مقالة في الفصد

هبة الله بن صاعد بن التلميذ

 

هو أمين الدولة ، أبو الحسن هبة الله بن صاعد بن هبة الله بن إبراهيم البغدادى النصرانى ، ولد سنة 466 هجريَّة (1074 ميلاديَّة) . كان متفنناً فى علومٍ كثيرة ، فكان حكيماً ، أديباً ، شاعراً مجيداً ، طبيباً حاذقاً . وكان عارفاً بالفارسيَّة ، واليونانيَّة ، والسريانيَّة ، متبحراً فى اللغة العربيَّة ، وكان والده (أبو العلاء) صاعد طبيباً فاضلاً مشهوراً. عمل ساعوراً بالبيمارستان العضدى ببغداد ، وظلَّ به إلى أن توفى . وكان ابن التلميذ وابن ملكا المتوفى 547 هجريَّة (1152 ميلاديَّة) فى خدمة المستضئ بأمر الله، وكان بينهما شنآن وعداوة . توفى ببغداد سنة 560 هجريَّة (1165 ميلاديَّة) وقد خلَّف مالاً عظيماً. ونعماً كثيرة، وكتباً كثيرة لانظير لها ، من أهم مؤلفاته : الرسالة الأمينية فى الفصد، الأقراباذين ، شرح مسائل حنين بن إسحاق على القانون لابن سينا ، ديوان شعر.

 

الباب الأول: في حد الفصد.

الباب الثاني: في الأغراض المقصودة بالفصد.

الباب الثالث: في كيفية الفصد في الجملة، و كيفية فصد الشرايين و العروق الغايرة

الباب الرابع: في منافع شد العضد و كيفية الرباط‍‌ الأول و الثاني.

الباب الخامس: في عدد العروق المفصودة على الأكثر ، و كيفية فصد كل واحد منها

الباب السادس: في ذكر العلل التي يفصد لها كل واحد من تلك العروق.

الباب السابع: في العلل التي ينفع منها الفصد.

الباب الثامن: في العلل التي يضربها الفصد.

الباب التاسع: في استدراك خطأ الفاصد.

الباب العاشر: في/الشروط‍‌ المأخوذة على الفاصد.

 الفصد

الباب الأول في حد الفصد:

الفصد هو تفرق اتصال إرادي، يتبعه استفراغ كلي من العروق خاصة و يتوسطها من جميع الجسم.

فقولنا في حده أنه تفرق اتصال جار مجرى الجنس له، إذ كان تفرق الاتصال قد يكون بالاتفاق، كالذي يتبع صدمة أو ضربة، و قد يكون من فعل الطبيعة  كالرعاف البحراني.

- و قولنا إرادي ليفصله مما يشركه في الجنس.

- و قولنا يتبعه استفراغ كلي، لأنه يخرج من الأخلاط‍‌ الأربعة، و أن الأغلب منها يخرج.

- و قولنا من العروق خاصة و هو يتوسطها من جميع الجسم ، لنفصله من الحجامة، لأن الحجامة هي تفرق اتصال إرادي، لكن أكثر استفراغها من نواحي الجلد، و الفضل لا من العروق خاصة فقد بان بأن هذا الحد مطابق للمحدود.

الفصد  

الباب الثاني في الأغراض المقصودة بالفصد:

الأغراض المقصودة في الفصد ثلاثة و هي إما نقص الكمية و إما إصلاح الكيفية و إما هما جميعا.

ونقص الكمية يكون إما لكثرة شاملة لجميع الجسم، كما يفصد من ظهرت به إمارات الامتلاء  كالتمدد أو ثقل الحركة و الانتفاخ وقلة الشهوة.

- و إما أن تكون الكثرة خاصة بعضو ما و يراد بعضها منه و هذا يكون على أحد الوجهين.

- إما من عضو قريب و يسمى هذا نقل الفضلة ، كما نفصد عرقي المآقين بسبب أمراض الملتحمب الامتلائية.

- و إما أن يستفرغ من عضو بعيد منه جدا محاذي له في الموضع و يسمى هذا جذب الفضلة ونقلها ، كما نفعل في فصد الصافن لأصحاب الشقيقة.

- وأما الاستفراغ بالفصد بسبب الكيفية ، فكما يفصد من عرضت له حكة أو قروح من الناقهين، و إن لم تظهر فيه إمارات الامتلاء.

و أما الاستفراغ بسببهما جميعا، فإذا اجتمعت الأسباب الموجبة لكل واحدة منهما. فهذه هي الأغراض المقصودة بالفصد.

 الفصد

الباب الثالث في كيفية الفصد في الجملة وفي كيفية فصد الشرايين و العروق الغايرة :

أما كيفية الفصد فتكون بأن تجس موضع العرق/قبل الربط‍‌ أعلاه، لتنظر حال الشرايين هناك ، و موضعها من العروق ليقصد البعد عنها لأن ذلك  إن اعتبر بعد الربط‍‌ لم يتبين ، ثم تربط‍‌ أعلى موضع الفصد ربطا معتدلا، و تملأ العرق بالإبهام ، و تجس بالسبابة لتنظر صعود الدم، فتفرق بذلك بين العروق الغايرة و بين العروق و الوترة المدفونة في اللحم ؛ و ذلك أن العرق الغاير، و إن خفي لونه فإنه إذا ملئ أحس بصعود الدم  فيه، و ذلك معدوم في الوترة الدقيقة التي تشبه لدقتها العرق.

وإذا تحقق وجود العرق و عرف وضعه فينبغي أن يقيّد ليومن تحركه تحت المبضع، و ذلك إما بجذب الجلد نحو المعصم بإبهام الفاصد الأيسر، أو نحو المرفق من أسفل ثم يحدس تقدير كمية غور العرق ليرسل المبضع بحسب ذلك، و يتوقف بعد ارسال المبضع، لينظر بروز الدم أو عدم بروزه أهل قد أصاب العرق أم لا.

( سعة الفتحة وضيقها ) 

فإن كان قد فرق إتصال العرق نتر المبضع فأوسع تفرق الاتصال، و إن لم يكن قد أصاب لعرق سل المبضع من غير أن يوسع تفرق الإتصال ، وقد تجب سعة الفتحة في وقت، و ضيقها في وقت.

أما سعة الفتحة فتختار لأنها أبلغ في سهولة خروج الدم على ما به من غلظة قوام إن كان ، و أمنع من جمود الدم في الشتاء، و تكره وسعة الفتحة لأنها أدعى إلى الغشى بمتابعة الاستفراغ الكثير و استتباع ذلك تحلل الروحآ الكثير.

و أما ضيق الفتحة، فإنه قد لا يعرض منه الغشي، و هو في الصيف أوفق فأما في الشتاء فإنه ربما جمد الدم و امتنع من الخروج.

ويكره الضيق بسبب امتناع الدم الغليظ‍‌ من البروز على ما ينبغي .

( الفصد طولا وعرضا وواربا )

و كذلك أيضا إن فتح العرق طولا يختار فيما كان من العروق تحته عصبة أو عضلة، لأن تفرق اتصال هذه طولا عند خطأ الفاصد غير مضر جدا و تفرق اتصالها عرضا يحدث خدرا أو تشنجا ويختار أيضا فتح العرق طولا، إذا كان في مأبض اليد لأنه إذا فصد المأبض عسر التحامه لأن المأبض عند طيه، والعرق مفصود طولا، يفتحه و يمنعه من التصاق الشفتين.

و كذلك أيضا نختار الفصد طولا في العروق الدقاق كيلا يكثرها الفصد عرضا، إلا أن يخاف زوالها و فوتها فحينئذ تفصد عرضا.

 

و أما الفصد عرضا فيختار لما كان من العروق بقرب شريان، لأن الخطأ في فتح الشريان أعظم خطرا من بتره ، لأن الشريان المبتور يرقا دمه لتقلص طرفيه، و المفتوح يتصل نزفه إلى أن يبتر .

 و يختار الفصد عرضا للعرق الزوال، و يستقبل المبضع من الجهة التي إليها يزول. 

و يختار الفصد عرضا إذا لم يرد إخراج الدم في عدة نوب و ذلك إذا كان الفصد في عرق مأبض اليد، بمعاونة مجيء المأبض على التحام الفصد عرضا، بخلاف حال الفصد طولا هناك، كما سلف هنا ذكره.

فأما الفصد ورابا فيختار إذا لم يراد بالفصد بط‍‌ء الالتحام و لا سرعته.

فأما العروق الغايرة فيجب أن يكون الربط‍‌ و الحل في أعلاها في عدة نوب ليظهر العرق، فإن أحس في وقت جسه بامتلائه ، و خفي لونه رأسا ، خط‍‌ عليه بالمداد ، فإن خفي مع تكرار الربط‍‌ فليمسك المفصود جسما ثقيلا مدة ما ، يمسكه و يده ممدودة، فكثيرا ما تظهر العروق الغايرة بذلك ومن كان حال عرقه كذلك فلا تقتصر على طلب عرق مخصوص و لا في المأبض خاصة بل  ينبغي أن يفصد حيثما وجدوا ، نفتح من المأبض و إلى الأشاجع ، فقد تخفى العروق في المأبض وفي الذراع وتظهر في أسفله.

 

و أما كيفية فصد الشرايين:

فيجب أن تعلم أن الشرايين التي يجوز فصدها هي الصغار البعيدة من القلب، فإن هذه هي التي يرقا دمها إذا فصدت، فأما الشرايين الكبار و القريبة الموضع من القلب فإما أن لا يرقا دمها و إما أن يعسر.

 

الشرايين المفصودة :

و الشرايين المفصودة على الأكثر، شرياني الصدغين، و الشريانين بين الابهام و السبابة ، و هما اللذان أمر جالينوس في المنام بفصدهما، لامرأة كان بها وجع في كبدها، ففصدت.

و هذه قد تفصد و قد تبتر، و ذلك بأن يشق الجلد عنها و يربط‍‌ بابريسم ثم يبتر، ويترك حتى يجري الدم بمقدار الكفاية، و يربط‍‌ فإن الدم يرقا. و منها من إذا فصدت ترك الدم حتى ينقطع من ذاته.

 

التثنية :

فأما كيفية التثنية فيكون بأن يفتح فم العرق قبل ربط‍‌ أعلاه ، و بحركة الابهامين على شفتيه بالخلاف، أحدهما إلى فوق و الآخر إلى أسفل، لتذوب علقة دم جمدت هناك، ثم يربط‍‌ أعلاه و يمسح العرق من أسفل إلى فوق فيبرز الدم حينئذ.

و ينبغي أن لا تطيل ايلام الموضع عند التثنية، لئلا يرم الموضع فتحل على المفصود آفة ، بل فتح العرق ثانية أهون من ذلك.

و المرجو بالتثنية استيفاء القوة والجذب من الموضع الوارم إذا كان الفصد بسبب ذلك.

كيفية الربط:

فأما كيفية الرباط‍‌ قبل الفصد و بعده، فأنا نذكره مع ذكرنا منافع شد الفصد، عند فصد عروق مأبض اليد.

  

الباب الرابع في منافع شد العضد عند فصد عروق مأبض اليد وكيفية الرباط‍‌ الأول والثاني:

منافع شد العضد عند ذلك أربع:

الاولى : تنبيه الطبيعة إلى الدفع، أي دفع الخلط‍‌ لموضع الفصد ، لأن الشد مؤلم و الألم يدعو الطبيعة إلى إرسال الدم و الروح إلى العضو الألم.

و الثانية : أن العرق إذا امتلا بالدم الذي جذبه الرباط‍‌ ظهر .

والثالثة : أن الرباط‍‌  يمنع العرق من الزوال يمنة و يسرة إذا قابله التقييد من أسفل، و لو لا الرباط‍‌ لم ينفع التقييد ثبات العرق .

الرابعة : فإن الرباط‍‌ يخدر حس المفصود، فيكون الألم بالفصد أقل.

فهذه هي منافع شد العضد عند فصد عروق مأبض اليد.

 

أما كيفية الرباط‍‌ الأول فهكذا توضع العصابة أعلى من المفصل بنحو من أربع أصابع مضمومة، و تكون العصابة معتدلة الدقة ، لأن العصابة الغليظة لا يتمكن من الربط‍‌ بها، و الدقيقة جدا تؤلم و تحز، و المتوسطة يتمكن من الربط‍‌ بها، و لا تحز.

 

و إذا كانت اليد اليمنى هي المفصودة، فليكن القسم الأقصر من العصابة مما يلي :

الجانب الوحشي، و الأطول مما يلي الأنسي و يستقبل بابهاميه على عضل العضد، ويربط‍‌ بعد دورتين بأشرطة إلى فوق العضد ليسهل ارخاؤها بعد فتح العرق و لأن الأشرطة لو كانت إلى أسفل لعطلت على الموضع المفصود فتظلله.

وإن كانت اليسرى هي المفصودة كان الأقصر من الجانب الأيسر والعمل كالأول.

 

فأما كيفية الشد الثاني فإن الحال فيه بعكس الأول و هو أن يكون الأقصر على الجانب الأنسي في اليمنى و في اليسرى بالضد ، وتخط‍‌ على تأريب ويستقبل الطويل من العصابة من أسفل، و يذهب به إلى الجانب الوحشي حتى يتقاطعا و يبرز المرفق فتسهل حركة اليد.

 

الباب الخامس في عدد العروق المفصودة على الأكثر و كيفية فصد كل واحد منها :

العروق المفصودة على الأكثر السواكن و الضوارب هي هذه:

في الرأس و العنق: عرق اليافوخ و يسمى عرق الهامة و عرق الجبهة و عرق الأرنبة، و عرقا المآقين و هما عرقان صغيران في المآقين الأكبرين و شريانا الصدغين ، وعرقان خلف الأذنين، و الودجان الظاهران والجهارك في الشفتين ، وعرق تحت اللسان يلتصق به وعرق في اللحى الأسفل في وسط‍‌ الدقن، و قالوا إن في اللثة عرقا يفصد أيضا.

و على البطن عرقان، أحدهما على الكبد و الآخر على الطحال.

و في اليدين القيفالان وهما عرقان على الجانب الوحشي من الزند الأعلى و يسميان الكتفين ، و حبلا الذراع و هما طرفا القيفالين و يوجدان في منحدر الزند الأعلى ، والأكحلان هما في وسط‍‌ المأبض.

و الباسلقان  الأعليان وهما عرقان في الجانب الأنسي من أعلى الزند الأسفل والباسلقان الأبطيان وهما شعبتان من الباسليقين الأعليين، هما أميل في الجانب الأيسر من الأعليين ، والأسيلمان والمشهور فصد الأيسر منهما ، و الشريانان اللذان بين الإبهام و السبابة و المشهور فصد الأيمن منهما ، و في الرجلين عرقا النسا ‍‌، والصافنان ‍‌، و عرقا مأبض الركبتين.

 

كيفية فصد العروق :

فأما كيفية فصد هذه العروق فإن التي في نواحي الرأس و العنق في الجملة، فتكون بوضع العصابة على الرقبة، و يقبل من جهة القفا حتى يتبين العرق المفصود.

و فصد عرقي الهامة و الجبهة بالآلة المسماة بالفأس ، أمكن من فصدها بالمبضع، و عرق الجبهة هو الحد بين الحاجبين ، و عرق الأرنبة يفصد في الموضع الغضروفي من طرف الأنف الذي إذا جس، و خصوصا بعد المراهقة رؤي منقسما لقسمين ، و الجهاررك كلمة فارسية تفسيرها الأربع عروق ، و هي في الشفتين في العليا اثنان، وفي السفلى اثنان و فصدهما عرضا. واللذان في المآقين يجب أن لا يغور المبضع في فصدهما خيفة احداث الناصور. و الشريانان اللذان في الصدغين قد يسلان و قد يكويان و قد يبتران.

و الودجان الظاهران يجب أن يكون تقييدهما بإمالة العنق إلى ضد الجهة التي يكون فيها الفصد، و يفصدان عرضا ، و يطلبان نحو القفا، و يهرب من العروق التي تظهر في مقدم العنق عرقين آخرين يسميان الوداجين الغايرين ، قالوا إن من فصدهما فقد ذبح المفصود، و الاحتراس من فصدهما/يكون بالميل نحو القفا، في طلب الوداجين الآخرين، أعني الظاهرين اللذين تقدم ذكرهما.

و كيفية فصد العروق التي في اليد فقد ذكرناها عند ما ذكرنا كيفية الفصد الكلي.

و إذا فصد الأسيلم و هو عرق بين الخنصر و البنصر، فيجب أن يربط‍‌ فوق المعصم، على بعد من الكوع بأربع أصابع، و يفصد العرق ، و إن تعسر خروج الدم منه فلتوضع اليد في ماء فاتر ليسهل خروج الدم.

و كذلك الحال في فصد الشريانين اللذين بين الإبهام و السبابة.

أما كيفية فصد عرق النسا، فيكون بربط‍‌ يراد على نزال و ايصال من لدن الورك بعد أن يربط‍‌ الوسط‍‌ جميعه ، ثم منه إلى الفخذ المفصود، و يتجاوز الربط‍‌  بالنوار مفصل الركبة، و يربط‍‌ بعد لفه على نصف الساق أيضا، و يشد بعصابة دون النوار أعني تحته مما يلي القدم  ، ويطلب  في الجانب الوحشي من الساق ، فإن وجد و إلا فصدت إحدى  شعبه التي بين الخنصر و البنصر من الرجل والتي يليها، و فصده يكون اعراضا.

 

و الصافن يومر مفصوده بالوقوف على الرجل المفصودة، معتمدا ما على كرسي أو آخر ،  لتعلق الأخرى من الأرض و يطلب في الجانب الأنسي من الساق، حيث طرف الساق الذي تسميه العامة كعبا، فإن وجد و إلا فصدت إحدى شعبه التي تلي ابهام الرجل.

وأما عرقا المأبضين ( خلف الركبة ) بربط‍‌ فوقهما ، أعني في أسفل الفخذ ويطلبان في موضع طي مفصل الركبة.

فالمفصودة على الأكثر جملتها ثلاثة وأربعون عرقا ، و قد ذكر بعضهم أن وراء الأذنين عروقا تفصد لقطع النسل، اعني أن فصدهما يقطع النسل وأنكر ذلك جالينوس و من يتبعه.

 

الباب السادس في ذكر العلل التي يفصد لها كل واحد من هذه العروق

تفصد عروق الهامة لقروح الرأس و السعفة و الصداع المسمى خودة.

و يفصد عرق الجبهة للسدد، و ثقل الرأس و غلظ‍‌ الجفون أيضا. و عرق المآقين للسبلب وجرب الجفون والأرماد العنيف.

و عرق الأرنبة للبثور في باطن الأنف وبخر الأنف و نتن ريحه و الكلف وكدر البشرة، و نتن رائحة الفم ، و قد يحدث فصد عرق الأرنبة حمرة في الوجه، تشبه السعفة، و ربما أبطأ زوالها.

و الجهارك للبواسير في الشفتين، و أورام اللثة ، و سيلان الدم منها، و كذلك بفصد عرق اللثة أيضا.

و شريانا الصدغين يفصدان للشقيقة الصعبة و النوازل الدموية إلى العينين.

و العروق و الشرايين التي خلف الأذنين تفصد للقروح في موخر الرأس و السدر وثقل الحركات الكائن عن امتلاء دموي في البطن الخلفي ، بعد فصد القيفال، و كذلك كلما ذكرناه من فصد هذه العروق إنما يكون بعد فصد القيفال ، و إلا لكان الفصد داعية جذب لا استفراغ .

فأما العرق الذي في باطن الحنك ، تحت اللسان ، فتفصد للبثور التي في الفم واللوزتين ، و العرق الذي في باطن اللسان نفسه يفصد لأورام اللسان الحارة، وللذبح في الحلق أيضا.

و أما عرق الذقن فيقال أن فصده ينفع من البخر.

  

و الودجان يفصدان للجذام والأمراض السوداوية والاحتراق وخشونة الصوت والبحة المزمنة.

و العرق الذي على الكبد يفصد للمستسقين الذين يحتاجون إلى إخراج الدم، و هم الذين كان سبب الاستسقاء فيهم خنق الدم لحرارة الكبد الغريزي .

والذي على الطحال ينفع من علل الطحال وأورامه.

 

و القيفالان ينفعان من جميع أمراض الرأس و أعالي البدن الامتلائية. كالخوانيق والذبح والسرسام الحار و خاصة من الدم.

 

و الباسليقان ينفعان من أمراض آلات التنفس كالشوصة وذات الرئة و عسر التنفس و أمراض الأحشاء الامتلائية أيضا ، كذات الكبد وتمدد الكلى إلى أسفل البدن.

 

و الأكحلان هما ملتئمان من شعبتين ، أحدهما من القيفال، و الأخرى من الباسليق، وكذلك يختار فصدهما لمن يحتاج إلى نفض الكثرة من جميع البدن.

فأما حبل الذراع فذاهب مذهب القيفال لأنه طرفه، والإبطي ذاهب مذهب الباسليق لأنه يتشعب منه، و هو للجذب من الرجلين و أسافل البدن أولى ، على ما شهدت به التجارب.

 

و الأسيلم من اليمنى يفصد لأوجاع الكبد و ضيق النفس ، و من اليسرى لعلل الطحال، و فصده من اليسرى هو المشهور.

 

و الشريان الذي بين الابهام و السبابة، و هو الشريان الذي أمر جالينوس في المنام بفصده من اليمنى، من إمرأة لوجع كان في كبدها، و أمتثل ذلك فشفيت المرأة، وهو شديد النفع من الأمراض المزمنة في الكبد والحجاب ، و فصده من اليمنى هو المشهور.

 

و أما النسا فيفصد من ألم مفصل الورك الممتد إلى القدم المسمى وجع عرق النسا.

والصافن يفصد لادرار الطمث، و لأصحاب الشقيقة، و مأبض الركبة أقوى منه في إدرار الطمث و في القياس كان يجب أن فصد الصافن يقارب فصد النسا في نفعه من وجع الورك، لكن التجربة شهدت بأن فصد النسا أبلغ وانفع، و لعل ذلك لمحازاته موضع العلة.

فهذا ما نقول في العلل التي لها يفصد كل واحد من هذه العروق.

 

الباب السابع في العلل التي ينفع منها الفصد

ينفع من أصناف سوء المزاج الحار مع مادة، كالحميات الحارة و الحميات الحادثة من عفونة الأخلاط‍‌، إذا كانت داخل العروق، و ينبغي أن يكون الاقدام عليه في الثانية، في كل يوم أقل وليس يجب الفصد في هذه الحميات إلا بعد مراعاة القوة، و بقية القوانين العشرة المراعاة عند الاستفراغ.

 لا يجب أن يلتفت إلى عدة الأيام وقول عامة الأطباء أنه لا يجوز الفصد بعد الرابع، بل يجوز بعد عدة أيام، إذا ساعدت القوة و بقية العلامات.

وقد يمنع منه في أول يوم إذا لم تساعد القوة و البواقي وينفع الفصد من الأورام الحارة، كالسرسام الحار و كالماشرا والرمد الحار و الشوصة و ذات الرئة ، و ذات الكبد، وجميع أورام الأحشاء ، أي أمراض الأحشاء الحارة  وينفع الخفقان الحار ، و الصداع الحار، و الجربآ و التقرح و الجذام و التشنج الامتلائي، و يستبقى من الدم ما تحلله الحركة التشنجية.

و يفصد من يخاف عليه حدوث ورم بعد ضربة، أو إذا ألم عضو من سبب باد ، و تفصد من يراد إدرار طمثها من مأبط‍‌ الركبة و الصافن كما قلنا .

و يفصد من يعتريه نفث الدم من انصداع عرق في الرية ، لأن الدم إذا كثر في أوردتها صدع ذلك العرق فعاد نفث الدم ، فيفصد ليؤمن الانصداع. 

و يفصد من احتبس دم بواسير كان يعتاده ، و لون هؤلاء لا يدل على الحاجة إلى الفصد، لأنه لون يضرب إلى خضرة مع بياض.

و بالجملة فينبغي أن يفصد إما المتهيئ للوقوع في المرض الامتلائي الحار أو الواقع فيه ، والفصد الأول آمن.

ويجب أن يحتاط‍‌ في استفراغ المحموم، و ينظر نوع الدم، و يستبقى منه عدة للطبيعة.

فربما كان الاستفراغ سببا لجنوح الطبيعة عن النضج ، و ربما أجرى الفصد الفضل العفن وخلطه بالذي ليس بعفن.

و يجب أن لا يفصد المملوء البطن من الأغذية لأن ذلك يدعو إلى نفوذها إلى عروقه غير منهضمة، ولا المملوء البطن من الفضلات أيضا لأن ذلك قد يعوق عن استفراغها.

 

وأما الأصحاء فإن أصحاب الأكباد الحارة، و هم الذين عروقهم واسعة وألوانهم حمر جيدة ذات رونق، و هضومهم جيدة ، والشعر عليهم معتدل و مايل إلى الكثرة والسواد، وسحناتهم إما معتدلة أو مايلة إلى القضافة ، يكون الأقدام إلى فصدهم أكثر،  فأما الأبدان العرية الشعر ، الكثيرة الشحم، القليلة اللحم السمجة اللون، و الأبدان الشديدة حس فم المعدة، و التي يسرع إلى اصحابها الجشى ينبغي أن لا تفصد إلا عند الضرورة بتوق وحذر .

أما أوفق الأسنان للفصد فسن الشباب، و ذلك أن الدم في هذا السن غزير حمد والحرارة الغريزية قوية.

و أما في سن الصبي، فإنه و إن كان الدم و الحار الغريزي وافرين لكن الحاجة إلى الدم بسبب النمو والغذاء ماسة، والقوى ضعيفة بقدر، و إن كانت آخذة في الزيادة والحرارة مغمورة بعد برطوبات كثيرة.

 

و في سن الشيخوخة الحار الغريزي ضعيف ، و الدم قليل، و البلغم وافر كثير، فلا يفصد هؤلاء إلا عن ضرورة ، و قد يضطر الأمر إلى الفصد فلا يمكن الانتظار ولا استيفاء الشروط‍‌ المعهودة في مثله، إذا لم تكن تلك الضرورة.

 

و أما ما لم يحفز حافز فاختر له صحوة نهار في الزمان المعتدل ، وبعد استفراغ الفضلات اليومية ، و ظهور الحرارة الغريزية.

وامنع من النوم بعده، فإنه يحدث فتورا و انحلالا وأمر المفصود بأن يتدرج إلى المعتاد من اغذيته مبتديا من اللطيف، كل ذلك هربا من امتلاء العروق بمادة غير منهضمة.

 

الباب الثامن في العلل التي يضربها الفصد:

الفصد مضر من حرارية غريزية ضعيفة لقلة المادة، فأما من ضعفت حرارته لغمور المادة لها، فقد ينعشها الفصد ، كما ينعش النار الضعيفة بكثرة الحطب، بأن يخفف بعضه عنها.

و يضر بأصحاب الأمراض الباردة و غلبة اليبس كالفالج و السكتة والصرع إذا لم يكونا دمويين.

و يضر بحميات الدق ، و الشيخوخة الحادثة عن المرض ، و أكثر أنواع الاستسقاء، والخلفه المزمنة والنزف وأصحاب الربو الذي سببه أخلاط‍‌ غليظة باردة، و أصحاب الاسترخاء الذي يكون من أخلاط‍‌ غليظة باردة، و أصحاب الخدر و أصحاب التشنج من اليبس، و يتجنب فصد الحامل في أول الحمل وفي آخره ، و إذا دعت الضرورة، و مست الحاجة إليه، فينبغي أن تفصد في الشهور الوسطى فقد أذنوا فيه على تحريز واحتياط‍‌ والطامث أيضا يجتنب فصدها، و يمنع من فصد أصحاب القولنج إلا الورمي ( الدموي )  بعد شروط‍‌.

و كل من ذكرت فصده بشرط‍‌، فيحتاج فيه إلى معتبر وإذن، هو أحق و أولى بذلك من الفاصد. وإنما أشرت إلى هذه الأحوال هنا، ليكون الفاصد غير بعيد من الصواب إن شاء الله تعالى.

 

الباب التاسع في استدراك خطأ الفاصد

 قد يخطئ الفاصد بأن يفرق اتصال العرق المفصود و غيره ، مما لا يحتاج إلى تفريق اتصاله، كعصبة تحت الأكحل، أو عضلة تحت قيفال، أو شريان تحت باسليق. وأن يفرق اتصال ما لا يقصد تفرق اتصاله البتة، من غير أن يفرق اتصال العرق، و هذا من شر أنواع الخطأ.

 

كما يصيب الشريان مثلا و لا يفتح الباسليق، أو أن/يقصر في تفريق الاتصال من العرق نفسه، فضلا عن أن يتعداه إلى غيره، كما يفرق اتصال الجلد فقط‍‌ في بعض الأوقات ولا يصل إلى العرق و هذا من أيسر أنواع الخطأ.

أو يحدث بايلامه و رداءة آلته ورما، أو تحركة العضو عند التثنية حركة عنيفة.

فأما من أصاب بسن المبضع عصبا ، فيجب أن يمنع من التحام الفصد، و يمنع من تبريد العضو بالصندل أو عصارة عنب الثعلب و نحوه ، بل عليه أن يمسح الموضع بدهن ورد مفتر وعالجه بعلاج جراحات العصب ، و من أجل أدويته وسخ الكور والزفت الرطب ‍‌، وخمير الحنطة أعتق ما تكون، والقيروطي المتخذ بالفربيونو العتيق ، و الذي يجب أن يعتمد عليه كثير الإعتماد وهو وسخ الكور فإن جالينوس يحمده في جراحات العصب حمدا كثيرا، على أن المتولي بعلاج ذلك غير الفاصد.

و أما إن أصاب الشريان و علامته بروز دم أشقر رقيق يثب وثبا، و تلين مجسته ، فعند ذلك ينبغي أن يلقم الفصد وبر الأرنب مع دواء الكندر ودم الأخوين ‍‌ والصبر والمر وشي من القلقطار والزاج ، ويبرد بماء بارد بكل ما يمكن ، و يربط‍‌ أعلا الموضع رباطا حابسا فإذا انقطع الدم يترك ثلاثة لا يحل، وإذا حل فيعاد عليه من الدواء و يعاد شده، و يضمد على المواضع بالقوابض المبردة، ليرقا الدم ويغلظ‍‌ قوامه و تضيق مسالكه.

 

فأما تفريق اتصال الجلد نفسه، فعلاجه جمع فم العرق و شده من غير وضع شيء البتة عليه فإنه يندمل، و القوانين الكلية في علاج تفرق الاتصال هي علاجه، أعني جمع ما تفرق وحفظ‍‌ ما قد اجتمع و منع جسم غريب من الولوج من أجزاء التفرق واصلاح مزاج العضو.

 

فأما الورم الحادث عن شدة ايلام الفصد ، فيعالج بالفصد من اليد الأخرى، ثم تعالج الأورام الحارة من الرادعات أولا، ثم حللها بالمحللات ثم نضف على المحللات أخيرا المرخيات ( تصريف المحللات ). فأما إن افضى إلى جمع مدة فليترك علاجها المانيون حينئذ.

 

الباب العاشر في الشروط‍‌ المأخوذة على الفاصد

هذه الشروط‍‌ منها ما يتعين على الفاصد، و منها ما تجب على كل مقسم بالطب فأما التي تجب على الأطباء في الجملة، فغض الطرف عن المحارم، و الاشتغال بما ندب اليه من العلاج لا غير، و أن لا يعيق بشيء مما فيه نفع لمريض لتعذر فايدة من جهته، ولا يسمح بما فيه مضرة لأحد لتعجل فايدة تصله.

 

فإن الأول يعود عليه بجزيل الأجر وجميل الثناء ، و الثاني بعظيم الأثم و تشنيع الذكر.

وإياه والشروع فيما لا يحكم علمه ، والأقدام على علاج يخاطر فيه.

و ليقتصر زمانه على التشاغل بعلم صناعته ، لا يعطى المتدرب في العمل فإنها صناعته لا يعطي بعضها إلا لمن اعطاها كله.

 

و ليعلم أنه وإن وافاه الحظ من الدنيا بغير علم استحق به ذلك ، فإنه عما قليل يتزيف ، و يرى نفسه و يراه الناس بعين التقصير ويتلاشى أمره ، وأعظم من ذلك ما يحتفيه من الوزر والاثم في أخطاءه بالنفوس وادعائه ما ليس هو أهله.

 

فأما إعجابه من نفسه بعمل إن نجح فيه فما احتاج إلى ذكره ، إذا كان من هذه حاله لا يرجى له فلاح ، و لا يرجى على يديه صلاح ، بل يجب أن يبني الأمر في نفسه، على أنه يثاب على سلوكه الحجة القويمة في صناعته عند الله جل اسمه ، و ينتفع من الناس ، ويأثم  إذا سلك الطريق الغير المستقيم ، و يندم من ذلك و لو عطب المريض في الحالة الأولى و برئ في الثانية.

 

و اعلم أن العافية التي هي أجل منح الله تعالى ، هو أقل وأصغر من أن يكسبها قوما أو يحرمها قوما ، و إنما هي أنعم الله تعالى يجريها على يديه، و يقرنها بصواب قوله وعمله.

 

وليعلم أيضا أن هذه المنحة خليقة بأن تجزى على يدي من صلحت سريرته، وأخلص ضميره لله تعالى، مضافا إلى الاجتهاد في العلم و العمل.

وإن أقل الناس نفاذا وتوفيقا من حقر الطب الإلهي و ازدراه و طرحه ، لا سيما إن أضاف إلى ذلك الاشتغال باللذات عن التعب في تحصيل العلم و المزاولة للمرضى. فهذه جمل يجب على الأطباء جملة أخذ نفوسهم بها.

 

فأما ما يختص بالفاصد فإنه يمنع نفسه من عمل صناعة مهينة تكسب أنامله صلابة ، و عينه حس لا يتأتى معه جس العروق ، و أن يراعي بصره بالأكحال المقوية و بالإيارجات، إن كان ممن يحتاج إليها.

و أن لا يفصد شيخا هرما ولا طفلا صغيرا و لا حاملا و لا طامث إلا على الشروط‍‌ التي تجدها له الأطباء ، ولا يفصد عبدا إلا بإذن مولاه، و لا ولدا إلا بإذن ولي أمره و أن لا يفصد إلا في مكان مضيء وبآلة ماضية ، و لا يفصد و هو منزعج الجنان.

  

وأن لا تخلى أداته من الأدوية القاطعة الدم، كالكندر و الصبر و دم الأخوين و المر و الزاج المصري و وبر الأرنب، و بعض الأدوية المدملة للجراحات الطرية أيضا.

 


في حالة نسخ أي صفحة من صفحات هذا الموقع يجب ذكر المصدر على النحو التالي
نقلاً عن موقع الطب الشعبي

الرجوع للصفحة الرئيسية