بيان حكم كسب
الحجام
(30) عَن حُمَيْدٍ قَالَ : سُئِلَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ
عَنْ كَسْبِ الْحَجَّامِ ؟ ، فَقَالَ : احْتَجَمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، حَجَمَهُ
أَبُو طَيْبَةَ ، فَأَمَرَ لَهُ بِصَاعَيْنِ مِنْ طَعَامٍ ، وَكَلَّمَ أَهْلَهُ ، فَوَضَعُوا
عَنْهُ مِنْ خَرَاجِهِ ، وَقَالَ : (( إِنَّ أَفْضَلَ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ الْحِجَامَةُ أَوْ هُوَ مِنْ أَمْثَلِ دَوَائِكُمْ )) . صحيح .
أخرجه مسلم (10/242) ، والتـرمذى (1278) و(( الشمائل ))(361) ، والطحاوى
(( شرح المعانى ))(4/131) ، وابن الجوزى
(( التحقيق ))(1587) من طرق عن إسماعيل بن جعفر عن حميد عن أنس به .
وأخرجه البخارى (4/10. سندى ) قال : حدثنا محمد بن مقاتل أخبرنا عبد الله يعنى ابن
المبارك أخبرنا حميد الطويل عن أنس بمثله .
وتـابعهما عن حميد : مالك بن أنس ، وشعبة ، والثورى ، وعبد العزيز بن أبى سلمة
، ومروان الفزارى ، وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفى ، ويزيد بن زريع ، ويزيد بن
هارون ، ويحيى بن سعيد القطان ، وعبد الله ابن بكر السهمى
.
وبسـط طـرقه يطول مع اختلاف يسيـر فى
ألفاظه : مالك ويحيى بن سعيد يقولان (( فأمر له بصاع من طعام )) ، والثورى يقول (( فَأَمَرَ لَهُ بِصَاعٍ أَوْ صَاعَيْنِ )) ،
وشعبة يقول (( وَأَمَرَ لَهُ بِصَاعٍ أَوْ صَاعَيْنِ أَوْ مُدٍّ أَوْ مُدَّيْنِ ))
، وسائرهم كقول إسماعيل بن جعفر القرشى
.
(31) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : حَجَمَ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدٌ لِبَنِي بَيَاضَةَ ، فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْرَهُ ، وَكَلَّمَ سَيِّدَهُ ، فَخَفَّفَ عَنْهُ مِنْ ضَرِيبَتِهِ ، وَلَوْ كَانَ سُحْتًا لَمْ يُعْطِهِ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صحيـح . أحمد (1/365) ، ومسـلم (10/242) ، وأبـو عوانة (3/358/5298) ، والطبرانى (( الكبير ))(12/96/12589) ، والبيهقى (( الكبرى ))(9/338) عن عبد الرزاق عن معمر عن عاصم الأحول عن الشعبي عن ابن عباس .
(32) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى
الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ ، وَأَعْطَى الْحَجَّامَ أَجْرَهُ ، وَلَوْ كَانَ حَرَامًا مَا أَعْطَاهُ
.
صحيح .
أخرجه أحمد (1/351) ، والبخارى (2/11. سندى ) ، وأبو داود (3423) ، والبيهقى
(( الكبرى ))(9/338) من طرق عن خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس به .وأخـرجه أحمد (1/258،292،293) ، والبـخارى
(2/36،37) ، ومسلم (10/242) ، وابن سعد (( الطبقات ))(1/445) ، والطحاوى (( شـرح المعانى )) (4/129)
، وابـن حبان (5150) ، والطبرانى (( الكبـير
))(11/21/10908) و(( الأوسط ))(8/228/8481) ، والحاكم (4/449) ، والبيـهقى (( الكبرى ))(9/337) ، وابن عساكر (( التاريخ
))(27/401) من طرق عن وهيب عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن
عباس به ، إلا أنه قال (( وأعطاه أجره واستعط )) .
وله طرق ووجوه عن ابن عباس ، ليس ذا موضع بسطها .
(33)
عَنِ
ابْنِ مُحَيِّصَةَ عَنْ أَبِيهِ : أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ
النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِجَارَةِ الْحَجَّامِ
، فَنَهَاهُ عَنْهَا ، فَلَمْ يَزَلْ يَسْأَلُهُ وَيَسْتَأْذِنُهُ ، حَتَّى قَالَ :
(( اعْلِفْهُ نَاضِحَكَ ، وَأَطْعِمْهُ رَقِيقَكَ )) .
وفى روايةٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ عَنْ مُحَيِّصَةَ بْنِ
مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ : أَنَّهُ كَانَ لَهُ غُلامٌ حَجَّامٌ
، يُقَالُ لَهُ : نَافِعٌ أَبُو طَيِّبَةَ ، فَانْطَلَقَ إِلَى رَسُولِ اللهِ
صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُهُ عَنْ خَرَاجِهِ ؟ ، فَقَالَ : لا
تَقْرَبْهُ ، فَرَدَّهُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ
: (( اعْلِفْ بِهِ النَّاضِحَ
، وَاجْعَلْهُ فِي كِرْشِهِ )) . صحيح .
وله طرق :( الأولى ) ابن محيصة عن أبيه
.أخرجه الشافعى (( المسند
))(ص190) ، وأحمد (5/435) عن إسحاق بن عيسى ، وأبو داود (3422) عن القعنبى ، والترمذى (1277) عن قتيبة ، والطحاوى (( شرح المعانى ))(4/132) عـن عبد الله بن هب ، وابن قانع (( معجم
الصحابة ))(3/116) عن عبد العزيز الأويسى ، والبيهقى (( الكبرى ))(9/337) عن يونس بن بكير ، سبعتهم عن
مالك عن ابن شهاب عن ابن محيصة عن أبيه : أنه استأذن
رسول الله صلى الله عليه وسلم في إجارة الحجام فذكره .وأخرجه أحمد (5/436) ، وابن الجارود
(583) كلاهما عن معمر ، وابن حبان (5154) عن الليث بن سعد ، وابن ماجه (2166) ، والطحاوى (( شرح المعانى ))(4/132)
، والطبرانى (( الكبير ))(6/48/5471) ، وابن بشكوال (( غوامض الأسماء المبهمة
))(1/446) أربعتهم عن ابن أبى ذئب ، ثلاثتهم ـ معمر والليث وابن أبى ذئب ـ عن الزهرى عن ابن محيصة عن أبيه به .
قلت : هكذا رواه عن الزهرى :
مالك من رواية أكثر أصحابه عنه ، ومعمر ، والليث ، وابن أبى ذئب . وخـالف جماعتهم
: يحيى بن يحيى ، وابن القاسم ، فروياه عن الزهرى عن
ابن محيصة أنه استأذن رسـول الله صلى الله عليه وسلم به ، فأسقطا من إسناده (( أباه )) .
أخرجه هكذا يحيى بن يحيى (( الموطأ ))(3/141) عن مالك عن
ابن شهاب عن ابن محيصة الأنصارى
. قال أبو عمر
بن عبد البر (( التمهيد ))(11/77) : (( وذلك من الغلط الذي لا إشكال فيه على أحد من
أهل العلم ، ولا يختلفون أن الذي روى عنه الزهري هذا الحديث هو حرام بن سعد بن محيصة بن مسعود ابن كعب ابن عامر الأنصاري من بني حارثة بن
الحارث ، لجده محيصة بن مسعود صحبة ورواية ، وليس لسعد
بن محيصة صحبة ، فكيف لابنه حرام ؟! .والحديث مع هذا
كله مرسل )) .
قـلت :
ورجال هذا المرسل كلهم ثقات ، مالك ومن تابعه ، ومن فوقه
، ومن دونه . وإنما يتصل هذا الإسناد من الطريقين التاليتين .
( الثانية ) ابن محيصة عن
أبيه عن جده .
أخرجه الحميدى (878) : ثنا
سفيان ثنا الزهري أخبرني حرام بن سعد ـ قال سفيان : هذا الذي لا شك فيه وأراه قد
ذكر ـ عن أبيه أن محيصة سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن
كسب حجام له فنهاه عنه ، فلم يزل يكلمه ، حتى قال له :
أعلفه ناضحك أو أطعمه رقيقك .
وأكثر أصحاب
ابن عيينة : الشافعى ، وابن أبى شيبة ، وأحمد يروونه ((
عن حرام بن سعد أن محيصة )) ، هكذا مرسلاً . ولكن تابع الحميدى على الوجه الأول موصولاً : محمد بن إسحاق ، وزمعة بن صالح .
فقد أخرجه الشافعى (( المسند
))(ص190) و(( اختلاف الحديث ))(ص277) ، وابن أبى شيبة (4/354) ، وأحمد (5/436)
ثلاثتهم عن ابن عيينة عن الزهرى عن حرام بن سعد بن محيصة أن محيصة به .
وأخرجه أحمد (5/436) ، وابن أبى عاصم (( الآحاد والمثانى ))(4/138/2119) كلاهما عن ابن إسحاق ، وابن أبى عاصم
(4/138/2120) ، والطبرانى (( الكبير ))(20/313/744)
كلاهما عن زمعة بن صالح ، كلاهما عن الزهرى عن حرام بن سعد بن محيصة عن
أبيه عن جده : أنه استأذن ... بنحوه .
قلت : ولا يتصل هذا الحديث من رواية الزهرى
إلا من طريق ابن عيينة برواية الحميدى عنه ، وابن إسحاق
، وزمعة بن صالح . وسائر الرواة عن الزهرى
يرسلونه كما سبق بيانه .
( الثالثة ) أبو عفير الأنصارى عن محمد بن سهل بن أبى حثمة
عن محيصة .
أخرجه أحمد (5/435) ، والبخارى
(( التاريخ الكبير ))(8/53/2125) ، والطحاوى (( شرح المعانى )) (4/131) ، والطبرانى ((
الكبير ))(20/312/742) ، وابن قانع (( معجم الصحابة ))(3/116) ، والبيهقى (( الكبرى ))(9/337) ، وابن عبد البر (( التمهيد
))(11/79) ، وابن بشكوال (( غوامض
الأسماء المبهمة ))(1/446) ، وابن الجوزى (( التحقيق فى أحاديــث الخلاف ))(1583) ، وابن عساكر (( التاريخ
))(53/156) من طرق عن الليث حدثني يزيد بن أبي حبيب عن أبي عفير
الأنصاري عن محمد بن سهل بن أبي حثمة عن محيصة بن مسعود الأنصاري : أنه كان له غلام حجام .. بنحوه .
قَالَ أَبو عِيسَى : (( حَدِيثُ مُحَيِّصَةَ
حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ )) .
(34) عن رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ
عَنْ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( ثَمَنُ الْكَلْبِ
خَبِيثٌ ، وَمَهْرُ الْبَغِيِّ خَبِيثٌ ، وَكَسْبُ الْحَجَّامِ
خَبِيثٌ )) .(34) صحيح. أخرجه
الطيالسى (966) ، وابن أبى شيبة (4/355) ، وأحمد
(3/465،464و4/141) والدارمى (2621) ، ومسلم ، وأبو داود
(3421) ، والترمذى (1275) ، والنسائى
(( الكبرى )) (3/113/4686،4685) ، والطحاوى (( شـرح المعانى ))(4/129،52) ، وأبو عوانة
(3/356) ، وابن حبان (5153،5152) ، والطبرانى (( الكبير
))(4/243،242/4260،4259،4258) ، والحاكم (2/48) ، والبيهقى
(6/6 و9/336) ، وابن عبد البر (( التمهيد ))(2/226) ، وابن الجوزى
(( التحقيق فى أحاديث الخلاف ))(1581) من طرق عن يحيى
بن أبى كثير عن إبراهيم بن عبد الله بن قارظ عن السائب بن يزيد عن رافع بن خديج به .
وأما أجر الحجام ، ففيه ثلاث
مسائل :
[ المسألة الأولى ] الأحاديث فى
كسب الحجام على ثلاثة أنواع :
( الأول ) حل الأجرة مطلقاً .
( الثانى ) حل الأجرة فى إطعام الرقيق والناضح دونه .
( الثالث ) خبث الأجرة وكونها سحتاً .
[ المسألة الثانية ] قال شيخ الإسلام أبو زكريا النووى (( شرح مسلم ))(10/233) : (( وقد اختلف العلماء في كسب الحجام ، فقال الأكثرون من السلف والخلف : لا يحرم كسب الحجام ، ولا يحرم أكله لا على الحر ولا على العبد ، وهو المشهور من مذهب أحمد . وقال في رواية عنه ، قال بها فقهاء المحدثين : يحرم على الحر دون العبد . واحتج الجمهور بحديـث ابن عباس : أن النبى صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احتجم وأعطى الحجام أجره ، قالوا : ولو كان حراما لم يعطه . وحملوا هذه الأحاديث التى في النهى على التنزيه ، والارتفاع عن دنئ الاكساب ، والحث على مكارم الاخلاق ، ومعالى الأمور ، ولو كان حراما لم يفرق فيه بين الحر والعبد ، فإنه لا يجوز للرجل أن يطعم عبده مالا يحل )) .
لكن يبقى إشكال ، وهو : إن كان أجر الحجام حلالاً كيف جاز إطلاق لفظ الخبث والسحت عليه ؟ . أجاب عنه القاضى بقوله : (( الخبيث في الأصل ما يكره ، لرداءته وخسته ، ويستعمل للحرام من حيث كرهه الشارع ، كما يستعمل الطيب للحلال قال تعالى (( ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب النساء )) ؛ أي الحرام بالحلال ، وقال سبحانه وتعالى (( ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون )) ؛ أي الدنيء من المال . ولما كان مهر الزانية ، وهو ما تأخذه عوضا عن الزنا حرام ، كان الخبيث المسند إليه بمعنى الحرام ، وأما كسب الحجام لما لم يكن حراما ، لأنه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احتجم وأعط الحجام أجره ، كان المراد من المسند إليه المعنى الثاني ، يعنى الدنئ الخسيس )) .
كما أجاب عنه أبو سليمان الخطابى بقوله : (( إن معنى الخبيث في قوله (( كسب الحجام خبيث )) : الدنئ ، وأما قوله (( ثمن الكلب خبيث ، ومهر البغي خبيث )) ، فمعناه المحرم . وقد يجمع الكلام بين القرائن في اللفظ ، ويفرق بينهما في المعاني ، وذلك على حسب الأغراض والمقاصد فيها . وقد يكون الكلام في الفصل الواحد ، بعضه على الوجوب ، وبعضه على الندب ، وبعضه على الحقيقة ، وبعضه على المجاز ، وإنما يعلم ذلك بدلائل الأصول وباعتبار معانيها )) .
وقال القاضى الشوكانى فى (( نيل الأوطار ))(5/22) : (( استدل من قال بتحريم كسب الحجام ، وهو بعض أصحاب الحديث ، بأحاديث النهى عن كسب الحجام ، ووصفه بأنه خبيث ، لأن النهي حقيقة في التحريم ، والخبيث حرام ، ويؤيد هذا تسمية ذلك سحتا كما في حديث أبي هريرة . وذهب الجمهور من العترة وغيرهم إلى أنه حلال ، واحتجوا بحديث أنس ، وابن عباس . وحملوا النهي على التنزيه ، لأن في كسب الحجام دناءة ، والله يحب معالي الأمور ، ولأن الحجامة من الأشياء التي تجب للمسلم على المسلم للإعانة له عند الاحتياج إليها .
ويؤيد هذا إذنه صلى الله عليه وآله وسلم ، لمن سأله عن
أجرة الحجامة أن يطعم منها ناضحه ورقيقه ، ولو كانت
حراما لما جاز الانتفاع بها بحال . ومن أهل هذا القول
من زعم أن النهي منسوخ ، وجنح إلى ذلك الطحاوي ، وقد
عرفت أن صحة النسخ متوقفة على العلم بتأخر الأخر ، وعدم إمكان الجمع بوجه ممكن .
والجمع ممكن ، بحمل النهي على كراهة التنزيه ؛ بقرينة إذنه صلى الله عليه وآله
وسلم بالانتفاع بها في بعض المنافع ، وبإعطائه صلى الله
عليه وآله وسلم الأجر لمن حجمه ، ولو كان حراما لما مكنه منه . ويمكن أن يحمل
النهي عن كسب الحجام على ما يكتسبه من بيع الدم ، فقد
كانوا في الجاهلية يأكلونه ، ولا يبعد أن يشتروه للأكل ، فيكون ثمنه حراما . ولكن
الجمع بهذا الوجه بعيد ، فيتعين المصير إلى الجمع بالوجه الأول .
ويبقى الإشكال في صحة إطلاق اسم الخبث والسحت على المكروه تنزيها ! . قال في القاموس : الخبيث ضد الطيب ، والسحت ـ بالضم وبضمتين ـ الحرام ، أو ما خبث من المكاسب ، فلزم عنه العار انتهى . وهذا يدل على جواز إطلاق اسم الخبث والسحت على المكاسب الدنية ، وإن لم تكن حراماً ، والحجامة كذلك فيزول الإشكال .
وحكى صاحب (( الفتح )) عن أحمد وجماعة الفرق بين الحر والعبد ، فكرهوا للحر الاحتراف بالحجامة ، وقالوا : يحرم عليه الإنفاق على نفسه منها ، ويجوز له الإنفاق على الرقيق والدواب منها ، وأباحوها للعبد مطلقا ، وعمدتهم حديـث محيصة ، لأنه أذن له صلى الله عليه وآله وسلم أن يعلف منه ناضحه )) .
وتأول أبو جعفر الطحاوى الإباحة على حل كسبه ، إذ لا يجوز لأحد أن يطعم عبيده من المال الحرام . قال فى (( شرح المعانى ))(4/132) : (( وفي إباحة النبي صلى الله عليه وسلم أن يطعمه الرقيق أو الناضح دليل على أنه ليس بحرام ، ألا ترى أن المال الحرام الذي لا يحل أكله ، لا يحل له أن يطعمه رقيقه ولا ناضحه ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الرقيق (( أطعموهم مما تأكلون )) ، فلما ثبت إباحة النبي صلى الله عليه وسلم لمحيصة أن يعلف ذلك ناضحه ، ويطعم رقيقه من كسب الحجامة ؛ دل ذلك على نسخ ما تقدم من نهيه عن ذلك ، وثبت حل ذلك له ولغيره ، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد )) .
وقال : (( وتجوز الإجارة على الحجامة ، لأنا قد رأينا
الرجل يستأجر الرجل يفصد له عرقا أو يبزغ له حمارا فيكون ذلك جائزا ، فالحجامة
أيضا كذلك )) .
[ المسألة الثالثة ] هل يضمن الحجام
إذا تلف شئ بفعله ؟ .
قال الإمام الشافعى (( الأم
))(6/172) : (( مسألة الحجام والخاتن والبيطار . قال :
وإذا أمر الرجل أن يحجمه أو يختن غلامه أو يبيطر دابته ،
فتلفوا من فعله ، فإن كان فعل ما يفعل مثله مما فيه الصلاح للمفعول به عند أهل العلم بتلك الصناعة ، فلا ضمان عليه ، وإن كان فعل
ما لا يفعل مثله ممن أراد الصلاح وكان عالما به ، فهو
ضامن ، وله أجر ما عمل في الحالين ، في السلامة والعطب .
قال الربيع بن سليمان : وفيه قول آخر للشافعى ، قال : إذا فعل ما لا يفعل فيه مثله ، فليس له من
الأجر شيء ، لأنه متعد ، والعمل الذي عمله لم يؤمر به ،
فهو ضامن ، ولا أجر له وهذا أصح القولين
)) .
في حالة نسخ أي صفحة من صفحات هذا الموقع الرجاء ذكر المصدر على النحو التالي