مقتطفات كتاب روضة النجاح الكبرى
في العمليات الجراحية الصغرى ( الفصد )
محمد بن علي بن محمد البقلي ( الجويلي )
الفصد فتح وريد او شريان لإستفراغ مقدار من الدم وفائدته تنقيص الدم سواء كان في
معالجة مرض اوخوفا من - حصول - مرض فان كان المفصود وريدا سمي
الفصد ورديا وان كان
شريانا سمي شريانيا والاول أكثر استعمالا لسهولته في معظم أوردة الجسيم بدون ان
يخشى منه بخلاف الثاني فانه عسير جدا لا يمكن الا في الشرايين الموضوعة تحت الجلد
المرتكزة على عظم تنضغط عليه بعد الفصد لانقطاع سيلان الدم .
لكن الاوردة كلها ليست على حد سواء فلذلك لا يسهل الا في الاوردة المتوسطة الحجم
الموضوعة تحت الجلد مباشرة له لامكان ضغطها بعد الفصد ضغطا كافيا لحفظ مابقي فيها
من الدم .
بخلاف غيرها لانه ان كان الوريد صغير الحجم لا يخرج منه دم كاف وان كان زايد الغلظ
يعسر ايقاف الخارج منه وان كان غايرا لا يمكن الوصول اليه بدون خطر وان فتح قد
ينسكب منه مقدار عظيم في باطن الاعضاء .
فلذلك لا يفصد من الاوردة الا ما يمكن ضغطه ويتأتى انتفاخه وتوتره بسبب احتباس
ما فيه من الدم ويسهل ايقاف سيلانه بعد الفصد حيث ان ذلك وظيفة الضغط ، وحينئذ
فالاوردة المتوفرة الشروط التي بها يسهل الفصد هي التي تكون على
الجبهة او جهة
الموق الاكبر للعين اوتحت اللسان اوعلى صفحتى العنق أو في ثنية المرفق او حول رسغ
اليد او على ظهر الكف وعلى ظهر القضيب او على الجانب الانسي او الوحشى للساق او على
ظهر القدم.
اعلم انه يلزم للفصد جمله اشياء
اولها المبضع وهو على انواع منها :
الشعيري
وهو ان تكون الزاوية الحاصلة من تلاقي حافتيه عند ذبابه المعبر عنه بالسن منفرجة
وان يكون عريضا وسنه حادة قليلا.
ومنها
الشوفاني وهو ما كانت زاويته المذكورة اقل انفراجا وسنه اطول من الاول.
ومنها الاهرامي وهو
يعرف ايضا بلسان الثعبان وهو ما كانت الزاوية المذ كورة فيه حادة والسن طويلة وهذا
النوع قليل الاستعمال.
ثانيهما رباط
طوله ذراع وعرضه اصبعان ليضغط به على الوريد قبل الفصد وينبغي ان يكون
من قماش متين ولا يكون من جوخ لعدم امكان
تثبيته على العضو لسهولة استرخائه وربما كان واسطة لنقل المرض المعدى من شخص لاخر .
وثالثها رباط من قماش
لكنه اطول من السابق يثبت به ما يوضع على الفتحة بعد البضع .
ورابعها ملاءة
تجعل وقاية لثياب المريض وفراشه من التلوث بالدم .
وخامسها شمعة
يستضاء بها ان كان الواقت ليلا ونهارا لكن في محل مظلم او الغيم متكاثفا .
وسادسها اناء مناسب السعة
يتلق فيه الدم ليعرف المقدار المستفرغ.
وثامنها قطعة من الحبر
المصمغ توضع على البضعة لالتئام حافتيها.
وتاسعها رفادة صغيرة
مربعة تثنى
طبقات.
وعاشرها محلول ملحي
كمحلول ملح الطعام وغيره وخل وبعض مياه روحية
وفراش مجهز ربما يغمى على المفصود.
وحادى عشرها
مساعدان احدهما يمسك الاناء الذى يتلق فيه الدم وثانيهما يمسك الشمعة
ان احتيج اليها .
وبعد تجهيز ما ذكر كله
: يجلس من يراد فصده على كرسي قبالة كوّة يأتى
منها الضوء ثم يبحث الجراح عن الوريد الذى يريد فصده وينتخب من الاوردة ما يستهل
فصده ويتحققه باللمس مستدلا بما يعلمه من فن التشريح على مجاوراتها ان ليس بقربه
شريان ولاعصب ولا وتر ولا عظم تخشى مصادمته لسن المبضع فتنكسر منه اوتكل ، فمتى ما
عثر عليه يضغطه بالرباط الذى اسلفنا ذكره بان يلفه على العضو لفا حلقيا كما هو
الغالب ويكون الضغط قريبا من المحل الذي يراد الفتح منه حائلا بينه وبين القلب الذى
هو مركز دورة الدم ، وفائدة الضغط المذكور
انتفاخ الوريد واظهاره اظهارا زائدا عما كان
عليه في الحالة الطبيعية باحتباس الدم فيه قبل الفصد
وسهولة خروجه بعده .
فان لم يكف الضغط لانتفاخ الوريد واظهاره يؤمر المفتصد بتحريك عضل العضو الذى فيه
الوريد او تحدير العضو او غمسه فى ماء ساخن حار ، ثم توضع الملاءة على ثياب المريض
لتقيه عن التلوث بالدم كما ذكرنا.
ويؤمر كل من المساعدين ان يقف الموقف اللايق به اعني الذى يمسك الاناء والذى يمسك
الشمعة ان احتج اليها .
وبعد ظهور امتلاء الوريد وتوتره ينتخب مبضعا لايق اعنى ان كان الوريد غليظا وكان
المراد فتحة واسعة انتخب مبضعا شعيريا وان كان صغيرا غايرا انتخب مبضعا شوفانيا ثم
يفتح المبضع الذي ينتخبه فتحا لايقا بحيث يتكون من نصله وفلقتى يديه زاوية قائمة
ويضع طرف اليد بين اسنانه بحيث يكون عقب المبضع مما يلى يده التي يفصد بها وسنه مما
يلى الوريد الذى يراد فصده ثم يجمع الدم من فروع الوريد الى المحل الذى يريد البضع
منه بان يمر ظهر يده عليها امرارا لطيفا متكررا ويكون ماسكا للعضو بيده الاخرى ثم
يمدد الجلد ويثبت الوريد بابهامه وتكون موضوعة بالعرض اسفل محل البضع بنحو اصبعين
وذلك بعد جمع الدم في اخر مرة من امرار يده
.
وفائدة وضع
الابهام حينئذ حفظ الدم في المحل وعدم رجوعه وتثبيت الوريد وتمدد الجلد
المغطى له ، ثم يمسك المبضع للفصد فيجعل نصله بين الابهام والسبابة وطرفه الخالص
الى اعلى ويكون الامساك باليد اليمنى ان كان الوريد الذى يراد فصده في الجهة اليمنى
من جسم المريض والعكس بالعكس ثم يبسط الجراح اصابعه الثلاثة الاخيرة من اليد
القابضة على المبضع على جانبى النصل ويرتكز بها على جانبى عضو الوريد لتكون مركز
اليد ثم يثنى الابهام والسبابة القابضتين على المبضع ويوجه سن المبضع نحو الوريد
لكن بانحراف، وكلما كان الوريد غايرا كان الانحراف اكثر ثم يغرز السن في الوريد
باسطا الابهام والسبابة ، فمتى احس بزوال المقاومة ونبع الدم يعلم ان السن قد وصلت
لتجويف الوريد لكن لا يخرج السن الا بعد رفع قبضة المبضع لتتسع لبضعة من الباطن الى
الظاهر بهذه الحركة بواسطة الحافة العليا للمبضع.
واتجاه البضعة في العادة يكون على الوراب ( مورب ، مائلا )
لكن ان كان الوريد غليظا وسيلان الدم
بالبطيئ انفع ينبغي ان تكون الفتحة موازية لطول الوريد
بخلاف ما اذا كان صغيرا وكان
المفصود سرعة سيلان الدم فان اتجاهها يكون بالعرض .
ومتى اتم الجراح الفصد يطبق المبضع ويضعه ويزيل الابهام المثبتة للعرق فيبزغ الدم
من فتحة البضعة على هيئة قوس ، فيتلقى في الاناء المعد له وتعرف جودة الفصد بخروج
الدم من جميع الفتحة كالقوس المتساوى الشكل الغير الملتوي مرتفعا مع الاستقامة عن
سطح المحل المفصوده ، ويمكن اسراع انبعاث الدم باستدامة الوسايط التى تستعمل لاظهار
الاوردة.
فان كانت هناك اسباب توجب بطئ سيلان الدم
وطول مدته يؤمر المفصود بالسكون التام ثم يرخي الرباط أو يزيله ، فإن جمدت من الدم
حال سيلانه قطع صغيرة على فم البضعة حتى سدتها تزال بالقرع الخفيف على الوريد او
يمسح البضعة باسفنجة قد غمست فى ماء فاتر وبالضغط على الوريد من الفروع الى نحو
البضعة ليتوجه الدم اليها ، وفي اثناء ذلك تكون الاصبع موضوعة على الفتحة فمتى رفعت
خرج الدم دفعة وانقفذ المنعقد .
ويختلف المقدار الذى يلزم استفراغه بالفصد باختلاف ، وعلى كل فأقله ثلاث اواق وقد يزيد الى ست اوتسع اواثنتى عشرة اوقية
وهناك مقياس يعرف به مقدار الدم المستفرغ وهو اناء في باطنه ارتفاعات فمن قعره الى
اول ارتفاع ثلاث اواق وبين كل ارتفاعين ثلاث اواق ايضا لكن ان اختلط الدم بماء
اوتلوثت منه خرق عسر الحكم على مقداره ، وان كان يمكن معرفته على سبيل التقريب بمدة
سيلات الدم وقوة انبعاثه وعدد الخرق المتلوثة به وشدة تلوثها وقلته،
ثم يؤمر المفصود بالسكون ويحل الربط وتقرب حافتا البضعة بالابهام والسبابة حتى
تلتئما ، ثم يمسح فم البضعة وما حوله باسفنجة مبتلة اوخرقة مبتلة ايضا .
ويمكن قطعه فى اثناء التنظيف بالضغط على الوريد من اسفل البضعة لاسيما ان كان
الوريد في الاطراف ثم يوضع على فم البضاعة قطعة من الحبر المصمغ اورفادة جافة او
مبتلة بمحلول ملح الطعام وتثبت برفادة اخرى اوجملة لفايف لكن لا ينبغي ان يشد عليها
الا شد مناسبا يمنع خروج الدم فقط لانها ان شد عليها شدا قويا يعيق دورة الدم فى
الوريد المفصود بل في اوردة العضو كلها، وبعد اتمام الربط يؤمر المريض
بثنى العضو نصف انثناء وبالراحة .
والعادة ان تلتحم البضعة في ظرف 24 ساعة لكن ينبغى ابقاء الربط اياما لصيانة محل
الالتحام عن الاحتكاك والحركات العنيفة لانها ربما فتحت البضعة ثانيا .
وقد يضطر لفصد الوريد المفصود قبل التحامه ، لكن في هذه الحالة لا يبضع الوريد
ثانيا بل يربط العضو الاول كاذكرنا ويؤر العليل بتحريك عضلة العضو ثم تجذب احدى
حافتى البضعة فتتباعد الحافتان لانهما ليستا ملتصقتين الابمادة غروية
لزجة قليلة القوام فيسيل منها
مقدار من الدم مماثل لما يخرج من بضعة جديدة لكن لا ينبغى تكرار ذلك لان تكرار ربما
سبب تقيحا في التحام البضعة أو هيج الوريد وألهبه وحينئذ يجب بضع وريد اخر سواء كان
في العضو المفصود أوف نظيره من الجهة المقابلة له .
ثم ان الفصد وان كان كثير الاستعمال سهلا في الظاهر الا انه قد يوجد في عمله امور
كثيرة وعيوب عديدة توجبان تعسره .
وربما كان سبب العوارض ثقيلة اما لامور فسبعة
الاول
ان الاوردة قد تكوان في بعض الاشخاص دقيقة جدا يعسر فصدها لكن ان اضطر له يغمس
العضو الذى يراد فصده في ماء حار مدة طويلة ثم يربط ربطا وثيقا ويؤمر العليل بتقليص
عضل العضو الذى فيه الاوردة ثم يدك سطحه.
الثانى
يجد ان الاوردة سهلة التحرك فربما زاغ الوريد عن سن المبضع حال البضع فلذلك يحترس
عن الزوغان المذكور بوضع الابهام بالعرض على الوريد قريبا من محل البضع وبتقريب
الرباط الحلقي من المحل ثم يبضع الوريد طولا لا عرضا .
والثالث
قد يعسر فصد الوريد اذا كان موجودا في جزئه الواضح اثر التحام قديم لانه ينشأ من
اثر الالتحام المذكور ضيق الوريد بحيث اذا فصد لا يخرج منه الدم الا كالخيط الرفيع
ومتى كان كذلك واضطر للفصد ينبغي ان يفتح الوريد من اسفل الاثر المذكور او يفصد من
وريد آخر ان امكن.
والرابع
قد يكون الوريد موضوعا على شريان فيكون الشريان حينئذ معرضا لسن المبضع وتعرف
المجاورة بينهما بالنبضات لان النبضات تدرك بالنظر وباللمس اكثر فاذا اريد الفصد
ولم يكن بينهما التصاق يبعد الشريان عن الوريد بتحريك العضو وتغيير وضعه فيبعد
الشريان عن الوريد .
ويلزم حال الفصد غرز غرزا افقيا ثم توسع الفتحة من الباطن الى الظاهر برفع القبضة
كما يفعل في شق الجلد بتلك الكيفية لكن في اثناء البضع يلزم الضغط على الشريان من
اعلا لتهبط جدران جزئه السفلي المحاذي الوريد المفصود لكن الاحسن ان يكون الفصد في
وريد لا يجاوره شريان اويفصد بالمبضع الذى اخترعه الطبيب ملجن وهو مبضع شوافاني
الشكل احدى حافتيه غير حادة تقرب من وسط النصل أكثر من الحافة الاخرى فيغرز المبضع
المذكور غرزا افقيا بحيث تكون الحافة الغير القاطعة من جهة الشريان
والخامس
وقد يعسر الفصد من سمن الجسم او سمن العضو الذى فيه الوريد لان
الوريد حينئذ يكون غائرا في سمك الشحم
الخلوى الكائن تحت الجلد وفي هذه الحالة يستدل على الاوردة بالخطوط الزرقاء التى
تكون ظاهرة على الجلد او يبحث عنها بالجس فانها تكون كاوتار مبرومة موضوعة في
المحال المعهودة لها متوترة يحس بها من سمك النسج الخلوي ، وقد تميز عن الاوتار
الحقيقة وعن بقية ما يشابهها اذا ضغط عليها بالاصبع لانه يحس بسير الدم في باطنها
وبانتفاخها به.
وقد تعرف ايضا بالاهتزازات التى يحس بها تحت الاصبع اذا وضعت على المحل الذي يراد
البضع منه وفي اثناء ما يدفع الدم من فروع الوريد الى نحو ذلك المحل يدلك العضو
براحة الكف ، ويمكن احداث الاهتزازات بقرع
جزء من أجزاء الوريد الظاهرة البعيدة قرعا خفيفا حالما تكون اصابع اليد الاخرى
موضوعة على المحل الذى يراد الفصد منه ، واعظم العلامات المميزة للوريد هو الاحساس
بالاهتزازات المذكورة .
في السادس
قد يحصل التعسر من الحركات الغير الارادية التى تقع من بعض اهل الجبن لخوفه من الم
البضع ولاجل ذلك ينبغي ان يسكن روعه ويلاطف ليسهل عليه الامر ويطمأن جاشه فان لم
يسكن وغلب عليه الخوف يلزم الطبيب ان يجعل حركة اليد الفاصدة تابعة لحركاته وذلك
يستدعي مهارة وخفة يد في العمل وضبط في حركات اليد والاصابع .
السابع
قد يحصل التعسر من دخول قطعة شحم بين حافتي البضعة فتعيق سيلان الدم ومتى حصل ذلك
يلزم ان تدفع الى داخل البضعة بنحو ميل او تستأصل بطرف مقص وفي بعض الاحوال يلزم
اتساع الفتحة او فعل فتحة اخرى بعيدة عن الاولى بمسافة وهذه الامور كلها تأتى من
جانب المفصود .
اما العيوب فتكون من جانب الفاصد اعني من كيفية العمل ولها اسباب :
والاول
وان يكون المبضع قد زاغ عن الوريد لخفائها ولعدم الوصول اليه لحيلولة النسج الخلوى
لكثرته بين الجلد والوريد او غلط الجراح في تقدير السمك فغرز من
المبضع جزء أقل منه طولا فيكون الوريد باقيا لم يفتح أو لكون الوريد كثير الحركة
وغفل الجراح عن احتراس تثبيته او يكون
المريض تحرك حال البضع ، وهذا العيب يكفي في تداركه معرفة اسبابه ويقال له في علم
الجراحة الفصد الابيض.
الثاني
قد يفتح الوريد ولا يسيل منه دم او يسيل قليلا ثم ينقطع ، وسبب ذلك اما شدة الربط
لانها تمنع وصول الدم الشرياني الى العضو من اسفل الرباط وبموجب ذلك ايضا يمتنع
تكوين الدم الوريدي او من عدم تحريك العضو المفصود واحيانا يكون من الاغماء لانه
يقطع سريان الدم في العراوق برهة فان كان من الحالة الاولى
فانه يسيل بعد ارخاء شد الربط وفى الثانية يسيل بعد تحريك العضل التى فيها اصول
الوريد المبضوع وفي الثالثة بعد زوال الاغماء ورجوع الدورة الى قواتها الاولى .
والثالث
وقد يكون فم البضعة ضيقا فلا يخرج منه الاخيط دقيق، يدق تدريجا حتى ينقطع وذلك بسبب
انعقاد الدم عليه وهذا العيب ناشئ من ضيق عرض المبضع أو من ترك حركة ارتفاع اللالة
والقبضة لتوسيع البضعة بعد البضع وهذا العيب يمكن تداركه بمعرفة اسبابه ايضا لكن ان
حصل وكانت الفتحة غير كافية لاخراج مقدار
وافر من الدم بسبب ضيقها يلزم ادخال المبضع ثانيا وتوسيعها به برفع سنه.
الرابع
يجب عدم الموازاة بين فتحة الوريد وفتحة الجلد فيلزم من ذلك ان يمر الدم فى طريق
متعرجة بسبب عدم تقابل فتحة الوريد فتحة الجلد وسبب ذلك اما عدم استواء شد الجلد
حول الوريد او من وضع العضو بعد البضع وضعا مخالفا لما كان عليه حال البضع ومتى حصل
ذلك ينبغي للجراح ان يبحث عن السبب فان كان من تغير وضع العضو يجب ان يرده الى وضعه
الاول وان كان من عدم استواء شد الجلد يلزم جذبه من كل جهة حتى تتقابل الفتحتان .
ومن حيث اننا ذكرنا الفصد وتعسراته وعيوبه ينبغي لنا ان نذكر عوارضه وما يتدارك به
ليكون الكلام اتم فائدة واحسن عائدة ويكون كتابنا هذا جامعا مانعا وهى عدة عوارض :
الاول :
والالم المستمر بعد الفصد لا الم شق الجلد حال البضع لانه وان كان يؤلم أحيانا الا
انه وقتي ينقطع بتمام الفصد وهذا الالم يكون فى الغالب صادرا من اصابة بعض الفريعات
العصبية المحيطة بالاوردة ولا ينبغي ان يظن انه ناشئ من وخز وترا وسمحاق لانه غلط
فاحش ظنه المتقدمون لكن ليس لهم عذرا في ذلك لعدم اتقانهم فن التشريح ولانهم كانوا
يظنون ان كل ابيض عصب .
واذا حصل الالم المذكور ينبغي ان يتدارك براحة العضو وبالابزن الموضعي أو العام
وبالوضعيات المرخية او الملطفة اوالمخدرة فان دام الالم ولم تنفع
الوسائط المذكورة يلزم توسيع البضعة وقطع العصب المخدوش لان الالم المذكور
لا يحصل الا اذا قطع العصب قطعا غير كامل كما هو مجرب مشاهد .
الثاني
: الاغماء وهو عارض كثير الحصول اما من رؤية المبضع ومن الم البضعة او من رؤية الدم
ورائحته او من استفراغ مقدار غزير منه فان علم الجراح ان عادة المريض الاولى ينبغي
ان يهدى روعه ويلهيه بامر آخر ويخفي عنه .ما يسبب له الاغماء .
واما الاغماء الذى يحصل في الاحوال الاخرى فيعسر تداركه في الغالب وان كان قد
يتدارك بالفات راس المر يض الى جهة غير جهة الفصد وإبطاء سيلان الدم أو تنبيه
المجموع العصبي او باشمام المريض وانشاقها بخار الخل او دلك الصدغين واحداهما
بالارواح فان لم تنفع الوسائط المذكورة واستمر الاغماء يلزم ايقاف الدم والقاء
المريض على ظهره وازالة ما يعيق التنفس ورش وجهه بماء بارد وخل وان يقرب من انه
سوائل روائحها منبهة كماء لملكة والخل الجيد والنوشادر.
واذا فصد المريض مستلقيا على ظهره لا يحصل
الاغماء الا نادرا كما هو مجرب بخلاف ما اذا كان قاعدا وعلة ذلك ان الدم حال
الاستلقاء يسهل انقذافه من القلب الى المخ فيسيقظ المريض وترجع الحركة للبنية كلها
متى وصل الدم الى المخ.
41
والثالث
القروت وهو ورم يحصل من انصباب الدم في النسيج الخلوي تحت الجلد المحيط بفتحة
الوريد وهو صادر عن جملة اسباب منها ضيق فحتة الجلد وعدم موازاتها لفتحة الوريد .
ومنها نفوذ الوخز في اسفل الوريد فحينما يرى الفاصد ذلك عليه ان يوسع فتحة الجلد
بالمبضع او يجتهد في تقابل فتحة الجلد بفتحة الوريد اذا علم ان القروت انما حصل من
عدم التقابل وينبغي بعد تمام الفصد ان يضع على الورم رفادت مربعة مبتلا بمحلول ملح
الطعام وبماء الملكة .
الرابع
عدم انقطاع سيلان الدم من الفتحة بعد وضع الجهاز اللازم لحبسه وسببه قد يكون من
تباعد حافتي البضعة والتباعد المذكور يكون ناشئا عن وضع العضو منبسطا وتدارك ذلك
بثني العضو نصف انثناء وقد يكون ناشئا من ارتخاء الربط فلا تلتئم الحافتان فيسيل
الدم ويتدارك ذلك بشد الربط شدا مناسبا ، وقد يكون ناشئا عن شدة الربط فيمنع بذلك
رجوع الدم الى مركز الدورة فتنتفخ الاوردة الموجودة أسفل الربط ويسيل الدم من
البضعة حيث لم يمكنه الصعود في الوريد الى اعلى من محل الربط ومتى حصل ذلك يتدارك
بإرخاء الربط فيسري الدم في الاوردة بسهولة ويتجه نحو القلب بدون عائق.
الخامس
فتح الشريان وهوا ثقل العوارض واقواها لا يمكن حصوله الا في الذراع لكثرة وجود
الاوردة والشرايين فيها ، وهذا العارض ينشأ من غرز المبضع غرزا غائرا مع الاستقامة
بحيث ينفذ في الوريد من الجهة الاخرى فيصيب الشريان الذي يكون تحته ، ويعرف ذلك
بامور منها خروج الدم من البضاعة اكثر أحمرارا من الدم الوريدي،
ومنها انبعائه على هيئة نافورة بقوة وخفة
متواليتين ، ويكون اسرع جمودا مما اذا كان وريديا ، ومنها موافقة حركات انبعاث الدم
لحركات تقلص القلب واسترخائه ، ومنها انقطاع هذه الظواهر متى ضغط الشريان الرئيسي
الذي في العضو من اعلى محل البضع وظهورها ثانية اذا زال الضغط.
ومنها دوام خروج الدم مع الضغط على الوريد
من اسفل البضعة فتى حصل هذا العارض يجب على الفاصد ان لا يفزع منه ولا يذكره لاحد
بل يضغط الشريان العظيم العضو في الحال ويضع على الفتحة رفائد مربعة بعضها فوق بعض
بحيث يتكون من تراكمها على بعضها اهرامي قمته مما يلى البضعة وقاعدته الى اعلى
ويثبت عليه بالربط الوثيق فهذا الضغط الوقتي يجد الجراح فسحة في الزمن يجهز فيها ما
يلزم ربط الشريان.
والسادس
التهاب الاوردة ويعرف بشدة الالم في محل البضعة وتقيح حوافيها وانتفاخها وتيبسها
وتكون زوائد فطرية عليها وهذا هو الغالب ، وقد يحصل بينهما انضمام لكن يتكون من تحت
الاثرة خراج فيمزقه ويحس العليل بالم شديد يبتدأ من الجرح ويسرى منه في الحال الى
جهة الفروع أو يتبع سير جذع الوريد المبضوع وهذا هو الغالب ، فتتشتد الحمى حينئذ
وتصير كحمى الضعف وبهذه الحمى يستدل على شدة التهيج الذى نشأت عنه ولكن الالتهاب
يسير كعادته وحينئذ يصير الوريد كوتر معقد يابس مؤلم متوتر ساكن في جميع طوله او في
جزء منه ثم يمتد المرض ويعم الاجزاء المحيطة بالوريد فيحتقن النسيج الخلوي ويحمر
الجلد ويحدث فيه التهاب فلغموق يتبع اتجاه الوريد المجروح على صورة وثى عريض احمر
ثم تنتفخ اجزاً العضو كلها وتتقيح ، ففي
هذه الحالة تتكون عادة على سير الوريد الملتهب خراجات صغيرة كثيرة منعزله عن بعضها
ينفتح كل منها على حدته ثم تلتصق جدران العرق مع بعضها فيزول تجويفه ، وانعزال
الخراجات المذكورة عن بعضها ناشئ اما عن الصمامات الموجودة في الوريد لانها تمنع
خروج الصديد من فتحة واحدة واما من التصاقحادث في جدران الوربد من مسافة الى اخرى
لمنع سير المرض وقد لايشغل الالتهاب الا جزأ من طول الوريد وحينئذ تكون الحمى خفيفة
جدا حتى لا يحس بها لخفتها ويبقي تجويف الوريد على حاله، وقد يشتد الالتهاب ويموت
العليل سريع وذلك اما من انتشار الالتهاب في الغشاء الباطن للوريد حتى انه وصل الى
القلب كما شاهده بعض الاطباء او من شدة الا لتهاب او من وقوع الغرغرينا فى العضو
الملتهب ..
وقد يلتبس التهاب الوريد بالتهاب الشريان او التهاب عرق ليمفاوي او عصب ويتميز
التهاب الوريد عن التهاب الشريان بكون الالم في التهاب الشريان يكون غائرا
ويتجه اتجاها مخالفا للالتهاب الوريدي لان التهاب الشريان يمتد نحو جذع العضو
والتهاب الوريد لا يمتد الانحو الفروع وايضا لايشاهد في التهاب الشريان ما يشبه
الوتر المعقد كما يشاهد على مسير الوريد ، ويتميز التهاب العرق الليمفاوى عن التهاب
الوريد بخطوط حمراء تتبع الاتجاه المعهود لتلك العروق وهذه الخطوط تكون متباعدة عن
بعضها ثم تتقارب وتختلط ثم تتباعد ثانيا ثم تتقارب ثم تنضم .
وقد يزول الالتباس باحمرار الجلد وانتفاخ العضو لان الانتفاخ المذكور يكون أوذيماوي
اكثر من كونه التهابيا وباحتقان الغدد الليمفاوية احتقانا فجائيا ايضا.
ويتميز الالتهاب العصبي عن الالتهاب الوريدي بالالم الفجائي الشديد وقت البضع
وامتداده من كل الجراح الى اقصى اطراف الفرع العصبى وطبيعته الخاصة به .
ويعالج التهاب الوريد بمضادات الالتهاب لكن بعض الاطباء كان يضغط بين المحال
الملتهب من الوريد وبين القلب، وذكر ان فائدة الضغط المذكور منع وصول الالتهاب الى
القلب ، وزعم بعضهم أن قطع العرق من اعلى محل الالتهاب يمنع الوصول ايضا ، وبعضهم
كان يكرر ارسال العلق على الوريد في بدء المرض ثم يضع عليه الضمادات المرخية ومتى
تكون التي تشق جملة شقوق من مسافة لاخرى على طول ما يشبه الوتر المتكون من الوريد
ليستفرغ منها الصديد المجتمع فيه المكون للخراجات وهذه المعالجة جربت مرارا فنفعت،
واعلم ان من اسباب هذه الالتهابات وساخة المبضع
وفساد الجو في بعض الازمنة .
السابع
التهاب العضو وهذا العارض قد يعقب الفصد من وخز الاوتار او السمحاق كما حقق ذلك بعض
الاطباء.
(
سمحق ) السمحاق جلدة رقيقة فوق قحف الرأس إذا
انتهت الشجة إليها سميت سمحاقا وكل جلدة رقيقة تشبهها تسمى سمحاقا ، وقيل السمحاق
الجلدة التي بين العظم وبين اللحم فوق العظم ودون اللحم ولكل عظم سمحاق .
هذا النوع اكثر انواع الفصد استعمالا وسببه كثرة الاوردة في الذراع وظهورها من تحت
الجلد ولكونها أغلظ أوردة الجسم يسهل فصدها أكثر من غير بها ، والاوردة التى تفصد
من محل انثناء المرفق خمسة وهى متكونة من اجتماع الاوردة السطحية للاصابع والساعد ،
وتعد من الكعبرة الى الزند
فالاول القيفال أي الكعبرى ، والثاني الاوسط القيفالي ، والثالث الاوسط الباسليقي ،
والرابع الاوسط المشترك وهو حاصل من اجتماع الوريدين السابقين ببعضهما ، والخامس
الزندي لكن الخمسة ليست على حد سواء بل تختلف في الحجم والعدد والغورالنسبي .
فاما الاوسط الباسليقي فهو اغلظ الاوردة واظهرها وادومها وهو تابع لوتر العضلة ذات
الرأسين العضدية والشريان العضدي المنفصل عنه بصفائح ليفية أو خلوية وقد يكون
موازيا للشريان بل موضعا فوقه ، والغالب ان يكون مصالبا له بانحراف ، والوريد
المذكور محاط بفروع صغيرة من العصب الجلدي الانسي ، فتى كان قريبا من الشريان كان
فصده خطرا ومع ذلك فهو الذى يفصد غالبا فان لزم الامر لفصده حينئذ يلزم أن يكون
البضع في جزئه الموضوع من الجهة الوحشية لشريان او الانسية له والاحسن ان يكون من
اسفل لامن اعلى لان الشريان كلما نزل كان ابعد وأ غور، ويمكن ازدياد غوره وازالة
مجاوراته الخطرة بكب الساعد كبا عنيفا .
واما الوريد الزندي فموضوع في الجبهة الانسية للساعدو وهو اسهل الاوردة فصدا واقلها
خطرا ان كان غليظا واضحا لكن ينبغي الاحتراس حال فصده لانه محاط باعصاب كثيرة يخشى
من اصابتها لان اوردة ثنية المرفق تكثر احاطتها بالاعصاب كلما قرب وضعها من – الجهة
- الانسية .
الاول
الجزء العلوى من الاوسط القيفالي لكونه غير محاط بفريعات عصبية ويفصـد ايضا من جزئه
السفلي
بعد كب الساعد لانه بالكب المذكور ان كان حجم العضلة عظيما نغطي العضلة
الباطحة وتر العضلة ذات الرأسين والعصب العضلي الجلدي .
وان كان رقيقا يلزم كب الساعد وثنيه قليلا حتى تحصل التغطية.
الثانى الكعبري
،
والثالث الاوسط المشترك لكن يلزم الاحتراز التام في فصده ، ان كان موضوعا في
المسافة التى بين الباطح الطويل والكاب المبروم لانه توجد يجانبه فريعات عصبية يعسر
الاحتراز عنها ويكون الشريان الكعبرى تحت الوتر العريض للساعد بدون حائل في الاشخاص
النحفاء وحينئذ يخشى من اصابته بالمبضع فلذلك لا ينبغي ان يفصد الا اذا كان موضوعا
في الجهة الوحشية لهذه المسافة او في انسيها
اعلم انه اذا اريد فصد انسان فاما ان يكون ذلك الانسان جالسا على كرسي او قاعدا على
فراشه او مضطجعا ، فان كان الفصد من الذراع اليمنى كان الفصد بيد الجراح اليمنى وان
كان من الذراع اليسرى كان الفصد بيد الجراح اليسرى فان كان الجراح اضـبط ينبغي ان
لا يفصد الا من الذراع اليمنى ، لكن ان لزم الامر لفصد الذراع اليسرى ينبغي ان
يفصده بيده اليمنى ايضا بعدما يقف من الجهة الوحشية من الذراع ثم يبتدأ بكشف الذراع
الى اعلى المرفق بقدر اربع او خمس اصابع وان كانت اكمام ثيابه ضيقة بحيث اذا شمرها
الى اعلى تشد على الذراع شدا قويا يلزم نزعها لئلا تكون سببا في اعاقة سريان الدم
الشريانى ، ثم يبحث عن وتر العضلة ذات الرأسين وعن الشريان العضدي
الموجود من الجهة الانسية لهذا الوتر حتى
يستدل عليهما ثم يعين المحل الذى يريد البضع منه ثم يضع الرباط وكيفية وضعه ان يؤخذ
رباط او منديل ويوضع وسطه على الذراع من الامام اعلى من ثنية المرفق بعرض 3 او 4
اصابع ، ثم توجه طرفا الرباط الى خلف الذراع ويتصالبا فيه مع الاحتراس من انثناء
الجلد ويشد عليه قليلا ثم بعد ان يلفه لفة ثانية حلقية يعقد طرفاه عقدة تسمى عند
العامة شنيطة ويحكمها في وحشية الذراع بحيث تكون عروتها من اعلى وطرفاها الى اسفل
بحيث يسهل ارخاء الربط وشده مع بقائها معقودة ، وينبغى ان يكون شد الربط كافيا لمنع
سير الدم في الاوردة الى اعلى منه وحبسه فيها اسفل من محل وضعه ولا يكون قويا جدا
حتى يوقف سير الدم الشرياني بل ينبغى ان
تكون فيه خفة بحيث يمر الدم من تحته ويصل الى الاوردة ليتكون عنه الدم الوريدي
الخارج بالفصد ، ويعرف كفاية الضغط واليقيته بانتفاخا الاوردة واستدامة نبضات
الشريان الكعبرى ، وقد يوضع الرباط اعلى من المرفق بقيراط كما هو الغالب لكن ان
كانت الاوردة زواغة فالاحسن وضعه بالقرب من محل البضع بثلاثة خطوط أو أربعة ، وبعد
ربط الذراع تثنى نصف ثنية وتوضع على الفراش برهة ان كان المريض مضطجعا وعلى ركبتيه
ان كان قاعدا ، وفي ظرف تلك البرهة ينتخب المبضع اللايق ويخرج نصله من بين فلقتى
قبضته بحيث يتكون من النصل والقبضة زاوية قائمة او منفرجة قليلا ثم يوضع طرف القبضة
فى قمه ويجعل اتجاه السن نحو الذراع والعقب نحو اليد التى يراد الفصد بها مثلالا ان
كان المراد فصد الذراع اليمنى يمسكها الجراح
باليد اليسرى بحيث تكون كف العليل على صدره ويثبت ذراع اليد اليسرى بين المرفق
والصدر ثم بعد تحقق الوريد ثانيا يضع يده اليسرى خلف مرفق ساعد المريض ليسنده بها و
يمدد الجلد بالعرض بين الراحة من الجهة الوحشية والاربع اصابع من الانسانية وقبل
البضع يمرس الذراع جمله مرار من اسفل الى اعلى بواسطة ظهر اليد اليمنى الموضوعة
بالعرض على السطح المقدم للساعد ليزيد انتفاخ الاوردة ثم يتثبت الوريد من اسفل محل
البضع بإبهام اليد اليسرى الماسكة للمرفق ويمدد الجلد بها من اعلى الى اسفل ثم يشرع
في البضع كما ذكرنا .
ثم بعد حصول المقدار الكافي من الدم يضع ابهام يده اليسرى على قاعة الوريد لينحبس
الدم ويجذب الجلد بتلك الاصبع الى الوحشية والاعلى لتتقارب حافتا الجرح وتزول
موازاة فتحة الجلد لفتحة الوريد ثم يحل الرباط ويغسل الساعد بخرقة مبلولة ثم يضع
على فم البضعة رفادة صغيرة مربعة مبلولة بمحلول ملح الطعام ويضع فوقها رفادة اخرى
اكبر منها ثم تثبت الرفادتان برباط يكون احد طرفيه الذى هو بدؤه من وحشى المرفق
واعلاه و يكون منشورا منه نحو ستة قراريط تنزل منسدلة فى الجزء الوحشي العلوي
للمرافق ، تم يثبت الجزء المنسدل في وحشي المرفق وتحته بواسطة الاصابع الموضوعة
تحتها ثم يذهب باسطوانة الرباط بانحراف الى الاسفل والانسـية مارا بها على الرفادة
وقطعة الحبر المصمغة الموضوعتين فوق البضعة وحينئذ يثبت الرباط في ذلك المحل
بالابهام المثبتة للرفادة والقطعة اللزجة ثم يذهب بالاسطوانه الى الجهة الانسية
السفلى المرفق ثم يلف لفا حلقيا كاملا ثم يرجع بالرباط الى الجهة الوحشية السفلى من
المرفق ثم يصعد به بانحراف الى الانسية مارا على الرفادة ومصالبا لجزء الرباط الذى
مر اولا على تلك الرفادة وبعدما يصل الى الجهة الانسية العليا للمرفق يلف به لفا
حلقيا افقيا ثم يرجع به الى الوحشية من خلف الذراع ويداوم على فعل الربط بتلك
الكيفية به ثم ينهيه بعقد طرفيه من الجهة الوحشية للذراع ثم يأمر المريض بثنى ذراعه
ووضعه على الجزء العلوى من البدن بدون تحريكه لئلا ينبعث الدم ثانيا.
قد يتعذر الفصد من ثنية المرفق لسمن المريض او لدقة اوردة المحل مع ان الفصد
ضروري لامندوحة عنه فيستعوض بقصد احد اوردة القبضة ، واكثر هذه الاوردة ظهورا هو
الوريد القيفالي للابهام وهو الذى يحسن فصده هنالك حتى ان القدماء كانوا يسمونه
وريد السلامة وهو ناشئ من الاجزاء السطحية للاصبع الاولى والثانية والثالثة ، وهذا
الوريد قد ينقسم مع غيره من الاوردة فيعظم حجمه وهو موضوع تحت جلد ظهر الكف بدون
حائل في حذا المسافة الكائنة بين العظم الاول والثانى من المشط ثم بعد ذلك يصعد
ويصير في الجهة الوحشية للكعبرة ، والغالب
فيه ان يكون غليظا وظاهرا بحيث يمكن فصده في الطرف الاسفل للساعد وفي فصده يلزم
اتباع القواعد التى ذكرناها آنفا.
يوجد فى الساق وريدان عظيمان يفصد احدهما متى اريد الفصد منه وهما الصافن الانسى
والصافن الوحشى لكن الاول هو الذى يفصد غالبا لكونه اظهر واغلظ ، وهو ينشأ بفريعات
كثيرة جدا من ظهر القدم والاخمص ومن الحافة الانسية للقدم ثم بعد ذلك يتجه نحو
الكعب الانسي فيصير موضوعا بين الحافة المقدمة للكعب ووتر العضلة القصبية المقدمة
فعند وصوله الى هذا المحل يتخلص من النسج الخلوي الشحمي ويصير واضحا بحيث يسهل فصده
من هناك أكثر مما اذا كان من محل اخر ومع ذلك لايظن انه مغطى بالجلد فقط بل هو مغطى
بوتر عريض رقيق هو سبب الاختناق في الالتهابات الفلغمونية التى قد تحدث عقب فصده.
ويؤيد ذلك ما يشاهد حول الوريد من الصديد
الذى يتكون بين الوتر العريض والغشاء الليفي الساتر العظام .
وفي فصد الوريد الصافن يجهز كل ماذكرناه في الفصد ، ايضا يزاد على ذلك دلو او طست
مملوا من الماء الحار ليضع المريض فيه رجليه .. وكيفية ذلك ان يجلس المريض على كرسي
او على طرف فراشه ثم ربط الجراح كلا من
ساقيه اعلى من الكعبين باصبعين او ثلاث ثم يعقد الرباط بواسطة عقدة شنيطية فى الجهة
الوحشية للساق ثم بعد ذلك يغمر الرجلين في الماء الحار فمن وضعهما فيه تمتلاء
العروق وتنتفخ ثم تخرجان من الماء الحار.
وتنتخب الساق التى اوردتها اوضح ويحل رباط الاخرى ثم ينشف الجراح الساق الذى
اختارها ويض رجل المريض على ركبة نفسه بعد تغطيتها بملاءة أو فوطة لتقي ملابسه من
البلل ثم يمسك القدم ويجعل عقبها متكئة على ركبته ثم يبضع الوريد بضعا افقيا لا
عموديا لئلا يصادم سن المبضع العظم فتنكسر ويبقى في الجرح جزء منها ، فان البعث
الدم على صورة نافورة يستلقى في اناء ، وان كان يسيل بغير ذلك يرجع ويضع القدم
ثانيا فى الماء الحار ويترك الدم ونفسه والا فيسهل خروجه بمرس البضعة مرسا خفيفا
لازالة ما يجمد عليها من الدم ويسدها ، فمن وضع الرجل في الماء الحار يسيل الدم
سيلانا غزيرا ومع هذه الاحتراسات قد ينقطع الدم بعد سيلانه كما يشاهد في الاشخاص
السمان وفيما اذا كان العراق المبضوع صغيرا او غائرا او فيما اذا انسدت البضعة بدم
متجمد بين حافتيها اومن انتفاخ الجلد بسبب تشربه للماء بحيث أن فتحته تصير بعيدة عن
فتحة الوريد أو انها تضيق بسبب ذلك الانتفاخ .
ومن جملة أسباب انقطاع خروج الدم
ضغط الماء على فتحة الوريد ، لكن لاجل سهولة خروجه يلزم ازالة ما وجد منه على
الفتحة حتى يسدها وتقريب القدم من سطح الماء ويؤمر المريض بتحريك اصابعه ثم يمرس
القدم من الابهام الى نحو الفتحة ويشد الرباط ويجتهد فى ان يكون الماء دائما حارا
...
ويعرف مقدار الدم الخارج من الوريد بمدة السيلان وبدرجة احمرار الماء شدة وضعفا مع
اعتبار مقداره ، او يغمس خرقة في السايل وينظر شدة تلونها او بشدة احمرار قطرات
الماء الذي فى الطست وبما وجد من الدم ورسب في اسفله .
فتى عرف ان هذا المقدار كاف يحل الرباط مع بقاء الرجل في الماء برهة حتى يزول
امتلاء العروق واحتقانها ثم يخرج الرجل ويضعها على ركبته وينشفها ويربطها بالرباط
الركابى .
واما الوريد الصافن الوحشي فعادته ان يكون اصغر من الانسي ولذلك لا يمكن بضعه الا
نادرا وذلك فيما اذا كان الوريد الانسي غير ظاهر ولزم الامر للفصد.
وهو ينشأ من كل من الجهة العليا والسفلى والوحشية للقدم ، وبانضمام فروعه مع فروع
اخرى ناشئة من العقب يكون جذع وريدى بين الكعب الوحشي ووتر كيلا الذى هوالعرقوب ،
وهذا الوريد محاط بنسيج خلوى كثير وبأعصاب ويكون موضوعا بين الجلد والوتر العريض
القصبى ، ومتى كان ظاهرا يفصد كما يفصد الوريد السابق الا انه لا يلزم في فصده ان
تكون العقب مرتكزة على ركبة الجراح بل تكون الجهة الانسية لمفصل الرسغ هى المرتكزة
ليتيسر الفصد منه .
وكيفية الربط الركابي ان يؤتى برباط طول ذراع ونصف وعرضه ثلاثة أصابع يكون مطويا
على نفسه طيا كوريا على هيئة اسطوانة ومن حيث ان الشخص المفصود يكون جالسا وعقبه
مثبتة على ركبة الجراح يلف بالرباط المذكور اثتين حلقيتين حول الجزء السفلي من
الساق ثم ينزل بالرباط بانحراف مارا على الرفادة الموضوعة على البضعة وعلى رسغ
القدم ثم يلف حول الالقدم بالرباط مارا تحت الاخمص وفوق ظهر القدم ثم يصعد بانحراف
أما الرسغ بحيث تحصل بين الجزء الصاعد من الرباط والجزء الذى نزل به أولا مصالبة ثم
يفعل مثل ماذكرناه في الابتداء الى ان ينتهي الرباط فيثبت حينئذ بلفات حلقية حول
الكعبين ويمسك بدبوس او بعقد جزئي طرفه ان كان مشقوقا.
يفصد العنق من احد الوريدين الوداجيين الظاهرين وهما ناشئان من جانبى الرأس والوجه
ويستطرقان فيهما بالوداجيين الباطنين ثم ينزلان على جانبي العنق ويتجهان بانحراف
الى الخلف وهما محاطان بفريعات عصبية من الضفيرة العنفية السطحية موضوعان بين
العضلة الجلدية والعضلة القصية الترقوية الحلمية وعند وصولهما الى محاذاة الترقوتين
يغوصان خلفهما ليستطرقا مع الوريدين اللذين تحت الترقوتين والفصد منهما عادة يكون
اسفل
من وسط العنق .
وكيفية العمل ان يجلس المريض على كرسي او على طرف سريره وهو الاحسن ويغطي منكبه
وصدره بفوطة مدفأة ان كان الفصل شتاء ، ثم يستعمل الوسائط التي بها تظهر الاوردة
وهى عدة وسائط منها ان يؤمر المريض ان يشهق بعنف شهيقا طويلا مع الاحتراز التام لان
الشهيق المذكور ربما كان سببا في وقوف الدم في المجموع الوريدي للدماغ فيحتقن
احتقانات مضرة ولذلك ينبغي استعمال غير هذه الواسطة من الوسائط الاتية لان بها
تنضغط الاوردة الوداجية لانحباس الدم فى تجويفها بدون ان تنضغط على مجارى الهواء
وعلى الوريد المقابل الوريد الذى يراد فصده .
ومنه ان يبتدأ بوضع رفادة درجية على الجزء السفلي من الوداج الظاهر قرب الترقوة ثم
يوضع على الرفادة المذكورة وسط رباط او منديل مفتول يوجه طرفاه تحت الابط ويعقدان
هنا لينا ويمسكهما مساعد ويجذبهما جذبا كافيا ليضغط وسط الرباط على الرفادة
الموضوعة فوق الوديج ضغطا كافيا لحبس الدم فيه . وفي هذه الحالة لا يكون الضغط الا
على احد الوريدين الوداجيين ، ومنها ان يوضع على الرفادة الموضوعة على الوريد كما
سبق وسط رباط يلف على العنق لفا غير مشدود عليه بل يصير كالطوق ثم ينفذ بينه وبين
العنق رباط آخر امام القصبة يمسك مساعد ليضم طرفيه ويجذبهم فهذه الكيفية يضغط
الوريد دون مجاري الهواء .
وكان بعض الحكام يأمر المساعد ان يضغط على الوريد الذى يراد فصده باصبعه ، فعلم مما
ذكرناه ان الضغط يكون اسفل من محل البضع وعلة ذلك ماذكرناه من ان
الضغط
في فصد الاوردة يكون بين القلب وبين محل البضع ليمنع سير الدم الى القلب
بخلافه في
فصد
الشرايين فان الضغط يكون فيه بالعكس ومما يعين على انتفاخ الاوردة الوداجيه
تحريك الفك السفلي بان يعطي المريض شيأ يمضغه .
كيفية العمل
: ينبغي ان يكون الجراح واقفا او جالسا بجانب المريض واضع ابهام يده اليسرى على
الرفادة وسبابته على الوريد الوداجي اعلى من موضع الرفادة بقيراطا لاجل تثبيت العرق
وتمدد الجلد ثم يأخذ المبضع بيده اليمنى بشرط ان يكون عريضا قليلا فيشق به العرق
شقا يقرب من العرض من الخلف الى الامام وينزل به قليلا من اعلى الى اسفل باتجاه
مخالف لاتجاه الياف العضلة الجلدية فيبزغ الدم من الشق سائلا على العنق كما هو
الغالب او ينبثق على هيئة نافورة فيتلق في اناء كطست الحلاق الذى يكون في حافته ثلم
كبير كنصف دائرة يوضع ثلمه في عنق المريض او إنا آخر يتلقى فيه الدم بعد توصـيله
اليه بواسطة ميزاب معدني اوقطعة من المقوى تثنى على هيئة ميزاب وذلك لئلا يتلوث بدن
المريض بالدم ، وفي اثناء سيلانه يؤمر المريض بتحريك فكه او يعطى شيأ يمضغه ولو
خرقة ليسهل خروج الدم ومتى خرج منه مقدار كاف او انقطع سيلانه من نفسه يحل الرباط
ويوضع على محل البضعة قطعة من المشع او من الحبر المصمغ او رفادة وتثبت بواسطة ربط
حلقي حول العنق لكن يكون قليل الشد ، فان لم ينقطع الدم واستمر سائلا ينفذ رباط بين
العنق والرباط الحلقي وتنزل طرفاه امام القص ويثبتان فى حزامه او تحت الابط ويشدان
ليزداد الضغط على الوريد دون الحنجرة .
وأوصى بعض الاطباء بالفات الذقن حال الفصد نحو المتكب اليمنى ان كان المفصود الوداج
الايسر وتستمر ملتفتة مدة سيلان الدم فلايلفتها الى حالتها الاولى الا بعد انقطاعه
فتزول موازاة فتحة الجلد لفتحة الوريد فلا يحصل منه نزيف، وبعضهم كان يخيط الفتحة
بغرزة وذكر انها نجحت معه ولم يحصل عنه اعارض.
تنبيه
: اغلب العوارض التى تحصل من فصد الذراع قد تحصل من فصد العنق لكن هنا يكون
الالتهاب الوريدي والحمرة الفلغمونية أكثر خطرا بسبب قرب الصدر والرأس .
واثقل عوارض هذا الفصد دخول الهواء مع البضعة في الوريد الوداجي ووصوله الى القلب
لان منه يهلك المريض ولذلك أوصى اغلب الاطباء بوضع الرفادة الدرجية قبل حل الرباط.
اما الفصد من الجبهة فيكون في الوريد الجبهي الاتي من الاجزاء العليا للرأس النازل
على الجبهة الى أصل الحاجب ، ومنه ينقسم الى عدة فروع منها مايغوص في الحجاج وينقسم
مع الوريد العيني ومنها ما يتصل مع الوريد الزاوي فتى اراد فصد هذا الوريد يلزم ان
يحبس الدم في الاجازاء العليا بواسطة شهيق قوي طويل ، يشهق حالما يضغط على الوريد
من اعلى الحاجبين بالابهام وبرباط ضيق تشد طرفاه الى الخلف.
تنبيه:
ما يفعله الحجامون في مصر من لف خرقة او
منديل على العنق وتشد طرفاها لزيادة اجتماع الدم في الرأس وقت التشريط او الفصد من
الجبهة مضر جدا لان بذلك يجتمع الدم في الدماغ فربما كان سببا في زيادة المرض
لاسيما والدم الذى يخرج بعد الضغط بتلك الكيفية فانه يكون اقل من الدم الذي اجتمع
في المخ فلذا يلزم أن يكون الضغط على الجبهة بالطريقة الاولى ، ثم يقطع الوريد
بالعرض ويمال الرأس الى الامام ليغزر سيلان الدم ولا يسيل على الوجه .
واما فصد زاوية العين فقد يكون في الوريد الزاوي عوضا عن الجبهي وهو مستمد من
الوريد الجبهي ومن الوريد العيني موضوع بين المآق الأكبر واصل الانف وبعضه يكون
اسفل من هذا المحل بقليل ، بعد حبس الدم في باطنه بنها بواسطة الضغط عليه بالابهام.
واما فصد اللسان فيكون من الوريدين الموضوعين تحت اللسان المسميين بالسرديين وهما
يوصلان الدم المتوزع في اللسان الى مركز الدورة فلذلك كان
حجمهما عظيما.
ومن حيث انهما موضوعان تحت الغشا المخاطي الحنكي بدون واسطة تسهل مشاهدتهما لكن
لاجل انكشافهما يؤمر
المريض بفح فاه ورفع ذولقه تحت سقف الحنك فشاهد الوريدان المذكوران على جانبي قيد
اللسان فان اريد فصد احدهما يلزم فتح الفم واستمراره مفتوحا وعدم خفض ذولقه مدة
العملية ولاجل بقائه مرفوعا يضغط باليد اليسرى على سقف الحنك ويباعد بين الفكين
بوضع قطعة من خشب الفلين بين الاضراس الكبار وبعد فتح الوريد يؤمر المفصود ببصق
الدم وان لايزدرد منه شيأ ، ويمكن ابقاء الدم سائلا مدة طويلة مع الغزارة وذلك
بإمالة الرأس وشبه مص باطني وبعدما يخرج منه مقدار كاف يوقف سيلانه برفع الرأس
وبالتنفس فان استمر سائلا تضغط فتحته بكرة من التفتيك ويوضع اللسان فوقها وتثبت
وتكيس بواسطة رباط يوضع في الفم كالجام .
قد ذكر بعض الاطباء انه متى التهب القضيب التهابا شديدا يفصد من الوريد الموضوع على
ظهره لكن قبل بضعه يربط من قاعدته لينتفخ العرق ثم يفتح الوريد بمبضع يغرز فيه
بانحراف لئلا يجرح الجسم المجوف فان كان موضوعا على شريان يجذب الجلد الى احدى
الجهات فبالجذب يبعد الوريد عن الشريان لكونه ملتصقا بالجلد فيتبع حركاته.
وقد يكون الفصد من اوردة محال ( مواضع ) اخرى موضعية لان الفوائد التي تحصل من
الفصد العنقي في بعض امراض الرأس ومن وضع العلق بقرب الاعضاء الملتهبة أو على
العروق الراجعة منها ومن الفصد الجبهي والمآق في التهاب العين ومن الفصد اللساني فى
التهاب اللسان اوجبت بعض الاطباء ان يعدل فصد الاوردة البعيدة المعدة للفصد عادة
بشق الأوردة الناشئة من المحال التي يكون فيها الالتهاب شديدا او يسهل فصد تلك
الاوردة بسبب ازدياد حجمها وظهورها.
وقد استفيد من التجربة ان الفائدة التى تحصل من الفصد الوريدى الموضعى في استفراغ
الدم من المحال الملتهبة وازالة احتقانها أكثر مما يحصل من فصد الاوردة البعيدة ،
فلذلك فصد بعض الاطباء اوردة الصفن فى التهاب الخصية ونجح معه ، وانا فصدت احد
اوردة ظهر الكف في داحس اصاب الاصبع حتى كان قد اشرف على الغرغرينا فشفي سريعا ،
لكن مع ذلك لا ينبغي استعمال هذا الفصد الا اذا كان حجم الاوردة عظيما وكان
امتلاؤها ووضعها مناسبين لذلك.
اعـلم ان هذا الفصد لاينبغي ان يفعل الا في الشرايين الصغيرة التى اذا فتحت
لا يخرج منها الدم كنافورة قوية او التى لايعسر انكفاف دمها بل ينبغي ان يكون من
الشرايين التى يسهل كشف سطحها واصابته بالمبضع ويكون وضعها على اجزاء عظمية تضغط
عليها بعد الفصد لايقاف الدم الخارج منها ولا يكون من الشرايين الرئيسة لئلا يحصل
من انسدادها غرغرينة الأعضاء المصلة لها الغذاء والحياة ولكن يعسر وجود شريان موصوف
بهذا الأوصاف كلها فلذا يقتصر في الفصد على بعض الشرايين دون بعض فلا يفصد في
الغالب الا في الرأس ويكون من فروع
الشريان الصدغي اوالقمدوحي ويمكن فصد الشريان الكعبري او القدمي في امراض
الكف والقدم لكن من حيث انه يمكن معالجة امراضهما بوسايط اسهل منها كان هذا الفصد
نادرا .
وقد يكون فصد الشرايين الجانبية للأصابع سببا لتغيرات حميد في الداحس اذا لم يصل
الى درجة التقيح اوالغرغرينا ومع ذلك فالاولى تركه الكونها محاطة باعصاب كثيرة يعسر
الاحتراز عن اصابتها .
هذا الشريان موضوع بين وريقتي الوتر العريض الصدغي وهوي تفرع فرعين ، فرعا مقدما
وفرعا خلفيا ، وهذا التفريع يكون اعلى من وسط القوس الزوجي بقيراط وربع واعلى من
القناة السمعية بقيراطين ونصف او ثلاثة قيراط . وهذا الشريان قبل أن يتفرع يسمى
بالشريان الصدغي الحقيقي وهو متبوع بوريد ومغطى بالنسيج الخلوي الشحمي ثم بالجلد
فوقه وبالعضلة الاذنية العلوية وبالوتر العريض السطحي، ووجد تحته العضله الصدغية
التي تكون اليافها منحرفة من اعلى يسيرا الى اسفل ومن الامام الى الخلف بعيدا عن
الجزء المقدم للاذن بنحو قيراط فالفرع المقدم ينفذ في الحجاج من ثقوب العظم الزوجي
او الفرع الخلفي يتصل بالشريان العينى ، وهذا الشريان كما يستطرق بالمجموع الشرياني
العينى يستطرق بعروق الاقسام الصدغية والاذنية بل وبالعروق التى تنفذ في تجويف
الجمجمة بواسطة صمماته مع الشريان الاذني الخلفي والقمدوحي وقد تجاور خيوط عصبية
ناشئة من العصب الوجهي ومن الخيط الاذني للعصب الفكي السفلي ، وقد وجد هذه الاعصاب
في الطبقة الكائنة تحت الجلد ، فينجُ من
ذلك انه يمكن قطع الشريان الصدغي بدون اصابة الوريقة العضلية للوتر العريض ، وانه
اذا قطع بعيدا عن القوس الزوجي وقريبا من محل انقسامه يخرج منه مقدار عظيم من الدم
، وان هيئة وضع النسيج الخلوي الشحمي لا تمنع سيلان الدم .
وان اتجاه الالياف العضلية فى المحل المختار للفصد الصدغي موافق لاتجاه الوتر
العريض بحيث يمكن شقه بدون ان تقطع الالياف بالعرض .
في كيفية العمل على طريقة المعلم وايير
اعلم ان الماهر المذكور كان يبضع الفرع المقدم للشريان الصدغي المذكور لسهولة تتبعه
تحت جلد الجبهة اما بالنظر او يجس نبضاته بالاصبع بأن يجلس العليل ويسند رأسه على
صدر مساعد أو يضجعه على الجهة المقابلة للجهة التى يراد الفصد منها ثم يعلم الجزء
الذى يريد فصده بمداد أو غيره ثم يمدد الجلد بالابهام والسبابة لليد اليسرى ثم يأخذ
المشرط بيده اليمنى ويمسكه بالكيفية الثالثة من الكيفيات الاتية ويشق به شقا قصيرا
بكيفية يكون الضغط على الشريان اكثر من الشعب بحيث يقطعه كله بالعرض ، فعند ذلك
يخرج منه دم قاني الحمرة كأنه نافورة اونبع فان كان نابعا يوصل الاناء بمحل القطع
بواسطة قطعة من المقوى تثنى على هيئة ميزاب ، ومتى خرج من الدم مقدار كاف يضغط على
الشريان بقرب الجرح وتغطى البضعة
بثلاث رفايد او اربع ، تكون مساحة الاولى قيراطا مربعا والثانية اوسع منها وهكذا
حتى تكون الرابعة اوسع من الجيع ثم تثبت هذه الرفايد بالربط المسمى بعقدة المحزوم
أو بالربط الحلق البسيط ويترك الشريان مربوطا هكذا لمدة ثمانية ايام اوعشرة حتى
ينسد .
طريقة اخرى للماهر ماجيستيل:
ينبغي الجراح اذا اراد ان يفصد على طريقة الماهر المذكور ان يستحضر على اناء يتلقى
فيه الدم وقطعة من المقوى تثنى على هيئة ميزاب لتوصيل الدم الى الاناء ان كان
سيلانه نبعا وقطع من الاسفنج وما فاتر ورفادات درجية ورباط ومشرط صغير منحن حاد
الطرف وابرة صغيرة مقوسة وفي سمها خيط خيط مشمع وجفت ومقصن ثم يضجع العليل ويجعل
رأسه مرتفعا قليلا متكئا على الصدغ المقابل مثبتا رأسه على حسبانة مغطى بملائة
صغيرة وذلك بعد حلق الشعر ان كان كثيفا يمنع من معرفة موضع الشريان اوبعد قصه وهو
الانسب للنساء ثم ان لم يكن مغمى على العليل يؤمر بالكز على اسنانه بقوة فيرتفع
الشريان ويصير سطحيا بالكز المذكور لان به تتقلص العضلة الصدغية ثم يتحقق الشريان
بالجس حتى يحس بالنبضات قبل البصر لان ذلك اسهل لتعيين موضعه من التحقق بالبصر ثم
بعد معرفة المحال الذي تكون ضربات الشريان فيه قوية يعلم عليه بنحو مداد كما تقدم
ولا ينبغي حزه بالظفر لانه يؤلم العليل ومع ذلك فاثره سريع الزوال.
والمختار في هذه الطريقه هو فصد الجذع الصدغي امام الصماخ بقيراط وربع ومن اعلى
القوس الزوجي بثمانية خطوط او عشرة والاحسن في ذلك ان يكون من الجهة اليسرى لان
الاضطجاع على الجانب الايمن اقل مشقة على العليل في اثناء الفصد وبعده.
كيفية العمل في الفصد بهذه الطريقة:
هى أن يضع الجراح الاصابع الوسطى من اليد
اليسرى على الجهة الوحشية للشريان اعلى من المحل الذي يراد بضعه بخطين أو ثلاثة ،
وفائدة وضع الاصبع حينئذ منع زوغان الشريان الى الوحشية في أثناء الشق وخفض الوتر
العريض الصدغي الغائر بخلاف ما اذا كان موضوعا فوقه فانه يخفضه ثم يحقق بسبابة اليد
المذكورة وضع الشريان وضرباته ، ثم يمسك المشرط بالكيفية الثانية ايضا ، أو كما
يمسك المبضع وهو الاحسن ثم يغرزه بعيدا عن الاصبع المثبتة للشريان بخطين او ثلاثة
واسفل من الشريان بخط ويدفعه الى ان تصل سنه الى الوريقة
الغارة للوتر العريض الصدغي ، ثم ينفذ السن تحت الشريان بانحراف من الامام الى
الخلف ومن اسفل الى اعلى ثم يرفع المشرط حتى يقطع الشريان والجلد معا.
هذا ما يلزم في فصد الشريان الصدغى من
الجهة اليسرى .
واما فصده من الجهة اليمنى فينبغي للجراح ان يمسك المشرط باليد اليسرى هذا اذا كان
اضبط والا يلزم أن يمسكه باليد اليمنى .
وكيفية الفصد
حينئذ ان يضع الاصبع الوسطى من يده اليسرى اسفل الشريان ويغرز المشرط ويشق به من
اعلى الى اسفل شقا طوله ثلاثة خطوط او اربعة اوان كان اكثر من ذلك لاضرر ، وان كان
باليد اليسرى يبتدأه من اسفل الشريان ثم يتجه به بانحراف نحو شعر الرأس من اسفل الى
اعلاه ، هذا اذا لم يكن الشريان غائرا فإن كان غائرا ينبغي ان يغرز المشرط غرزا
غائرا وبعد فتحه يؤمر العليل بالفات رأسه بحيث يبق مرتكزا على القمدوحة ويلزم ان
يوضع في أذنه كرة من تفتيك لئلا يدخل فيها الدم ويتلقى الدم في الاناء المعد له
ويؤمر المريض بتحريك فكه بان يمضغ شيئا ولو طرف ثوبه كما ذكرنا ليسهل خروج الدم فان
لم يخرج على هيئة نافورة بل خرج نبعا يوصل بقطعة من المقوى كما ذكرناه سابقا ، فان
جمد على الفتحة وانقطع سيلانه يزال بالاصابع أو باسفنجة مبلولة بماء فاتر ،
ومتى خر منه مقدار كاف تسد الفتحة بالاصبع
ويغسل الصدغ ثم يضم الجرح بعصابة لزجة او عصابتين ثم يوضع فوقهما رفادة رابعة سمكها
نحو اربعة خطوط وتثبت جيدا بلفات من الرباط ففي الغالب ان هذا الضغط ولو خفيفا يكفي
في التحام الشق المذكور.
وكان الطبيب ماجستيل لايستعمل عقدة المحزوم ويقول انها متعبة للمريض، فان لم يكف
الربط البسيط وخشى تزحزحه او حله ان كان المريض هاذيا ينبغي ان يخاط طرفا الشريان
بابرة معوجة وتغرز فيهما غرزتان بسبب انحراف الشق فينقطع بهما سيلان الدم ، وان كان
المريض ساكنا تيسير للجراح ربط الشريان اولى طرفيه ، والحق ان طريقة الماهر
ماجيستيل امثل واوثق من طريقة بوايير لان الفرع المقدم من الشريان الصدغي الذى يفصد
في طريقة بوايير لايخرج منه مقدار كاف من الدم لصغره بخلاف ما في طريقة ماجستيل فان
الذى يفصد فيها جذع الشريان ، هذا مع انه لا يعقبه انوديما ولا نزيف الا اذا لم
ينقطع الشريان بالكلية .
البزغ جرح صغير وخزي يعمل في الجلد والغشاء المخاطي لمعالجة بعض امراض ظاهرة أو
باطنة وشرطه ان لا يجاوز الجلد والنسيج الخلوي الذي تحته ، ويفعل إما بإبرة مستقية
في سنها انفراج على شكل حربة تغرز عمودية في الجلد وتخريج كما دخلت او بمبضع حاد
السن وينبغي ان يكون كثير العدد وان يكون فعله سريعا فان لم يخرج منه دم كاف ينبغي
ان يوضع عليه محجم وضماد أو يعرض المحال الموخوز لبخار ماء حار لسرعة سيلان الدم
والوخز المذكور يستعمل في معالجة الكيموزس والحمرة الجلدية وأوديما اكل من الاجفان
وللصفن ومحال اخرى من الجسم .
واما التشريط فهو شق الجلد شقوقا مستطيلة لا تجاوز الجلد والنسيج الخلوي ، وربما
غارت في نسيج الاعضاء الكائنة تحت الجلد والغشاء المخاطي ، والالات التى يشرط بها
أربعة انواع وهي
الموسى والمشرط والمبضع والمبزغ النيمساوي فانا اريد التشريط بالمبضع ينبغي
ان يؤخذ مبضع صلب ويجريه على سطح الجلد مع امالته حال الشق بحيث تتكون منه ومن
الجزء الذى يراد تشريطه زاوية مساحتها خمس واربعون درجة فبهذه الكيفية تحصل تشاريط
خفيفة كافية لاستفراغ الدم المجتمع في الجسم الشبكي الوعائي للجلد او الغشاء
المخاطي او المادة المصلية المالئة لخلايا النسيج الخلوي في كثير من الاحوال .
ويستعمل البضع ايضا في التشريط المجاوز لسمك الجلد ان كان الجلد رقيقا كما في
الاجفان واعضاء التناسل او كان المراد تشريط الغشاء المخاطي الذى ارتفعت فيه مواد
مصلية او غيرها وكان لا يمكن استعمال غيره من الالات ، وان كان المراد تشريط سطح
عريض متساوي يستعمل المبزغ النيمساوى .
كيفية استعماله
ان يشد على اللولب المحرك للمفصل ثم يوضع سطح الالة الذي فيه الشقوق على الجلد ثم
يضغط على لولب الانقلاب فينشرط الجلد في طرفة عين وهذه الالة احسن الالات للنساء
والاطفال لسرعة الفعل بها وخفة الالم بخلاف ما اذا كان المراد تشريطا غارا فانه
ينبغي استعمال المشرط او الموس لان المبزغ النيمساوي لا يناسب حينئذ .
وقد يستعمل البزغ والتشريط لزوال الخدر وتنبه الحياة في الاعضاء الخدرة ورجوع
الاحساس اليها ولا يقاظها في الاورام
الاحتقانية الفسير المؤلمة لانه ينشاً عنهما رد فعل جيد يكون سببا في شفائها .
وعلى الجراح ان رأى اعراضا التهابة ناشئة عن تلك العمليات لا يعالجها بالمسكنات بل
ينبغي له ان يحرضها بالوضعيات المنبهة لتستمر ، وقد يشرط السطح العلوى للسان على
حسب طوله ان كان فيه انتفاخ التهابى شديد ولايهولك غور الجروح التى تحصل من الشريط
المذكور لانها وان كانت تظهر حال الانتفاخ انها غائرة فانها بعد زواله ورجوع اللسان
حجمه الاصلي تصير كالخدوش السطحية.
وقد يستعمل التشريط لاستفراغ السوايل المصلية المرتشحة في سمك الجلد او في النسيج
الخلوي الذى تحته اوفي بعض خلايا الغشاء المخاطى كالدم المنكب او النبيذ المنصب في
النسيج الخلوي للصفن المحقون به عقب عملية الفيلية المائية او البول المرتشح ان حصل
في قناة مجرى البول شقوق وينبغي ان يصل بالتشريط او الوخز الى مجلس السوايل
المذكورة وأن يكون واسعا ان كانت السوايل المرتشحة مهجية ليسرع استفراغهاوتتدارك
العوارض الثقيلة التى تحصل من طول مكثها ، ويسرع سيلان ايضا الدلك الخفيف بان يبتدأ
به من الاجزاء المجاورة وينتهى به الى التشاريط او باحدار الاعضاء المشرطة احدارات
تنتقل به السويل من خلاية الى اخرى حتى تصل الى محل التشريط.
* تنبيه
*
اغلب التشريط يستعمل في الاستفراغات الدموية لازالة احتقان الاوعية الشعرية ولذلك
ينبغي ان يكون بعرض اتجاه العروق ثم يسرع بزيادة اخراج الدم بالمحاجم او الغسل
بالماء الفاتر او بتعريض العضو لبخار ماء حار ، والجروح الحاصل من الوخز او التشريط
قد لا تستدعي معالجة بل الغالب انها تلتحم من نفسها سريعا .
من المعلوم قديما وحديثا الفصد احد الوسائط العلاجية الجيدة وعليه الان مدار علاج
اغلب انواع الالتهاب بل كلها واختلف فيه الاطباء فذمه جماعة منهم حتى انهم الفوا في
ذمه كتبا وسموها موفرات دم البشر ، ومدحه اخرون لكن قالوا ان ارسال العلق يقوم
مقامه ، ونحن نقول ان ارسال العلق وحده لا يكفي بل لا تحصل الفائدة العظمى في
معالجة الالتهابات الحادة الابهما معا ااسيما ان كان الالتهاب مصيبا لاهم الاعضاء
وحصل عنه حمى شديدة .
وقد ذكرنا سابقا ان الدم يستفرغ من جميع اجزاء الجهاز الدوري كالشرايين والاوردة
والعروق الشعرية
فالاستفرغ من الشرايين والاوردة هو المسمى بالفصد العام وانما سمي عاما لانه
يقلل دم البنية كلها
والاستفراغ من العروق الشعرية هو المسمى بالفصد الموضعي وانما سمى مواضعيا
لانه لا يقلل الا دم العضو المفصود ، ومن حيث أن الفصد العام ينقسم الى
فصد
وريدي وفصد شريانى وقد ذكرنا ان الوريدي لسهولته اكثر استعمالا نبدأ به ،
لكن تنيط به الاعتبارات العامة للقسمين.
اعلم ان نتائج الفصد اما أن تكون موضعية او عامة ، فالموضعية وان كانت لا يلتفت
اليها غالبا الا انه قد يضطر للانتباه لها في بعض الاحوال ومثال ذلك انه اذا ربط
العضو الذى يراد فصده ووقف الدم من ذلك الرابط مدة طويله كانت او قصيرة فانه يلزم
الانتباه لوقوف الدم المذكور ، وحيث انه قد يستعمل بدون فصد في بعض الأحوال كما في
الحمى المتقطعة ، وقد يزيد الوقوف المذكور بالابزن القدمي ، وقد يكوبن التهج الذى
يحصل عن الاجزاءحال فتح الوريد خفيفا جدا فلا يحصل عنه شى له بال ، لكن قد شوهد ان
الفصد قد ينشأ عنه تهيج شديد في الوريد حتى أنه يصير التهابا.
واما النتائج العامة فان الوريد المبضوع كلما كان
غليظا وفتحته واسعة كانت اوضح
لانه ببضع الوريد تنبثق نافورة من الدم على هيئة قوس فان استمر سائلا كذلك مدة
لايقة وكان الشخص ممتلئا دما او معه التهاب في النسيج الخلوي او في الرئة والكبد او
المخ يشاهد التناقص في سعة النبض وفي قوته وصلابته وتره وفيما يحس به العليل مما
يشبه طرق الدماغ بمطرقة حتى انه يسبب شدة الصداع ، بل قد يحصل الاغماء من كثرة نقص
الدم لانه هو الموقظ للمخ ، ومن فوائد الاستفراغ الدموي سهولة الدورة الشعرية وسرعة
الامتصاص وسهولة التنفس ونقص احمرار الجلد وحرارته ، وتنديته بالعرق الخفيف وعود
الافراز المخاطي والبولي الذين انقطعا من شدة الالتهاب ورجوع الوظائف الى عادتها ،
لكن ان كان النبض دقيقا بسبب كون القوى
كما يحصل في التهاب البريتون وفصد الشخص فانه بعد الفصد يتسع ويغلظ ويقوى وتسرع
نبضاته وان تكن اقل مما كانت في الحالة السابقة قبل الفصد ، وحينئذ فالفصد الذى
تحصل منه هذه النتايج يسمى
بالفصد المفرغ لانه يستفرغ به مقدار من الدم ينقص مجموعه وهو انسب بدموي
المزاج والممتلئين دما ، ويستعمل في الالتهاب الممتد لنسج الخلوي او الرئة او الكبد
او المخ وما ماثلها والاغشية المخاطية اوالمصلية ، والغالب انه يفعل في احد اوردة
ثنية المرفق فان كان الدم الخارج به كثيفا لزجا بمعنى انه محتوي على مقدار وافر من
المادة الليفية بحيث اذا بجد تكون على سطحه كثافة سمى
الفصد قوى الدم لكن
قد شوهد ان الكثأة لا تتكوّن الا في الفصد الثانى والثالث .
وان كثرت فيه المادة المصلية وقلت الليفية حتى ضعف قوامه من تكرار الفصد سمي
الفصد ضعيف الدم
لانه كلما كرر الفصد تنقص المادة الليفية وتزيد المادة المصلية لان الدم فى هذه
الحالة يستعوض ما فقده من المادة الليفية بالمادة المصلية الاتية له بواسطة المجموع
اللينفاوي اما من امتصاص الجواهر الفرد المنفصلة من الاعضاء بالحركات الغذائية او
من امتصاص الاشربة التي يشربها العليل وهي لا تكفي فيرجع قوام الدم ولزوجته الى
الحالة الاصلية ، فان استمر تكرر الفصد بعد ذلك يزداد مقدار المادة المصلية ويحصل
الهزال والنحافة وقد يضعف النبض لنقص المرض المهيج له وقد يتواتر وترسع ضرباته بسبب
خلو العروق والدم من مقدار كاف من المادة المقوية للاعضاء الحافظة لها ، وحينئذ
تصير الدورة سريعة ليصل في زمن معلوم الى الاعضاء مقدار من الدم اكثر من المعتاد،
فتأخذ منه الاعضاء المذكورة ما فيه من الغذاء ، ومثل هذا الفصد البالغ لايفعل الا
في معالجة الانوديما بطريقة الطبيب واسلوا لانه
يحدث عنه اضطراب المجموع العصبى فيتواتر الاغماء وينتقع الوجه انتقاعا عظيما لخلوه
من الدم ويصير العليل أقل شى يزعجه ويحرف مزاجه فتراه قلقا حزينا وتضعف
حواسه وكذا المجموع العضلي والجهاز الهضمي ويتناقص افراز العرق والبول وترشح في
النسيج الخلوي مادة مصلية ويصير الجلد منتقع كالحا ، ومتى حصلت هذه العوارض فلا
تزول الا بعسر ومشقة.
فيما يحصل من الفصد من النتائج :
اذا استعمل الفصد على الوجه اللايق مع الاحتراس تحصل منه فوائد جمة بخلاف ما اذا
كان مفرطا فانه يكون سبب العوارض رديئة ، فيجب على الطبيب اذا دعي لمريض ورأى انه
لابد له من الفصد ان يفصده لكن لا يتجاوز الحد فى الاستفراغ لانه ان تجاوزه يصير
مضرا لا نافعا .
ومن حيث ان الفصد ينقص مقدار من الدم الذى يكون مهيجا للبنية جاعلا فيها قابلية
الالتهاب والمسبب لاستمراره ينبغي ان يسقى الشخص المفصود الاشربة الملطفة لان
بتناولها يبقى الدم في حالة لايقة بها يزول التهيج لان زوال ما كان زائدا من الدم
وسهولة جريانه في العروق ينقص الاحمرار الالتهابى ويزول الاحتقان الناشئ من اجتماعه
وتراكه وبزواله تزول الحرارة والالم الناتجان من الالتهاب المذكور ويجذب الامتصاص
السوائل المرتشحة او الواقفة التى لو انها دامت لتكونت منها مواد التقيح او بعض
تغيرات عضوية ويدخلها في دورة الدم .
واعلم ان الامتصاص المذكور لا يختص بالمواد المرتشحة في خلال الاعضاء بل يحصل في
سطح الاعضاء ايضا ، وبذلك تزول الانصبابات والاغشية الكاذبة التى تكون فى التجاويف
المصلية ويزول الارتشاح الحاصل في النسيج الخلوي او يتنوع ، بخلاف ما اذا تجاوز
الفصد الحد الايق فان قوة الاجزاء الصلبة التي للبنية تنعدم ولا تبق لها قدرة على
الامتصاص وحينئذ لا يحصل منه الا الضرر . وقال بعض الاطباء ان الفصد الذي يعقبه
اغماء تحصل عنه فوائد واضحة وهذا القول لا يخلو عن صحة لانه اذا كان الاغماء وحده
قد تحصل منه فوائد مماثلة لما يحصل من الفصد فيكون مع الفصد من باب اولى ، ويؤيد
ذلك ماذكره الطبيب الفرنساوي مارتين سولون من انه دعي لعلاج امرأة مصابة بحمرة في
وجهها وحمى شديدة جدا وكانت شابة ففصدها فحين سال الدم اغمي عليها فلما أفاقت زالت
عنها الحمى والحمرة ثم بعده رجعتا فعزم على فصدها ثانيا لكن حين شاهدت المبضع اغمي
عليها فزالتا ولم ترجعا وشفاها الله تعالى.
قد قسم القدما من الاطباء كابقراط وغيره الفصد الى
مصرف
ومحول وذلك بحسب كونه يفعل قريبا من العضو المريض او بعيدا عنه مثال ذلك فصد
احد الاوردة التي تحت اللسان في التهاب اللسان او اللوزتين يكون مصرفا وفصد الوريد
الصافن في التهابهما يكون محولا وقال الطبيب ولسلوا ان فصد القدم بالنسبة للمخ محول
وبالنسبة للاجزاء السفلى مصرف وليس تصريفه بالنسبة لهذه الاجزاء الا لانه يجذب فيها
الدم الشرياني وهذا الجذب هو سبب ادرار الحيض عقب ذلك الفصد فينتج من كلام الطبيب
المذكور ان الفصد الواحد يكون
مصرفا
بالنسبة الى بعض الاعضاء
ومحولا بالنسبة للبعض الاخر ، وهو قول مقبول والمشاهدات تؤيده لانه اذا ربطت
الذراع او الساق فان الدورة الوريدية تعاق بذلك الربط حتى تنتفخ الاوردة من اسفله
وحينئذ اذا غمر العضو المربوط في ماء حار فان الانتفاخ يزداد وهذا الازدياد انما هو
من زيادة توارد الدم واستمراره ولا يكون ذلك الا من سرعة جريان الدم
في شرايين العضو المفصود احد اوردته .
وقد تكون نتايج الفصد متقارنة اعنى انها تكون
مصرفة
بالنسبة للاعضاء التي هي منشأ الوريد المفتوح وتكون
محولة
بالنسبة للاعضاء البعيدة المتعلقة بها شجرة وريدية مقابله للشجرة التي قد فتح احد
فروعها المستطرقة ، وقد تكون النتائج مصرفة الدم الشرياني في الاعضاء المتوزع فيها
شرايين متصلة بالوريد المفتوح ، وهذه النتيجة الاخيرة تساعد زيادة التمويل بمنع
وارد الدم في الاعضاء البعيدة بالمقدار الوارد اليها فى العادة ، فعلى موجب ذلك لا
ينبغي فصد وريد متعلق بالوريد الاجوف السفلي متى كان مع العليل التهاب رحمي او كبدي
اوكلوي خوفا من وارد الدم الشرياني في تلك الاعضاء بسبب هروع الدم المذكور ، بل
الانسب حينئذ فصد الذراع اعني فتح احد
الاوردة المستطرقة بالوريد الاجوف العلوي، كما أن الانسب فى علاج التهاب الاعضاء
المخية فصد الوريد الصافن وفي التهاب اعضاء الصدر فصد الذراع او القدم لانهما في
ذلك على حد سواء لكون الاعضاء المذكورة لا تعلق لها بالعروق المفصود منها عادة لكن
الاحسن فصد الذراع لسهولته وفي هذه الحالة يكون الفصد مفرغا لاغير .
المبحث الثالث في معرفة الجهة التى يجب الفصد منها
قد اختلفت آراء الاطباء في النسبة
للتحويل والتصريف واختلافهم هذا كان سببا في اختلاف الجهة التى يفصد منها
لانهم كانوا يظنون ان الفصد من الجهة المريضة
مصرف
ومن الجهة السليمة
محول
ومنهم ابقراط ، واختار جالينوس الفصد من الجهة المريضة واستحسن أطباء العرب الفصد
من الجهة السليمة واعتادوا على ذلك حتى انهم الان اذا امر الطبيب فصد انسان في مصر
يسأل من اي جانب ولكن بمقتضى
ما
عرف من علم التشريح ان الفصد من الجبهة السليمة والمريضة على حد سوا لان
اوردة جانبي النصف العلوى ترد على الوريد الاجوف العلوي وتنفتح فيه ، واوردة جانبي
النصف السفلي ترد الى الوريد الاجوف السفلي وتنفتح فيه وكل منهما ينفتح في القلب .
وهذا الحكم مطرد في جيع امراض الجسم الا امراض المخ فان الانفع فيها فصد الوريد
الوداجي او الشريان الصدغي الجهة المريضة ، وكذا الرمد والم البيورافان الانفع
فيهما الفصد الموضعي من الجهة المريضة اما بواسطة فتح وريد تلك الجهة او بارسال
العلق او الحجامة الرطبة.
المبحث الرابع في مسرعة سيلان الدم وبطئه
قد تختلف نتائج الفصد في الالتهاب الشديد بحسب بطئ سيلان الدم وسرعته ، فاما بطؤه
فاما ان يكون من صغر الوريد المبضوع او من ضيق فتحته وان كان غليظا واما سرعته
فتكون من وريد غليظ واسع الفتحة ففي الحالة الاولى يكون الفصد ضعيف التأثير في
الالتهاب بخلافه في الحالة الثانية فانه قد يزيله أصالة ، ولهذا الفائدة كان أبقراط
اب الطب يامر احيانا بفصد الذراعين معا في آن واحد.
تنبيه
جميع ما ذكرناه من اول الكلام على الفصد الى هنا يطلق على الفصد من الذراع كما انه
قد يطلق على الفصد الوريدي وحينئذ لم يبق علينا الا الكلام على فصد الاوردة الاخرى
وها نحن نذكره في المبحث الاتى وهو هذا .
المبحث الخامس في فصد الوداج الظاهر
اعلم ان الفصد من الوداج الظاهر يينفع في علاج التهاب المخ والسحايا وفي معالجة
الشلل الا انه يجب ان يكون من أوردة الجانب المقابل للجانب المصاب لانه شوهد
ان الانصباب الدموي الذى حدث عنه الشلل يكون في تلك الجهة فيسهل زواله بالفصد
المذكور، وقد استعمل بعض الاطباء في تدارك العوارض التى تحصل عقب جروح الرأس ونجح
معه ويكون عظيم النفع ايضا في حمرة جلدة الرأس وفي الرمد الشديد لكن الاحسن الفصد
من الوداج الايسر لبعده عن الاذين اليمنى للقلب التي ترد اليها الاوردة لان ذلك
يمتنع دخول الهواة في دورة الدم في حال الشهيق ، وسبب نجاحه في الامراض المذكورة
استطراقه بالوداج الباطن واوردة الوجه والاجزاء الظاهرة من الرأس ، ومع ذلك قد ذمه
بعض الاطباء بسبب عسر فعله وما يحصل فيه من الضغط على عروق العنق ومجاري الهواء ،
وذلك يعيق الدورة والتنفس.
المبحث السادس في فصد الوريد الصافن
قد استعمل اطباء العرب هذا الفصد في معالجة امراض الرأس والصدر ، لانه ان كانت فتحة
البضعة واسعة وسال منها دم غزير يصفر وجه العليل ويغمى عليه في اقرب زمن من فصد
الذراع ، وسبب ذلك ان الوريد الاجوف السفلي حينئذ لا يوصل للاذين اليمنى من القلب
الا مقدار قليلا من الدم فيسهل تفريغ دم الوريد الاجوف العلوى فى تلك الاذين وتفريغ
دم الاوردة الوداجية في الوريد المذكور ينقص دم المخ فيحصل الاغماء المذكور، ويقوي
حصوله أيضا تناقص مقدار الدم الشرياني المتوجه نحو المخ بسبب توارد ذلك الدم في
الشرايين الموجودة في اسفل الحجاب الحاجز أكثر من المعتاد ، وهذا مخالف لما في فصد
الذراعين لان الدم يتوارد فيه الى المخ أكثر من المعتاد ، حتى ان المريض الذى يفصد
ذراعه يعتريه دوار وصداع وذلك كله يوجب
استحسان الفصد من الساق عن فصد الذراع فى احتقان المخ والتهابه الشديدين.
لكن ان كان مرض المخ خطرا وكان اللازم المبادرة في علاجه يفصد الذراع لان تجهيز ما
يلزم الفصد الساق يطول امده الا انه ينبغي وضع القدمين فى ماء حار فى اثناء سيلان
الدم من الذراع لمنع هروع الدم الشريانى نحو المخ وازدياد المرض المراد تنقيته
بالفصد.
المبحث السابع في فصد الشريان الصدغي
هذا الفصد يسـتعمل في امراض المخ لاسيما التهاب السحايا وأول من استعمله فى ذلك
قدماء القبط ومنفعته موقوفة على جملة أمور، اولها سرعة سيلان الدم ، وثانيها خواصه
لان الدم الشرياني اقوى من الوريدي لكثرة احتوائه على المادة الليفية والزوجة ولذلك
كان فقد يضعف الجسم اكثر من فقد الدم الوريدي ، ثالثها تناقص مقدار الدم المتوجه
المخ ذلك ان الشريان الصدغي فرع من الشريان السباتي الظاهر المتصل بالشريان السباتي
الباطن المتوزع في المخ ، فمن خروج الدم من الشريان الصدغي يقل المقدار المتوجه منه
الى العضو المذكور.
تنبيه: ينبغي ان يعلم ان الفصد الموضعي بالعلق يضعف اكثر من الفصد العام بسبب
أن الدم الذى يسيل من محل افواهه اغلبه شرياني .
قد يكون تشريط وريدات الملتحم في الكيميوس مفيدا في استفراغا دم الورم الحاصل من
شدة الرمد ، واستعمل بعض الاطباء تشريط الغشاء النخامي في مرض المخ والرمد ليحدث
عنه رعاف صناعي، وقد يفصد الوريد المآقي لاستفراغ دم عروق الجفن السفلي في الرمد ،
واما فصد الطرف السفلي من الوريد الجبهي او نفس القوس الانفي قريبا من اصل الانف
فانه ينفع في التهاب الاجزاء الغائرة من العامين بسبب استطراق الاوردة المذكورة
بالوريد العيني كما أن فصد الاوردة المذكورة ينفع في امراض قاعدة المخ بسبب
استطراقاتها بالجيب الاجوف.
اما الفصد العام فانه يحصل عنه استفراغ سريع ونقص الدم من جميع اعضاء الجسم، ويحصل
عن هذا النقص ضعف سريع في قوى المريض ، واما الموضعي فلا يحصل عنه الا سيلان بطيئ
ولا تتجاوز نتيجته المحل المريض غالبا ولذلك لايضعف قوى الجسم كله بل لايضعف الا
محله ولذلك تحصل فوائد عظيمة من الفصد العام في الالتهاب الشديد المتسع لاسيما ان
كان في ابتدائها ، ولا تحصل هذه الفوائد من الموضعي بخلاف ما اذا كان مع العليل
نزلة موضعية مستعصية على الشفاء بسبب شدة التهيج او الازمان فانه لا يزيلها الا
الفصد الموضعي ، فان كان الالتهاب شديد او مع العليل افراط دم ينبغي ان يسبق الفصد
الموضعي بفصد عاما لانه اذا فعل خلاف ذلك فان نتائج الفصد الموضعي تزول من استدامة
كثرة وارد الدم في العروق الشعرية للمحل المريض الذى وقع فيه الفصد الموضعي المذكور
.
وهناك احوال يكون سبق الفصد الموضعي فيها اجود
، كما اذا كانت القوى الحيوية كامنة في الباطن وكان النبض صغيرا ، وهناك احوال يكون
الفصد الموضعي فيها اجود منها: ما اذا كان الالتهاب الموضعي خاليا من الحمى
والتأثير في بقية الجسم فان الفصد الموضعي حينئذ يكون افضل من الفصد العام لأن به
يتوفر دم الجسم الذي يخرج بدون فائدة لو فصد
فصدا عاما. ومنها ما اذا كان الالتهابا مزمنا وكان المراد تحليله وتصريفه.
واعلم ان الهراواع الحاصل للدم بواسطة ارسال العلق اوالحجامة على المحل الذي يراد
احداثه فيه لا يحصل من الفصد العام للعروق الغليظة.
من حيث ان هذه الاعتبارات مؤسسة على علل فيسيلوجية أو على استدعاءات مرضية ، قسم
هذا الفصل الى مبحثين الاول في الاعتبارات الفيسلوجية والثاني في الاستدعاءات
المرضية .
من الاعتبارات المذكورة السن
ولذلك قد يقطع الحبل السرى قبل ربطه في وقوف الدم في المخ واحتقانه لاجل استفراغ
مقدار منه في الاطفال الحديثي العهد بالولادة، واما الذين لهم اسابيع واشهر وسنة
اوسنتان فأرسال العلق انسب حتى ان جاليانوس كان يقول لا يمنعنك صغر السن عن الفصد
في الالتهاب البطني الشديد ، ومن حيث ان تحمل الشيوخ للفصد العام والموضعي اقل من
تحمل الكهول لا ينبغي الاسراف في دمهم الا اذا حصل لهم عسر في الدورة وعرف حصولها
بعدم انتظام النبض وتقطعه فان الفصد العام يكون واجبا ، ومن حيث انه قد يكون فيهم
استعداد لداء السكتة ينبغي لهم الفصد ايضا ، وكثرة ظهور البواسير فيهم توذن بارسال
العلق على المقعدة فان ذلك يقوم مقام الفصد العام في علاج امراضهم .
ومنها الذكورة اوالانوثة
، فان زمن بلوغ الاناث الحلم يستدعي الفصد لأجل سرعة حصول الحيض ، وهذا الفصد اما
أن يكون بوضع العلق على الشفرين العظيمين او على الجزء الانسي العلوي من الوركين او
على المقعدة، فان انقطع حيض معتادة ينبغي ارجاعه باستعمال تلك الوسائط او يفصد
الساق او الذراع مع وضع القدمين في الماء الحار في الزمن الذى كان يأتي فيه الحيض ،
فان قيل ما الانسب لهن حينئذ فصد الذراع اوالساق ؟ ، قلت الانسب منهما ما كانت
عروقه ظاهرة مستعدة لخروج
مقدار وافر من الدم ، وكثير من الاطباء من شاهد حصول الحيض عقب الفصد من الذراع حين
كانت الاوردة الصافنة غير واضحة بحيث يتأتى فصدها.
واعلم وجود الحيض لا يمنع من الفصد في الالتهاب الشديد الذى يعتري النساء ، لان
استفراغ الدم حينئذ يكوان ضروريا وبه ينتظم سير الحيض ولايتعطل ، لان الاستفراغ
المذكور يزيل الالتهاب الذي لو بقي لعاق سير الحيض ، كما ان الحمل لا يمنع منه متى
كان الالتهاب شديدا ، لاسيما ان بلغ اربعة اشهر اوخمسة ، لكن ان اضطرللفصد قبل وصول
الحمل الى المدة المذكورة يلزم أن تكون العليلة مضطجعة حال فعله مجتنبة للحركات
العنيفة الفجائية وان يكون سيلان الدم بطيئا وان تبضع بضعة صغيرة ليكون الدم الخارج
منها على هيئة خيط رفيع كما ذكرنا سابقا وان لايزيد مقدار الدم عن ثمان اواق او
عشرة الا اذا كانت قوية البنية دموية المزاج فيزاد المقـدار بما يناسب حالها ، واما
الفصد في آخر مدة الحمل فلا ضرر فيه لكن كان بعض الاطباء يخشى منه سقوط الجنين ،
ولذلك كان يقول ابقراط امراض الحوامل خطرة ، وبعضهم كان يقول ان الفصد منوط بقوة
المريضة فان كانت قوية فصدت والا فلا ، وتعرف مناسبة الفصد وعدمها بواسطة الاستماع
من الرحم لان به تظهر قوة الدورة الجنينية والمشيمية وبواسطة حال نبض العليلة ،
وبالجملة لا تفصد النساء الحوامل الا بعد مضي اربعة اشهر من الحمل الا اذا أصبن
بالتهاب الرحم او نزيف او بمرض يخشى عليهن منه ، وبعد المدة المذكورة لاضرر فيه بل
قد يكون واجبا لمن كانت غزيرة الحيض قبل الحمل او اعتراها فى اثناء الحمل امتلاء
دموي عام او موضعي او امر اعاق دورة أوردة الرحم اوما يتعلق به ، ومتى وصلت الى سن
الياس وطرأ عليها ما يوجب الفصد لا تفصد من الشجرة الوريدية السفلى بل الانسب حينئذ
فصدها من الذراع لمنع واردالدم نحو ارحم .
ومنها المزاح:
لان دموي المزاج اذا حصل لهم نزيف طبيعي يكون الفصد لهم ضروريا لانهم اكثر تحملا عن
غيرهم من اصحاب الامزجه الاخرى ، فلذا لا يفصـد الصفراوي الا اذا اصيب كبده بامتلاء
دموي لانه مستعد بمزاجه لكثرة توّارد الدم في الكبد ومع ذلك قد يكفي في زوال
الامتلاء ارسال العلق على المقعدة وكذا الليمفاويون لعدم تحملهم كثرة الاستفراغ
الدموي فاذا فصد احدهم فصدا غزيرا مفرغا ربما استحال مرضه من الحيادية الى الازمان
أو أعقبه استعداد للارتشاحات المصلية ، وقد شوهد ان تكرار الفصد يزيد السمن لكن لا
يغرنك ذلك لأنه ليس الا كناية عن انتفاخ الجسم، ومن المشاهد ان من كان هذه صفته
يكون اقل تحملا للاستفراغات الدموية من يابسي المزاج بخلاف ذوي المزاج العصبي فلا
ينبغي لهم الفصد الا وقت الاحتياج ، لأن الاستفراغات الدموية فيهم تنشأ عنها عوارض
تشنجية أو تزيد في التشنجات التى تكون فيهم قبل الفصد.
ومنها العادة:
لان من اعتاد على الفصد في زمن من السنة يكون الفصد فى ميعاده ضروريا له والا يحصل
له امتلاء دموي ، وان كان يمكن مداركة هذا الامتلاء بالرياضة والتدابير اللائقة
وازالة هذه العادة بتأخير ميعاد الفصد تدريجيا .
ومنها الاقطار والفصول:
لان لها دخلا عظيما في الاستفراغات الدموية فقد يكون تكرر الفصد الغزير ضروريا في
الاقطار اليابسة الباردة ، أو الحارة اليابسة أكثر مما يكون في الاقاليم المخالفة
لذلك ، وسببه ان في الاقطار المذكورة والفصول الشبيهة بها تكون الامراض الالتهابية
كثيرة شديدة .
ومنها حالة الجو:
فقد يكون الفصد نافعا وضارا في مرض واحد وما ذلك الا من حالة الجو فقد شاهد الطبيب
اسستول في زمن كثرة حصول الامراض الصفراوية في وينيا قاعدة مملكة الوتريش المعروفين
بالنميسا ولم تنجح فيها لاالمقيئات ، ثم شاهد وقوع الامراض المذكورة في زمن آخر ولم
ينجح فيها الا الاستفراغات الدموية التي كاتت مضرة في المشاهدة الاولى ، ولكن الى
الان ما وصل الاطباء الى معرفة طبيعة
الاحوال الجوية الممرضة ولا الى كيفية تأثيرها في تنويع الامراض التي تعتري الناس
ولا الى ما يؤديهم من اول وهلة الى معرفة طريقة العلاج الموافقة للامراض الحاصلة عن
تللك الاحوال ولم يصلوا الى ذلك الا بالتجربة .
اعلم ان طبيعة المرض له ادخل عظيم في استعمال الفصد واعظم منافعه يكون في الالتهاب
ويكون علاجيا وقد يكون استقصائيا في الامراض المشكوك في طبيعتها ان دعت لذلك حالة
المريض وقواه ، فاذا فصد المريض وكان على
جلطة الدم قشرة التهابية عرفنا أن المرض التهاب وهذا مما يؤيد قول ابقراط ان
المعالجة قد تعرفنا طبيعة المرض.
احسن الفصد ما كان في زمن ابتدأ الالتهاب ويكرر ان استمر او رجع بعد زواله لان به
يقف سيره ويتحلل ، ومن منافعه تدارك الغرغرينا التى قد تحصل من اختناق الاعضاء
المريضة او منع سراينها اذا حصلت ، ومتى حصل تحليل او بحران اوغرغرينا أولية اي
ذاتية او تقيح او صار الالتهاب مزمنا فلا يفصد العليل وان كان قد فصد لا يكرر.
قد يستعمل الفصد وقاية من الامراض كالفصد قبل بعض اعمال جراحية لئلا يعقبها التهاب
، لكن لا ينبغي استعمال الفصد المذكور الا اذا لزمه الامر كانقطاع نزيف اعتيد عليه
وحصل من انقطاعه هبوط واسترخاء عامان ، او كان المفصود به ايقاف اوائل السكتة او
النفث الدموي او غير ذلك ، ومتى لم يدع اليه داع كان ضررا ولو لم يكن منها الا
حرمان البنية من الدم الذى تتنبه به وتضعف يفقده لكفى .
غاية الفصد في معالجة اغلب الامراض شفاؤها ، وقد يكون مخمدا فقط ، تسكن به ان كان
خفيفا شدة اعراض الالتهاب المصاحب لامراض معضلة كالسل لانه حينئذ غير كاف في شفائه
ومثل ذلك اغلب انواع الادوينما وامراض اخر.
من اهم الاشياء للحكم بالفصد او عدمه معرفة حال الوظائف والاعضاء المتممة
لها لكن قبل الفصد ينبغي ان تكون حالة النبض معلومة للطبيب ليقدم عليه
عند ظهورها ومتى كان عارفا يعلم ان
النبض العريض القوي الصلب يستدعي
لزوم الفصد لكن قد يكون النبض في المسنين كذلك لكثافة غلف الشرايين
في سن الشيخوخة فحينئذ يلزم أن يوجد زيادة على ذلك سرعة النبض وتواتره
لكي يعرف لزوم الفصد، ويعلم ان النبض الضعيف الصغير والصغير المتهزهز المسمى
بالنبض العصبي يدل على كمون القوى ويستدعي فصدا غزيرا وان بعد
الفصدالمذكور يتغير حالة النبض ويرجع بالتدرج لحالته الطبيعية، ومعرفة حالة
النبض تكون ضرورية لمعرفة لزوم الفصـد تكون ضرورية ايضا
لمعرفة وقت حبس سيلان الدم بعد الفصد وبها ايضا يعرفان كان يلزم تكرار
الفصد ام لا ، وينبغي ان يكون عارفا بحالة التنفس لان معرفة
حالة النبض وان كانت تكفي في الغالب في لزوم الفصد وعدمه الا ان التنفس
والاستحرار والافراز قد ينفع ذلك ايضا فيعلم ايضا ان تواتر النفس او تعسره
وخروج الهواء حار من الصدر والعطش الشديد وجفاف الفم وحرارة الجلد
حرارة جافة شديدة لذاعة واحتقان المجموع الشعري للجلد لاسيما الوجـه
وجفاف الاغشية المخاطية وتناقص البول
واحمراره وزيادة كثافته تؤذن
بلزوم الفصد لان به يخرج جزء من الدم كان مخرجا للتنبيه العام عن حده
الطبيعي
، ومجموع هذه الاعراض
هو المعبر عنها
بالحمى الالتهابية .
من المعلوم ان الفصد يوقف سير الالتهاب ويقصر مدته لكن شرط حصول النتيجة أن يكون
الفصد فى ابتداء الالتهاب وان يكوان مقدار الدم الخارج وافر أو ان يكرر مرات لتستمر
نتايجه ويحصل التحليل لانه من المجرب ان الطبيب اذا عمل بهذه الشروط يحصل على يده
الشفاء من الله تعالى ولا يموت من يعالجه من المصابين بالالتهاب الحاد الا العشر
بعون الله تعالى.
قد يعرفنا الفصد الاعضاء المريضة وطبيعة مرضها كالضمور الذى يحصل في القلب من الفصد
بعد ان كان غليظا غلظا مفرطا ناشئا عن افراط الامتلاء وكما اذا غمست خرقة في مصل
الدم واخرجت منه صفراء فانه يعلم بذلك اصابة الكبد .
متى تأمل الطبيب النتايج التى تعقب الفصد كالتنوعات التى تحصل عنه اما بالنسبة لما
في العضو المريض من الخلل واما بالنسبة للنبض او البنية كلها يمكنه الحكم بسلامة
المريض وعدمها ، وقد يكون النظر في الدم مفيدا لذلك الحكم ايضا كما اذا دام تكوين
القشرة على الجلطة الدمويه ولم تتغير كثافتها ولا ثخنتها ، لان الطبيب اذا رأى ذلك
علم ان الالتهاب لم ينقص بخلاف ما اذا رجع الدم لحالته الطبيعية فانه يستدل به على
نقصان شدة المرض وقرب حصول النقاهة ، وان كان مقدار مصل الدم غزيرا كان دليلا على
ان مدة النقاهة تطول ، فعلى الطبيب ان يقيت المريض بالغذاء الايق ، وان رأى الدم
مائعا و اوصافه متغيرة جدا بحيث لا يفرق بينه وبين سائل آخر يعلم ان انذار العليل
خطر وعاقبته غير حميدة.
اذا حكم الطبيب بلزوم الفصد ينبغي ان لا يفصد الا بعد ان يتأمل ويعرف ماهو الاليق
بالمرض ان كان الفصد العام أو الموضعي ،وبما ذكرناه في الكلام على المقابلة بين
هذين النوعين يعرف ذلك ، لانه ان كان العليل قوى البنية والمرض في ابتدائه واعراض
الالتهاب شديدة والعامة واضحة والحمى قوية يكون الفصد العام حسن ، لكن قد تفصد
الذراع اذا حصل التهاب في عضو من اعضاء الصدر او البطن وان كان الالتهاب فى الراس
يفصد من الوداج او من القدم او من الشريان الصدغي، لكن فصد الوداج لا يختص بما ذكر
بل يستعمل ايضا فيما اذا كان في القلب مرض
مانع من دخول الدم فيه وهذا هو المسمى في لسان الطب
بالنبض الوريدي ، لان اندفاع الدم نحو المخ واجتماعه ووقوفه فيه يحصل منها
اخطار عظية لكن الفصد حينئذ يكون مخمدا لاحاسما ، فان كان المصاب نحيفا جدا وكان
الالتهاب غير حاد ولم يسر من العضو المريض لغيره ولم يؤثر في بقية الجسم يكون الفصد
الموضعي هو الاحسن.
اعلم أنه لا ينبغي الحكم بتكرار الفصد ولا بعدمه الا بعد الفصد الاول وحينئذ على
الطبيب ان ينظر في اعراض الالتهاب بان يتأمل في الدم المستفرغ فان
لم يكن فيه
مصل
بل كان كالجلطة وتغطى بقشرة ليفية سميكة كان ذلك دليلا على بقاء اعراض
الالتهاب وحينئذ يكون تكرار الفصد لازما لكن لا ينبغي الاخذ بكلام الاطباء في تكرار
الفصد الى ان لا تتكون عليه كثافة بل يستدل بوجود المصل وعدمه فان رأى فيه مصلاً
كثيرا كان غير محتاج للتكرار المذكور وان
لم يره يجزم بالتكرار وانما نبهنا على عدم الاخذ بقول الاطباء مطلقا لان في بعض
الالتهابات كالتهاب المفاصل اوالصفاق الرئوي قد وجد القشرة المذكورة مع ان الالتهاب
يكون قد نقص وصار غير محتاج للفصد ، واعلم ان المصل المذكور لا يكثر في الدم غالبا
الا بعد الفصد الثالث والرابع كانه يرى الطبيب عدم لزوم الفصد.
اعلم انه لا يمكن تعيين المقدار الذى يلزم استفراغه في كل فصد لانه يختلف بحسب قوى
المرضى وامزجتها وبحسب طبايع الامراض وثقلها وخفتها ، لكن ينبغي ان يكون اول فصد
غزيرا لاجل ازالة افراط الدم في العضو المريض ولاجل عدم رجوعه من رد الفعل ، لكن
العادة في اغلب الامراض ان لا يكون مقدار الدم المستفرغ فى الفصد الواحد اقل من رطل
ولا أكثر من رطل ونصف وأعني بالرطل الرطل الافرنجي وهو ست عشرة اوقية.
مجاوزة الحد اللايق في اغلب الاشياء مضرة لا سيما فى الفصد لانه يضعف القوة اللازمة
لتحليل الالتهاب وازالته ويعلم الحد اللايق مماذكرناه في نتايج الفصد.
اعلم ان الفصد جمله موانع وهي انقاع لون المريض او ضعف نبضه واسترخاؤه والاستعداد
للاغماء او ايلولة الالتهاب الى التقيح او التيبس او الازمان لاسيما في النحفاء
المهزولين لان الفصد اذ ذاك مما يسرع في سير المرض سيرا رديئا.
تنبيه
اذا فصد مريض وظهرت للفصد عوارض رديئة فاياك ان تفصده ثانية لانه من النادر ان يكون
الفصد الثاني نافعا ، ومتى كان الدم قليل الإحمرار مايعا كان الفصد مضرا، ولا ينبغي
الفصد في اثناء الهضم ان لم يوجب للاسراع .
Contents
الباب الاول : الاستفراغات الدموية
الفصل الاول: تعريف الفصد من حيث هو وتعريف الاجزاء التي تفصد
الفصل الثاني فيما يلزم للفصد ( أدوات الفصد )
الفصل الرابع في الفصد من قبضة اليد
الفصل الخامس في الفصد من القدم
الفصل السابع في فصد الجبهة وزاوية العين وتحت اللسان
الفصل الثامن في فصد القضيب ومحال أخرى
الفصل العاشر في فصد الشريان الصدغي
الفصل الحادي عشر في البزغ والتشريط :
الفصل الثاني في الفصد العام الواريدى وفيه مباحث
الفصل الثالث في الفصد الموضعي وفيه مباحث:
المبحث الاول في النتائج التى تحصل من ارسال
العلق
المبحث الثانى في تشريط الوريدات وشقها
الفصل الرابع في مقابله نتائج الفصد العام بنتائج الفصد الموضعي
الفصل الخامس في الاعتبارات العامة على استعمال الفصد
المبحث الاول في الاعتبارات الفيسلوجية :
الفصل الثاني في الاعتبارات العامة المؤسسة على المعارف
المتحصلة من طبيعة المرض وأعراضه وسيره وانذاره وفيه مباحث
المبحث الثاني في معرفة الوقت الذى يجب فيه
الفصد بالنسبة لمدة المرض
المبحث الرابع في الفصد المخمد:
المبحث الخامس في الفصد بالنسبة لاعراض المرض:
المبحث السادس في الفصد بالنسبة لسير الاعراض
ومدتها
المبحث السابع في الفصد بالنسبة للتشخيص
المبحث الثامن في الفصد بالنسبة للانذار
المبحث التاسع في انتخاب مايليق للمرض من كيفيات
استفراغ الدم التي ذكرناها
المبحث الحادي عشر في مقدار ما يستفرغ من الدم
بالفصد
المبحث الثاني عشر في الافراط في الفصد
المبحث الثالث عشر في موانعا لفصد
نقلاً موقع الطب الشعبي
الرجوع للصفحة الرئيسية