التصريف لمن عجز عن التأليف
المقالة الثلاثون " باب الفصد "

أبو القاسم خلف بن عباس الزهراوي ولد عام 936 - 1013 ميلادي في مدينة الزهراء شمال قرطبة وقد عرف الزهراوي في الغرب باسم " Albucasis " تحريفا للقبه وهو ابو القاسم ، وهو ثالث الثلاثة النوابغ من الأطباء العرب وهم الرازي وابن سينا والزهراوي ... من أشهر كتبه التصريف لمن عجز عن التأليف ، كتاب في الطب والممارسة الطبية ، يتكون الكتاب من ثلاثين مقالة أو فصلا ، كل منها تغطي تخصصا من تخصصات الطب، ختمها الزهراوي بالمقالة الثلاثين في الجراحة. يذكر الزهراوي في مقدمة كتابه أن صناعة الطب قد تدهورت في زمنه وأنه كتب هذ الكتاب ليجمع فيه العلوم الطبية لمن عجز عن جمعها بنفسه ، كما يتضح من اسم الكتاب.

 

بدأ مقدمة هذا الباب بقوله : قال خلف بن عباس قد ذكرنا في الباب الأول كل مرض يصلح فيه الكي بالنار والدواء المحرق، وعلله وأسبابه وآلاته وصور المكاوي، وجعلت ذلك فصولاً من القرن إلى القدم، وأنا أسلك في هذا الباب ذلك المسلك بعينه، ليسهل على الطالب مطلوبه.

وقبل أن أبدأ بذلك فينبغي أن تعلموا يا بني، أن هذا الباب فيه من الغرر فوق ما في الباب الأول في الكي، ومن أجل ذلك ينبغي أن يكون التحذير منه أشد ، لأن العمل في هذا الباب كثيراً ما يقع فيه الاستفراغ من الدم، الذي به تقوم الحياة ، عند فتح عرق، أو شق على ورم، أو بط خُراج، أو علاج جراحة ، أو إخراج سهم ، أو شق على حصاة، ونحو ذلك مما يصحب كلها الغرر والخوف، ويقع في أكثرها الموت.

وأنا أوصيكم عن الوقوع فيما فيه الشبهة عليكم، فإنه قد يقع إليكم في هذه الصناعة ضروب من الناس بضروب من الأسقام، فمنهم من قد ضجر بمرضه وهان عليه الموت لشدة ما يجد من سقمه وطول بليته، وبالمرض من الغرر ما يدل على الموت ، ومنهم من يبذل لكم ماله ويغنيكم به رجاء الصحة ومرضه قتّال، فلا ينبغي لكم أن تساعدوا من أتاكم ممن هذه صفته البتة، وليكن حذركم أشد من رغبتكم وحرصكم، ولا تُقدموا على شيء من ذلك إلا بعد علم يقين يصحّ عندكم، بما تصير إليه العاقبة المحمودة، واستعملوا في علاج جميع مرضاكم تقدمة المعرفة والإنذار لما تؤول إليه السلامة، فإن لكم في ذلك عوناً على اكتساب الثناء والمجد والذكر والحمد ... ألهمكم الله يا بني رشده ، ولا حرمكم الصواب والتوفيق ، إن ذلك بيده لا إله إلا هو.

 

الرأس : ستة عشر وهي :
1- العرقان خلف الأذنين Occipital arteries
2- وشريان الصدغين Temporal arteries
3- عرقا مآقي العينين Angular artery
4- العرق وسط الجبهة Frontal veins
5- العرق الذي في طرف الأنف Nasal vein  
6- الودجان في العنق Veines Jugulaires
7- العرقان اللذان في الشفة العليا، والعرقان اللذان في الشفة السفلى
Inferior labial artery ، superior labial artery
8- العرقان تحت اللسان (الصردان) 
Deep lingual vein

 

العروق التي جرت العادة بفصدها في البدن ثلاثون عرقاً، منها في الرأس ستة عشر عرقاً؛ العرقان النابضان اللذان خلف الأذنين المعروفين بالخشائين "الحثيثين والشريانان اللذان في الصدغين "Temporal" الظاهرين، والعرقان اللذان في مآقي العينين المعروفين بالناظرين، والعرق المنتصب في وسط الجبهة "Supratrochlear V. "، والعرق الذي في طرف الأنف، والودجان اللذان في العنق، والعرقان اللذان في الشفة السفلى وهي العروق المعروفة بالجهارك " Inferior Labial vein , Superior Labial vein "، والعرقان اللذان تحت اللسان.

 

وأما العروق التي تفصد في الذراع واليد فهي خمسة عروق؛ أحدها القيفال "Cephalic V." وهو من الجانب الوحشي وتسميه العامة عرق الرأس، والأكحل وهو العرق الأوسط "Median cupital Vein " ، وهو مركب من شعبة من الباسليق وشعبة من القيفال وتسميه العامة عرق البدن، والباسليق " Basilic V. " وهو الموضوع في الجانب الأنسي، ويسمى أيضاً الإبطي، وتسميه العامة عرق البطن، وحبل الذراع، وهو الموضوع على الزند وهو الذي يبضع فيه، وهو الذي يظهر فوق الإبهام ظهوراً بيناً، والأسيلم وهو العرق الذي بين الخنصر والبنصر وله شعبتان.

 

 وفي الساق والرجل ثلاثة عروق ؛ أحدها الذي تحت مأبض الركبة " popliteal V " من الجانب الوحشي، والثاني الصافن " greate saphenous Vein " ومكانه عند الكعب من الجانب الأنسي، وعرق النَّسا " small saphenous vein "، ومكانه عند العقب من الجانب الوحشي، وفي الساق الآخر ثلاثة عروق مثلها.

 

فأما العرقان اللذان خلف الأذنين :فمنفعة فصدهما للنزلات المزمنة والشقيقة والسعفة وقروح الرأس الردية المزمنة، وكيفية فصدهما على ما أصف؛ وهو أن تحلق رأس العليل، وتحكّ مؤخره في موضع العرقين بخرقة خشنة حكاً جيداً، ثم يخنق العليل عنقه بعمامته حتى يظهر العرقان، وموضعهما خلف الأذنين في الموضعين المنخفضين من الرأس، فتفتشهما بإصبعك وحيث أحسست بنبضهما تحت إصبعك فهناك تعلم بالمداد، ثم تأخذ مبضعاً سكينياً، وهو الذي يعرف بالمنشل " Lancet " ،  تدخله تحت العرق في الجلد حتى يصل المبضع إلى العظم، ثم ترفع يدك بالعرق والجلد إلى فوق، وتقطع العرق مع الجلد قطعاً مبتوراً، ويكون طول القطع قدر إصبعين مضمومتين أو نحوهما، وترسل من الدم القدر الذي تريد، ثم تشدهما بالرفايد وتتركهما حتى يبرأ إن شاء الله تعالى. وقد تقدم في أول الكتاب قطعهما وكيّهما.

 

وأما الشريانان اللذان في الصدغين : فمنفعة فصدهما للشقيقة المزمنة، والصداع الصعب، والرمد الدائم، وسيلان الفضول الحادة المنصبة إلى العينين، وكيفية فصدهما على ما أصف لك؛ يشد العليل رقبته بعمامته حتى يظهر العرقان للجس ظهوراً بيناً، ويتبين نبضهما تحت إصبعك، فحينئذ تعلم بالمداد، ثم ترفع الجلد من أعلى العرق إلى فوق بإصبعك السبابة، وتدخل المبضع المنشل من أسفل، وترفع العرق إلى فوق وتبتره، كما صنعت في العرقين الآخرين، وترسل من الدم على قدر حاجتك، ثم تخل خناق العليل، وتضع إصبعك على العرق ساعة، ثم تضع عليه قطنة ورفادة، وتشده من فوق شداً وثيقاً وتتركه حتى يبرأ، وقد تقدم ذكرهما وقطعهما وسلهما في أول الكتاب.

 

وأما فصد عرق الجبهة: فمنفعته بعد فصد القيفال لعلل الوجه المزمنة؛ كالسعفة والقروح والحُمرة السمجة. و كيفية فصده على ما أصف لك؛ يخنق العليل رقبته بعمامته، حتى يظهر العرق، ثم تأخذ الآلة التي تسمى الفأس وهذه صورتها:

تضع الشوكة النابتة التي في رأس الفأس على نفس العرق، وتضرب من فوقه بمشط، أو شيء آخر في نحوه، وتترك الدم يجري على القدر الذي تريد، ثم تحل خناق العليل، وتشده حتى يبرأ إن شاء الله تعالى.

وقد يفتح بمبضع عريض، إلا أنه لا ينبغي أن يكون المبضع حاد الطرف كسائر المباضع، بل يكون عريض الطرف قليلاً، وتفصده على التحريف، لأن العظم قريب فربما انكسر فيه المبضع إذا كان رقيقاً.

 

وأما العرقان اللذان في مآقي العينين : فمنفعتهما في علل العينين مثل الجرب والحمرة والسبَل، وأمراض الوجه. وأما كيفية فصدهما؛ فهو أن يشد العليل رقبته بعمامته، ثم تفصدهما وأنت واقف على رأسه، وليكن الفصد على تحريف إلى الطول قليلاً، بمبضع صغير عريض قليلاً، فإن الموضع لا لحم فيه، فإنه إن كان المبضع رقيق الطرف ربما انكسر، ثم ترسل من الدم حاجتك، وتضع عليهما قطنة وتشدهما ليلة واحدة، ثم تحلهما.

 

أما فصد عرق الأنف: فنافع من الحمى الحادة، والصداع الشديد، ومن أمراض الوجه؛ كالسعفة الحمراء التي تعرض في الأنف، ولاسيما إذا كانت مزمنة.

وكيفية فصده أن يشد العليل رقبته بعمامته، ثم تمسك أنفه بيدك اليسرى وتأخذ مبضعاً رقيقاً طويلاً وتغرزه في وسط الأرنبة نفسها بين حجر الأنف على استقامة، لأن العرق لا يظهر للحِس هناك، فإن الدم يدر من ساعته، وينبغي أن تمعن يدك بالمبضع قليلاً، وترسل من الدم حاجتك، ثم تربطه ليلة فإنه ينجبر سريعاً.

 

وأما الودجان "Jugular V": فمنفعة فصدهما لضيق النفس، وابتداء الجذام، والأمراض السوداوية التي تعرض في سطح الجسم؛ مثل البهق الأسود والقوباء والقروح الردية والأواكل.

وكيفية فصدهما أن يشد العليل تحتهما في عنقه برباط، ويقف الصانع على رأس العليل، والعليل قاعد على كرسي، ثم تفصد العرق إلى الطول فصداً واسعاً قليلاً، ثم تخرج من الدم القدر المعتدل، أو على حسب ما تراه من الحاجة إلى ذلك، ثم تفعل كذلك بالعرق الآخر، ثم تحل الرباط وتشد العرقين شداً متوسطاً لئلا يختنق العليل، وتتركه إلى الغد، فإنه يبرأ الجرح إن شاء الله تعالى.

البهق الأبيض vitiligo يصيب الجلد وقد يكون وراثياً ، أما البهق الأسود فلعله ما يسمى الشواك الأسود Acanthosis nigricans  - القوباء Impetigo

 

وأما عروق الجهارك : فمنفعة فصدها بعد فصد القيفال، أنها تنفع من القلاع في الفم وفساد اللثة والقروح الردية وشقاق الشفتين، والقروح الردية التي تكون في الأنف وحواليه. وكيفية فصدها أن يقعد العليل أمامك ويشد رقبته بعمامة، ثم تحول شفتيه وتنظر إلى العرقين اللذين ترى أحدهما عن يمين الشفة، والثاني عن يسارها، وتتبين منهما بسوادهما، وذلك أيضاً أن حواليهما عروقاً دقاقاً سود، فتقطعهما قطعاً مبتوراً، فإن أشكل عليك، ولم تدرِ أيهما هي، فاقصد إلى قطع أكبرها وأبينها، وكذلك تصنع في العرقين اللذين في الشفة العليا، وأكثر ما جرت العادة به بقطع العرقين اللذين في الشفة السفلى.

جهارك : الأجارك ، والأجهارك ؛في الشفتين وهي عروق أربعة على كل شفة منها زوج .

 Inferior Labial vein , Superior Labial vein  .

 

وأما العرقان اللذان تحت اللسان : فمنفعة فصدهما، بعد فصد القيفال، للخوانيق التي تكون في الحلق، ومرض اللهاة، وأمراض الفم. وكيفية فصدهما؛ أن تجلس العليل بين يديك بحذاء الشمس، وترفع لسانه، وتنظر تحت اللسان عن جانبه الواحد عرقاً، وعن جانبه الآخر عرقاً، ولونهما إلى السواد، فتفصدهما، وتحفظ ولا تمعن في قطعهما فإن تحتهما شريانات، فربما عرض نزف دم من تلك الشريانات.

وأما العروق الثلاثة التي تفصد في المرفق : فهي التي جرت العادة بفصدها في الناس أجمع، وفصدها يكون على وجهين؛ إما غرزاً بمبضع ريحاني عريض أو زيتوني إلى الرقة، وإما شقاً بمبضع سكينية وهي المنشل. وهذه صورتها:

صورة المبضع العريض الريحاني

يكون عريضاً كما ترى، يصلح لفتح العروق المجوفة الممتلئة البارزة الظاهرة الغلاظ، التي تحوي دماً غليظاً كدراً.

 

وهذه صورة المبضع الزيتوني

وهذا المبضع أقل عرضاً وأرق طرفاً، يصلح لفصد العروق الدقاق التي تحوي دماً رقيقاً أصفر.

 

وهذه صورة المبضع المنشل

هذا المنشل الذي يصلح للشق، ويكون منه أنواع عراض ودقاق على حسب سعة العروق أيضاً وضيقها، وقد يستدل بها على غيرها، وهو عند الصناع مشهور.

 

وفي الذراع واليد وهي خمسة :
1- القيفال وهو عرق الرأس    
Cephalic vein
2- الباسيليق وهو عرق الإبط أو عرق البطن
Veines Basiliques
3- الأكحل وهو عرق البدن
Veine Mediane
4- حبل الذراع وهو يمتد على ظاهر الزند الأعلى ثم يمتدّ إلى الوحشي مائلاً إلى حدبة الزند الأسفل ويتفرق في أسافل الأجزاء الوحشية من الرسغ.
5- الأسيلم وهو بين الخنصر والبنصر
Vein Salvatelli.
 

 

فأما الباسليق : الذي هو أحد هذه الثلاثة العروق، فمنفعة فصده، أنه يحدر الدم من العلل التي تكون تحت الحلق والعنق مما يلي الصدر والبطن. وينبغي للفاصد عند فصده، أن يحذره، ويكون على رِقبة منه، فإن تحته شرياناً، فإن أخطأه وزاد في غرز المبضع قطع ذلك الشريان، فيحدث نزف الدم، فلذلك ينبغي أن لا يكون فصده له بمبضع الغرز، بل يكون فصده شقاً بالمنشل، فإن لم يظهر الباسليق ظهوراً بيّناً، فينبغي أن تجتنبه، وتعدل إلى غيره، أو تطلب بعض شعبه، أو تفصد مكانه حبل الذراع، فإنه بيّن، وتشقه بالمبضع المنشل كما قلنا، فإن أردت فصده بعينه، فينبغي قبل شد الذراع أن تجس الموضع حتى تتعرف موضع النبض، ثم تعلم عليه بالمداد، ثم تربط الذراع وتشق العرق شقاً محرفاً بالمبضع المنشل كما قلنا، وتحرى أن تقع الضربة بالبعد من موضع الشريان، ومتى رأيت عند شدك الرباط نفخاً في الموضع الذي كنت علّمت بالمداد، كان ذلك النفخ هو انتفاخ الشريان فتجنبه، فإن رأيت الدم عند الفصد يثب كما يثب بول الصبي، وكان الدم رقيقاً أحمر، فاعلم أنه من دم الشريان، فحينئذ بادر وضَع إصبعك عليه ساعة طويلة، ثم انزع " ارفع " إصبعك، فإن انقطع الدم، وكثيراً ما ينقطع، فشد الذراع واتركه، وحذر العليل من إهماله، وليكن على رِقبة، ولا يحركه أياماً حتى يبرأ إن شاء الله تعالى.

فإن لم ينقطع الدم وغلبك ولم يحضرك في حينك دواء، فابتر الشريان إن ظهر إليك، فإن طرفه ينقبض وينقطع الدم، أو خذ قشرة فستق فشقها وخذ النصف الواحد وشده على موضع العرق شداً محكماً بالرباط والرفايد إلى يوم آخر، فإن انقطع الدم وإلا فعالجه بما تقدم ذكره من وضع الذَرورات القاطعة للنزف، وقطع دمه ليس بالصعب في أكثر الأحوال لمكان صغر الجرح، وتمكن الرباط من الذراع فاعلمه.

 

وأما العرق الأكحل : فمنفعة فصده أن يجذب الدم من أعلى الرأس وأسفل البدن، لمكان أنه مركب من شعبة من الباسليق وشعبة من القيفال كما قلنا.

وينبغي للفاصد أن يكون على رِقبة من فصده، فإن تحته عصباً، فإن زاد في غرز المبضع وأصاب العصبة حدث منها خدر يعسر برؤه، وربما لم يبرأ أصلاً، وهذه العصبة كثيراً ما تظهر للجس، فإن خفيت في بعض الناس، وكانت رقيقة لا تبين، فينبغي أن تجعل فصدك إياه شقاً بالمنشل، وتجنب العصب جهدك، فإن كان العرق بين عصبتين فشق العرق طولاً.

 

  وأما العرق القيفال : فمنفعة فصده؛ أنه يجذب الدم من الرأس، وينفع من أمراض العينين، وينبغي في هذا العرق خاصة إن شئت أن تفصده غرزاً بالمبضع الزيتوني أو بالمبضع العريض الريحاني، لأنه أسلم العروق كلها؛ إذ ليس تحته شريان ولا عصب، إلا أنه ينبغي لك عند الفصد أن تجتنب بالمبضع رأس العضلة فقط، وتطلب الموضع اللين وليس يضره، إن لم يصب بالضربة الأولى أن يعاود عليه بالفصد مرات، إلا أنه ربما تورم في بعض الناس، إذا لم يفصد في الضربة الأولى، ولكن لا يضره ذلك الورم شيئاً والله أعلم.

 

في كيفية الفصد

وأما كيفية الفصد وعوارضه، وما ينبغي أن يتقدم في إصلاحه، فأول ذلك ينبغي أن تعلم أن الفصد إنما يستعمل في حفظ الصحة واستدامتها، والتحرز من حدوث الأمراض، وأن يكون الفصد من أحد العروق الثلاثة التي في المرفق؛ أعني القيفال والأكحل والباسليق، وأن يكون الفصد في أول الربيع، إذا ظهرت دلائل الامتلاء، ويكون الفصد في يوم الأحد أو يوم الثلاثاء بعد أن يمضي للنهار ثلاث ساعات، وأما الفصد الذي يستعمل في الأمراض، فليس له وقت محدود، لكن متى دعت الحاجة والضرورة إليه في ليل أو نهار، وفي كل ساعة وفي كل زمان، ولا ينبغي أن يفصد الصبيان حتى يمضي عليهم أربع عشرة سنة، ولا يفصد الشيوخ الذين جاوزوا الستين سنة.

 

فإذا أزمع أحد على الفصد لأي وجه كان، فينبغي أن ينقي أمعاءه قبل الفصد بحقنة لينة، إن كان فيها زبل كثير محتبس لئلا تجذب العروق عند الفصد من المعا فضولاً عفنة، تضر بالأعضاء الرئيسة، ولا يفصد المتخوم، ولا السكران ولا الثمل حتى يزول ذلك عنهم، وليحذر الفصد أيضاً بعقب الهيضة " الإسهال "، والقيء، والخلفة، والإكثار من الجماع، والتعب، والرياضة، والسهر، والصوم، وكل ما يحل القوة من أمر جسماني أو نفساني، ثم ينظر في ترقيق الأخلاط قبل ذلك، إن كان الدم غليظاً، بالأطعمة والأشربة والأدوية إن أمكنه ذلك، ثم يدخل الحمام إن لم يمنعه مانع، أو يرتاض بعض الرياضة لكي يرق الدم، ويجعل فصده في صدر النهار، كما قلنا، ويروم أن يخلى صدره ذلك النهار من جميع العوارض النفسانية الردية؛ كالهمّ والغضب والخوف، ومن جميع العوارض الجسمانية؛ كالتعب والنصب المفرطين، والجماع ونحو ذلك، ويحضر مجلسه الأشياء التي قد جرت عادات الناس باستعمالها من ضروب الطيب والرياحين، والملاهي، ونحو ذلك، كل إنسان على قدر تمكنه ، ثم يقعد الفاصد على وسادة تكون أرفع من الوسادة التي يقعد عليها المفصود، ثم يخرج ذراعه ويحكه الفاصد بيده مرتين أو ثلاثة، ثم يشد الرباط بالشَّرَكة ويلويها مرتين، وليكن الشد معتدلاً، لأن الشد متى كان غير معتدل؛ إما بإفراط في الشد منع جري الدم، وإن كان مسترخياً منع أيضاً جري الدم، ثم بعد الشد ينبغي أن يحك المفصود يديه جميعاً بعضها ببعض حتى تنتفخ العروق، وتتبين للحس، ثم يمسح الفاصد المبضع بيسير من الزيت العتيق خاصة، ثم يضع إصبعه السبابة من يده اليسرى على نفس العرق، تحت الموضع الذي يريد فصده قليلاً، لئلا يلوذ* العرق فيتجنب الضربة، لأن من العروق ما تجدها كالوتر تلوذ عند الفصد، ومنها ما هي مملوءة ريحاً، فمتى وضعت المبضع عليها انخفضت تحت المبضع وخدعت الفاصد، ولم يفتح المبضع العرق، وإن فتحه فإنما يكون فتحه ضيقاً، فلذلك ينبغي أن يثبت الفاصد ويتأنى في هذه الأمور كلها، ثم ينزل المبضع، فإن فتح العرق من مرّته تلك، وإلا فيعاوده مرة أخرى تحت ذلك الموضع قليلاً، أو فوقه بالعجلة، إن لم يتورم الموضع، فإن تورم أو جزع العليل، فاتركه يوماً أو يومين، ولا تشد الرباط، فإنه ربما جلب ورماً حاراً، ولا يدخل الحمام، ثم يعاود الفصد إن أحب.

فإن غرزت المبضع وكان الفتح صغيراً، أو كان جري الدم رقيقاً، وخشيت أن لا يخرج من الدم القدر الذي تريد، فأعد المبضع في الثقب نفسه على استقامة، وزد في الفتح قليلاً، وافعل ذلك بالعجلة قبل أن يتورم الموضع، فإنه كثيراً ما يتورم في بعض الناس الموضع عند الفتح الصغير، فإن رأيته قد تورم، فلا تعد عليه البتة، فإنه لا يغنيك شيئاً، وضع عليه شيئاً من عكر الزيت، فإنه يسهل جري الدم، وهو أفضل في هذا الموضع من الزيت نفسه، ومن سائر الأدهان، وكذلك فاستعمل عكر الزيت في جميع فصدك للعروق عند تعذر جري الدم، وقد يفعل ذلك الترياق الفاروق والشجرينا إذا وضع من أحدهما على الموضع، فإن الدم يرق وينحل إذا كان غليظاً، فإن حدث في موضع الفصد ورم كثير، وكثيراً ما يحدث، ولاسيما لمن لم يفصد إلا تلك المرة، أو كان فتح العرق صغيراً، فبادر فضع على الموضع إسفنجة مغموسة في ماء وملح مدفّأة قليلاً، وشده ساعة فإنه ينحل، وينبغي أن تفعل ذلك بعد خروج الدم من العرق نفسه بكماله، أو من عرق آخر، فإن بقي في الموضع بعد أيام شيء من السواد أو خضرة، فإنه لا يضر ذلك، فإن أحببت أن تزيله فاحمل عليه شيئاً من الصبر والمر المحلولين، أو عصارة الفودنج ونحوه.

وكثيراً ما يحدث ورم ونتوء عند فصد الباسليق، فضع يدك عليه، فإن وجدته يلطى عند غمزك عليه، فإن ذلك نتوء سوء، فاحذر أن تجعل عليه شيئاً مما ذكرنا، فإنه ربما نزف منه دم شريان، ولكن ضمده بما فيه قبض، ليصلب الموضع، ثم عالجه بسائر العلاج حتى يبرأ إن شاء الله تعالى.

وينبغي أن يخرج لكل إنسان من الدم بقدر قوته وما يظهر من اللون الغالب على الدم؛ فإنه إن كان الدم أسود فدعه يخرج حتى يحمر، وكذلك إن رأيته غليظاً فأرسله حتى يرق، وكذلك إن كان حاداً حتى تذهب حدته، وينبغي لمن كان ممتلئاً قوياً واحتاج إلى إخراج الدم دفعة واحدة أن يوسّع فصد العرق، ويكون المبضع عريضاً، ومتى كان ضعيفاً فبالضد من ذلك، وينبغي أن تخرجه في مرات، وأن يكون الثقب ضيقاً، وأفضل ما يستعمل في فصد العرق، أن يكون محرفاً مورباً شقاً لا غرزاً، وهذا الضرب من الفصد سليم من النزف، ومن قطع عصب، وهو أحمد وأسلم من الفصد بالعرض والطول.

ومن كان يعتاده عند الفصد الغشي، فينبغي أن تطعمه قبل الفصد شيئاً من خبز منقع في ماء الرمان المز أو السكنجبين، إن كان محروراً، وأخرج الدم في ثلاث مرات أو أربع، وإن كان مبرود المزاج، فليأخذ قبل الفصد خبزاً منقعاً في شراب الميبة، أو في شراب العسل المطيب بالأفاوية، أو في الشراب الطيب الريحاني، فإن حدث الغشي عند الفصد، وكان سببه خروج الدم الكثير، فينبغي أن يسقى ماء اللحم والشراب الريحاني الرقيق، ويستعمل التطيب بالغالية، ويلخلخ صدره بها، ويستعمل سائر ما ذكرناه في التقسيم في باب الغشي الذي يكون من الاستفراغ.

سكنجبين: معربة عن سركا أنكبين الفارسي ومعناه خل وعسل؛ فهو الشراب المركب من الخل والعسل، شراب مشهور يراد به هنا كل حامض وحلو.

وأما من أراد ترويح ذراعه، وتسريح دمه ثانية، فينبغي لمن كان فصده لاستفراغ كثير، وقوته ضعيفة، أن يسرح الدم قليلاً قليلاً بقدر القوة في أيام متوالية.

وأما من كان يريد ترويح ذراعه، وتسريح دمه ثانية، وكان بدنه قوياً، فليفعل ذلك على سبع ساعات أو تسع من فصده الأول.

وأما من أراد اجتذاب الدم من بدنه إلى ضد الجهة التي مالت إليها، فينبغي أن يروح له في اليوم الثاني أو الثالث.

وأما من كان في بدنه الدم كثيراً، قد سخن واحتد وأحدث حمى، فينبغي أن يخرج منه الدم في دفعة واحدة، ويخرج منه المقدار الكثير، ويوسع الفتح إلى أن يعرض الغشي، بعد أن يكون متفقداً لجميع شروط الفصد، وأن تضع يدك على نبضه عند سيلان الدم لئلا يحدث الموت مكان الغشي؛ فكثيراً ما يعرض ذلك إذا جهل الفاصد ووقعت الغفلة.

ولا ينبغي إذا أردت حل الذراع، وتسريح الدم ثانية، وقد انغلق فم العرق، وعسر خروج الدم، أن تغمز عليه بشدة أو يلوى بقوة، فإن ذلك ردي جداً، بل إما أن تتركه حتى تفصده ثانية، وإما أن تنحّي بشفرة المبضع ما جمد من الدم في فم العرق، أو تحمل عليه شيئاً من الملح، قد أحل في الماء، أو تحمل عليه شيئاً من الترياق الفاروق أو الشكريانا*، أو يغمز غمزاً رقيقاً حتى يخرج الدم، فإن كان قد تورم العرق، فاتركه ولا تمسه حتى يسكن الورم.

فإن دعت الضرورة إلى تسريح الدم ثانية ولابد، فإما أن تفصده فوق ذلك الموضع، وإما أن تفصده في الذراع الآخر، أو في العرق الآخر إن شاء الله.

 

وأما فصد حبل الذراع: فيفصد عوضاً من الأكحل والباسليق، إذا لم يوجدا أو كانا خفيين لأنه مركب منهما، وكيفية فصده أن يدخل العليل يده في الماء الحار حتى يحمر الزند، ويظهر العرق ظهوراً بيناً، ثم تشد فوقه قليلاً بالرباط شداً متوسطاً، ثم تفصد العرق على تحريف قليلاً، لا عرضاً ولا طولاً، وليكن الفصد واسعاً، ويكون فصدك له فوق مفصل اليد قليلاً، فإن تعذر خروج الدم فأعد اليد في الإناء بالماء الحار، ودع الدم يجري في الماء حتى تبلغ حاجتك، فإن كنت في أيام الصيف، فقد يستغنى عن إعادة اليد في الماء الحار، وأكثر ما تجعل جري الدم في الماء الحار في زمن الشتاء، وفصد هذا العرق أسلم من جميع العروق، لأن ليس تحته عرق ضارب ولا عصب.

وأما فصد الأسيلم : من اليد اليمنى فهو نافع من علل الكبد، وكيفية فصده أن تشد معصم اليد بالرباط أو بيدك، بعد أن تدخله في الماء الحار حتى ينتفخ العرق، ويتبين للحس جداً، ثم تفصده على تحريف قليلاً، وإن بترته بالكل لم يضره ذلك شيئاً، وتحفظ لا تمعن يدك بالمبضع، فإن تحته عصبة الأصابع والموضع معرّى من اللحم، ثم تعيد اليد إلى الماء الحار، وتتركه يجري الدم فيه، فإنك إن لم تعدها إلى الماء الحار، جمد الدم في فم العرق وامتنع من الجري، فإذا أخرجت من الدم قدر الحاجة فضع على العرق دهناً وملحاً لئلا يلتحم سريعاً، وكذلك ينبغي أن تفعل بكل شعبة ضعيفة ... وأما منفعة فصده من اليد اليسرى؛ فإنه نافع لعلل الطحال، وكذلك تفعل في فصده كما فعلت في الثاني سواء إن شاء الله تعالى.

مقطع إضافي ذكره الدكتور محمد ياسر زكور في كتابه الزهراوي في الطب لعمـل الجراحـين تحقيق ودراسة: وأما منفعة فصد الأسيلمين فالأيمن لعلل الكبد والأيسر لعلل الطحال وأما الأملجين فنفعهما من تحت الوركين بجانب العرقين الصافنين إلى داخل الركبة، ومنفعة فصدهما من أوجاع الوركين.

 

وفي الساق والرجل وهي ثلاثة :

1-الصافن عند الكعب من الجانب الإنسي Veine Saphene

 2- عرق النسا عند العقب من الجانب الوحشي Veine saphene externe.

 3- العرق تحت مأبض الركبة من الجانب الوحشي Veine saphene interne-popliteal V

 

وأما فصد الصافن : فمنفعته للأمراض التي في أسفل البدن؛ مثل علل الأرحام، واحتباس الطمث، وأمراض الكلى، وقروح الفخذين والساقين المزمنة، ونحوها من الأمراض.

 وكيفية فصده أن يدخل العليل رجله في الماء الحار وتحمل عليه الدلك حتى يدر العرق، ثم تشد فوق مفصل الرجل بالشَّرَكة، والعرق موضعه عند الكعب ظاهر نحو الإبهام، ويتشعب منه في وجه الرجل شعباً كثيرة، فافصده في أوسع شعبة منه، أو عند الكعب عند مجتمعه، فهو أفضل وأسلم، فإن فصدته في وجه الرجل فتحفظ من الأعصاب التي تحته على وجه الرجل، واجعل فصدك له بتحريف، كأنك تريد بتره، ويكون المبضع نشلاً، فإن تعذر خروج الدم، فليعد رجله في الماء الحار، واترك الدم يجري فيه حتى يفرغ، فإن أخطأ الفاصد العرق بالفصد في أول مرة فليعد بالفصد إلى فوق قليلاً، فإن الموضع سالم لا يخشى منه غائلة إذا تحفظت من العصب كما قلنا، وكذلك تفعل بالصافن من الرجل الأخرى سواء.

 

وأما عرق النَّسا Small saphenous Vein: فمكانه كما قلنا عند العقب من الجانب الوحشي، ومنفعة فصده لوجع الورك، إذا كان ذلك من قبل الدم الحار.

وكيفية فصده أن تدخل العليل الحمام، وتسرع وتشد ساقه من لدن الورك إلى فوق الكعب بأربع أصابع، بعمامة رقيقة طويلة، فإنه لا يظهر إلا بذلك، فإذا ظهر فافصده على أي حالة أمكنك؛ إما على تحريف وهو أفضل، وإما أن تبتره بتراً، أو تشقه شقاً، فإن موضعه سالم، وهو في أكثر الناس خفي جداً، فإن لم تجده ولم يظهر للحس البتة، فافصد بعض شعبه وهي التي تظهر في ظهر القدم نحو الخنصر والبنصر، وتحفظ من الأعصاب، وأرسل من الدم القدر الذي تريد، ثم حل الشد وضع على موضع الفصد قطنة وشد الموضع، فإنه سريعاً ما يبرأ إن شاء الله تعالى.

 

 

 

أهم المراجع :

كتاب الزهراوي في الطب لعمـل الجراحـين تحقيق ودراسة الدكتور محمد ياسر زكور
الصفحات التالية من موقع اسلام ست:
الإنجازات الجراحية لأبي القاسم الزهراوي / الدكتور/ أحمد عبد الحي / الهند
الصيدلي أبو القاسم الزهراوي / دكتور زهير البابا / الجمهورية السورية
قراءة جديدة وتحقيق لصفحات من كتاب /التصريف لمن عجز عن الـاليف /الدكتور محمد رضا عوضين / جمهورية مصر العربية.
الزهراوي الطبيب والجراح / ومنتجات الممالك الطبيعية والدوائية وضعها /الدكتور سامي خلف حمارنة والممرضة/ نزهة توفيق حمارنة / الولايات المتحدة الأمريكية
أبو القاسم الزهراوي أشهر طبيب جراح فى القرون الوسطى /دكتور سيمون حايك / أسبانيا
أبو القاسم الزهراوي وأثره في علاج إصابات الأطراف /الدكتور قاضى م. إقبال /ماليزيا
أبو القاسم الزهراوي وتأثيره في جراحة العيون / الأستاذ الدكتور محمد ظافر الوفائي./ الولايات المتحدة الأمريكية
الجراحة عند الزهراوي / دكتور أحمد مختار منصور / جمهورية مصر العربية

صفحات من الكتاب أبو قاسم الزهراوي مترجم على هذا الرابط :
http://books.google.com/books?id=mjVra87nRScC&printsec=frontcover&dq=ALBUCASIS&hl=ar&cd=2&safe=active#v=onepage&q=&f=false

جريدة الرياض : مقال أ.د.جابر بن سالم القحطاني عن كتاب " الجراحة " للدكتور عبدالعزيز الناصر والدكتور علي التويجري
http://www.alriyadh.com/2010/08/09/article550378.html

http://www.alriyadh.com/2010/08/16/article552140.html

http://www.alriyadh.com/2010/08/02/article548610.html

 

في حالة نسخ أي صفحة من صفحات هذا الموقع الرجاء ذكر المصدر على النحو التالي
نقلا عن موقع الطب الشعبي
الصفحة الرئيسية