الفصد والحجامة من كتاب

 

الشرح المغني - الموجز لابن النفيس

سديد الدين الكازروني ( توفي عام 1357 م ) هو طبيب ، من أهل كازرون.

 

شرح موجز ابن النفيس، المعروف أيضاً باسم المُغني هو نص طبي شهير من القرن الرابع عشر كتبه سديد الدين بن مسعود الكازَروني (توفي عام  1357 م )، وهو مثال رائع على ظاهرة كتابة الشروح التي كانت منتشرة في العالم الإسلامي: يحتوي كتاب شرح موجز ابن النفيس على شرح سديد الدين لكتاب الموجز لابن النفيس (حوالي 1210-1288)، وقد كان كتاب الموجز بدوره موجزاً أو ملخصاً كتبه ابن النفيس لشرحه الخاص لكتاب القانون في الطب لابن سينا (980-1037)، المعروف في الغرب باسم أفيسينا. يتألف كتاب ابن النفيس من أربعة أقسام، أُطلق على كل منها اسم فن. يحتوي الفن الأول على مبادئ الطب بشقيه العِلمي والعَملي، بينما يختص الفن الثاني بدراسة للأدوية والأغذية، تعقبها أطروحة عن العقاقير المركبة. يتناول الفن الثالث الأمراض المختصة بعضو بعينه وأسبابها وعلاماتها ومعالجاتها، في حين خُصِّص الفن الأخير للأمراض التي لا تختص بعضو دون آخر، مثل الحميات والأورام. تحتوي المخطوطة المعروضة هنا على شرح سديد الدين للفنين الثالث والرابع فقط من كتاب ابن النفيس.


القول الكلي في الفصد:
الفصد تفرق اتصال إرادي واقع في العراق بالرائشة وهي المبضع ، قوله تفرق اتصال بمنزلة الجنس ، وبقوله ارادي يخرج غير الارادي وهو إما قسري كالضربة اوالسقطة واما طبيعي كانفتاح عروق المقعدة والرحم والانف لانه من دفع الطبيعة ، وبقوله واقع في العرق يخرج الحجامة ، وقوه بالرائشة يخرج تفرق الاتصال الارادي الواقع في العرق بالادوية المفتحة لافواه العروق ، هذا وانت قد عرفت ان الدم سبب قوي في قوام البدن لانه المادة التي يغتدي منها وبه بقاء القوة الحيوانية وحفظها على ما ينبغي ويفيد البدن مع ذلك حسنا ونضارة ويدفع نكاية البرد الخارجي غير انه لا يكون كذلك الا بعد شرطين: اعتداله في الكمية وصلاحه في الكيفية .

أما الأول ( الكمية ) فلان متى كان ازيد مما يحتاج الي غمر الحرارة الغريزية والقوة الحيوانية وغيرهما ، وان كان مادة لهما كصنيع الحطب الكثير الذي يوضع على النار اليسيرة والزيت الكثير الذي على السراج ، ومتى كان انقص مما ينبغي لم يف بذلك فيطفئ الحرارة الغريزية ويخمد صنيع الزيت الممد للسراج اذا نقص مقداره ، وكذلك الحطب الموقد للنار .

واما الثانى ( الكيفية ) فلانة متى خرج عن كيفيته الخاصة به وهى الحرارة والرطوبة على ما عرفت أضر بالبدن والقوى والافعال ، فيجب ان يكون معتدلا بينهما خروجه عن الاعتدال في الكيفية يدبر بما يضادّه وخروجه في الكمية ان كان في طرف النقصان فيدبر بالاغذية والاشربة المولدة للدم ، وان كان في جانب الكثرة فالحيلة في تنقيصه أحد الامرين ، احدهما تخفيف الغذاء اما في كيفيته واما في كميته وثانيهما اخراج الدم من البدن وهو اما بالفصد او بغيره كالترعيف .

 

وعند الفصد يخرج مع الدم غيره من الاخلاط ولذلك قبل الفصد استفراغ كلي يستفرغ الكثرة اي حكم الفصد او غايته انه استفراغ كلي ، والكثرة زيادة الاخلاط عليك تساوي منها في العروق ، والاستفراغ الكلي قد يعنى به ما يكون من البدن كله فيكون الاستفراغ الجزئي مايستفرغ من عضو مخصوص كالسعوطات والعطوسات المستفرغة من الرأس وحده ، وقد يعني به مايستفرغ الاخلاط كلها فيكون الاستفراغ الجزئي ما يستفرغ خلطا خاصا كما يكون باسهال الصفراء والبلغم وهذا المعنى هو المراد ههنا اذ من الفصد ما يستفرغ من بعض الاعضاء دون بعض كفصد عرق الارنبة .


ويعنى بزيادة الاخلاط ما يعم زيادتها في الكم والكيف وذلك لانا نفصد تارة لاجل الامتلاء بحسب الاوعية وتارة لاجل الامتلاء بحسب القوة وتارة لاجلهما جميعا ، ويعنى بذلك ايضا ما يعم كون تلك الزيادة بالفعل أو بالقوة فانا قد نفصد للمداواة وذلك اذا كانت الكثرة حاصلة بالفعل وقد نفصد للتقدم بالحفظ وذلك اذا كانت الكثرة حاصلة بالقوة بان يكون متوقعة الحصول .


ومعنى على يساوي منها في العروق انه يستفرغ الاخلاط على مثل ما هي عليه وهي في العروق اي ان ما خرج من الاخلاط بالفصد يكون نسبة بعضه الى بعض قريبا من النسبة التي بين الاخلاط التي في العروق وذلك لان العرق اذا تفرق اتصاله خرجت الاخلاط المحصورة فيه على حالها فان ما يخرج بالفصد فية شيئ كالرغوة وشيئ كالفج وشيئ كالرسوب والباقي هو الدم ، ولذلك ينتظر النضج في الفصد اذا لم يكن خوف من حدوث مرض صعب كالخوانق والسكتة واورام الاعضاء الرئيسة والشريفة لو لم يفصد عند ظهور العلامات ولا يجوز ان يستفرغ دم كثير في مرض ذي بحرانات بل يسكن الدم ان امكن والا فليفصد ضيقا حتى يخرج شي قليل ، وقلما يفصد القولنجي والحبلى ، والفصد لايجب كلما ظهرت علامات الامتلاء بل هو ضار اذا كانت الاخلاط نية لان يضعف القوة فلا يقدر على النضج .


والفصد الضيق احفظ للقوة لكنه يخرج الرقيق ويحبس الكثيف والواسع اعمل في التنقية واسرع الى الغشي وهو أولى بالسمان وفي الشتاء ، والضيق بالقضاف وفي الصيف ، ولايفصد في الحميات الشديدة الالتهاب لانه يزيد في الحدة وتأمل القارورة فإن كان الماء احمر غليظ والنبض عظيما وباقى الشروط فانها إن رخصت فافصد والا فلا ، وان كان الماء رقيقا ناريا فاياك والفصد ،.


وتأمل لون الدم عند الخروج فالحبس في الحال ان كان رقيقا الى البياض ، واذا وجب الفصد في الحمى فلا يلتفت الى قول من يقول انه لا سبيل اليه بعد الرابع فسبيل اليه ولو بعد اربعين يوما على ان التقديم أولى ، ويجب ان يتوقف في فصد صاحب التخمة الى ان ينهضم تخمته وقد يفصد لمنع نزف الدم لميله الى الجهة المخالفة فيجب ان يكون المبضع ضيقا جدا وفي مرات .
وترصد للفصد يوم شمالي في الصيف وفي الشتاء يوم جنوبي .

(التثنية)
والأولى في الفصد التثنية فانها تحفظ القوة مع كمال الاستفراغ الواجب ، والتثنية تؤخر بمقدار الضعف فان لم يكن ضعف فغايتها ساعة وخير التثنية ما أخر يومين او ثلاثة .


ووقت اختيار الفصد ضحوة النهار بعد تمام الهضم والنفض ، ووقت ضرورته هو الذي يوجبه ولا يسع تاخيرة .

العروق التي تفصد :
واعلم ان الاوردة المفصودة من اليد ستة القيفال وهو الوريد الذي يظهر عندما مأبض ما بين أعلى الساعد وأنسيه ، والأكحل وهوالذي يظهر دون ذلك واميل الى اسفل الساعد ومن وسط انسيه ، والباسليق وهو الذي يظهر دون ذلك واميل الى اسفل الساعد من وسط انسيه ، وحبل الذراع وهو الوريد الذي يظهر ممتدا من انسي الساعد الى اعلاه ثم وحشية ، والاسيلم وهو الذي بين الخنصر والبصر والابطي وهو شعبة من الباسليق ولذلك يقال له الباسليق الابطي ايضا هذا ما كان يجب ان يضاف الى ههنا لتكون الكتاب تاما مغنيا .

الفصد عروق اليد

وفصد الباسليق ينقي تنور البدن ويستفرغ من نواحيه ومن اسفله ( والمراد بتنور البدن هو الجزء المشتمل على الاحشاء ) ، وينفع ايضا من علل أسافل البدن ومن اليمين ينفع من سدد الكبد واورامها واورام الحجاب ووجع المعدة والشوصة وذات الجنب ، ومن اليسار من اوجاع الحال ومن امراضه ، والقيفال وحبل الذراع للرقبة فما فوقها أي يستفرغان لما في الرقبة وما فوقها ويستفرغان شيئا قليلا فيما دون الرقبة ولا يتجاوز ذلك الاستفراغ ناحية الكبد ، والأكحل مشترك اي متوسط الحكم بين القيفال وحبل الذراع وبين الباسليق ، والاسيلم الايمن نافع لاوجاع الكبد والايسر لاوجاع الطحال ويحتاج من فصد منه الا سيلم ان يضع يده في ماء حار وذلك ليسهل خروج الدم منه لان ما يخرج منه غليظ مع ان العرق دقيق ولهذا اذا كان الدم رقيقا وخصوصا اذا فصد فى الصيف لايحتاج الى الماء الحار هذه هي الاوردة المفصودة من اليد.


الفصد عروق اليد الباسليق القيفال الاكحل


وفصد عرق النساء وهو عرق يمتد على الفخذ من الجانب الوحشي الى الكعب ويفصد قريب من الكعب لانه هناك اظهر بسبب قلة اللحم ويجب ان يستحم قبل فصد هذا العرق لان ما خرج منه *بارد الملمس بلغمي* والماء الحار يلطفه ويسهل خروجه ولذلك يجب ان يشدّ ما فوقه من الورك الى الكعب بعصابة وهو لاوجاع عرق النساء عظيم النفع وكذلك للدوالي والنقرس وذلك اذا كانت المادة مستقرة هناك ولم يكن في الانصباب والا لزاد الشر بجذب الكثير واستفراغ اللطيف .

والصافن وهوعرق على الساق من الجانب الانسي الى الكعب ولذلك هو عظيم النفع الادرار الحيض للمحاذاة ولمنافع عرق النساء اي يفصد لمنافع عرق النساء ايضا لكن النفع في ادرار الحيض أكثر.

 

الحجامة :
القول في الحجامة وهي على نوعين بشرط وبغير شرط والتي بغير شرط تنقسم الى التي بنار والى التي بغير نار ، واما التي بشرط فحيث يراد استفراغ لدم ، والتي بغير شرط فحيث يراد الجذب دون الاستفراغ لضعف ، والتي بنار حيث تكون المادة غليظة فتشعل قطنة وتوضع في المحجمة .

وايضا تنقسم الحجامة الى ضرورية والى اختيارية ، والضرورية تستعمل متى دعت الحاجة اليها والاختيارية لها شروط :

الاول ان يكون استعمالها في وسط الشهر وذلك لما ستعلم في باب البدران ان للقمر تاثيرا عظيما في رطوبات العالم وزيادتها وتثويرها بسبب زيادة نورة وان في أول الشهر وآخره المواد ساكنة ، قيل في التربيع الاول من الشهر تكون المواد متجمدة ساكنة وكذلك في التربيع الآخر منه ، فان قيل وكذلك الحال في الفصد قلنا هذا وان كان يجب اعتباره في الفصد ايضا الا ان اعتبار في الحجامة اولى وذلك لوجهين :

أحدهما أن معظم استفراغ الحجامة من ظاهر البدن والمواد عند زيادة نور القمر مائعة منشورة في الظاهر والباطن وعند نقصان النور ساكنة في الباطن ، والفصد استفراغه أكثر من الباطن .

وثانيهما أن مسام البدن في زيادة نور القمر متخلخلة وفي نقصانه متكاثفة .

الثاني من الشروط ان يكون استعمالها في زمان مائل الى الحرارة حتى تكون المواد مطيعة للخروج .

والثالث أن يقلل استعمالها في من دمه رقيق ويكون ضعيف القوة غليظ الدم وذلك لان اذا قدرنا أن الدم الخارج بالفصد والحجامة متساويان كان اضعاف الحجامة لقوة اكثر من الفصد وذلك لان معظم ما يخرج بالحجامة الدم الرقيق ووجود الارواح* التي هي مطية للقوى في الدم الرقيق اكثر لما علمت غير مرة .


وافضل اوقات الحجامة الساعة الثانية والثالثة من النهار ، والحجامة على الساقين تقارب الفصد اي فصد عرق الرجل وقيل بل الباسليق وذلك لكثرة ما يخرج منها لان العضو متسفل والمادة هابطة الى اسفل ولجذبها من الاعالي صارت تدر الطمت وتنقي الدم ، وعلى القفا للرمد اي الحجامة على القفا لدفع الرمد نافعة والبخر أي البخر الذي بسبب الفم لا الذي بسبب خلط متعفن فى المعدة والقلاع والصداع خاصة ما كان في مقدم الرأس وهذه كلها لانجذاب المادة الى الجهة المخالفة ولذلك نفعها فى الصداع الذي في مقدم الرأس اكثر لكنها تورث النسيان ...لأن مؤخر الدماغ هو موضع الحفظ وتضعفه الحجامة لأن معظم ما يخرج الحجام الدم الذي غلب على الارواح * الكثيرة ، ولا شك ان ذلك يضعف القوة القريبة من ذلك الموضع ولذلك صارت الحجامة على القمحدوة والهامة تورث رداءة الفكر ، واكثر الناس يكرهون الحجامة في مقدم الرأس لانها تضعف الحس ، لان اكثر الحس مبدئه مقدم الرأس والحجامة تضعفة لما علمت في حجامة نقرة القفا ، والحجامة على الكاهل نافع من امراض الصدر الدموية والربو الدموي ومن وجع الحلق والخفقان الدموي لجذب الدم الى المخالف القريب الا انها تورت ضعف المعدة ، والحجامة تحت الذقن تفع الاسنان والوجه والحلقوم وتلقى الرأس والفكين.

وللحجامة فوائد:
احداها تنقية العضو تفسه اذ هي تجذب الدم من ظاهر العضو المحجوم .
وثانيتها قلة استفراغها جوهر الروح* لقلة الدم الخارج بها بخلاف الفصد .
وثالثتها قلة تعرضها للاعضاء الرئيسة اذ استفراغها مخصوص بظاهر البدن اذا لم يعنف بالمس .


* الروح عند الاطباء القدماء هي غير الروح الواردة في الكتب الالهية : فهي عندهم جوهر لطيف بخاري يتولد من الدم الوارد على القلب وتنبعث منه وتحمل القوى الى سائر الاعضاء. أنظر كتاب اصطلاحات الطب القديم للدكتور ياسر زكور.

 

 في حالة نسخ أي صفحة من صفحات هذا الموقع يجب ذكر المصدر على النحو التالي
نقلاً موقع الطب الشعبي
الرجوع للصفحة الرئيسية