الفصد في كتاب

معالم القربة في طلب الحسبة

للمؤلف ابن الاخوة، محمد بن محمد / 729هـ

ورق السلق

" فِي الْحِسْبَةِ عَلَى الْفَصَّادِينَ وَالْحَجَّامِينَ "

يَنْبَغِي أَلَّا يَتَصَدَّى لِلْفَصْدِ إلَّا مَنْ اُشْتُهِرَتْ مَعْرِفَتُهُ وَأَمَانَتُهُ وَجَوْدَةُ عِلْمِهِ بِتَشْرِيحِ الْأَعْضَاءِ وَالْعُرُوقِ وَالْعَضَلِ وَالشَّرَايِينِ وَأَحَاطَ بِمَعْرِفَتِهَا وَكَيْفِيَّتِهَا لِئَلَّا يَقَعَ الْمِبْضَعُ فِي عُرُوقٍ غَيْرِ مَقْصُودَةٍ أَوْ عَضَلَةٍ أَوْ شِرْيَانٍ فَيُؤَدِّي إلَى زَمَانَةِ الْعُضْوِ وَهَلَاكِ الْمَفْصُودِ ، وَإِذَا أَرَادَ تَعَلُّمَ الْفَصْدِ فَلْيُدْمِنْ بِفَصْدِ وَرَقِ السَّلْقِ أَعْنِي الْعُرُوقَ الَّتِي فِي الْوَرَقَةِ حَتَّى تَسْتَقِيمَ يَدُهُ وَلَا يُفْصَدُ عَبْدًا إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ وَلَا صَبِيًّا إلَّا بِإِذْنِ وَلِيِّهِ وَلَا حَامِلًا وَلَا طَامِثًا .


وَأَلَّا يَفْصِدَ إلَّا فِي مَكَان فَضَاءٍ ، وَأَنْ تَكُونَ آلَتُهُ مَاضِيَةً ، وَلَا يَفْصِدَ وَهُوَ مُنْزَعِجُ الْجِنَانِ ، وَيَنْبَغِي لِلْمُحْتَسِبِ أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهِمْ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ أَنَّ فِي عَشَرَةِ أَمْزِجَةٍ لَا يَحْدُثُ فِيهَا الْفَصْدُ إلَّا بَعْدَ مُشَاوَرَةِ الْأَطِبَّاءِ وَهِيَ فِي السِّنِّ الْقَاصِرِ عَنْ الرَّابِعَ عَشَرَ وَفِي سِنِّ الشَّيْخُوخَةِ وَفِي الْأَبْدَانِ الشَّدِيدَةِ الْقَضَافَةِ ، وَفِي الْأَبْدَانِ الشَّدِيدَةِ الْيُبْسِ ، وَفِي الْأَبْدَانِ الْمُتَخَلْخِلَةِ ، وَفِي الْأَبْدَانِ الْبِيضِ الرَّهِلَةِ ، وَفِي الْأَبْدَانِ الصُّفْرِ الْعَدِيمَةِ الدَّمِ ، وَفِي الْأَبْدَانِ الَّتِي طَالَتْ بِهَا الْأَمْرَاضُ ، وَفِي الْأَمْزِجَةِ الشَّدِيدَةِ الْبَرْدِ وَعِنْدَ الْوَجَعِ الشَّدِيدِ فَهَذِهِ الْأَحْوَالُ الَّتِي يَجِبُ أَنْ تَكْشِفَ عَنْ الْفَاصِدِ فِي وُجُودِهَا ، وَقَدْ نَهَتْ الْأَطِبَّاءُ عَنْ الْفَصْدِ فِي خَمْسَةِ أَحْوَالٍ أَيْضًا ، وَلَكِنْ مَضَرَّتُهَا دُونَ مَضَرَّةِ الْعَشَرَةِ الْأُولَى الْمُقَدَّمِ ذِكْرُهَا ، فَالْحَالَةُ الْأُولَى الْفَصْدُ عَقِبَ الْجِمَاعِ ، وَبَعْدَ الِاسْتِحْمَامِ الْمُخَلَّدِ وَفِي حَالِ الِامْتِلَاءِ مِنْ الطَّعَامِ ، وَفِي حَالِ امْتِلَاءِ الْمَعِدَةِ وَالْمِعَاءِ مِنْ الثِّقَلِ ( وَ ) فِي حَالِ شِدَّةِ الْبَرْدِ وَالْحَرِّ فَهَذِهِ أَحْوَالٌ يُتَوَقَّى الْفَصْدُ فِيهَا
أَيْضًا .

 

وَاعْلَمْ أَنَّ الْفَصْدَ لَهُ وَقْتَانِ وَقْتُ اخْتِيَارٍ وَوَقْتُ اضْطِرَارٍ فَأَمَّا وَقْتُ الِاخْتِيَارِ فَهُوَ ضَحْوَةُ النَّهَارِ بَعْدَ تَمَامِ الْهَضْمِ وَالنَّفْضِ ، وَأَمَّا وَقْتُ الِاضْطِرَارِ فَهُوَ الْوَقْتُ الْمُوجِبُ الَّذِي لَا يَتَّسِعُ تَأْخِيرُهُ ، وَلَا يُلْتَفَتُ فِيهِ إلَى سَبَبٍ مَانِعٍ ، وَيَنْبَغِي لِلْمُفْتَصِدِ أَنْ لَا يَمْتَلِئَ مِنْ الطَّعَامِ بَعْدَهُ بَلْ يَتَدَرَّجُ فِي الْغِذَاءِ ، وَيُلَطِّفُهُ وَلَا يَغْتَاظُ بَعْدَهُ بَلْ يَمِيلُ إلَى الِاسْتِلْقَاءِ ، وَيَحْذَرُ النَّوْمَ عَقِبَ الْفَصْدِ فَإِنَّهُ يُحْدِثُ انْكِسَارًا فِي الْأَعْضَاءِ ، وَمَنْ اُفْتُصِدَ وَتَوَرَّمَتْ عَلَيْهِ الْيَدُ فَلْيُفَصَّدْ فِي الْيَدِ الْأُخْرَى بِمِقْدَارِ الِاحْتِمَالِ .

( فَصْلٌ ) : وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَعَ الْفَاصِدِ مَبَاضِعُ كَثِيرَةٌ فِي ذَوَاتِ الشَّعِيرَةِ وَغَيْرِهَا وَيَكُونَ مَعَهُ وَتَرٌ لِيَشُدَّ الذِّرَاعَ بِهِ وَأَنْ يَكُونَ مَعَهُ نَافِجَةُ الْمِسْكِ وَأَقْرَاصُهُ حَتَّى إذَا عَرَضَ لِلْمَفْصُودِ غَشْيٌ بَادَرَ يُشَمِّمُهُ النَّافِجَةَ وَيُجَرِّعُهُ مِنْ أَقْرَاصِ الْمِسْكِ شَيْئًا فَتَنْتَعِشُ قُوَّتُهُ بِذَلِكَ . وَلْيَمْسَحْ رَأْسَ مِبْضَعِهِ بِالزَّيْتِ الطَّيِّبِ فَإِنَّهُ لَا يُوجَعُ عِنْدَ الْبَضْعِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَلْتَحِمُ سَرِيعًا ، وَإِذَا أَخَذَ الْمِبْضَعَ فَلْيَأْخُذْهَا بِالْإِبْهَامِ وَالْوُسْطَى ، وَيَتْرُكُ السَّبَّابَةَ لِلْجَسِّ وَلْيَنْشُلْ نَشْلًا وَلَا يَغْرِزْ غَرْزًا .

وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُوَسِّعَ الضَّرْبَةَ فِي الشِّتَاءِ لِئَلَّا يَجْمُدَ الدَّمُ وَيُضَيِّقَ الضَّرْبَةَ فِي الصَّيْفِ لِئَلَّا يُسْرِعَ إلَيْهِ الْغِشَاوَةَ ، وَأَنْ يَحْفَظَ صِحَّةَ قُوَّةِ الْمَفْصُودِ ، وَمَتَى تَغَيَّرَ لَوْنُ الدَّمِ أَوْ حَدَثَ غَشْيٌ أَوْ ضَعْفٌ فِي الْبَدَنِ فَلْيُبَادِرْ إلَى شَدِّهِ وَمَسْكِهِ .

( فَصْلٌ ) : وَاعْلَمْ أَنَّ الْعُرُوقَ الْمَفْصُودَةَ كَثِيرَةٌ مِنْهَا عُرُوقٌ فِي الرَّأْسِ وَعُرُوقٌ فِي الْيَدَيْنِ وَعُرُوقٌ فِي الْبَدَنِ وَعُرُوقٌ فِي الرِّجْلَيْنِ وَعُرُوقٌ فِي الشَّرَايِينِ فَيَمْتَحِنُهُمْ الْمُحْتَسِبُ بِمَعْرِفَتِهَا وَبِمَا جَاوَرَهَا مِنْ الْعَضَلِ وَالشَّرَايِينِ وَسَأَذْكُرُ مَا اُشْتُهِرَ مِنْهَا :

أَمَّا عُرُوقُ الرَّأْسِ الْمَفْصُودَةِ فَعِرْقُ الْجَبْهَةِ ، وَهُوَ الْمُنْتَصِبُ مَا بَيْنَ الْحَاجِبَيْنِ وَفَصْدُهُ يَنْفَعُ مِنْ ثِقَلِ الرَّأْسِ وَثِقَلِ الْعَيْنَيْنِ وَالصُّدَاعِ الدَّائِمِ ، وَمِنْهَا الْعِرْقُ الَّذِي فَوْقَ الْهَامَةِ وَفَصْدُهُ يَنْفَعُ مِنْ الشَّقِيقَةِ ، وَعُرُوقُ الرَّأْسِ مِنْهَا الْعِرْقَانِ الْبَارِعَانِ الْمَلْوِيَّانِ عَلَى الصُّدْغَيْنِ وَفَصْدُهُمَا يَنْفَعُ مِنْ الرَّمَدِ وَالدَّمْعَةِ وَجَرَبِ الْأَجْفَانِ ، وَمِنْهَا عِرْقَانِ يُسَمَّيَانِ الْوُصْوَافَ مِنْ خَلْفِ الْأُذُنَيْنِ يُفْصَدَانِ لِقَطْعِ النَّسْلِ فَيُحَلِّفُهُمْ الْمُحْتَسِبُ أَنْ لَا يَفْصِدُوا أَحَدًا فِيهِمَا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَقْطَعُ النَّسْلَ وَفِعْلُ هَذَا حَرَامٌ ، وَمِنْهَا عُرُوقُ الشَّفَتَيْنِ وَفَصْدُهَا يَنْفَعُ مِنْ قُرُوحِ الْفَمِ وَالْقِلَاعِ وَأَوْجَاعِ اللِّثَةِ وَأَوْرَامِهَا ، وَمِنْهَا الْعُرُوقُ الَّتِي تَحْتَ اللِّسَانِ وَفَصْدُهَا يَنْفَعُ لِلْخَوَانِيقِ وَأَوْرَامِ الرَّأْسِ .

وَأَمَّا عُرُوقُ الْيَدَيْنِ فَسِتَّةٌ الْقِيفَالُ وَالْأَكْحَلُ والباسليق وَحَبْلُ الذِّرَاعِ الْوَحْشِيِّ وَالْأُسَيْلِمُ وَالْإِبْطِيُّ وَهُوَ شُعْبَةٌ مِنْ الباسليق وَأَسْلَمُ هَذِهِ الْعُرُوقِ الْقِيفَالُ ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُنَحَّى فِي فَصْدِهِ رَأْسُ الْعَضَلَةِ إلَى مَوْضِعٍ لَيِّنٍ وَيُوَسَّعَ بِضْعُهُ إنْ أَرَادَ أَنْ يُثْنَى ، وَأَمَّا الْأَكْحَلُ فَفِي فَصْدِهِ خَطَرٌ عَظِيمٌ لِأَجْلِ الْعَضَلَةِ الَّتِي تَحْتَهُ ، وَرُبَّمَا وَقَعَتْ بَيْنَ عَصَبَيْنِ ، وَرُبَّمَا كَانَ فَوْقَهَا عَصَبَةٌ دَقِيقَةٌ مُدَوَّرَةٌ كَالْوَتَرِ ، فَيَجِبُ أَنْ يَعْرِفَ ذَلِكَ ، وَيَجْتَنِبَ فِي حَالِ الْفَصْدِ وَيَحْتَاطَ أَنْ تُصِيبَهُ الضَّرْبَةُ فَيَحْدُثَ مِنْهَا حَدَثٌ مُزْمِنٌ ، وَأَمَّا الباسليق فَعَظِيمُ الْخَطَرِ أَيْضًا لِوُقُوعِ الشِّرْيَانِ تَحْتَهُ فَيَجِبُ أَنْ يَحْتَاطَ لِذَلِكَ فَإِنَّ الشِّرْيَانَ إذَا بُضِعَ لَمْ يُرْقَأْ دَمُهُ ، فَأَمَّا الْأُسَيْلِمُ فَالْأَصْوَبُ أَنْ يُفْصَدَ طَوِيلًا وَحَبْلُ الذِّرَاعِ يُفْصَدُ مُؤْرَبًا .


وَأَمَّا عُرُوقُ الرِّجْلَيْنِ فَأَرْبَعَةٌ مِنْهَا عِرْقُ النَّسَا وَيُفْصَدُ عِنْدَ الْجَانِبِ الْوَحْشِيِّ مِنْ الْكَعْبِ فَإِنْ خَفِيَ فَلْيُفْصَدْ فِي الشُّعْبَةِ الَّتِي بَيْنَ الْخِنْصِرِ وَالْبِنْصِرِ .
وَمَنْفَعَةُ ذَلِكَ عَظِيمَةٌ سِيَّمَا فِي النِّقْرِسِ ، وَمِنْهَا عِرْقُ الصَّافِنِ ، وَهُوَ عَلَى الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ ، وَهُوَ أَظْهَرُ مِنْ عِرْقِ النَّسَا وَفَصْدُهُ يَنْفَعُ مِنْ الْبَوَاسِيرِ وَبَدْرِ الطَّمْثِ وَيَنْفَعُ الْأَعْضَاءَ الَّتِي تَحْتَ الْكَبِدِ ، وَمِنْهَا عِرْقُ مَأْبِضِ الرُّكْبَةِ ، وَهُوَ مِثْلُ الصَّافِنِ فِي النَّفْعِ ، وَمِنْهَا الْعِرْقُ الَّذِي خَلْفَ الْعُرْقُوبِ ، وَكَأَنَّهُ شُعْبَةٌ مِنْ الصَّافِنِ فَمَنْفَعَةُ فَصْدِهِ مِثْلُ الصَّافِنِ ، وَاَلَّذِي يَجُوزُ فَصْدُهُ عَلَى الْأَكْثَرِ شِرْيَانُ الصُّدْغَيْنِ ، وَالشِّرْيَانُ الَّذِي بَيْنَ الْإِبْهَامِ وَالسَّبَّابَةِ ، وَقَدْ أَمَرَ جَالِينُوسُ بِفَصْدِهِ فِي الْمَنَامِ .

 

في حالة نسخ أي صفحة من صفحات هذا الموقع حبذا ذكر المصدرعلى النحو التالي

نقلاً موقع الطب الشعبي