الفصد في كتاب المـاء

ابن الذهبي  - 456 هـ

عبد الله بن محمد الأزدي (حوالي 1033 م ) عالم مشارك في الطب والفقة والكمياء ،كان الطبيب العربي الشهير للكتابة الأبجدية الأولى المعروفة للموسوعة الطب ،  ويعرف بأبن الذهبي (أبو محمد) ،

وينتسب إلى قبائل الأزد العربية أتصل بخدمة محمد خان وأكرمة لطبه وصلاحه وزهده. كان ماهرآ في معرفة العشب غاية المعرفة ولم يؤت إليه بشىء منها إلا وقد عرف أسمه ورسمه ومنافعه.

ولد في صحار بعُمان. وانتقل بعد ذلك إلى البصرة ، ثم إلى بلاد فارس حيث درس تحت العالمين الكبيرين البيروني. وابن سينا. وهاجر إلى القدس ، وأخيرا استقر في بلنسية بالأندلس وتوفي فيها سنة 456هـ

ومن كتابه الشهير بكتاب الماء ، وهو موسوعة طبية. أدرج فيها أسماء الأمراض ، والطب والفسيولوجية والجراحة والعلاج. وتعتبر أول قاموس في الطب .

المجلد:۳ الصفحة 999 - 102

  

فصد: 

الفَصْد : شَقُّ العِرْق، و هو تَفَرُّق اتّصالٍ ارادي بآلةٍ مَخصوصةٍ يتبعه استفراغٌ  كُلّي للأخلاط على نِسْبَة ما هي عليه في العُروق. و الغَرَض منه التّقليل والاصلاح أو أحدهما. 

 

و حَدَّه شيخنا العلاّمة بقوله: انّ الفَصْد استفراغ كلي يَسْتَفْرِغ الكثرةَ. و الكثرةُ هي زيادة الأخلاط علي تَساوٍ منه في العُروق.

 

و المراد بالاستفراغ الكُلّي ما يَسْتَفْرِغ الأخلاطَ كلَّها، و الجُزْئِي ما يَسْتَفْرِغ بعضَها. و نَعني بزيادة الأخلاط ما يَعُمُّ زيادتَها في الكَمِّ والكَيْف، بحسب الأوعية، و تارةً بحسب القوّة ، وتارةً بحسبهما معا. و نعني بذلك ما يَعُمُّ كونَ تلك الزّيادة بالفِعْل أو بالقُوَّة. فانّا قد نَفصد للمُداوة وذلك اذا كانت الكثرة بالقُوّة بأنْ تكون مُتَوَقَّعَة الحصول ويكون حُصولها مُمْرِضاّ فيُسْتَفْرَغ من الأخلاط علي مِثْل ما هي عليه وهي في العروق ، أي: انّ نِسبَةَ أجزاءِ ما يَخرج من الأخلاط بالفَصْد قريبا من النِّسبة التي بين الأخلاط التي في العُروق بعضها الي بعض.

 

و الدَّم الذي يَخْرُج بالفَصْد اذا نَقَص منه شَيء يبقَي الباقي في العروق محفوظَ النّسبة التي كانت بينه وبين باقي الأخلاط مِنْ غير أنْ تتغيّر تلك النِّسْبة بالفَصْد ، لأنّا اذا فرضنا أنّ البدن فيه من الدّم مائة جزء ومن البلغم سَبعون جزءا و من الصّفراء أربعون جزءا ومن السّوداء ثلاثون جزءا مثلا، و أخذنا بالفَصْد قدر أربعين درهما فيجب أنْ يظلّ الباقي محفوظ النّسبة.

 

و قال شيخنا العلاّمة: والذي تُصيبهم سَقطة أو ضربة فقد يُفصدون احتياطا لئلاّ يَحْدُث بهم وَرَمٌ. و مَنْ يَكُنْ به وَرَمٌ و يَخاف انفجاره قبل النُّضج فانّه يَفصد وانْ لم يَحْتَجْ اليه بحسب الطّبيعة كثيرا.

 

و الفَصْد و القولنج قلّما يجتمعان.

 

و الحُبْلَي و الطّامِث لا يُفصدان الاّ لضرورةِ عظيمةٍ، و مَنْ تَغْلِب عليه السَّوداء فلا بأس أنْ يَفْصِد ثمّ يَسْتَفْرِغ بالاسهال، و مَنْ كانت أخلاطُه كثيرةً فينبغي أنْ يُسْقَي السُّكُنْجُبِيْن الملطِّف المطبوخ بالزُّوفا .

 

و الفَصْد الضّيّق أحْفَظ للقوّة ، و الواسع أسرع الي الغَشْي و أكثر تَنْقِيةً، و هو أوْلَى في السِّمان و الشِّتاء ، و يجب أنْ يُجْتَنَب في الحميّات الشّديدة الالتهاب و في جميع الحميّات غير الحادّة ،

أي: المزمنة، في ابتدائها ، فانْ لم تكن شديدة الالتهاب و كانت عَفِنَةً فانْظُرْ الي النّبض فانْ كان عظيما فافْصِدْ والاّ فلا.

 

و يجب ألاّ تجلِب علي المريض أحدَ أمرين:

- تَهييج الأخلاط المراريّة.

- وتَفجيج الأخلاط الباردة.

 

واذا وجب الفَصْد في الحُمَّى فلا يُلْتَفَتُ الي ما يُقال من أنّه لا سبيلَ اليه بعد الرّابع ، بل السّبيل اليه انْ وُجِدَ بعد أربعين أيضا، هذا رأي جالينوس.

 

علي أنّ التَّقدُّم و التّعجيل أوْلَي اذا صَحَّت الدّلائل.

 

و أمّا في الحمَّي الدّمويّة فلا بُدّ من استفراغٍ بالفَصْد في الابتداء، و كثيرا ما أقْلَعَتْ في حال الفَصْد .

 

ويجب أنْ يُحْذَر الفَصْد في المِزاج الشّديد البَرْد، و البلاد الشّديدة البرد، وعند الوَجَع الشّديد، وبعد الاستحمام المحلِّل ، و عقب الجماع ، وفي سِنّ الرّابعة عشرة فما دونها ما أمكن، وفي سِنّ الشَّيخوخة ما أمكن. والأحداث الذين يَدْرُجُون فيُفْصَدون قليلا قليلا بفصدٍ يَسِيْرٍ.

ويجب أنْ يُحذر في الأبدان الشّديدة السّمن و البِيْض المترهّلة و الصّفراء لِعَدَمِ الدّم ما أمكن. و يجب أنْ يُحْذَر علي الامتلاء من الطَّعام.

 

و اعْلَمْ أنّ الفَصْدَ له وَقْتَان، وَقْتُ اختيارٍ و وَقْتُ ضَرورةٍ، فالوقت المتخيَّر فيه ضَحوة النّهار بعد تمام الهَضْم، و الوقت المضطرّ اليه هو الوقت الموجِب الذي لا يَسَعُ تأخيرُه عنه ولا يُلْتَفَتُ فيه الي سبب مانع، الا اذا كان مُرور المادّة علي القلب يضرّه، لرداءتها، و القَلْب عُضو رئيس علي الاطلاق، لا يتحمَّل ضَررا.

 

و الفَصْد من العلاجات المُبَرِّدَة، و ينفع المحرورين جدّا، و عالجنا به مَنْ وقعَت به السَّكْتَة عن قريب، فأفاق منها، و ليس المقصودُ كلَّ سَكْتَةٍ، بل السَّكتة التي عن دَمٍ غليظ، أو بَلْغَم مُحترق لم تَقْوَ الطّبيعة لوحدِها على اخراجه.

المجلد:۳ الصفحة 999 - 1002

 

في حالة نسخ أي صفحة من صفحات هذا الموقع الرجاء ذكر المصدر علي النحوالتالي

نقلا عن موقع الطب الشعبي