ الضرورة،فتُكرَّر حسب الحاجة إليها،مع ملاحظة:أنَّ التكرار الأفضـل أنْ يكون في الأسبوع مرَّةً واحدةً،وذلك لأنَّ جسم الإنسان يمكن له أنْ يجدد المفقود من الدم بعد أسبوع من عملية الحجامة.فالتكرار الزائد:قد يؤدي إلى الضرر البالغ للجسم.

والمختار:أنْ تُفعل الحجامة حفظاً للصحة كلَّ سنة مرَّة واحدة عندما يميلُ الطقس للدفء في الربيع(شهر إبريل،ومايو ) .

والأفضل:ترك الحجامة بالنسبة للأطفال دون سن البلوغ،وكذلك كبـار السن ممن وصلوا الستين من العمر؛فإن احتاجوا الحجامةَ:يكون شفط الدم يسيراً !! .

 

2-وقت فـعل الحجـامة :

الحجامة على قسمين رئيسين:اختيارية،وضرورية.

فالاختيارية:تُفعل بما يوافق ما ورد في أدلَّة الشرع من اختيار أيام معيَّنة بالنسبة لأيام الأسبوع،والشهر.وقد تقدم تفصيل ذلك عند الحديث عن وقت الحجامة بالنسبة لأيام الأسبوع،والشهر .

والأفضل:أنْ تفعل الحجامة صباحاً قبل تناول أيّ شيء من الشراب والطعام،وذلك لأن الطعام ينشط جهاز الهضم،ومن ثمَّ تنشط الدورة الدموية،فتتحرك الرواكد التي تجمعت خلال النوم في منطقة الكاهل .

عن نافع،أنَّ ابن عمر-رضي الله عنهما-قال له:يا نافع تبيغ بي الدم فالتمس لي حجاماً،واجعله رفيقاً إن استطعت،ولا تجعله شيخاً كبيراً،ولا صبياً صغيراً،فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(( الحجامةُ على الريق أمثلُ،وفيها شفاء وبركة،وتزيد في العقل والحفظ،واحتجموا على بركة الله يوم الخميس،واجتنبوا الحجامة يوم الأربعاء والجمعة والسبت والأحد تحريَّاً،واحتجموا يوم الاثنين والثلاثاء؛فإنه اليوم الذي عافى الله فيه أيوب،وضربه بالبلاء يوم الأربعاء،فإنه لا يبدو جُذامٌ ولا بَرَصٌ إلاَّ يوم الأربعاء،وليلة الأربعاء )) . رواه ابن ماجة في السنن ، وغيره .

الحديث:حَسَّنَهُ بمجموع طرقه الإمامُ الألباني-رحمه الله- في السلسلة الصحيحة: (رقم:766)وفي صحيح الترغيب(3/354) قال: حسن لغيره . وأيضاً:من فوائد الحجامة على الريق:تجنب الشعور بالغثيان،أو القيء ..

كما إنَّ الحجامة بعد الطعام ربَّما تؤدي إلى حدوث إغماء،أو قيء .

 

وأمَّا الحجامة للضرورة،فتفعل عنْدَ الحاجة إليها أيَّ وقتٍ كان من الزمان،وانظر ما تقدم تفصيلُه عند الحديث عن أوقات الحجامة .

 

3-الإعـدادُ النفسي للمحتـجم :

بعض الناس إذا كان فعلُه الحجامةَ لأوَّل مرَّةٍ : قد يصيبه الخـوف،أو إذا رأى غيره يحتجم قد يخاف لرؤية الدم،وهذا الإنسان الأفضل له ابتداءً:أن يُبَيَّنَ له شيءٌ من فضائل الحجامة،وأنَّها مفيدة طبياً،وليس فيها مشقة أو ألم،حتى يُخَافَ منها،فإذا اطمأنَّ ذلك الإنسان عندئذ تُعمل له الحجامة .

 

4-الحجامة نوعان كما تقدم في أول الرسالة،وهما:

النوع الأول : الحجامة الجافة ، أو الحجامة بلا شرط .

والنوع الثاني: الحجامة بالشرط ، أو الرطبة ، أو الدامية.

فالحجامة الجافة عند فعلها يُتَّـبَعُ ما يأتي ذِكْرُه :

  أ- تعقيم الموضع المراد حجامته بالمطهرات الطبية .

ب- وضع قليلٍ من زيت الزيتون على حافة الكأس الذي يُحْجَمُ به،لغرض التأكد من عدم تسرب الهواء من الكأس إلى الخارج أثناء التصاقه بالجلد؛وذلك لأن تسرب الهواء يمنع إحكامَ التصاق الكأس بالجلد .

ج- تفريغ كأس المحجمة من الهواء بواسطة جهاز السحب .

د - يترك الكأس مدة خمس دقائق إلى عشر دقائق ولا يُزاد على ذلك،ثم ينـزع الكأس برفق،وذلك بالضغط على الجلد عند حافَّةِ الكأس .

وفي حالة إذا كان موضع الحجامة هو الوجه،لا تزيد مدة بقاء الكأس على الموضع مدة نصف دقيقة .

 

وأمَّا الحجامة الرطبة،فَيُـتَّبَع الآتي ذِكْرُه:

أ-من المهمات والنصيحة لكلِّ حَجَّام ومحتجم:

التأكد من نظافة آلات الحجامة،واستخدام المشارط الجديدة المعقمة،والكؤوس الجديدة،وذلك لمنع تَعْدِيَةِ الأمراض السارية إلى الناس،ومنها:فيروسات الكبد،وغيرها .

وقول القائل:-إنَّ آلات الحجامة لا تنقل العدوى إلى داخل الجسد، بحجة:أن العبرةَ بما دخل من الدم،لا بما خرج ؟!-قولٌ مجانب للصواب،يردُّه صريح العقل؟!والواقع الطبي(1)فيجب عند الاحتجام:أن يكون لكلِّ إنسان كؤوس خاصة به تجنباً لأيِّ مرضٍ سارٍ …

ب  - تعقيم الموضع المراد حجامته بالمطهرات الطبية .

ج  - وضع كأس المحجمة على الموضع المراد .

د   - بعد ذلك يتم تفريغ كأس المحجمة من الهواء بواسطة جهاز السحب،وعند    

       ذلك سوف ينسحب الجلد إلى داخل الكأس .

هـ-يُترك الكأس مدة خمس دقائق ،ثم يُنـزع برفــق من على الجلد،وذلك

      بالضغط عند حافة الكأس .

ز  - يتم تشريط الموضـع بالمشرط تشريطاً خفيفاً سطحـياً،وهـذا التشريط

      بالمشرط:يُستعمل في غير مرضى السكر،وأصاحب السيولة في الدم،فهؤلاء 

      يكون التشريط بواسطة إبرة فحص الدم .

ح – يجب أن يكون التشريط على امتداد العروق-أي بالطول-لا بالعرض،مـع    

      الابتعاد عند التشريط عن الأوردة،والشرايين الظاهرة،ويكون التشريط بعيداً عن بعضه،بمقدار(3 مم ) .

ط – يوضع بعد ذلك الكأس على الموضع مرَّةً أخرى .

ي – يتم تفريغ الكـأس مـن الهواء . ومن أجـل تخفيف الألم :يُفعل الشفطُ  تدرُّجاً؛ فالأولى تكون أخفَّ من الثانية،والثانية تكون أخف من الثالثة …

ك – ترك الكأس مـدة دقيقتين إلى خمس دقائق،حتى يـخرج الـدم من     خلال التشققات التي أحدثها المشرط .

ل – يُفـرغ الكـأس بعد ذلك من الدم،ويكـرر وضــعه مرة أخرى على 

    الموضع،وهكذا حتى يخرج الدم صافياً رقيقاً،أو ينقطع خروج الدم .

م - يجب تطهيرُ مواضع الاحتجام بعد الانتهاء منها،ويكون ذلك بالمطهرات الطبية،مع وضع لاصق طبي(بلاستر ) على المواضع،خاصةً لمرضى السـكر،وكذلك عندما لا يقف الدم عن الخروج .

ن- تُمسح جوانب مواضع الحجامة بقطن طبيٍّ مبلَّلٍ بماء دافئ،وبذلك يكون قد تم الانتهاء من عملية الحجامة .

_____________________

1-ورد في صحيفة الشرق الأوسط:http://www.asharqalawsat.com/pcdaily/18-12-2000/clinic/clinic.htm

(قال الدكتور عبد المجيد بن عبد الكريم-طبيب سعودي-: إنَّ نسبة 5 في % من السكان في السعودية مصابون بفيروسCالذي يستدعي علاجه عملية زرع جزء من الكبد، مشيراً إلى أن عادات صحية واجتماعية كانت وراء ارتفاع نسبة المصابين بالمرض في المملكة، ومن أبرزها:نقل الدم من دون إجراء فحوصات كافية،كما كان يحدث قبل عدة أعوام، وإجراء عمليات الحجامة بدون تعقيم أو تطهير،وجرح الجلد بأدوات غير معقمة ومعرضة للفيروسات) .

وفي موقع(صحة): http://sehha.com/diseases/liver/hbv.htm

ذكروا:أنَّ من أسباب انتقال فيروس الكبد الوبائي (ب) Hepatitis B : الحجامة بآلات ملوثة ...

 

*****

تنـبيـهات :

هذا التنبيهات المذكورة ينبغي لكلِّ حجَّام،ومُحْتَجِمٍ مراعاتها عند عمل الحجامة،وهي :

1-ينبغي للمحتجم أثناء الحجامة:أن يكون جالساً على كرسي له جـوانب،وذلك من أجل أن البعض قد يصيبه إغماء عند الحجامة .

2-المريض بضغط الدم المنخفض:يجب أن يُتعامل معه بحذر،والمراد بالحذر:

(تقليل عدد الحجامة )مع مراقبة درجة وعيه،حتى لا يحدث له إغماء من كثرة الشفط،وكذلك:يُجتنب عمل الحجامة له على الفقرات القطنية لأنها تسبب انخفاض في ضغط الدم،ومن الخاص به:أن يشـرب قبل الحجامة شيئاً من العسل،أو السكر،أو الطعام لكي تزداد عنده نسبة السعرات الحرارية .

3-في حالة الإغماء:يُنـز ع الكأس،ويوضع المريض على الأرض مع رفع قدميه،ويُعطى شيئاً سكرياً يشربه.ويُفضل أن تَتِم الحجامة له وهو مضطجع وعلى جنبه،ويدخل في هذه الاحتياطات:المريض بالأنيميا .

4-تُجتنب الحجامة للإنسان المصاب بالرشح،أو البرد مع ارتفاع درجة حرارته.

5-يجب ألاّ يُوضع كأس الحجامة على أربطة المفاصل الممزقة .

6-لا يوضع الكأس على الركبة المصابة بالماء،وكذلك الدوالي،وإنما يوضع بجوارها .

7-ينبغي تجنب الحجامة على الجلد الذي يحتوي على دمامل،أو أمراض جلدية معدية،أو التهابات جلدية شديدة .

8-الابتعاد عند الحجامة عن المواضع التي تكثر فيها الشرايين البارزة خاصةً لضعيفي البنية .

9-لا تُفعل الحجامة في الأيام الشديدة البرد .

10-لا تُحجم المرأة الحامل في أسفل البطن،و لا على الثديين،ومنطقة الصدر،خصوصاً:في الأشهر الثالثة الأولى .

11-مرضى الأنيميا:تُجرى لهم حجامة واحدة،ثم تتلوها واحدة أخرى حسب استعداد أجسامهم ،وإذا حدث إغماء،يتم نزع الكأس،ويُعطون شراباً سكرياً .

12-ينبغي أن تكون الحجامة دائماً مزدوجة،والمعنى المراد:أن تُحجم كلا اليدين،وكلا القدمين،وعلى جانبي العمود الفقري،ومن الأمام والخلف في بعض الحالات .

13-الحذر من فعل الحجامة على الجوع الشديد،أو الشبع الشديد .

14-تُجتنب الحجامة بعد الطعام،فإنْ اُضْطُرَ إليها:تُفعل بعدَ ساعتين من تناول الطعام .

15-تُجتنب الحجامة لمن بدأ في الغسيل الكلوي .

16-تُؤخَّر الحجامة لمن تبرع بالدم،إلاّ بعد أسبوع من الأيام،وذلك لأن الجسم لا يمكنه تعويض الدم المفقود إلاّ بعد مرور أسبوع من إخراج الدم .

17-تُترك الحجامة لمن بلغ الستين من العمر،وكذلك الأطفال دون سن البلوغ،فإن احتاجوا للحجامة:فليكن الشفط قليلاً .

18-مرضى سيولة الدم،والسكر لا يتم لهم التشريط،بل الوخز بإبرة فحص الدم.

19-إذا كان الإنسان مصاباً بمسٍّ من الجن،أو سحر:ينبغي له أن يحتجم عند من له دارية بأحوال الجن،وكيفية التعامل معهم عند وجود أيِّ تَصرُّفٍ طارئ .

19-تُمنع الحجامة على القلب لكلِّ من ركب جهازاً لتنظيم ضربات القلب .

لـون الـدم:

أهل العلم بصناعة الطب قديماً يرون:أنَّ خـروج الدم بصفات معيَّنة يدلُّ على نتائج عندهم،فيقولون:

أ  -خروج الدم أحمرَ سائلَ:يدلُّ على سلامة العضو من العللِ .

ب-خروج الدم أسودَ سائلَ:يدلُّ على وجود أخلاطٍ ضارَّةٍ في ذلك العضو .

ج-خروج الدم أسودَ متخثراً:يدلُّ على وجود أخلاطٍ كثيرةٍ ضارَّةٍ في ذلك العضو.

أمَّا عندَ عَدَمِ خروج الدم،فيرون:أنَّ ذلك يدلُّ على سلامة العضو من العلل .

ملحوظة:توقف خروج الدم،أو خروج (البلازما)المادة الصفراء يُستفاد منه:أن الحجامة للموضع،أو المواضع قد انتهت .

فإن تواصل خروج الدم بسبب عمق التشريط:يجب التوقف بعد استفراغ كمية الدم المناسبة من ذلك العضو،وهي في الغالب تكون أقلَّ من(200 مل) وحسب موضع الحجامة!! .

 

5- ما يُفـعل بعد الحجـامة :

يُنصح المحتجم بعد انتهائه من الحجامة بما يأتي ذكره :

1-يجب على المحتجم:أن يخلد للراحة بعد الحجامة،ولا يجهد نفسه مدة يومين،أو ثلاثة،وذلك أنَّ عدم الالتزام بالراحة قد يتسبب في عودة الألم مرةًّ ثانية.

2-يمتنع المحتجم عن الجماع مدة 24ساعة،و12 ساعة قبل الحجامة .

قال الإمام علي الرضا-رحمه الله-:

(...ويجب في كلِّ ما ذكرناه من اخرج الدم:اجتناب النساء قبل ذلك باثنتي عشرة ساعة .. ) .

3-يجب على المحتجم ترك الطعام وخاصة:الموالح والحوامض ،مدَّة ساعتين،أو ثلاثة بعد الحجامة .

4-يمتنع المحتجم عن شرب أيِّ سوائل شديدة البرودة مدة 24ساعة .

5-إذا أراد المحتجم الاغتسالَ:فليكن ذلك بعد ساعة من الاحتجام بماء دافئ،ولا يغتسل في الحمامات البخارية .

6-يُنصح المحتجم:بأن يُغطي مكان الحجامة،ولا يعرضه للهواء البارد مدة 24ساعة .

7-قد يشعر البعض من الناس بعد الحجامة بارتفاع درجة الحرارة في الجسم،وهذا الارتفاع قد يكون في نفس يوم الحجامة،أو بعده.وهو أمرٌ طبيعي وقتيٌّ لا يُخف منه،لأنه يزول بعدَ وجوده .

قال أبو بكرٍ الرازي في(الحاوي في الطب):

(والحمى التي تأخذ بعقب الفصد والإسهال لا تخف منها،فإنها يومية ..)(1) .

8-بعض الناس قد يشعر بغثيان،أو إسهال عندما يحتجم في ظهره،وهذا أيضاً أمرٌ طبيعي لا خوف منه (2) .

 

 

الأمثال الواردة عند العرب في ذِكْرِ الحجَّام

 

قولهم: (أفـرغ من حجّــَام سـاباط ) .

حجام ساباط: يضرب به المثل في الفراغ ، يقال:( أفرغ من حجام ساباط) .

ومن خبره:أنَّه كان حجاماً ملازماً لساباط المدائن،فإذا مرَّ به جندٌ، وقد ضرب عليهم البعث،حجمهم نسيئةً بدانق واحدٍ إلى وقت قفولهم،وكان مع ذلك يمرُّ به الأسبوع والأسبوعان،ولا يدنو منه أحد، فتخرج أمه فيحجمها ليرى الناس أنَّه غير فارغ،فما زال ذلك دأبه حتى نزف دم أمه،فماتت فجأة.وصار فراغ الحجام مثلاً  .

 

قال ابن بسام :

دارُ أبى جعفـرَ مُفـروشةٌ   ما شئتَ من بُسـطٍ وأسماطِ

وبُعْدُ ما بَينكَ  مـن خبزهِ    كَبـعدِ بلـخ من  سميســــاطِ

مطبخهُ قَفْـرٌ وطـبَّاخُــــــهُ   أفرغُ من  حجَّـام   ســـاباطِ

 

وساباط المدائن: موضع  في العراق .

 

ومن الأمثال المعاصرة،قولهم :

(حجَّـام وقـلاع ضـروس ) .

 قال الأستاذ عبد الكريم الجهيمان في كتابه الأمثال الشعبية في قلب الجزيرة العربية :

(يعني أنَّه يعمل هنا وهناك .. ويعمل في اتجاهات متعددة ..

 

من لطائف الأخبار المنقولة عن الحجامين :

(حُكي أنّ الحجَّاجَ أمر صاحب حراسته أن يطوف بالليل،فمن وجـده بعد العشاء ضرب عنقه،فطاف ليلةً فوجد ثلاثة صبيان يتمايلون، وعليهم أثرُ الشراب،فأحاط بهم،وقال لهم:من أنتم حتى خالفتم الأمير، فقال الأول :

أنا ابنُ من دانت الرقــــابُ له  مَا بيَن مخزومِهــا وهاشمهـــا

تأتيــــه بالرَّغمِ  وهي صاغرةٌ   فيأخذ منْ مالهــــا ومنْ دَمِها

 

فأمسك عن قتله وقال : لعله من أقارب أمير المؤمنين. وقال الثاني :

أنا ابنُ الذي لا يُنـزِلُ الدهرُ قِـدْرَهُ   وإنْ نزلت يوماً فسوف تَعـــودُ

ترى الناسَ أفواجـاً إلى ضـوءِ نارهِ    فمنـهم  قيــامٌ حـولَها وقعودُ

 

فأمسك عن قتله وقال : لعله من أشراف العرب.وقال الثالث :

أنا ابن الذي خاض الصفوف بعزمه   وقوَّمَـها بالسيـفِ حتى استقَامَتِ

ركاباه لا تنفـك  رجـلاه  مِنْها   إذا الخيــل في يوم  الكريهة ولَّتِ

فأمسك عن قتله وقال : لعله من شجعان العرب .

فلما أصبح رفع أمرهم إلى الحجاج،فأحضرهم وكشف حالهم.فإذا الأول ابن حجَّام،والثاني ابن فوال،والثالث ابن حائك.فتعـجب من فصاحتهم،وقال لجلسائه: علّـموا أولادكم الأدب،فوالله لولا فصاحتُهم لضربت أعناقَهم،ثم

 

أطلقهم وأنشد:

كن ابنَ من شئتَ واكتسب أدباً   يُغنيـك محمُــودُه عن النسبِ

 إنَّ الفـتى من يقـولُ ها أنَا ذا    ليس الفــتى مَنْ يقولُ كانَ أبي

 

حجام لا يحب المجاملة !!ويرى العدل والإنصاف مع سائر الناس!!:

في كتاب الحيوان للجاحظ: (..وكان أهل المربد يقولون:لا نرى الإنصاف إلاَّ في حانوت فرج الحجَّام ؛ لأنه كان لا يلتفت إلى من أعطاه الكثير دون القليل،ويقدِّم الأول ثم الثاني ثم الثالث أبداً حتى يأتي على آخرهم ، على ذلك يأتيه من يأتيه؛فكان المؤخَّر لا يغضب ولا يشكوه ) .

حجام يُضجرُهُ تَشَدّقُ محتجم بغريب الكلام :

 

(قال أبو الحسن: مرَّ أبو علقمة النحوي ببعض طرق البصرة،وهاجت به مرّة، فوثب عليه قوم منهم،فاقبلوا يعضُّون إبهامه،ويؤذنون في أذنه،فأفلت من أيديهم فقال:مالكم تتكأكأون على كأنكم تتكأكأون على ذي جنة،افرنقعوا عني.قالوا: دعوه فإنَّ شيطانه يتكلم بالهندية !.

 

وقال أبو الحسن:هاج بأبي علقمة الدم،فأُتى بحجَّام،فقال للحجَّام:اشدد قصب الملازم،وأرهف ظبات المشارط،وأسرع الوضع وعجل النـزع،وليكن شرطك وخزاً،ومصك نهزاً،ولا تكرهن أبياً،ولا تردن اتياً،فوضع الحجام محاجمه في جونته وانصرف ) .

 

حجَّــام يعـلِّمُ إمَاماً :  قال ابن خلكان في وفيات الأعيان :

(وحُكي عن وكيع؛قال:قال لي أبو حنيفة النعمان بن ثابت:أخطأتُ في خمسة أبواب من المناسك بمكة،فعلَّمنيها حجام،وذلك أني أردت أن أحلق رأسي،فقال لي:أعربيٌّ أنت؟قلت:نعم،وكنت قد قلت له:بكم تحلق رأسي؟فقال: النسك لا يُشارَطُ فيه،اجلس،فجلست منحرفاً عن القبلة،فأومأ لي باستقبال القبلة،وأردتُ أن أحلق رأسي من الجانب الأيسر،فقال:أدر شِقَّك الأيمن من رأسك؛فأدرته،وجعل يحلق رأسي وأنا ساكت،فقال لي:كَبِّر،فجعلت أكبر حتى قمتُ لأذهب،فقال:أين تريد؟فقلت:رحلي،فقال:صلِّ ركعتين ثم امض.فقلت ما ينبغي أن يكون هذا من مثل هذا الحجام إلاَّ ومعه علم.فقلت:من أين لك ما رأيتك أمرتني به؟فقال:رأيت عطاء بن أبي رباح يفعل هذا ).

 

فِـطْــنةُ،ودُعَابَـةُ حجَّــام :

احتاج ابن حمدون النديم( نديم الخليفة الواثق بالله ) إلى الحجامة:فطلب من غلامه أن يأتيه بحجام ، فلما جاء الحجام ، قال له ابن حمدون:

اشرط في الجانب الأيمن اثنتي عشرة شرطة،وفي الجانب الأيسر أربع عشرة شرطة،فإنَّ الدم في الجانب الأيسر أقل منه في الجانب الأيمن،لأنَّ الكبد في الأيمن والحرارة هناك أوفر ،والدم أغزر،فإذا زدت في شرط الأيمن:اعتدَل خروج الدم من الجانبين ففعل .

 

وهو مع ذلك ساكتٌ،فعجبت من صمته،وقلت للغلام:ادفع إليه ديناراً،فدفع إليه فردَّه،فقلت:استقله؛ولعمري إنَّ العيـون إلى مثلي مُمَدَّة،والطمع مستحكم في نديم الخليفة.فقلت للغلام:أعطه ديناراً آخر،ففعل فردَّه، وأبى أن يأخذهما،فاغتظت ،وقلت له:قبحك الله أكثر من يجلس بين يديك:يدفع إليك نصف درهم وأنت تستقل ما دفعت إليك! فقال:

 

والله ما رددتها استقلالاً،ولكن نحن أهل صناعة واحدة !!وأنت أحذق مني ، وما كان الله ليراني وأنا آخذ من أهل صناعتي أجرةً أبداً ؟!!! .

فلمَّا كان في العام المقبل،واحتجت إلى نقص الدم قلت للغلام:اذهب فجئنا بذلك الحجام ، فقد عرف الخدمة،وقد انصرف تلك الدفعة ولم يأخذ شيئاً،ولعله قد نسيها فيقع برؤنا منه،على حاجة منه إليه.قال:فلما جاء وحجمني أحسن حجامة،قلت له: سبحان الله من أين لك هذا الحذق بهذه الصَّنْعَة؟، فقال:ما كنتُ أحسن من هذا شيئاً،ولكن حجَّام الخليفة اجتاز بنا بهذا الوضع في العام الماضي،فتعلمت منه هذا ؟!! .

فضحكت منه وأمرت له بثلاثين ديناراً،مع ما تم له من معاريض كلامه في الدفعتين جميعاً  .

 

منقول عن كتاب إرشاد الأنام ،،،

 

____________________

1-انظر:الحاوي(5/2143) .

2-مراجع ما تقدم ذِكْـرُه:

الطب النبوي،لابن القيم (45-48)والطب من الكتاب والسنة،لموفق الدين البغدادي (41-48)والطب النبوي،للذهبي (ص52-56)والشفاء في الطب المسند عن السيد المصطفى،لأحمد التيفاشي(ص87-88و113-114)والمنهج السوي في الطب النبوي،للسيوطي (ص243-255)والمنهل الروي في الطب النبوي ،لمحمد بن طولون (ص105-114)والرسالة الذهبية،للإمام علي الرضا (ص159-165)والطب النبوي والعلم الحديث،للدكتور النسيمي (3/91-103)  والطب النبوي في ضوء العلم الحديث ،للدكتور غياث بن حسن (ص151-154)والإبداعات الطبية لرسول الإنسانية،لمختار بن سالم (ص199-218)وروائع الطب الإسلامي،للدكتور محمد الدقر (1/112-122)والقانون،لابن سينا (1/309-310)والنـزهة المبهجة-بهامش تذكرة أولي الألباب-للأنطاكي (2/80-91) وتسهيل المنافع،للأزرق (ص51-55)ورسالة في الحجامة،لشهاب بن ياسين (ص50-61)والطب الشعبي،للدكتور سمير الجمال (ص303-306) .

الصحف والمجلات،ومواقع الإنترنت :

1-صحيفة الخليج الإمارتية،العدد (138/21 مايو 2001) .

2-صحيفة الاتحاد الإمارتية ( الخميس7رمضان1422)والجمعة 8 رمضان 1422) .

3-صحيفة البيان الإمارتية (البيان الخميس 23 شعبان 1422 الموافق 8 نوفمبر 2001 )

4-صحيفة عكاظ السعودية ( الخميس:13/9/2002 ) .

5-صحيفة الرياض السعودية (الخميس جمادى الثانية1422 العدد:12127 ).

6-مجلة المجتمع الكويتية ( العدد:1470 ).

7-http://www.islamweb.net/default.asp 

8-http://www.lroqia/cupping.HTM

9-http://www.middle-east-online.com/Health/Aug2001/syria_old_medicine-16-8-2001.htm .

10-http://www.arabiat.net/issue35/sciences.htm                = 

11-http://www.almalakycenter.com/hejamah/hejamh1.htm

12-http://www.suhuf.net.sa/2001jaz/jun/7/ec19.htm

13- ARABIAT-Arabic Electronic Magazine (Sciences).htm

14-http://64.29.210.216/completesearch/arabic/mDetails.asp?hMagazineID=13527

15-http://64.29.210.216/completesearch/arabic/mDetails.asp?hMagazineID=13268

 

 

في حالة نسخ أي صفحة من صفحات هذا الموقع حبذا ذكر المصدر على النحو التالي

نقلاً عن موقع الطب الشعبي